مصادر الشعر في عهد الرسول

جميلة علي السعيدية

"تراث شعراء الرسول" هو البحث والتقصي الذي قام به الدكتور فيصل الحفيان؛ وذلك لتتبع المصادر التي حملت هذا التراث. ركّز خلاله على إلقاء نظرة عامة على المصادر التي تضمّنت تراث شعراء الرسول من جهة انتماءاتها المعرفية وخصوصية السياقات التي ترد فيها المادة الشعرية وتفاضلها من حيث غناها بهذه المادة والخدمات التحقيقية التي حظيت بها تلك المصادر.

تنطلق أهميّة هذا البحث كما يرى الكاتب من كون أنّ "تراث شعراء الرسول" موضوعا بكرًا لم يجد حتى الآن العناية التي تليق به على صعيد الجمع والدراسة. كما أنّ تفرق وتوزع هذا التراث على المصادر يجعل منه مجرد أجزاء متناثرة تخدم الأغراض التي قصد إليها أصحاب هذه المصادر دون أن تقدم كمادة علمية مستقلة أو أن يقام عليها درس خاص. لذا فإنّ تركيز هذا البحث أتى على هذه المصادر بوصفها مظنة مادة شعرية ذات خصوصية من جهة وذات أهمية من جهة أخرى؛ فهي مورد غني يفتح آفاقا معرفية واسعة وتمكّن الباحثين فيما لو جمعت من تركيب صورة علمية في العقل العلمي لاستكشاف تلك المرحلة المبكرة من حياة المسلمين وحياة الدين الجديد.

وبالخوض في صلب الموضوع وبيت القصيد فيه، فإنّ الكاتب يحدد نطاق بحثه هذا في نقطتين تمثلتا في إلقاء نظرة عامة على المصادر التي تضمّنت تراث شعراء الرسول ونظرة أخرى خاصة على أحد هذه المصادر كنموذج لاستعراض ما فيه من مادة شعرية. وفي طريق البحث فيهما فإنّ من الملحوظات التي تم رصدها التفاوت في محتوى هذه المصادر من الشعر الذي نسب إلى شعراء الرسول ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها طبيعة المصدر وغرضه؛ فالمصادر التاريخية التي تنشغل بالحدث وصاحبه وما يتصل بهما تختلف عما تحتويه المصادر اللغوية التي تهتم بالألفاظ والمعاني والقواعد ويأتي فيها الشعر للاستشهاد تأييدا أو نفيا للفظ أو المعنى فقط، إلا أنّ هذا التفاوت لا يقلل من أهمية هذه المصادر؛ فقد تحتوي على مادة شعرية متفردة تعز في غيرها من المصادر. وعلى الرغم من اختلاف الأغراض التي خاض فيها شعراء الرسول فإنّ جميعها صبّ في خدمة أغراض معرفية متقاربة نظرا لارتباطها بمرحلة تاريخية محددة من ناحية، ولأنّها من ناحية أخرى نابعة من مناخ الدين الجديد (الإسلام) الذي صبغ الحياة العقلية والشعرية للمسلمين، بل للإنسان الذي عاش في تلك الحقبة حتى لو لم يدخل الإسلام.

ومما توصل إليه الكاتب في خضم بحثه عن مصادر شعراء الرسول أنّه يمكن تقسيم هذه المصادر إلى نوعين أولهما: نوع منفرد مستقل خاص لهذا التراث وهو ينقسم إلى شعبتين هما الدواوين التي جمعت قديما في المخطوطات العربية مثل ديوان حسان بن ثابت، وديوان كعب بن زهير، وديوان عبد الله بن رواحه، والدواوين التي جمعت جمعا حديثا معاصرًا على أيدي الباحثين المحدثين من المصادر المختلفة وهي لا تسمى اصطلاحا دواوين وإنما "شعر" مجموع.

