تقارير التنمية العربية ودورها في المنطقة

سيف الوهيبي

تولَّت الأمم المتحدة منذ العام 1992م إصدار تقارير دورية تتناول القضايا والاتجاهات والسياسات الإنمائية على مستوى العالم، بِنية تحسين البيئة المحيطة بالبشر للعيش بأفضل حال، وقد شكلت هذه التقارير مرجعاً مهمًّا للبعض، ومصدر إزعاج وقلق للبعض الآخر، وعلى مستوى الوطن العربي نُشرت عدة تقارير مهمة ومؤثرة بالسلب أو الإيجاب، تباينت الآراء حول هدفها والمستهدفين بها، ويقوم بصياغة هذه التقارير خبراء ومختصون عرب، تُحدَّد لهم محاور وأهداف معينة، يُناقش فيها شواغل البلدان على صعيد السياسة؛ حيث تعتمد على استشارات وأبحاث تُجرى على الصعيد المحلي. نلخص في هذا المقال ما نشره صلاح الدين الجورشي -في مجلة "التفاهم"- حول هذا الموضوع، بعنوان "القراءات المعاصرة للأوضاع الثقافية العربية في ضوء تقارير التنمية".

 تقارير التنمية العربية (2002-2016)

ومع صدور أول تقرير عالمي حول التنمية البشرية والوضع الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، في محاولة لتحقيق التنمية للشعب ولأجل الشعب، والتشديد على أن التنمية خيارات وحريات، صدرت تقارير التنمية البشرية الأولى الخاصة بالوطن العربي بداية من العام 2002م، التي ركزت على ثلاثة نواقص رئيسية تعاني منها الدول العربية؛ هي: الحرية، وتمكين المرأة، والمعرفة.. بعدها توالت التقارير لغاية العام 2005م، وقد أحدثت هذه التقارير ردّات الفعل متباينة بين مؤيد ومعارض، خاصة بالتقرير الصادر في العام 2004م، الذي انتقد الحرية في الوطن العربية، وحمَّلها مسؤولية تفريخ ونشر الإرهاب في العالم وبنسب عالية مقارنة بالدول الأخرى. بعد ذلك، جاء تقرير عام 2009م، والذي حرص على قياس مستوى أمن الإنسان في العالم العربي، من ثم تقرير عام 2016م، الذي صدر بعد أحداث العام 2011م، أو ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي"، حيث يقيّم التقرير دور الشباب الفعال في عمليات قيادة نهضة حديثة، تقود المنطقة لمستقبل أفضل؛ حيث تشير أحدث الإحصائيَّات إلى أن ثلثي سكان المنطقة العربية تقل أعمارهم عن 30 عاما، وهؤلاء الذين يعتبرهم التقرير شباباً، يقدر عددهم بأكثر من مئة مليون، وهي كتلة سكانية ضخمة نسبة لعدد السكان إن مُكنت من التغيير والعمل والعطاء؛ ستكون طاقة هائلة لنمو المنطقة، لكن ما الذي جرًّ المنطقة لمثل هذه الصراعات، التي كان حصيلتها الدمار وليس الاستقرار؟ وهل هي ثورة لمستقبل أفضل؟ أم هو تمرداً للفوضى والدمار؟

 مساهمة التقارير في التنمية والتطوير

تعمل تقارير التنمية الإنسانية العربية على رسم صورة منهجية، تُشكل قاعدة معلومات مهمة، لواقع الحال في الدول العربية، ويقوم المختصون بجمع المعلومات وعمل إحصاءات دقيقة، ودعمها بالتقارير والشهادات والمؤيدات النصية؛ حيث يتم إشراك عدد واسع من الخبراء والمثقفين العرب ذوي الاختصاصات والتوجهات المختلفة، ومن ثم تُطرح عليهم محاور عامة، في لقاءات محددة، حتى يتمخض هذا التقرير بالصورة المطلوبة، وتَخلق هذه التقارير الدورية فرصة جيدة للحوار، في مختلف الأدوار السياسية والاجتماعية؛ حيث باتت تشكل مرجعاً مهمًّا، فيما يخص الفكر التنموي العربي، وقد أبرزت هذه التقارير وجود قواسم مشتركة على مستوى المشكلات والتحديات في الوطن العربي.

