الكتابات اليونانية في العهد العثماني

قيس الجهضمي

تتناول أنجليكي غريغوري زياكا في بحثها المعنون بـ"الكتابات اليونانية عن الإسلام في عهد الفتوحات الإسلامية" حركة أهل القلم المسيحيين اليونانيين في الكتابة عن الإسلام سواء كانوا في داخل القسطينينة أو خارجها وذلك بعد سقوطها عام 1954م في يد الدولة العثمانية، وقد كان يرى اليونانيون أنفسهم في تلك المدة أنّهم مواطنون من الدرجة الثانية وبذلك لا يستطيعون الحديث عن الإسلام، هذا مع هجرة مجموعة من أهل القلم لخارج القسطنطينية وتحول البعض منهم للإسلام، مما أدى إلى الركود في الجانب الروحي وغياب التعليم، ودعا بعض أهل القلم في الداخل إلى الاجتهاد والكتابة لأجل حفظ الدين واللغة وتشجيع الشعب وتنويره.

كان البطريرك جيناديوس سكولاريوس هو أول من حاول تدشين أول حوار مسيحي إسلامي بعد فتح القسطنطينية، وكتب ثلاثة مصنفات أولها "في السبيل الأوحد الذي يقود إلى خلاص بني البشر" والثاني لايوجد له عنوان معروف وهما عبارة عن نقاشات جمعته مع محمد الفاتح، فالأول عبارة عن موجز سريع لمبادئ الإيمان المسيحي. أمّا الثاني فهو تبسيط للكتاب الأول لتسهيل تلقي وفهم النص على غير ذوي الاختصاص، وكان الثالث بعنوان "أسئلة وأجوبة عن ألوهية ربنا يسوع المسيح" وهو عبارة عن نقاشات مع ضباط مسلمين من مدينة سيرس حول الإيمان المسيحي والإسلامي.

ومن الأشخاص الذين اهتموا بالمسائل التي تخص الإسلام والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين جورجيس التريبوزندي، كان قد درس بإيطاليا وقام بتدريس الآداب الكلاسيكية في البندقية وروما ونابلي وعين مديرا لمكتبة الفاتيكان ومن مصنفاته "في حقيقة الإيمان المسيحي" وحاول من خلال هذه الدراسة إحداث تقارب بين المسيحية والإسلام، وقد قدمت هذه الدراسة للسلطان بعد فتح القسطنطينية في نفس العام محاولا أن يوضح أنّه لا توجد خلافات جوهرية بين القرآن والإنجيل، وقد حض السلطان إلى أن يكون "أمير الأتراك والرومان" عن طريق إنشاء مجمع إسلامي مسيحي للوصول للوحدة المنشودة.

وقد ذهب بعض الكتاب إلى مدح التعاون اليوناني العثماني لتخفيف المصاب على الشعب المسيحي من جهة ومن جهة أخرى إلى تحقيق مصالح شخصية، ومنهم أميروتزيس وقد كتب دراسة لاهوتية فلسفية أهداها للسلطان بعنوان "حوار مع السلطان التركي عن الإيمان المسيحي" ليبين مدى التقارب بين الديانتين المسيحية والإسلامية، وقد دعا إلى أن تتوحد الديانتان في ديانة واحدة، وأنّ الفوارق بين القرآن والإنجيل تم تهويلها بسبب ترجمات فاسدة، وقد قوبل بالحنق من المسيحيين وعدم المبالاة من المسلمين.

درس المؤرخ ساتهاس كفاح أهل القلم اليونانيين في المنفى لاسترداد بلادهم من السيطرة العثمانية، وكذلك كتب باباريغوبوليس عن كفاحهم في مصنفه قليلا لكن بتركيز، ومن أبرز الكتاب اليونانيين الذين لجأوا للغرب بيساريون، إذ لم يتوقف أبدا عن محاولة تجميع تحالف أوروبي لاسترداد القسطنطينية، وقد كان مقتنعا على عكس أهل زمانه أن الخلاص باندماج المسيحية في الشرق مع الغرب، وقد اعتنى بردم الهوة التي كانت تفصل بين الغرب والشرق، وقد سعى بكامل طاقته لعقد الاجتماعات والالتقاء بعواهل أوروبا والنبلاء ومن لهم شأن لدعوتهم لردع السيطرة العثمانية، وقبل وفاته بأربع سنوات تبرع بمكتبته في البندقية فكانت لأهل اليونان كبيزنطة جديدة.

