سيادة القانون وفصل السلطات

سلطان المكتومي

دائما في الأوساط العربية تسمع الكثير من المبادئ التي يطالب بها الجماهير؛ مثل الحرية، والمساواة، وحق العيش الكريم، وتجد مطالبات أيضا لفصل السلطات ومبدأ سيادة القانون. فما هو مبدأ سيادة القانون؟ ومبدأ فصل السلطات؟.. سيادة القانون يأتي على إثرها مبدأ فصل السلطات، فهما مصطلحان لا يفترقان. وقد كتب الكاتب فايز محمد حسين -في مجلة "التفاهم"- مقالا حمل عنوان "فلسفة القانون وسيادة القانون في الدول الحديثة"، وقد شرح هذه المبادئ القيمة التي تطبقها الدول الحديثة.

سيادة القانون.. مبدأ عام من المبادئ القانونية الأساسية في جميع الشرائع القانونية، بغض النظر عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية والدينية التي تحكم النظام القانوني للدولة. وهو أن الفرد والدولة يحتكمان فيما بينهما بالقانون ويكون للفرد حماية من بطش الدولة إذا كانت مستبدة؛ فالدولة هي الأقوى إذا قارنا بينهما، سيادة القانون مبدأ نبيل يحمي حقوق الأفراد وحرياتهم.

تطبيق هذا المبدأ يكون بفصل سلطات الدولة، وتحديد مهام كل واحدة منها. فلا ينبغي مثلا من السلطة التشريعية التي تعين الحكام ومحاسبتهم، وسن القوانين وحسم قضايا الحرب والسلام أن تدير أمور الدولة اليومية؛ مثل: الرقابة العامة على الأسواق، والتعليم...إلخ؛ فهي ليست من اختصاصها، وإنما من اختصاص السلطة التنفيذية.

 

أسس سيادة القانون

- أولا: مبدأ سيادة القانون والتنظيم السياسي:

تحتاج منظومة تحقيق العدالة إلى كفالة احترام مبدأ سيادة القانون، وكفالة حق التقاضي، والتزام الدولة بتوفير الوسائل الفعالة لتمكين تمتع الأفراد غير القادرين، إضافة إلى القادرين، من اللجوء إلى القضاء لطلب الحماية القضائية إذا تم الاعتداء على حقوقهم.

عرَّف الكاتب سيادة القانون بسيادة أحكام القانون في الدولة؛ بحيث تسمو أحكام القانون وقواعده على كل الإرادات في الدولة (إرادة الحكام والمحكومين). ويتكون مبدأ سيادة القانون من شقين؛ هما: الشق الموضوعي، ويشير إلى أن كل ما يصدر من السلطات في الدولة يجب أن يكون متفقا مع القواعد النافذة في الدولة. والشق الثاني: شق شكلي، ويشير إلى ضرورة احترام مبدأ تدرج القواعد القانونية؛ بحيث أن القاعدة الأدنى يجب أن تكون متفقة مع القاعدة الأعلى وهكذا، بمعنى أن يحترم كل نص قانوني النصوص الأقوى منه، فالقواعد القانونية يجب أن تحترم القواعد الدستورية.

- ثانيا: مبدأ سيادة القانون من التراث القانوني العالمي

إنَّ مبدأ سيادة القانون مبدأ عام؛ لذا لا ينبغي اعتباره من خصوصيات الفلسفة القانونية والسياسية الفردية، التي تجعل حقوق الأفراد وحرياتهم أساسا للنظام السياسي والقانوني في الدولة؛ فالمبدأ ليس وقفا على دولة المذهب الفردي وحدها، بالعكس إنه مبدأ عام ينطبق حكمه باستمرار، ويجب العمل به في كل مجتمع، وفي مواجهة كل سلطة بغض النظر عن الفلسفة الاجتماعية للتنظيم السياسي القائم، ومرجع ذلك هو أن القانون ينشأ تلقائيا مع نشأة الحياة ذاتها، ويعيش في ضمير المجتمع، ويتطور بتطور هذا المجتمع ليتسع دائما لكل المتغيرات التي تطرأ على معنى العدل والصالح العام، وتبقى السلطة العامة محكومة به، إلا إذا أرادت لنفسها أن تنحدر إلى التعسف والاستغلال. وقد أيد الكاتب وجهة النظر التي ترى أن مبدأ سيادة القانون يتجاوز حدود الدول المختلفة، وهذا المفهوم الذي تبنته اللجنة الدولية في مؤتمر دلهي في يناير عام 1959م؛ إذ عرفته: "مجموعة المبادئ والنظم والإجراءات التي إن تتطابق فإنها تتشابه، والتي أظهرت التجربة والتقاليد القانونية في دول العالم المختلفة -سواء من حيث التركيب السياسي أو الأساس الاقتصادي- أنها مهمة لحماية الفرد من الحكومة المستبدة، والتي تعينه على أن يتمتع بكرامة الإنسان".

