سيف الوهيبي
يسرد الكاتب ياسر محمد أبو نقطة بمقاله المنشور بمجلة التفاهم بعنوان "العمريات، أقدم مساجد صدر الإسلام" حيث يتحدث فيه عن فن العمارة القديم بمدن جنوب سوريا، التي تزدان بأعرق وأقدم المساجد، بألوانها الطبيعية الزاهية، صامدة تحكي قصص الأجداد. وتتميز مساجد الشام بأبنية حجرية من البازلت القاسي، مع قناطر وأقواس وقبب حجرية، وأفنية مكشوفة بعضها مسقوف بالقرميد الأحمر. وقد توالت على هذه المساجد العديد من الترميمات والإصلاحات على مر العصور المختلفة، حيث تحولت من أبنية وثنية إلى كنائس ومن كنائس إلى مساجد، والعكس صحيح ذلك حسب الديانة التي كانت سائدة في ذلك العصر، وأقدمها في العصر الإسلامي يعود للخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عند زيارته للشام في عصر انتشار آلهة الرومان وتقع في أربع مدن رئيسية هي: درعا، وبصرى الشام، وازرع، وصلخد. وسميت مساجد جنوب سوريا بالعُمريات نسبة للخليفة الفاروق، رغم أن انتشار أغلبها كان في العصر المملوكي والعثماني، وتتكون هذه المساجد عادة من: الحرم، والصحن، والمئذنة.
جامع درعا
مرَّ جامع درعا أو الجامع العُمري بعديد من التحولات والتقلبات منذ بنائه بالعصر الروماني حتى يومنا هذا، وبعيداً عما يحدث بها اليوم من دمار سببته الأزمة السورية منذ اندلاعها في عام 2011، إلا أن الأنباء حوله ليست مؤكدة، حيث يعتبر هذا الجامع واحدا من أعرق وأقدم المساجد في العالم الإسلامي، حيث تشير أغلب الدلائل على أن بناءه كان في العصر الروماني، حيث كان معبداً وثنياً، ثم تحول إلى كنيسة مسيحية في القرن الرابع عشر في العصر البيزنطي. ويتكون هذا الجامع من الحجارة المنحوتة التي جُمعت من المنطقة المحيطة به، ويعود أول ترميم للمسجد إبان حكم الأمير الناصر عثمان بن علي الكتكي، على يد السلطان الناصر يوسف محمد غازي، وذلك سنة إحدى وخمسين وستمائة، مثلما ذكر في النص الكتابي الموجود على حجر وسط الرواق الشرقي لصحن الجامع في القرن السابع الهجري، ويتألف المسجد من قسمين رئيسين هما الحرم والصحن والمئذنة، ولا يزال جامع درعا الواقع بوسط المدينة يعج بالمصلين والزائرين من مختلف أنحاء المدينة، وخاصة يوم الجمعة.
جامع بصرى الشام
أحد المساجد العُمرية، بُني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ويعرف أيضاً بجامع العروس، يقع الجامع في منطقة أثرية مهمة على بعد مسافة قصيرة من صروح متعددة لعصور مختلفة أبرزها: حمام منجيك المملوكي، ودير الراهب بحيرا من الفترة البيزنطية، المسرح الفني والسوق المركزي في العصر الروماني. يتكون المسجد من أروِقة من كافة الاتجاهات، يشرف على مصطبة مركزية مرتفعة مع وجود سقف هرمي، وترفع كتلة السقف أعمدة رشيقة، حيث ينتمي إلى المساجد ذات المخطط الهندسي ذي الأروقة ذات الساحة المكشوفة. تُشير معظم الدراسات إلى أن المسجد بني فوق أنقاض معبد وثني قديم، وقد طرأت عليه تجديدات وترميمات في عهود مختلفة، منها التوسعة بأمر من يزيد الثاني عام 101هـ، ثم في عهد الخليفة مروان الثاني عام 127هـ، وفيه أمر بترميم وصيانة الجامع. وعديدة المراحل التي شهد فيها الجامع تعديلات في عهود وعقود مختلفة، مما يجعله واحدا من أهم وأعرق المساجد في العالم الإسلامي.
