مبادئ الإسلام في تحقيق العدالة في المجتمع

سلطان المكتومي

أوجد الإسلام مبادئ قائمة على العدل والمساواة والإحسان بين أفراد المجتمع التي تضمن الحياة الهانئة والآمنة بين الأفراد. وقد كتب وفيق بن محمد حجازي مقالا في مجلة التفاهم بعنوان" قيم الإحسان والخير وتحقيق العدالة في المجتمعات الإسلامية الوسيطة" وذكر نقطتين رئيسيتين هما: قيم العدالة والإحسان والخير في الوقف في الإسلام، وقيم العدالة والإحسان والخير في نظام القضاء في الإسلامي.

إنّ الإسلام دين قيم، قال الله تعالى:"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" وفلسفته قائمة على تحقيق الهناء والسعادة والعدالة، وهي في الإسلام أساس استقرار في المجتمع، والعامل الوازع بين الحلال والحرام والخطأ والصواب؛ لأنها تنبع من عقيدة إيمانية راسخة تثمر سلوكا خيرا على مستوى الأفراد والمجتمعات، وتعد في الحقيقة مؤشرا على نضج وإدراك الإنسان لدوره في الحياة، وقيم الإسلام سامية مستقاة من وحي السماء.

وقبل الإشارة إلى النقطتين الرئيسيتين ذكر الكاتب هوامش من القيم وأهميتها في بناء الإنسان أخلاقيا ومنها:

*الدين روح الأمم، والقيم أجسادها: إذ لا جسد دون روح، ولا روح دون جسد؛ بيد أنها إن كانت غيث السماء، فإنّ القيم نبت الفطر، فإذا التقى فيض السماء بكريم الفطر كملت الخلال، وعظمت الخصال.

*القيم نبته في الإنسان تحتضنها الفطرة، وترويها الديانة:فإذا فسدت الفطرة وغاض نبع الدين لدى البشر ذبلت تلك النبتة، واستحال زهرها شوكا وغصنها حطبا، إلا أنها وإن كانت إرثا جميلا؛ فإنها يجب أن تكون حاضرا مصانا؛ لأن تهوينها في نفوس الناس شر، والتقليل من شأنها خذلان.

*الشريعة الإسلامية مبناها وأساسها، على الحكم، وتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور؛ فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بتأويل، فالشريعة عدل الله بين العباد.

ويسوق الكاتب مقولة للمفكر الجزائري مالك بن نبي: إن الإنسانية في حاجة عامة إلى صوت يناديها إلى الخير، وإلى الكف عن جميع الشرور، وإنها لحاجة أكثر إلحاحا من سواها؛ لأنّ الإنسان توّاق إلى الخير بفطرته وإنما تحرمه منه معوقات مختلفة تكونها الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أحيانا.

وفي اعتقادي لا يمكن تطبيق هذه القيم إلا بمباركة السلطة السياسية التي تحكم،وإذا لم تكن النية خالصة في تحقيق الخير، والقيم في المجتمع فلا يمكن تعويل القيم على الفرد الذائب في المجتمع. في بعض الدول العربية نشاهد تغليب مصلحة الفرد - صاحب القرار- على مصلحة المجتمع وفي مثل هذه المجتمعات تتراجع القيم وتتأخر الدولة حضاريا. وقد أشار عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في مسألة تحقيق القيم في المجتمع حيث قال:لا يكون تطبيق القيم عبر المواعظ الرنانة التي يتشدق بها وعاظ السلاطين لتكريس القيم في المجتمع وفي نفس الوقت يبررون بشتى الوسائل فساد السلطة السياسية.

1.قيم العدالة والإحسان والخير في الوقف في الإسلام

الوقف لغة هو " الحبس والمنع، يقال: وقفت كذا؛ أي: حبسته".

واصطلاحا: حبس العين على حكم ملك الله تعالى، وصرف منفعتها على حب، أو هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح"

وقد ذكر الكاتب تحت هذا البند كثيرا من المحاور في قيم العدالة والإحسان في الوقف الإسلامي منها:

*يعد الوقف في الإسلام جزءا مهما من منظومة القيم الاقتصادية والاجتماعية في التشريع الإسلامي وهو دليل على تماسك المجتمع وترابطه، واتحاد أبنائه، وتحملهم لجميع مسؤولياتهم الفردية والجماعية.

*لقد امتاز النظام الإسلامي في تشريعه الوقف ندبا وترغيبا؛ لمساندة الفقراء والمحتاجين والإنفاق على أوجه الخير المختلفة، بوجود حوافز إيمانية وقيم أصيلة، تدفع الإنسان إلى البذل والعطاء، وتقديم كل ما لديه من أموال وممتلكات في سبيل الله.

*إن حضارة الإسلام بخيرها وعدالتها وإحسانها وبرها نشرت القيم السمحة والعدالة والمساواة، فكانت تلك الحضارة نورا يمتد في آفاق العالم شرقا وغربا.

*ولأن الإسلام دين الرحمة، حرص المسلمون على إيصالها إلى ذوي الحاجة؛ تقربا إلى الله تعالى، وتأكيدا على أنسنة هذا الدين وشموليته، فكان الوقف في الإسلام تأكيدا لنبل نفوسهم، ويقظة ضمائرهم.

2.قيم العدالة والإحسان والخير في نظام القضاء الإسلامي

ذكر الكاتب أهمية القضاء في الإسلام وكيف يحقق مصالح الناس، ولا شك أن وجوده في المجتمع الإنساني يحقق هذه المصالح، وهو أحد المناصب العظيمة التي تحقق العدل وتمنع الظلم، وترسي الحق قال الله تعالى:"قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ". سورة الحديد

وقد ذكر الكاتب في هذا الصدد كثيرا من النقاط على أهمية القضاء وكيف يحقق المبادئ والقيم النبيلة منها:

*أصول وقواعد القضاء يعد ثروة من المبادئ والقيم التي تحقق مقاصد في حفظ الحقوق، ودفع المفاسد، وتحقيق المصالح، ورفع الظلم، وإنصاف المظلوم، فكان نظام القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل نشاط من أنشطة الحياة بين الأفراد والدول.

*إن للعقيدة وتعاليم الأخلاق أثرا عظيما في سلامة ونزاهة النظام القضائي في الإسلام؛ لذلك كان من شروط متولي القضاء أن يكون عادلا، وذلك يعد وازعا من الجور في الحكم والتقصير في تقصي النظر في حجج الخصوم.

*ومن ذلك نرى أن قيم الخلقية ومبادئ العقيدة تسهم بنصيب وافر في سلامة ونزاهة القضاء، ووسائل الإثبات المستعلمة فيهن وتوفر له الحيطة والاطمئنان في الأداء، والفصل في النزاع، وتجعل من خلال ذلك مناطا للجزاء الأخروي؛ لأن المسلم يشعر عند القضاء وعند أداء الشهادة والإقرار بالحق، والإقدام على اليمين، وكتابة الحقوق، واستنباط القرائن- أنه ينفذ أحكام الله تعالى، فيطمع في مرضاة الله.

وأخيرا...الكاتب وفيق حجازي كان موفقا في ذكر القيم النبيلة التي جاء بها الإسلام وأعتقد أنّه لم يأت بشيء جديد فقد كتب الفقهاء والمثقفون الكم الكثير من هذه المبادئ والقيم التي تحفظ كرامة الإنسان في المجتمع. وكما أسلفت لا يمكن تحقيق هذه المبادئ وأهمها (العدالة) إلا بمباركة من السلطة السياسية وحسن نيتها في التطبيق قولا وفعلا.

أخبار ذات صلة