العلاقات العربية الهندية

f148e1af-366e-427c-888f-d2072a3f9739.png

الدكتور محمد مختار

هذا الكتاب، واحدٌ من ضمن سلسلة الكتب التي تشرف "مؤسسة الفكر العربي" على ترجمتها في إطار مشروع "حضارة واحدة"، وهو من تأليف الشيخ سيد سليمان الندوي عام 1930، عرض فيه لتاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الهند والعالم العربي.

ويعتبر هذا الكتاب الصادر باللغة الأوردية، وهي إحدى اللغات المركزية في الهند، المصدر الهندي الأساسي للمعلومات حول الصلات المتنوعة التي ربطت الهند بالجزيرة العربية منذ زمن ما قبل الإسلام. وهو يُقدّم باللغة العربية للمرة الأولى.

وما يميز كتاب الندوي هو تقديمه لمعلومات جديدة ذات تأثير عميق حتى في التراث الإسلامي. فعلى سبيل المثال يحقق الكاتب في مسألة الأصول الهندوسية لـ "البرامكة"، العائلة النافذة في العصر العباسي ليصل إلى خلاصة مفادها أنّهم في الحقيقة ذوو جذور بوذية، مستشهداً بهروب نسائهم عند الفتك بالعائلة إلى المناطق البوذية، أما المسألة الأخرى فالحديث عن تشجيع الخلافة الإسماعيلية الفاطمية لبروز "الطائفة الدرزية الباطنية" في بلاد الهند أيضاً، بالإضافة إلى لفتته عن تأثر البلاد المفتوحة بالصراع بين قوى النفوذ – المذاهب- داخل العالم الإسلامي.

ويكشف الندوي عن دور مهم لعبه كل من التجار والمتصوفة والدراويش في إدخال الإسلام إلى بلاد الهند والسند حيث فشل السلاطين في فتحها. ويمكن الإشارة إلى دور العرب والمسلمين في التفريق بين الهند والسند ما مهد في العصر الحاضر إلى استقلال باكستان عن الهند الكبرى.

إلّا أنّ المشكلة التي تواجه الكتاب وربما يكون ذلك مبرراً، هو من ناحية المنهجية والتقسيم، فهو عبارة عن عناوين كثيرة، يضيع القارئ أحياناً عند قراءتها، ومن ثم يجد نفسه أحياناً مضطراً للعودة إلى الوراء مراراً للتأكد من علاقة هذه الفكرة بما سبقها أو حتى ما يليها.

 

الكتاب: أبوابٌ ومضامين

الكتاب مقسّم على خمسة أبواب:

الباب الأول: العلاقات بين الهند والبلاد العربية، يؤرّخ لبداية العلاقات بين العرب والهند في ضوء ما سجله الرحّالة العرب المعروفون من ملاحظات وانطباعات عن شبه القارة الهندية، فهذه العلاقة سبقت ظهور الإسلام وقويت مع ظهور الإسلام واستمرت بعد انتزاع الحكم من المسلمين.

أما الباب الثاني فيتناول العلاقات التجارية والسلع المتبادلة وطرق التجارة البحرية بين الجانبين، وتأثيرها في حركة الملاحة العالمية وصراع النفوذ بين القوى، ففي يومٍ من الأيام كان الوصول إلى الهند المرتجى، وفي سبيل البحث عن طريق جديد كانت الاكتشافات الجغرافية.

وأما الباب الثالث فيدور حول العلاقات الثقافية وتراجم العلوم الهندية إلى اللغة العربية، فبين الهند والعرب تاريخ طويل من الاتصال الحضاري والثقافي.

وفي الباب الرابع يُعرف الكاتب بالديانات الهندية على اختلافها من براهميةٍ وبوذية، والطوائف والمذاهب الكثيرة، الغنية بها الهند.

وأما الباب الخامس والأخير فقد تطرق الكاتب فيه إلى المجتمع المسلم في الهند وما يرتبط به من مراكز علمية ودينية وثقافية عدة، فالمسلمون الهنديون اعتنقوا الدين الجديد وتبنوا علومه وطوروها ولكنهم  بالرغم من ذلك حافظوا على خصوصيتهم وحسن الجوار مع الهندوس.