 أمّا النوع الثاني من مصادر تراث شعراء الرسول فهي المصادر العامة وهي مصادر بحاجة للبحث والتقصي للعثور عليها واستعراضها وجمع الشعر منها وتحقيقه قبل أن تبدأ عملية الدرس. والعمل على هذه المصادر يتطلب من الباحث أن يعرفها وهذه المعرفة لن تتحقق إلا بالنظر إليها لتحديد الدائرة المعرفية التي تنتمي إليها والنظر إليها ثانية لاستكشاف مدى تفاضلها في احتوائها على المادة الشعرية ومن ثمّ استكشاف طريقة معالجة هذه المصادر للمادة، وخصوصية السياقات التي ترد فيها.

وبالحديث عن الانتماءات المعرفية، فإنّه لا يمكن الحديث عن مصادر تنتمي إلى حقل معرفي واحد أو حقول متعددة ذلك أنّ التراث العربي الإسلامي هو في بنيته العميقة تراث موسوعي تحمل فيه كتب الطب أدبا وكتب الأدب فقها وكتب الفقه شعرا وهذه هي القاعدة. الأمر ذاته في تراث شعراء الرسول تحديدا فهو داخل في نسيج الحقول المعرفية المختلفة.

ويورد الكاتب خلال تقصيه عن مصادر تراث شعراء الرسول قائمة أعدها الباحث حاتم غنيم في بحث له بعنوان "شعراء الدعوة الإسلامية في عهد الرسول" حوت (196) شاعرا من شعراء الدعوة تحديدا، أعقب كل اسم بالإحالة على مراجع ترجمته، وأيضا الإحالة على المراجع التي ورد فيها شعره. وقد بين فيه المراد بالدعوة وذكر أنّها تشمل عشرة أغراض منها: "اعتناق الإسلام والفخر بالإيمان والهداية، والتوحيد وتسفيه الاعتقاد بالأصنام وعبادتها، وحمد الله وشكره والابتهال إليه، وشعر المواعظ والحض على الخلق الإسلامي، وحض العشيرة على الدخول في الإسلام، ومدح الرسول ومدح الصحابة رضوان الله عليهم، والرد على شعراء المشركين واليهود وهجاؤهم، وشعر الجهاد ووصف المعارك الحربية والفخر بالبلاء فيها، ورثاء شهداء المسلمين، وحض العشيرة على التمسك بالإسلام (أيام الردة)". إلا أنّ مقصد الكاتب من بحثه الحالي هو تراث شعراء الرسول بإطلاق أيًا كان غرضه دعوة وغير دعوة.

وفي ذات الإطار عمد الكاتب إلى تصنيف (36) مصدرا عدها الباحث حاتم غنيم في بحثه جاء فيها ذكر هؤلاء الشعراء وذلك لبيان مدى انتشار تراثهم فأتى التصنيف على (11) نوعا من المصادر هي كتب السيرة النبوية، وكتب الأسماء والتراجم، وكتب التاريخ، وكتب الأنساب، وكتب البلدان، وكتب التفسير، والمجاميع الشعرية، وكتب الأدب، وكتب اللغة، وكتب النحو، وكتب المتفرقات. وخلص الكاتب من خلال هذا التصنيف إلى أنّ تراث شعراء الرسول أكثر ما يكون حضورا في كتب التاريخ والتراجم والأدب، ثمّ في المجاميع الشعرية وكتب النحو ثم كتب السيرة والأنساب وأخيرا أنواع الكتب الأخرى.

ومن وجهة نظر شخصية وبالعودة إلى نطاق بحث الكاتب المتمثل في إلقاء نظرة عامة على المصادر التي تضمنت تراث شعراء الرسول ونظرة أخرى خاصة على أحد هذه المصادر فإنني أجد الكاتب ألمّ بنطاق بحثه فيما يخص المصادر ووجهة انتماءاتها المعرفية والسياقات التي ترد فيها إلا أنني لم أجد استعراضا لمصدر خاص وتقديم ما فيه من مادة شعرية.

أخبار ذات صلة