 

مشاركة التقارير في التأخر والتدمير

ومن زاوية أخرى، تعرَّضت محتويات تقارير التنمية هذه لنقد لاذع من قبل عدد كبير من المثقفين العرب؛ نظراً لما تحتويه من منهج مُسيس، ومضامين محرِّضة يُرجى بها سوءاً للمنطقة، وهو ما ظهر جليًّا، إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث وجِّهت السهام صوب المنطقة العربية، فأظهر التقرير فجأة معلومات تُحمِّل الأنظمة العربية مسؤولية تفريخ الإرهاب، وتقويم سلبي لواقع الحريات في الدول العربية، وكلما حاولت الأنظمة والحكومات العربية الدفاع عن نفسها وتبرير أسلوبها في إدارة الشأن الداخلي، يتم اِستخدام معارضات سياسية داخلية لعرض التقارير ومناقشتها على الساحة الدولية والإقليمية. وفي الجانب المقابل، منعت الولايات المتحدة الأمريكية -برئاسة جورج بوش يومها- من نشر معلومات وتقارير تُدِين الولايات المتحدة، وتحملها مسؤولية تعطيل التنمية في بعض دول العالم العربي، حتى إنها كادت تمنع صدور تقرير التنمية العربية في جزئه الثالث، بل إن الإدارة هددت بتخفيض ميزانية المؤسسة المشرفة على إصدار التقارير؛ بسبب عدم رضاها عما ورد به. ونحن لا ننكر بعض التهم الموجهة لبعض من الدول العربية، وتحميلها مسؤولية تفريخ ودعم الإرهاب ومحاولة تدمير أنظمة دول أخرى، بُغية السيطرة عليها لمصالح شخصية، إلا أننا ندين سياسات دول تحاول بطريقة أو بأخرى، استخدام قوتها وسيطرتها لأطماع سياسية بحتة.

 

التقارير سيئة الذكر

ورغم ما تُشكِّله تقارير التنمية العربية من أهمية قصوى؛ من خلال المعلومات والبيانات الصادرة به، إلا أنها تكاد لا تخلو من توجهات سياسية، وتدخلات لأطماع اقتصادية؛ فشعارات التنمية والتغيير ينُادى بها في كل مكان، ولكن سبيل التغيير، تم فيما مضى وعبر التاريخ السالف، بطرق أكثر تدرجاً وأقل حِدّة من ذلك، حتى الحريات التي هي شماعة التخلف لدى المنادين بالإصلاح، أتت بصورة طردية مع النمو في دول الغرب عبر التاريخ وبعد قرون، فليس من المنطقي أن توهم دولة قاعدتها الاقتصادية والعلمية والتقنية ذات مستويات متدنية، بأن حلها السريع والفعال والسحري هو الحرية، وهل الحرية تُصلح كل الأحوال؟ إنما الحرية تأتي مع التقدم، والمراد من هذا المثال: توضيح أن إسقاط قضايا بعينها على منطقة لها خصوصيتها الثقافية والاجتماعية، ليس حلًّا سحريًّا لها، بل إنه قد يكون الحل الرجعي لزيادة انهيارها. والحقيقة أن نقد الأوضاع السيئة في الوطن العربي ضروري، سواءً ورد ذلك في تقرير الأمم المتحدة أو جاء ذلك في تقرير الدول العربية، وحيث إنَّ تقارير التنمية هذه تُعد أهم الأدبيات الحديثة في المنطقة، وجب علينا متابعتها، وأخذ الثمين منها وترك الغث بها، وليس مصارعة أنفسنا بها، ولا بالتسليم بأخذ المعلومة الجاهزة والبدء بالتغيير، بل بتفكيك هذه المعلومات واستخدامها الاستخدام الأمثل في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.

أخبار ذات صلة