 

الباب الأول: العلاقات بين الهند والبلاد العربية

يبدأ هذا الفصل بالحديث عن مكانة كل من الجزيرة العربية والهند، فحسب الكاتب تحظى الجزيرة العربية والهند باحترام وتقدير بالغين لدى أُمتين عظيمتين للعالم، حيث توجد فيهما أماكنهما المقدسة؛ وتتضارب الآراء حول من هم السكان البدائيون للهند، فيعلم الجميع ما ادّعى به الآريون في سالف الأيام من أنهم سكانها الأصليون، ولكن ما يسمع إلا القليل منا ما ادّعى به العرب قديماً.

فقد وصل الآريون إلى البنجاب من طريق آسيا الوسطى منذ بضعة آلاف من السنين، ومنها انتشروا في ضفاف نهري الغانج ويمونا، أما العرب فهم يدعون أنّ علاقتهم مع الهند لا ترجع إلى بضع آلاف سنة فقط، بل إنها وطن آبائهم الأوّلين منذ فجر التاريخ (ص21).

ويشير الكاتب إلى جذور تسمية "هند" فقبل قدوم المسلمين لم يكن هناك اسم واحد لهذه البلاد كلها، يشملها جميعاً؛ فكانت كل ولاية تنفرد باسمها، ولما استولى أهل فارس على إحدى ولاياتها، أطلقوا على النهر الذي يدعى اليوم السند "هندهو". وكان اسمه بالعربية "مهران". ومعروف أن الحرفين "س" و" هـ" في الفارسية القديمة والسنسكريتية، يمكن استبدال أحدهما بالآخر، فبدأ أهل فارس يدعوه باسم هندهو وبذلك سميت هذه البلاد باسم الهند.

أما العرب الذين كانوا مطلعين على المدن الأخرى في الهند غير السند، فلم يغيروا اسم السند ولكن سموا المدن الأخرى بالهند، وما يبعث على الحيرة أن هذا الاسم صار محبوباً لدى العرب إلى حد أنهم يطلقون على نسائهم اسم "هند".

ثم ينتقل للحديث عن الرحالة والجغرافيين العرب المهتمين بالهند: ويبدأ بـ "ابن خرداذبه" مدير البريد في زمن الخليفة المعتمد العباسي الذي وضع أول كتاب عربي لجغرافية الهند "المسالك والممالك"؛ ومن ثم "سليمان التاجر" وهو أول رحالة عربي الذي طبعت مذكراته بعنوان "سلسلة التواريخ" في باريس العام 1811، وكان تاجراً يسافر بين العراق والصين متجولاً في سواحل الهند. أما ثالثهم فهو التاجر العربي "أبو زيد حسن السيرافي" الذي أشار إلى أن سائر ملوك الهند والصين يقولون بالتناسخ ويدينون به، وقد تمكن هذا الاعتقاد في قلوبهم إلى حدّ أنهم يحرقون أنفسهم ويحسبونه شيئاً تافهاً (ص 42).

 كما يذكر "أبو دلف مسعر بن مهلهل الينبوعي" الذي كان رحالة عظيماً، و"بزرك بن شهريار" الذي وضع كتابا تحت عنوان "عجائب الهند" وحكى عن نسّاك الهند وزهدهم وتقشفهم وإحراقهم أنفسهم؛ وكذلك "أبو الحسن المسعودي" المؤرخ الكبير والرحالة والبحاثة، والذي ذكر أن البواخر في الهند كانت تسمى بأسماء من يملكونها، وأنه لم ير جبلاً أعظم من التبت"؛ أما "الأصطخري" والذي لم يكتف  بذكر أخبار البلاد فقط، بل قام بإعداد خريطة العالم بما فيها خريطة السند؛ أما التاجر البغدادي "ابن حوقل" فقد وضع خرائط الدول وهو أول رحالة حاول أن يقدر طول بلاد الهند وعرضها.

 

الباب الثاني: العلاقات التجارية

يذكر الكاتب أن العرب يشتغلون بالتجارة منذ بدايتها في العالم، فكانت قوافلهم ترحل إلى الشام ومصر وتعود عبر الطرق التجارية ويذكر التوراة ذلك.

