تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة

Picture1.png

لي تشيانغ

حسام المغربي

جاءت سياسة "الإصلاح والانفتاح" التي أقرتها الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني في ديسمبر 1978، لترسم ملامح ثورة عظيمة جديدة للأبناء الشعب الصيني بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، هدفها تحرير وتطوير قوى الإنتاج وتحقيق التحديث الوطني لنقل أنباء الشعب إلى ثراء معتدل، مع إنجاز هدف النهضة العظيمة للأمة الصينية وبناء وتحديث الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تماشيا مع ظروف وطبيعة العصر الجديد.

ووفقا للتطورات والتغيرات في الوضعين الداخلي والدولي، وتكيفا مع التطلع الجديد لحياة أفضل لأبناء الشعب بمختلف قومياته، طرح المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر 2012 أهداف "المئويتين" وهما إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في مناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وإنجاز بناء دولة حديثة اشتراكية غنية وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة في مناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الصين الجديدة. ويمكن القول إن جهود وحكمة الصين حققت ولا تزال تنمية المجتمع وجعلت أبناء الشعب يسلكون مسار الرخاء والاستقرار.
 

 

بنية الكتاب ولمحة عن المؤلف

تنطوي ظاهرة تباين المكانة الاجتماعية وتقسيم المجتمع إلى طبقات على المصالح الحيوية لكل فرد، ويقدّم كتاب "تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة" لمؤلفه لي تشيانغ، دراسة كلاسيكية للتدرّج الطبقي في الصين المعاصرة، خاصة في تلك الفترة التي شهد فيها المجتمع تغيرات كبيرة. ويعرض بصورة تفصيلية المسار التاريخي والوضع الحالي وإمكانيات المستقبل لتقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة اعتمادا على التحقيق والدراسات الميدانية والبحوث والنظريات الأكاديمية الهامة.

ويشغل مؤلف العمل لي تشيانغ (مولود في عام 1950 بالعاصمة بكين) منصب أستاذ قسم علوم الاجتماع بجامعة تسينغهوا ورئيس جمعية بكين لعلوم الاجتماع. وتشمل مجالات بحوثه تقسيمات الطبقات الاجتماعية والحراك الاجتماعي، وعلم الاجتماع الحضري وعلم الاجتماع التطبيقي وغيرها العديد من البحوث والدراسات ذات الصلة بالأوضاع المجتمعية. ونشر لي تشيانغ ما يزيد عن 20 عنوانا منها "التحضّر المتعدّد وتنمية الصين" و"الدورات العشر للتقسيم الاجتماعي" و"العمال المهاجرون وتقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين"، إضافة إلى 270 ورقة بحثية أكاديمية.

ويأتي "تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة" الذي يعد ملخصا أكاديميا لدراسات أعدّها الأستاذ لي تشيانغ على مدى سنوات، في 24 فصلا؛ الفصلان الأول والثاني يستعرضان بشكل عام الطبقات الاجتماعية ويحلّلان الخصائص الأساسية لتلك الطبقات في الصين. فيما تتناول الفصول من الثالث إلى السابع التغيّرات الكبيرة التي شهدتها حركة تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، وبشكل خاص بعد إطلاق العنان لتنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1979، وتطرح هذه الفصول مجموعة نظريات منها "أربع تجارب رئيسية حول تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين" و"التحوّلات الكبيرة في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية" و"تغيّرات العلاقة بين مجموعتي الفئة المركزية والفئة المهمّشة".

وتركّز الفصول من الثامن حتى الحادي عشر على تحليل بعض التحوّلات الكاملة في هيكل تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين خلال السنوات الأخيرة، ويستعرض خلالها عددا من النظريات منها على سبيل المثال "مجموعات المصالح الأربع في المجتمع الصيني" و"تحوّل بنية التقسيم الطبقي الاجتماعي في الصين من شكل (丁) إلى (土)" و"العوالم الأربعة للطبقات الاجتماعية الصينية". وخصص المؤلف الفصول من الثاني عشر إلى العشرين لمناقشة طبيعة الطبقة الوسطى والفئة متوسطة الدخل وغيرهما من القضايا. فيما ناقشت الفصول من الحادي والعشرين إلى الثالث والعشرين فئة الدخل المرتفع ودراسة الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الصين. ويقدّم الفصل الأخير مراجعة شاملة للدراسات المعدّة حول التقسيم الاجتماعي في الأوساط الأكاديمية الصينية خلال السنوات الأخيرة.

