الأديان والعالم الجديد

عبدالله الجهوري

اختتم قبل أيام في روما اللقاء الدولي حول الرحمة، وتعزيز المشتركات بين أتباع الأديان من أجل السلام والمصالحة، بحضور ثلة من علماء العالم الإسلامي يتقدمهم مفتي جمهورية مصر العربية شوقي علام، ومفتي لبنان عبد اللطيف دربان، وآخرون. وبغض الطرف عن نتائج اللقاء وما آل إليه، فإنّ الحوار بين الأديان والطوائف بدأ يحجز حيزا معتبرا على أجندة القيادات السياسية والدينية سيما في منطقتنا الملتهبة فكريا وسياسيا. وفي خضم هذه الظروف تتباين الآراء حول عودة الدين والتطرف إلى الواجهة، بينما يرى آخرون أن موجة الإلحاد وظهور طائفة "اللا دينيين" في تنامٍ مستمر، لكن النتائج ستبقى متباينة أيضًا ومتنوعة بتنوع المجتمعات والقوميات، مع الأخذ بالاعتبار المُتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. وفي سياق هذا الموضوع قدم للقارئ الكريم حسام تمام حوارا ثرياً مع عالم الاجتماع الديني ومدير مرصد الأديان في سويسرا جان فرانسوا ماير. فرانسوا ماير تحدث في لقائه عن ثلاث قضايا هي (مسار حركة الأديان في العالم، وتأثيرات الإنترنت على الدين، والحركات الدينية الجديدة) والتي تبدو مترامية الأطراف للوهلة الأولى، بيد أنَّ الجامع المشترك بينها هو إلقاء الضوء على التحولات الدينية في العالم الجديد.

في البداية تحدث ماير عن محاولات السلطة الدينية العودة إلى الواجهة عبر استغلال/استثمار الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم كما فعلت بعض الكنائس في الولايات المتحدة الأمريكية التي ربطت الأزمة الاقتصادية في أمريكا بتراجع الاهتمام بالجانبين الأخلاقي والروحي، وكذلك فعلت الكنيسة الكاثوليكية في روما حين وجهت معاشر "المؤمنين" إلى أن "بناء الحياة على الجوانب المادية يشبه البناء على الرمال". وفي السياق نفسه قدم المسلمون النظام الاقتصادي الإسلامي باعتباره الأكثر ثباتاً والأقل تأثرا بالأزمة المالية العالمية التي اجتاحت العالم في 2008 متأثرة بأزمة الرهن العقاري وما تلاها من مضاعفات. ويلخص ماير حركة الأديان في العالم، ببروز التعددية الدينية في بعض المناطق في العالم في مقابل ظهور جماعات مُتشددة لا يسعها التنازل عن الثوابت التي انطلقت منها.

وفي سياق علاقة الإنترنت بالدين، فإن ماير يرى –بمبدأ حساب الربح والخسارة- أن الخاسر الأكبر في المسألة هي المؤسسة الدينية الرسمية، أو السلطة الدينية التقليدية التي خسرت نفوذها لصالح أفكار دينية هجينة لا تتبع المؤسسة الرسمية ولا تعترف بسلطتها في الغالب وإن أظهرت عكس ذلك. كما أنّه أصبح من السهل جداً لأي فرد  أن يصبح له أتباع ومريدون من كل مكان حول العالم شريطة أن يُغذي موقعه بالتحديثات والتنشيطات اللازمة بصفة دورية. وفي هذا السياق أتذكر جيداً كتاب الناقد الثقافي السعودي، عبدالله الغذّامي الذي طرح فكرة الفقيه الفضائي مشيرًا إلى تحول الخطاب الديني من المنبر إلى الشاشة. وفي كتابه الآخر (ثقافة تويتر) بيّن الغذامي التطورات التي طرأت على الساحة الدينية إسلاميًا على وجه الخصوص وكيف تم استثمار تويتر دينياً وأيدلوجيًا. وأتوقع أنه لو أُعيد اللقاء مع ماير بعد ست أو سبع سنوات من لقائه مع حسام تمام لما فوَّت فرصة الحديث عن التطور الهائل لتويتر وفيسبوك وأثرهما على حركة الأديان في العالم وكذلك أثرهما على الأديان أو الطوائف الجديدة.