مسجد صلخد الكبير
تعد مدينة صلخد واحدة من أهم المدن التاريخية الواقعة في جنوب محافظة السويداء في سوريا، ومن أهميتها اكتسب هذا المسجد مكانته بعدها ، حيث بُني في العهد الأيوبي سنة 630هـ، في عهد حاكم صلخد عز الدين أبيك المعظم، وقد شهد المسجد توسعات وتعديلات في فترات زمنية مختلفة ليصبح جامعاً عاماً كما حدث لجامع بصرى المعاصر له، ويعود السبب في ذلك على ما يبدو إلى محاولة اِستيعاب النمو السكاني المتزايد في المنطقة، ويتميز المسجد بمئذنته الشهيرة المبنية على قاعدة حجرية سداسية الأضلاع، حيث لا يوجد شبيهاً لها تقريبا في العالم الإسلامي، وقد زُينت المئذنة بشريط كتابي على الوجوه الستة من قاعدة المئذنة نُفذ فوق حجارة من الرخام الأبيض بالخط النسخي الأيوبي، بُدأ فيه بالبسملة: (بسم الله الرحمن الرحيم" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" صدق الله العظيم)، ثم ذكر اسم باني المئذنة عز الدين أبيك، إلا أن المسجد تعرض للتدمير بعد الخراب الذي حصل فيه زمن المغول، وقد تم ترميمه بعد ذلك في عهد الملك الظاهر بيبرس عام 658هـ.
جامع أزرع
يتوسط الجامع مدينة أزرع وتحيط به الكنائس والبيوت الجميلة من كل الجهات، ويعتبر واحدا من أربعة مساجد تحمل اسم الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وقد تعرض المسجد للتخريب والتجديد في فترات زمنية متقطعة على مر التاريخ، فقد كان المسجد يتألف من ستة أجنحة وقت بنائه، في حين لم يبق منها قائماً إلا الجناحان الجنوبيان، وتبلغ مساحته تقريبا 1551 م2، مسقوف بألواح من الحجر البازلتي المتوفر بكثرة في تلك الفترة، ويتألف من الصحن الواقع في القسم الشمالي من البناء. فناؤه مكشوف على الطراز المعماري الإسلامي القديم في دمشق، صحن الجامع يحوي آثاراً تشير للعصر البيزنطي، وهو ما يظهر في الزخارف الفنية، منها حجر على شكل تاج في الجانب الجنوبي، وشكل صدفي في الجانب الشرقي، وكذلك تضم الجهة الشمالية من الصحن وردة كبيرة مع أوراق وشريطتين نصف دائريتين من الأشكال الهندسية، وهي أشكال توجد في الأديِرة والكنائس آنذاك، أما مئذنة الجامع فلم يبق منها شي يدل على شكلها القديم، ولكن يعتقد بأنها في الزاوية الشمالية الغربية من الصحن، حيث يذكر بعض الأشخاص من أبناء المنطقة أنها مربعة الشكل من الأسفل، بها عدد من النوافذ والفتحات، وفيها ممرات عند قاعدتها، مبنية بكاملها من الحجر، تم نهبها بعد خرابها وسرقت الحجارة، يمر مكانها طريق حديث، ويقال بأنه الطريق الموصول لكنيسة مارجوجيوس؛ فقد كان مرصوفا بالحجر نفسه.
الشام
تبصر لها القادة المسلمون مبكراً، فغدت مركزا إسلامياً مهماً، يتضح ذلك جلياً من خلال الآثار الآنِف ذكرها، وهنالك الكثير مما لا يسعفنا ذكره خارج إطار هذا المقال، فالمساجد المتفرقة تُعد مدناً رئيسية اليوم مثل: درعا، بصرى الشام، صلخد، ازرع، التي تعود تسمية أربعة منها للفاروق عمر –رضي الله عنه- ومساجد أخرى كثيرة بعضها سمي باسمه تعود للعصر المملوكي والعثماني؛ لهو فن قائم بحد ذاته أنجزته يد الأجداد على فترات متفرقة من الزمن، وقد مرت هذه المساجد بفترات من التجديد والبناء والهدم، كل عصر حسب خلفياته السياسية والدينية، ولو تبصر المسلمون اليوم؛ لوجدوا تاريخاً ملي بالدماء بعد الازدهار، والفناء بعد القوة، ورغم ذلك فهم صم بكم عمي، وما يحدث في سوريا اليوم لهو دليل واضح وفاضح؛ فليراجع العقلاء تاريخهم السالف، فهو درس لكل من ألقى السمع وهو شهيد، من ثم الانطلاق في العالم الرحِب اليوم بما يحمله من تقدم وتطور لم يشهد له مثيل في القرون الماضية.