 

وجهات نظر

يرى مؤلف الكتاب أنه عندما يتعلق الأمر بتقسيمات الطبقات الاجتماعية، غالبا ما يميل الناس إلى اعتباره مجرّد "عامل سلبي" في المجتمع، حيث يحذر علماء وباحثون من وجود مشكلة في التدرّج الطبقي. فعلى سبيل المثال، رصد زيادة تركيز الثروة بشكل كبير، وارتفاع درجة التمايز بين المناطق الحضرية والريفية والتفاوت الإقليمي، والفصل بين شريحة الدخل المنخفض ومظلة الضمان الاجتماعي، تعزّز الاعتقاد بأن تقسيمات الطبقات الاجتماعية تضر أكثر مما تنفع.

لكن يرى لي تشيانغ أن تقسيمات الطبقات الاجتماعية تتمتع بـ"دور إيجابي" حيث ترتبط حركة المجتمع من البنية التقليدية إلى أخرى اجتماعية حديثة بتقسيم الطبقات الاجتماعية، معتبرا أنه إذا لم يكن هناك صعود وهبوط فلن "تتدفق المياه"، ومن خلال هذا التشبيه تحديدا يمكن للمتابع للشأن الصيني فهم السبب الرئيسي الذي شجّع الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ إلى تبني شعار "السماح لبعض المواطنين بالثراء أولا" في المرحلة الأولية من تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح.

ففي بداية الإصلاح والانفتاح طرح الحزب الشيوعي الصيني أهداف "الخطوات الثلاث" الاستراتيجية؛ الخطوة الأولى تحقيق ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بمعدّل الضعف مقارنة بعام 1980 وحل مشكلة الغذاء والكساء لأبناء الشعب؛ الخطوة الثانية تتمثّل في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بمعدّل ضعفين بحلول نهاية القرن العشرين وبلوغ معيشة الشعب مستوى رغيد الحياة؛ أما الخطوة الثالثة فهي بلوغ معدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي مستوى الدول المتقدمّة من الدرجة المتوسّطة وتحقيق الرخاء النسبي لمعيشة الشعب وضمان إنجاز التحديث في أواسط القرن الحادي والعشرين. وحتى الآن تحقق هدفا الخطوتين الأولى والثانية قبل موعديهما، وتتجه الصين حاليا نحو بلوغ هدف الخطوة الثالثة.

 

مسار تقسيم البنية الاجتماعية

ويرى مؤلف عمل "تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة" أن الصين تضم مجتمعا ذا اختلافات كبيرة منذ العصور القديمة. ففي الحقبة القديمة، كان التقسيم عبارة عن "مواطنين" و"أناس متوحشين" للدلالة على سكان المدن وقبائل البدو الغزاة. وجاءت فكرة بناء "الأسوار" العملاقة في الصين ـ التي تشتهر بكونها الدولة صاحبة أكبر عدد من الأسوار في العالم ـ لتمييز الناس والفصل بينهم، ما حال دون تفاقم الفجوة الاجتماعية في المجتمع الصيني لكنه لم يعالجها.

ومع تأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر 1949، يقسّم المؤلف البنية الاجتماعية في البلاد إلى فترتين زمنيتين؛ فترة "التقسيم السياسي" وفترة "التقسيم الاقتصادي". حيث امتدت فترة "التقسيم السياسي" من بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 إلى ما قبل تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1979، حيث كان المعامل الجيني لقياس العدالة الاجتماعي منخفضا جدا، فالمواطنون أكثر تكافؤا من الناحية الاقتصادية، ولكن كان هناك تباين واضح في التقسيم السياسي، صورته الأبرز ظهرت جلية في "نظام الهوية" الذي يمثّله تسجيل (الهوكو) لإقامة الأسر والانتماءات السياسية. وقد أثبت التطبيق أن هذا الهيكل الاجتماعي الذي يتخذ تحقيق المساواة في النتائج كهدف له مآله الفشل.