ويرى ماير أنّه رغم رفض بعض الجماعات الدينية المتشددة  للإنترنت باعتبارها تحتوي موادَّ قد تضر بالبعدين الأخلاقي والعقدي، فإنّ هذه المجموعات مازالت صغيرة ولا تتمتع بالشعبية الكافية لجعلها قوية كتلك الجماعات اليهودية المتشددة التي تشجع أتباعها على تقليص دخولهم للإنترنت. وفي الجانب الآخر يرى ماير أن الجانب الأكبر من الحركات الدينية بتنوعها الواسع تدرك جيدًا أنها بحاجة إلى هذا الفضاء المفتوح وأنه لا غنى لها عنه. وهذا يفسر سر تهافت الفقهاء والقساوسة والرهبان والمؤسسات الدينية الرسمية لتبني حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في تويتر وفيسبوك والآن تطور الأمر ليشمل انستجرام، وسناب شات وإن كان بدرجة أقل نسبيًا.

ماير يؤكد أن شبكات المعلومات العالمية رغم أهميتها وزخمها وحاجة الأديان إليها، فإنها لن تكون بديلا يقضي على المؤسسة الدينية الرسمية، وسيسعى الأشخاص دوماً للبحث عن لقاء مباشر على الأقل بالنسبة للأجيال التي بدأت استخدام هذه الوسائل وهي في سن متقدمة نسبيًا. ولا يستبعد ماير أن يختلف الأمر بالنسبة للأجيال القادمة التي نشأت على استخدام الإنترنت منذ الصغر. وليؤكد المؤرخ السويسري وعالم الاجتماع الديني ماير كلامه يضرب للقارئ الكريم مثالاً بالكتب الإلكترونية التي رغم أخذها حيزا واسعا من معادلة القراءة فإنها لم تحل أبداً مكان الكتاب الورقي.

وعن استخدام الجماعات الدينية الجديدة للإنترنت، يرى ماير أن شبكة المعلومات تشكل الفرصة الذهبية لها للحصول على الأتباع ونشر الأفكار، ولكن قبل أن نتوغل في الحديث لنكشف للقارئ ما المقصود بالحركات الدينية الجديدة؟ مِنْ اسمها، هي عبارة عن تنظيمات وأفكار دينية أو شبه دينية مبتدعة، وتنقسم إلى قسمين، منها ما يتحدر من ديانات قديمة سماوية وغير سماوية كالبهائية وحركتي شهود يهوه، والمورمون، ومنها ما هو مبتدع تمامًا كبعض الديانات التي ظهرت وتظهر في بلدان شرق آسيا. إن بعض الديانات الجديدة  -بحسب ماير- تحاول تقديم نفسها على أنها فهم جديد "صحيح" للدين الذي قامت عليه، وبالتالي فهي غالباً قد لا تعتبر نفسها من الديانات الجديدة. وعلى كل حال فإن ماير يرى – في الغالب- ضعف هذه الحركات الدينية الجديدة، وأن كثيرًا منها إلى أفول، ولن تتمكن من الصمود طويلاً، أو على الأقل ليس لدى كثير منها القوة الكافية لأن تحل محل الديانات الكلاسيكية أو القديمة.

وبعد تطواف واسع بين الديانات الجديدة وتطورات الديانات الكلاسيكية وعلاقة الاثنين بالإنترنت واعتمادهما عليه في إيصال الأفكار وتجميع المريدين وتصحيح الصور ونشر الأخلاق والعقائد المتعددة، يعود ماير ليؤكد وجود بعض القضايا التقليدية المتعلقة بالتعددية الدينية، التي من شأنها خلق خلاف وقلق وتوتر لا بد منه إثر تحول بعض المؤمنين من ديانة إلى أخرى. وفي ختام حديثه يستبعد ماير تأثير الهجمة على الإسلام في الغرب على فضول الغربي ورغبته في التعرف على الإسلام ومعرفة ماهيته.

 

أخبار ذات صلة