ولما ظهر الإسلام، وبلغ المسلمون قمة المجد سيطروا على البلاد الواقعة بين مصر وأسبانيا وعلى بحر الروم – الأبيض المتوسط – وأصبحوا يتحكمون في هذا الطريق للتجارة في العالم.

فاضطرت أقوام أوروبا للعمل على إيجاد طريق آخر للوصول إلى الهند عبر جنوب أفريقيا دون الشمال الأفريقي، وعلى الرغم من اكتشاف الطريق الجديد، بقي الأوروبيون يحلمون بطريق أقصر عبر بحر الروم، فقاموا بحفر قناة السويس لتقصير المسافة.

ونظراً لكثرة الرحلات بين بلاد العرب والهند فقد حدد العلماء أيام المد والجزر واضطراب الأمواج وهدوئها في المحيط الهندي من أجل تحديد انطلاق السفن، وموسم الرحلات البحرية.

ويذكر الكاتب وصف أحد الرحالة العرب للهند "بحرها درّ وجبالها ياقوت وشجرها عطر"، ويضيف أن أهم المنتجات التي كانت تجيء من الهند العطور والخشب والصندل والكافور والقرنفل والدر والبلور والفلفل الأسود والرصاص..."

ويلفت النظر إلى أن مظاهر الروابط القديمة كثيرة ومن ضمنها الكلمات التي انتقلت من كل لغة إلى الأخرى، فمن الكلمات الهندية الأصل "المسك والكافور والصندل" التي ذكرت في القرآن.

في المقابل كان يورد إلى الهند الشراب من مصر وثياب الحرير والسيوف من الروم والنخيل من البصرة وعرق الورد من فارس وبعض الثياب.

ويشير الكاتب إلى الاختلاف بين سفن العرب وسفن الهند فلوحاتها كانت تشد إلى بعضها بالحبال بينما كانت المسامير تستخدم للوصل بين لوحات الأولى.

 

الباب الثالث: العلاقات الثقافية

يستهل الحديث عن الاحتكاك الثقافي بالإشارة إلى دور البرامكة الأسرة التي شغلت المناصب الوزارية في عهد الخلافة العباسية في بغداد إلى عهد هارون الرشيد الذي تخوف من فرض سيطرتهم على جميع شؤون الخلافة ووضعهم جميع الأراضي الزراعية الجيدة تحت ملكهم.

ويناقش الكاتب المقولات حول الأصل المجوسي لهذه العائلة وأن هذه الأسرة كانت ترعى المعبد المجوسي الذي اشتهر بـ "برمك" جمعه "برامكة". وبعد ذكره لجملة أقوال للمسعودي وابن الفقيه وياقوت والقزويني، يرجح أن البرامكة كانوا من أتباع الدين البوذي، من الأصول الهندية لا الفارسية، فبعد مقتل برمك وأولاده العشرة، هربت زوجته بابنها الصغير إلى بلاد كشمير من بلاد الهند فنشأ هناك وتعلم علم الطب والنجوم وأنواعاً من الحكمة وهو على دين آبائهم ويضيف إلى أدلته أنّ العائلة بعد اعتناقها الإسلام دعت النساك الهندوس إلى العراق وبوأتهم المناصب المهمة في البلاط الملكي ودعت العلماء والأطباء البوذيين من السند وعينتهم في دار الترجمة والمستشفيات في بغداد، وبعثت الوفود إلى الهند لدراسة العلوم الدينية والتحقيق في الأدوية الهندية(ص 100).

ومن ثم يتطرق الكاتب إلى بدء الترجمة من اللغة السنسكريتية إلى العربية في عهد الدولة العباسية زمن الخليفة "المنصور" ، كذلك دعا هارون الرشيد أطباء من الهند لعلاجه، وتُرجمت كتب عدة في علوم الطب والنجوم والهيئة – والفلك والأدب والأخلاق، الأمر الذي زاد الهند سمعةً طيبةً وزاد العربَ إعجاباً.

كما يشير إلى الحكايات والقصص القصيرة والأخلاق التي نُقلت إلى العربية على غرار "كتاب السندباد الحكيم" و"كليلة ودمنة" والتي تنقل الحكمة على لسان الحيوانات.

ويختم هذا الفصل بالحديث عن عالمين مسلمين زارا الهند، ليس لغرض السياحة، بل لإشباع غليلهما العلمي من الهند؛ محمد بن اسماعيل التنوخي وأبو الريحان البيروني.

 

الباب الرابع: العلاقات الدينية

في بداية هذا الباب يفرق الكاتب بين الفاتحين العرب والأتراك والأفغان والمغول، فالفاتحون الأتراك والأفغان والمغول كانوا قد اعتنقوا الإسلام. ويخطئ من يعتقد أن الإسلام مسؤول عن جميع تصرفاتهم في الهند من سلب ونهب.

فبالنسبة للأتراك يذكر أن الجنود الذين انضموا إلى جيش السلطان محمود ينحدرون من قبائل شتى من الغزنويين والخلجيين والأتراك والأفغان حتى أنّ جيشه كان يضم جيوشاً من الهندوس أيضاً ولم تكن غالبية القبائل التركية من المسلمين وكان الكثير منهم عبيداً تم شراؤهم، أما المغول فلم يكونوا قد أسلموا بعد وظلوا يعدون من الكفار حتى القرن السابع هجري أما الأفغان فكان الإسلام قد دخل مدنهم الكبيرة ولكنّ سكان الأرياف بقوا على دين آبائهم .

على النقيض من ذلك، فان الفاتحين العرب هم الذين حملوا التعاليم الإسلامية وحافظوا عليها وكانوا يتقيدون بقانون الإسلام الخاص بالحرب.

 لم يتعرض العرب، في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين بأي أذى لمعابد أولئك الأقوام الذين أبرموا معهم معاهدات صلح ، اللهم إلاّ بعض الأحداث النادرة. فبقيت نيران أديرة المجوس في إيران موقدة ، وما زالت أصوات النواقيس تدوي في كنائس فلسطين والشام ومصر ، التي كانت مملوءة بالأصنام والتماثيل والأوثان.

كان العرب يفرضون جزية على غير المسلمين، ولم يفرضوا عليهم ضرائب أخرى باستثناء ضريبة المحاصيل، أما الأتراك والأفغان والمغول فقد فرضوا الجزية على غير المسلمين كما فرضوا على المسلمين وغير المسلمين على السواء ضرائب أخرى كثيرة. ثم إن العرب تمسكوا بشدة، ولمدة طويلة بمبادىء الحكم الإسلامية، التي تنص على نوعين من الضرائب فقط، لا ثالث لهما، وهما: الزكاة والعشر من المسلمين، والجزية والخراج من غير المسلمين(ص 147).

شدد الإسلام على ضرورة المساواة في الحقوق بين المسلمين كافة، في الدولة الإسلامية من دون تمييز على أساس العنصر أو المولد، وضَمن لأهل الكتاب بحق المساواة مع المسلمين، بعد دفع الجزية وأَذن بأكل ذبيحتهم، والزواج من بناتهم، وأوكل إلى الحكومة الإسلامية مسؤولية حمايتهم والحفاظ على دينهم.

وقد عامل الفاتحون العرب الهندوس على أنهم ممن يشبهون أهل الكتاب، ذاكراً أنّ فاتح السند محمد بن قاسم أكرم وفد البراهمة واستجاب إلى مطالبهم بمعاملتهم وفق دستور الهندوس واحترام منزلتهم الاجتماعية وولاهم المناصب .

وكان من نتيجة هذا التسامح أن الهندوس حافظوا على المساجد حتى بعد انتهاء حكم العرب في بعض الأماكن .

ومن ثم ينتقل الكاتب لتصحيح بعض المفاهيم التي كانت شائعة لدى العرب حول ديانتي البراهمة والسمنية الأكثر انتشار بالهند، لذلك يذكر مقولة مطهر المقدسي أن "الهنود أصناف كثيرة وتجمعهم البراهمة والسمنية ومن المثير للحيرة أن بعض المؤلفين العرب يظنون أن البراهمة من أتباع إبراهيم عليه السلام وذلك للمشابهة بين كلمتي البراهمة وإبراهيم، إلا أن الشهرستاني قام بالتحقيق بلفظ البراهمة واستنتج أنه مشتق من برهم (إله الهندوس) لا من إبراهيم، وأما السمنية فهي باللغة العربية تسمية للبوذيين(= الشامانيين). فيما ظنّ البعض أن بوذا هو "الخضر"، وعلى أساس ذلك سموا البوذيين بالخضرية (ص 168).

ويتحدث الكاتب عن جبل من جبال سرنديب، أو سيلون، أو لنكا (الأسماء القديمة لـسريلانكا) فيه صخرةٌ  عليها أثرُ قدمٍ مقدس. وهو مكان مقدس مشترك لكل من المسلمين العرب والبوذيّين وعامة الهندوس. وهذا ما لا يوجد له نظيرٌ في عالم الأديان. فالمسلمون يزعمون بأنه أثر لقدم النبي آدم عليه السلام والبوذيون يعتقدون أنه أثر لقدم شاكيا موني – تلميذ بوذا-. والهندوس يظنون أنه أثر لقدم شيو – إله هندوسي- ويقدسونه.

ويخلص الكاتب إلى أن من النتائج المهمة للعلاقات التجارية والروابط السياسية والاجتماعية المتنامية بين العرب والهنود، أن الإسلام بدأ ينتشر باستمرار، وإن تدريجياً. وساد جو من التبادل الثقافي وحصلت مناظرات حتى أن القرآن الكريم كان قد ترجم إلى اللغة الهندية أو السندية قبل ألف عام، في العام 270 هـ بأمر من ملك هندوسي (ص174).

ويختم الفصل بالحديث عن التأثير المقابل، أي تسلل فكرة الوحدة التنزيهية أو المشاعر المضادة لعبادة الأصنام إلى الهندوس، وذلك نتيجة احتكاكهم بالمسلمين.

 

الباب الخامس والأخير: المسلمون في الهند (قبل الفتوحات)

يؤكد الكاتب أن المسلمين أقاموا مستوطناتهم في جنوب الهند، قبل وصولهم إلى شمال الهند، وذلك في أثناء رحلاتهم التجارية إلى المنطقة، التي تسبّبت في اعتناق السكان المحليين الإسلام.

وكانت البداية مع زيارة الصوفية والزهاد إلى موقع القدم المقدسة، لذلك فيمكن اعتبار "سرنديب" أول مركز للمسلمين.  ويذكر الكاتب أن حاكم سرنديب اعتنق الإسلام في عهد صحابة الرسول (40 هـ) أي القرن الأول الهجري /السابع ميلادي.

أما المركز الثاني فجزيرة مالديف وكان العرب يسمونها المهل. وكانت مليبار المركز الثالث (مركبة من: ملي "جبل"،  بار "بلدة".  والرابع : معبر وهو الساحل المحاذي لمليبار، وتعرف اليوم بـ كارومندل وعندما وصلها ماركوبولو وجد المنطقة تحت سيطرة خمسة ملوك هندوس، ولكن رأى أيضاً أن المسلمين يتحكمون بالتجارة. وخامس المراكز: غوجرات، وقد أسهم سليمان التاجر أول رحالة عربي في مدح ملكها ولبه راي (بلهرا) . ويقول عنه المسعودي "ليس في ملوك السند والهند، من يعز المسلمين في ملكه إلا بلهرا، فالإسلام في ملكه مصون، ولهم مساجد مبنية، وجوامع معمورة بالصلوات".  ويضيف أنه عندما زار مدينة شيمور (مدينة في حكم ولبه راي) بلغ تعداد المسلمين العشرة آلاف من نسل مختلط.

أما المركز السادس فهو السند: ويذكر أن المسلمين استوطنوها منذ زمن وذلك قبل فتحها في أواخر القرن الثاني على يد محمد بن قاسم، وبعد فتح السند، أقاموا هناك المستوطنات الكثيرة، وجاء  إليها قبائل كثيرة من قريش وكلب وتميم وأسد ومن اليمن والحجاز، واتخذوا منها مستقراً لهم في مختلف المدن، وأقاموا دولة امتدت من "ملتان" إلى "السند" وبقيت حتى أواخر القرن الثالث (ص 210 – 211).

ويشير الكاتب أن ملتان كانت تمثل خليطا لطيفا للحضارة العربية والهندية وكانت المدينة جميلة على صغرها، حيث كان هناك سوق مستقل لكل حرفة، وكانت محاطة بسور. وكتب البيروني أن في المدينة مسجداً شيده محمد بن القاسم وأقفله جلم بن شيبان الإسماعيلي القرمطي لبغضه مآثر بني أمية وهدم معبد " إله الشمس" الشهيرة، وبنى مكانه المسجد الجامع وعندما فتح السلطان محمود الغزنوي ملتان فتح المسجد الأول وترك الثاني بدون إصلاح (ص225).

ومن ثم ينتقل إلى حاضِرة المنصورة، ويشير إلى اعتقاد لدى بعض الناس أن الخليفة العباسي المنصور هو الذي بناها ولذا سميت بالمنصورة لأن هذه المدينة بنيت في عهد بني أمية.

وبرأي الكاتب، فإن مؤسسها هو عمرو بن محمد بن القاسم وهو الذي سماها بالمنصورة كفأل حسن(ص227).

وكانت المنصورة آمنةً بموقعها على ضفة النهر وقريبة من البحر مما جعلها مكاناً مناسباً للتنقل بحراً بينه وبين بلاد العرب في حالات الطورائ بحثاً عن ملاذ آخر. ولهذا السبب اختيرت عاصمة للسند (ص229).

وينقل عن المسعودي وصفه للقوة العسكرية لدولة المنصورة، مشيراً إلى أن سكانها أهل لباقة ولهم مروة، والإسلام عندهم له طراوة والعلم وأهله كثير. ولهم ذكاء وفطنة ومعروف وصدقة (ص234).

وينهي حديثه بالإشارة إلى سقوط دولتهم على يد قبيلة السمة، الذين اتخذوا من "تهتها" عاصمة للدولة، ويطلق عليها العرب "ديبل". وكان رجال السمة مسلمين ديناً، وهم ينتمون إلى العهد المتأخر، أي عندما كان المسلمون قد سيطروا على دلهي سيطرة تامة.

وفي ختام هذا الكتاب، يتحدث عن علمين من أعلام التصوف والزهد الإسلامي في تلك البلاد وهما:  شيخ الإسلام بهاء الدين زكريا الملتاني، والذي بفضله أصبح ملتان مركزاً للعلم والتصوف. والسيد جلال الدين البخاري الذي قدم من بخارى إلى ملتان  لزيارة الشيخ بهاء الدين ومبايعته. ومن تقاليد الصوفية في ذلك العصر، أنهم كانوا يختارون نخبة من مريديهم المدربين للعمل على تزكية النفوس والإرشاد بين الناس في المناطق النائية، فبعث شيخ الإسلام زكريا الملتاني يالسيد جلال الدين البخاري إلى "أوش" السند للإصلاح الروحي بين أهاليها، وذلك في الفترة الأخيرة لحكم السومرة (ص257).

ويذكر في النهاية بعض المناطق المهمة في السند وما جاورها من مناطق والتي خصّها الرحالة العرب بالذكر نظراً لأهميتها في العلاقات العربية - الهندية وهي: ديبل أو تهتها وهي الميناء المشهور؛ عسفان، تنبلي، بوقان،  قصدار، طوران، ويهند، قنوج، نيرون، مكران، مشكي، وأخيراً كشمير وهي البلدة التي يصح القول إنها ما فتحت بسيوف الملوك المسلمين وحيلهم، بل بنفوذ العلماء والدراويش المسلمين، بعد فشل محاولات الرحالة والسلاطين في فتحها.

ويختم الكتاب بجملة لطيفة نذكرها: "وبعد هذه السياحة الخيالية المختصرة لتاريخ الهند، نستأذن القراء ونستودعهم" (ص 267).

----------------------------------------------------------------

عنوان الكتاب: العلاقات العربية -الهندية.

المؤلف: سيد سليمان الندوي.

ترجمة: د. صهيب عالم.

الناشر: بيروت: مؤسسة الفكر العربي، ط1، 2014

عدد الصفحات: 271 صفحة.

 

 

أخبار ذات صلة