 

- ثالثا: تطور مضمون مبدأ سيادة القانون ومصادره

مع التقدُّم الهائل للفكر العالمي تطور مبدأ سيادة القانون، ويتمثل هذا التطور من التحول من المشروعية الفردية إلى المشروعية الموضوعية الاجتماعية.

وتنقسمُ مصادر القانون إلى مصادر مكتوبة؛ هي: الدستور والقانون واللوائح، ومصادر غير مكتوبة كالعرف والمبادئ العامة للقانون. ويتطلب إعمال مبدأ سيادة القانون الخضوع لأحكام القانون بالمعنى الواسع؛ أي الخضوع لكافة القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني؛ وذلك بغض النظر عن مصدر هذه القواعد أو مركزها في هرم تدرج القواعد القانونية.

وقد ميز الكاتب بين المشروعية الفردية الشكلية، وبين المشروعية الموضوعية والمشروعية المذهبية، فإذا كان أساس إلزامية القانون وأساس المشروعية هو أساس شخصي ويعتمد على الإرادة الفردية، فإننا نكون أمام مشروعية فردية شكلية، ومن المسلم به أن مبدأ المشروعية في صورة الشكلية الفردية كان من نتاج المذهب الحر والفلسفة الفردية، وبعد الثورة الفرنسية أصبح هذا المبدأ يشغل أذهان وكتابات الفقهاء؛ إلا أنه قد ظهرت عدة عوامل كانت السبب في تحول الفكر عن صورة المشروعية الفردية الشكلية إلى صور أخرى جديدة للمشروعية، ألا وهي المشروعية الموضوعية والمشروعية المذهبية؛ حيث إن سيادة القانون قد اتجهت مع اضمحلال الشكلية القانونية التي كانت تنميها الوضعية القانونية نحو الموضوعية بدلا من الشكلية -التي كانت تحدد القيمة والقوة القانونية للنص القانوني على أساس شكلي، يتمثل في مكانة الجهة التي أصدرته ووضعها في البناء القانوني للدولة، بغض النظر عن موضوع النص وفحواه.

 

سيادة القانون وتاريخ فلسفة القانون

يرى أرسطو أن السلطة تنبع من الجماعات؛ لذا فالسلطة تكون للقانون، ليس للحاكم وهذه في نظري إشارة رائعة وتختصر المبدأ كاملا. ويرى أرسطو أيضا سيادة القانون ليس مجرد ضرورة ؛ بل هي شرط لصلاحية النظام.

اختلف الشراح حول وجود مبدأ سيادة القانون في العصور القديمة، وانقسموا بصدد هذا إلى رأيين على النحو التالي: الرأي الأول: وجود مبدأ سيادة القانون في العالم القديم: رأى بعضهم أن مبدأ سيادة القانون مبدأ قديم يرجع إلى ما قبل ظهور دولة المذهب الفردي بكثير، إنه يرجع في الماضي إلى اللحظة التي يشعر بها الإنسان أن الحماية الحقيقية والجدية لحقوقه وحرياته ترتكز على ما يقدمه القانون.

الرأي الثاني: لا وجود لسيادة القانون في العالم القديم؛ ولكن هناك من يرى أن العصور القديمة لم تعرف سيادة القانون؛ حيث إنها لم تعرف فكرة إخضاع الحاكم لقواعد تسمو عليه، أو وضع القيود على سلطاته.

وأخيرا.. كل المبادئ التي نادى بها البشر عبر الأزمنة من حرية، وديمقراطية، وعيش كريم...إلخ مرتبطة ارتباطا كبيرا بمبدأ سيادة القانون، ويجب أن يأتي على إثرها فصل سلطات الدولة وتحديد مهام كل منها. ولكن هنالك فخ يقع فيه الناس مع وجود سيادة القانون في الدولة وهي المواد الفضفاضة وعمومية النص القانوني؛ فهذه النقطة الحساسة ممكن من خلالها سلب حقوق الناس، وتقييد حرياتهم، لذا يجب على كل دولة تطبق سيادة القانون أن تأخذ بتفاصيل التطبيق.

أخبار ذات صلة