فيما كانت بداية فترة "التقسيم الاقتصادي" بعد تطبيق الإصلاح والانفتاح، حيث لخّص المؤلف جميع التحوّلات التي شهدها المجتمع الصيني كتغيّرات استهدفت بالأساس الهيكل الاجتماعي. فبعد الإصلاح والانفتاح، تفكّك "نظام الهوية" وتعزّز الحراك الاجتماعي بشكل كبير، وارتفعت مكانة التقسيم الطبقي الاقتصادي، لتتشكّل تدريجيا تقسيمات طبقات اجتماعية يسيطر عليها التقسيم الاقتصادي، واستبدلت الطبقات الاقتصادية تدريجيا بتقسيم الطبقات على أساس سياسي. وأحرز المجتمع تطوّرا وتقدّما كبيرين على مدى السنوات الأربعين الماضية، ما أثبت أن هيكل التقسيم الاقتصادي يتماشى مع الواقع الذي تعيشه الصين في الفترة الحالية.

وعلى الرغم من جميع الإيجابيات التي تناولها المؤلف، إلا أنه لم يغفل أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء كبيرة نسبيا، ومن السهل تشكيل تناقضات اجتماعية جديدة. ويرى لي تشيانغ أن الهيكل الاجتماعي في الصين يشهد مرحلة الانتقال من شكل "丁" إلى "土" وبعيدة كل البعد عن شكل "غصن الزيتون" الذي يتجلى في حقيقة أن أساس المجموعة القابعة في أسفل التقسيم الطبقي كبيرة جدا، والطبقة الوسطى ضعيفة للغاية، وثروة الشريحة الثرية تتراكم بسرعة كبيرة.

ولا ينعكس عدم المساواة في التنمية الاجتماعية حصريا على التنمية غير المتوازنة بين الحضر والريف، بل يمتد ليشمل كذلك المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم والكبرى. ويكون تأثير سيفون للمدن الكبرى على السكان واضح للغاية، فيما تركيز الثروة الاقتصادية له تأثير ماثيو واضح، وبالتالي زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

 

طبيعة الطبقة الوسطى في الصين

فيما يتعلق بالطبقة الوسطى، يسرد المؤلف مجموعة معايير تشير إلى هذه الشريحة منها *نصيب الفرد من الدخل المتاح للأسرة يتراوح بين 20 و67 ألف يوان سنويا *امتلاك سيارة خاصة ومنتجات مالية ووحدة سكنية عبارة عن شقة أو فيلا *معامل إنجل يتراوح بين 0.3 و0.365 *تخصيص نفقات للثقافة والترفيه والسياحة كل عام *التقييم الذاتي للوضع الاجتماعي في المستوى المتوسط أو أعلى *الرضا عن الوضع المعيشي والثقة في المستقبل.

ويلخص المؤلف ثلاثة عناصر تميّز الطبقة الوسطى وهي المكانة الاقتصادية والوظيفة والتعليمية، والتي تخلق بدورها قنوات لتشكيل طبقات متوسطة جديدة في التعليم والتقنيات المهنية والسوق (يشمل السوق هنا سوق السلع وسوق العمل وسوق الائتمان المالي).

وعادة ما تقسّم العوامل التي تؤثر على ارتفاع أو هبوط دخل الفرد ومكانته إلى فئتين، الأولى هي المهارات الفردية، والأخرى عبارة عن العامل الفطري، مثل أصل العائلة أو تسجيل الأسرة التي لا يمكن أن يقررها الفرد. وأظهرت بعض البيانات الصادرة حديثا في الصين أنه من بين العوامل التي تؤثر على تغيرات المكانة والدخل، زيادة دور المهارات الفردية بشكل كبير، وانخفاض دور العامل الفطري، وهو عامل إيجابي هام للغاية، نظرا لأن رفع دور المهارات الفردية يؤدي بالأساس إلى تعزيز المهارات الفردية أو الاهتمام بقبول العمل الفردي الشاق، ما يعزز الكفاءة الاقتصادية والحيوية الاجتماعية بصورة واضحة.

