النظام الدولي والمجتمع الإسلامي: علاقات وتطورات

سلطان المكتومي

منذ عهد بعيد كان المجتمع الإسلامي لديه قواعد تحكم علاقاته واتصالاته بالأمم والدول الأخرى، مستوحاة أساسا من الشريعة الإسلامية بمختلف مصادرها ومواردها، أو من المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها الدول الإسلامية مع غيرها من الدول. وقد أشار الكاتب أحمد أبو الوفا في مقاله "دار الإسلام والنظام الدولي ومنظمة التعاون (المؤتمر) الإسلامي" على صفحات مجلة "التفاهم" مجموعة قواعد وسلوكيات تحكم المجتمع الإسلامي في تعامله مع النظام الدولي، وكلاهما كان يسير في المزيد من التطورات والعلاقات تبعا لتطور الأحوال الداخلية ومتغيرات البيئة الدولية. والواقع أن بيان الشريعة الإسلامية لقواعد المعاملات الدولية ليس بالأمر الغريب عليها؛ ذلك أن الإسلام جاء تبيانا لكل شيء: ديني وتعاملي (دنيوي). من ذلك قوله تعالى :( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) النساء:105.

وقد تناول الكاتب نقطتين رئيسيتين وهما دار الإسلام والنظام الدولي.

وبالإشارة هنا إلى دار الإسلام في إطار النظام الدولي، مع إشارة إلى منظمة التعاون الإسلامي.

(أ)دار الإسلام:

فقهاء المسلمين أطلقوا اصطلاحا وهو دار الإسلام ليشمل الأقاليم التي تسري عليها أحكام الإسلام؛ أي تلك التي تطبق فيها شريعته ويأمن من يقطنها _ من المسلمين ومستأنسين وذميين- بأمان الإسلام . ومعنى ذلك _في رأي الكاتب _ أن دار الإسلام تتميز بأربعة عناصر:

1-عنصر مكاني: وجود قطعة من الأرض أو إقليم معين.

2. عنصر تنفيذي: وجود حكام ينفذون قواعد شريعة الإسلام.

3. عنصر قاعدي: سريان الأحكام الإسلامية في الإقليم المذكور.

4. عنصر بشري: أن يكون سكانه من المسلمين أو الذين يقيمون معهم بأمان مؤقت أو دائم.

وقد اشترط أبو حنيفة في الدار لكي تكون دار إسلام بعض الشروط :

  1. ظهور الأحكام الإسلامية فيها، بأن يكون القانون المطبق هو الشريعة الإسلامية.
  2. أن تكون متاخمة لديار المسلمين، فإذا كانت متاخمة لديار غير المسلمين فهي دار حرب؛ لأنها بهذا الاتصال الجغرافي تكون ممنوعة على المسلمين.
  3. أن يأمن سكانها_ من المسلمين ومستأمنين وذميين _ بأمان المسلمين

 

إن دار الإسلام ودار الحرب التقسيم الأكثر ذيوعا بين فقهاء وعلماء المسلمين، ومع ذلك ظهرت عدة دور أخرى لها مسميات مختلفة عنهما ومن أهمها:

1.دار العهد أو الصلح:

وهي الأقاليم التي ترتبط مع المسلمين بمعاهدة سلام وقد قررها الفقه الشافعي طريقة الفقه الشافعي.

2.دار الكفر:

وهنالك اتجاه في الفقه الإسلامي من الدور وهي دار الكفر بمعنى لا دار إسلام ولا هي دار حرب، وإنما تسمى دار كفر، وقد جاء ذلك في كتاب (السيل الجرار)

3.دار الردة :

وهي الأقاليم التي يرتد أهلها عن الإسلام، وأطلقوا عليها اسم (دار الردة) . وفيما يتعلق بها يقرر الماوردي أنها تخالف دار الحرب من أربعة وجوه :

أحدها أنه لا يجوز أن يهادنوا على المواعدة في ديارهم، ويجوز أن يهادن أهل الحرب.

والثاني أنه لا يجوز أن يصالحوا على مال يقررون به على ردتهم.

4.دار الاسترداد:

هنالك مصطلح (دار الاسترداد) والذي يطلق على ما يفقده المسلمون من بلادهم باستيلاء الكفار عليها، وليشعرهم بالواجب تجاهها (كما هو الحال في الأندلس، وفلسطين وغيرها).

(ب) النظام الدولي:

وضعت الشريعة الإسلامية قواعد يجب أن تراعيها في تعاملاتها مع الدول الأخرى. وقد نصت الآية الكريمة على هذا؛ يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13

ونستنتج من الآية الكريمة عدة أمور في إطار العلاقات الدولية:

  1. عدم علو شعب على شعب.
  2. عدم انغلاق شعب على نفسه.
  3. ضرورة إقامة ما يؤدي إلى التعارف؛ كتبادل الممثلين الدبلوماسيين أو القناصلة، وإبرام المعاهدات الدولية إلخ.
  4. حظر كل ما يترتب عليه عدم التعارف (مثل انغلاق الدولة أو الفرد أو الجماعة على نفسها)
  5. المساواة بين البشر، والدول، بحيث لايكون التفضيل إلا لمعيار التقوى والعمل الصالح.

 يقرر الإسلام العديد من المبادئ التي يجب مراعاتها في إطار العلاقات الدولية المعاصرة، وبما يحقق استقرار النظام الدولي، منها:

1.مبدأ المجازاة أو المعاملة بالمثل:

مبدأ المعاملة بالمثل أكده الإسلام في آية صريحة؛ يقول تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )النحل 126

2.مبدأ حظر الدبلوماسية السرية وممارستها في العلن:

تنص المادة 102 لميثاق الأمم المتحدة على تسجيل كل اتفاق دولي، وأن أي اتفاق يتم تسجيله لا يجوز التمسك به أمام أي من أجهزة المنظمة. ومن فضائل الشريعة الإسلامية أنها تحظر كل دبلوماسية سرية يكون الغرض منها ارتكاب العدوان أو الإفساد في الأرض يدل على ذلك قوله تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)المجادلة :8-10

ويؤكد ذلك أيضًا قوله تعالى:(وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ(الأنعام :120

3.مبدأ حسن النية وعدم خيانة الطرف الآخر.

4.مبدأ التعاون الدولي: ظهر هذا المبدأ في السنوات الأخيرة بحكم التغيرات الكبيرة على العالم، وتم التأكيد عليه في مواضع كثيرة: محاربة تلوث البيئة، وتسليم المجرمين، والتنمية الاقتصادية، واستغلال ثروات البحار ..إلخ

5.مبدأ احترام القواعد الإسلامية العليا: توجد في الشريعة الإسلامية قواعد لا يمكن الخروج عليها (تعادل ما هو معروف في القانون الدولي المعاصر تحت اسم الآمرة Jus cogens ومقتضى تلك القواعد هو عدم إمكانية التفاوض على أمور تخالفها ) ومن أهم تلك القواعد _في الإسلام_ قوله صلى الله عليه وسلم :( من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فهو باطل وإن كان مائة شرط).

وأخيرًا .....المجتمع الإسلامي أو الدول الإسلامية لها قواعد وسلوكيات تجاه النظام الدولي وقد حثَّ الإسلام في كثير من النصوص على المعاملة مع الغير للمزيد من الاستقرار، وقد انتهجت الدول الإسلامية كثيرا من المبادئ التي تم ذكرها في المقال.

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة