التأثير الإسلامي في شرق إفريقيا

سلطان المكتومي

إنَّ بداية العلاقات الإفريقية مع المسلمين كانت في القرن السابع الميلادي التي من خلالها بدأت الهجرات إلى شرق إفريقيا؛ بسبب عدة عوامل مؤثرة؛ كان أساسها ظهور الإسلام في جزيرة العرب، وهروب المسلمين الجدد من الاضطهاد الداخلي من قبائل قريش بمكة المكرمة، والاتجاه إلى الحبشة (إثيوبيا)؛ مما خلق نوعا آخر من الاحتكاك العربي الإسلامي، وعزز مكانة العرب المسلمين في تلك المنطقة؛ لذلك يعد الإسلام بداية لصفحة جديدة من تاريخ العلاقات بين العرب والحبشة (إثيوبيا) في شرق إفريقيا. كما أن التوجه بالهجرة إلى الحبشة لم يكن عشوائيا؛ وإنما كان ثمرة للعلاقات التجارية السابقة بين تجارة قريش والحبشة، وقد كتب الكاتب موسى بن خميس البوسعيدي على صفحات مجلة "التفاهم" مقال "تأسيس المدن الإسلامية في شرق إفريقيا"؛ ليؤكد الدور البارز للمسلمين في تأسيس المدن وازدهارها في إفريقيا، وكيف أن العُمانيين كان لهم دور كبير في نشر الإسلام، وتطور المدن الإفريقية على سواعدهم من خلال التجارة، ومن بعدها العلاقات الاجتماعية بينهم.

انتشر خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الحبشة عن طريق التجار وقيامه -صلى الله عليه وسلم- في سنة 614م، بإرسال وفد إلى الحبشة، واستغرقت رحلة هذا الوفد حوالي أربعة أشهر مكث منها الوفد فترة كافية بالحبشة، ثم عاد إلى مكة، وتحسس لأصابه: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه". فتمت هجرة المسلمين عن طريق مركبين في البحر الأحمر، نقلاهم إلى الحبشة في العام نفسه وكان عددهم 132 نفرا. حدثت الالتحامات الفكرية والعقدية بين المسلمين، وبين من قدموا من مكة من غير المسلمين وكان هذا أمام النجاشي، بقصد محاولة الوقيعة بينهم وبين النجاشي، إلا أن العرض الذي قام به جعفر بن أبي طالب لقضية الإسلام أقنع النجاشي بموقف الإسلام. بعدها تقوت العلاقات بين المسلمين وبين النجاشي بحكم عدة أحداث منها صلح الحديبية، وإرسال النبي -صلى الله عليه وسلم- الهدايا للنجاشي. اتسمت العلاقات بعدها بين المسلمين والمجتمع الحبشي بالود والاحترام المتبادل.

وأشار الكاتب إلى اضطراب الحال -بسبب الخلافات التي نشأت بين الأمويين، ثم العباسيين، وخصومهم ومنافسيهم- فإن كثيرا من العرب المسلمين لاذوا بأنفسهم وأفكارهم، متجهين إلى الشواطئ العربية والإفريقية؛ حيث كثرت الاضطهادات ضد المعارضة للولاة الأمويين في بلدان الجزيرة العربية وهو أحد الأسباب الأولية لبداية الاتصال العماني الإسلامي بشرق إفريقيا. في القرنين الأول والثاني الهجريين اتخذت هجرات العرب وخاصة العمانيين إلى سواحل إفريقيا شكلا جماعيا ومن أمثلة ذلك هجرة الأخويين سعيد وسليمان، ابني عباد بن عبد بن الجلندى، ملوك عمان وقتذاك، واستقروا في أرخبيل جزر موفيه ولامور بالساحل الكيني، وكونوا دولة إسلامية وصارت تلك المنطقة مركزا هاما بالساحل الشرقي الإفريقي.

وأكمل الكاتب أن بعض المؤرخين يرون أن العناصر العمانية كان لها وجود فعلي في شرق إفريقيا منذ القرن الأول الميلادي. وقد ذكر الدكتور نايف السهيل هذا الوجود البارز في شرقي إفريقيا؛ حيث قال: كان الوجود العماني أكبر كثافة وأكثر عمقا بكل المقاييس، لذلك كان تأثيرهم في هذه المنطقة من قارة إفريقيا أشد وأقوى عن وجودهم في جنوب شرق آسيا؛ ذلك أن هجرتهم لجنوب شرق آسيا كانت هجرات فردية وغير دائمة. وقال أيضا: "وقد كان أهل المراكب من العمانيين يقطعون (خليج بررة) الممتد بين الحبشة والصومال، أمام باب المندب إلى جزيرة (مبنول) وهي جزيرة مدغشقر حاليا، من بحر الزنج...إلخ".

كل هذه العوامل أدت لانتقال جماعات من العرب إلى شرق إفريقيا، فاندمج بعضهم مع سكان الأفارقة، وأسسوا محطات ومراكز تجارية، تطورت وأصبحت مدنا مزدهرة فيما بعد، وصار لها دور مهم في تلك المنطقة الإفريقية، حيث قام العرب بشق طريقين الأول من جهة الشمال الشرقي لإفريقيا.

الدور العماني كان حاضرا وبقوة في تأسيس وتطوير المدن الإفريقية، وهنا نستعرض لكم هذا التأثير على المدن نذكرها بعضا منها من الشمال إلى الجنوب، وهي:

1- جزر أرخبيل لامو: باتا/بته، وسيوي، مافيه، ولامو: التي تقع على الساحل الكيني وأصبحت تلك الجزر أحد مراكز الهجرات العربية في صدر الإسلام منذ القرن الأول الهجري، لاسيما بعد هجرة الأخوين آل الجلندى وملوك عمان وقتذاك، واستقرارهم بذلك الساحل، وتطور ذلك بالاندماج الاجتماعي والثقافي العماني مع الأفارقة، ونشوء اللغة السواحلية.

2- ممباسا: وهي أحد الموانئ المشهورة على الساحل الكيني بشرق إفريقيا، وتأسيسها كان منذ زمن الدولة الأموية في القرن (الأول الهجري/السابع الميلادي). وقد شهدت ممباسا هجرات مستمرة من التجار العرب المسلمين، خاصة من أهل عمان واليمن، كما كانت مركزا لإنتاج وتصدير الحبوب، وكذلك العاج والذهب.

3- جزيرتا بيمبا (الجزيرة الخضراء) وزنجبار: عثر الباحثون على أقدم كتابة عربية معروفة في شرق إفريقيا جنوب زنجبار بمنطقة تسمى كيزمياكي، وهي عبارة عن نقش على الجدران يقول: "إن الشيخ السيد أبا عمران أمر ببناء المسجد في اليوم الأول من شهر ذي القعدة لعام500هـ" ويوافقه 27 يوليو1107م، كما وصفها المؤرخ البرتغالي بربوسا، حينما زارها عام 1506، فيقول: "سكان زنجبار وملوكها مسلمون. وفي الجزيرة مساجد كثيرة والسكان متمسكون بالدين". وقد أشارت الروايات إلى أن أسرة عمانية حاكمة من (قبيلة الأزد) العمانية، التي تعمل في التجارة فاختلطت مع السكان الزنوج، وأقنعتهم بالإسلام.

وأخيرا.. كان التواجد الإسلامي -خصوصا التواجد العُماني- حاضرا في العلاقات الاجتماعية وفي تأسيس وازدهار المدن الإفريقية؛ هذا بسبب عدة عوامل ذكرانها في المقال. التواجد العماني كان الأكثر تأثيرا بحكم التجارة ومن بعده كان التمازج العرقي والشواهد كثيرة منها قصور السلاطين في زنجار شاهدة إلى اليوم على عمق العلاقات.

أخبار ذات صلة