 

ارتفاع المكانة الاجتماعية في الصين

يرى مؤلف كتاب "تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة" لي تشيانغ، أن الصين تمر بمرحلة تشهد فيها معظم الفئات الاجتماعية ارتفاعا كليا في مكانتها، وينعكس ذلك في تحوّل العمال المهاجرين إلى عمال صناعيين، والارتقاء بمستوى العمال الصناعيين في المناطق الحضرية إلى مجتمع يسيطر عليه ذوو الياقات البيضاء يشاركون في التقنيات المهنية والإدارة والمبيعات والأعمال المكتبية. وبطبيعة الحال، فإن هذا الارتفاع يحدث بشكل رئيسي في المدن الكبيرة أولا، لكن تظل المكانة المهنية هي الانعكاس الأول للمكانة الاجتماعية لأبناء الشعب، ليتضح أن الارتفاع الكلي للمكانة المهنية بمثابة مؤشر إيجابي للغاية.

ونوّه المؤلف في كتابه إلى أنه في الماضي كان ينظر الناس إلى التمايز الطبقي بوصفه المسبب الأول لعدم الاستقرار الاجتماعي. لكن لي تشيانغ يرى خلاف ذلك، حيث أشار إلى أنه إذا كان التمايز الاجتماعي عبارة عن استقطاب بسيط فإنه بالطبع ليس جيدا، لكن إذا كان "تجزئة" للمصالح فإن مصالح الناس المتنوّعة تسهل تباين الاهتمامات. ويضرب مثالا على ذلك، إنه في السابق كان معظم سكان المدن يعمل في مؤسسات مملوكة للدولة ذات أجور وطنية موحّدة، وتتطلب زيادة الأجور إصدار قرار من الحكومة المركزية، لكن الآن الأمر اختلف حيث تعمل الغالبية العظمى من العمال والموظفين والفنيين في مجموعة واسعة من الشركات والمؤسسات ذات الاختصاصات المتنوّعة، وزيادة الأجور تعود إلى إدارات هذه الجهات ولا يتعين عليها انتظار موافقة حكومية. وقد أظهرت دراسة حديث أن تمايز المصالح في المجتمع الصيني متنوّع، وهذا التنوّع في المصالح مفيد لضمان الاستقرار الاجتماعي من منظور علم الاجتماع.

ومن وجهة نظر شخصية، فإن ما يستحق الثناء هو أنه إضافة إلى التحليل النظري للظواهر الاجتماعية، فإن كاتب "تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة" قدّم اقتراحات حول كيفيّة تطوّر الطبقة الوسطى وزيادة فرصة الارتقاء بمستوى العمال المهاجرين وغيرهما من القضايا. وبالنسبة إلى القضايا الساخنة واتجاهات الإصلاح المتمثلة في "ما إذا كان يصعب على الشباب من الأسر الفقيرة تحقيق النجاح من خلال جهودهم؟" و"هل الطبقات الصينية الحالية ثابتة ومستقرة بالفعل ولا يمكن أن تهتز؟" و"ما موقع شريحة منتصفي العمر في منظومة العمل؟" و"كيف تتنافس المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم مع المدن الكبرى للحصول على فرص التنمية؟" و"كيف توازن خطط التحضّر بين تنمية المدن والريف؟"، فلم يقدم مؤلف العمل إجابات مباشرة، ولكنه قدّم مجموعة من الأفكار الجديدة.

 

عنوان الكتاب: تقسيمات الطبقات الاجتماعية في الصين المعاصرة

المؤلف: لي تشيانغ

الصفحات: 535

الناشر: شركة إس دى إكس المشتركة للنشر

سنة النشر: يوليو 2019

اللغة: الصينية

 

أخبار ذات صلة