ومن أبرز الكتاب بلانوس لاسكاريس تلميذ بيساريون، وقد أطلق عليه "حامي حمى اليونانيين في كل مكان" وقد سعى عن طريق نشره واهتمامه بالآداب اليونانية للتواصل مع عواهل أوروبا للتعبير عن محنة مواطني اليونان والسعي لإنقاذهم، وتركزت نشاطاته على اتجاهين: الحفاظ على تراث العصر القديم الثقافي، وإثارة انتباه أوروبا إلى اليونان المستعبدة.

وجد اليونانيون العزاء والسلوى في سلسلة من المرويات والمغيبات والنبوءات التي اختلقت في العهد العثماني، والتي تؤمل بسقوط الدولة العثمانية وعودة الإمبراطورية البيزنطية، وقد اعتمد العرافون على مرويات من العهد القديم وكتاب القيامة للقديس يوحنا للتدليل على سقوط بيزنطة لفترة من الزمن ثم عودة عهدها من جديد، وأنه سيأتي المسيح ليحكم العالم، ومن هذه المرويات قصة تمثال الإمبراطور وستنيان الفارس البرونزي، وقد كان يتصدر ساحة القسطنطينية وقد بدا الإمبراطور ممتطيا جواده مشيرا بقبضة يده اليمنى جهة الشرق وبيده اليسرى يمسك مجسما كرويا لكوكب الأرض، وقد أولّت القبضة اليمنى في البداية بأنها صد لهجوم البرابرة ثم تطورت إلى صد لهجوم المسلمين القادمين من الشرق وفي العهد العثماني حينما وقعت الكرة من يد التمثال صار تأويلها على أن بيزنطة فقدت سلطتها السياسية كاملة وصارت إلى يد الأتراك.

ومن المرويات على استرداد القسطنطينية مروية "شجرة التفاح الحمراء" والتي على رأسها رجل فقير لكنه حكيم يهبه ملاك الله سيفا لا يقهر وسيقوم بتحرير القسطنطينية، وأيضا مروية ملك الرخام التي تقول إن آخر إمبراطور لم يمت دفاعا عن القسطنطينية بل رفعه الرب وستره في مغارة قريبة من الباب الذهبي حيث تحجر ثم سيبعث الرب بالملاك ليوقظه ويهبه الملاك سيفه ليحرر القسطنطينية بالجيوش المسيحية، ويطرد الأتراك لشجرة التفاح الحمراء، وسوف يأتي من الباب الذهبي الذي كانت جيوش الأباطرة تدخله منتشية بانتصاراتها، وقويت هذه المروية حتى غلّق الأتراك الباب الذهبي وتحول مع الزمان اسمه للباب المغلق.

وقد صنعت أدبيات أخروية لتعزيز إيمان ووعي الشعب المسيحي ضد الإسلام وكان أساسها سفر القيامة للقديس يوحنا وسعى المؤولون لهذا النص بربطه بالواقع ومشاكله بحيث جعلوا من هذه المصائب قرب نهاية العالم وانبعاث المسيحية من جديد واستعملوها على أن هذه المصائب لا تحل إلا بالرجوع عن الذنوب والعودة إلى الرب، وتشجيعهم على الكفاح ضد الإسلام، وقد ساوى المفسرون في نبوءاتهم بين المصطلحات الأخروية ورموز الواقع فجعلوا من دابة القيامة هي الإسلام والمسيح الدجال هو النبي محمد، واهتم استوريوس أرجيريوس بالأدبيات المكتوبة في العهد العثماني ودراستها خصوصا في كتابه "التفسيرات اليونانية للقيامة في العهد التركي".

خلاصة:

كانت الكتابات اليونانية ذات منحيين منها ما سعى للتقارب والتعاون مع الدولة العثمانية وأما الأخرى كانت ضد الإسلام، وقد أعاد محمد الفاتح تنظيم البطريركية المسيحية ووضع البطريرك مسؤولا عن كل المسيحية التي تحت قبضة الدولة العثمانية واعتبرهم من أهل الملة مما سمح ببعض أشكال التسامح والتعايش بين شعوب الإمبراطورية وحرية التدين واللغة وحق الحماية كما ورد في التشريع الإسلامي، وأما أهل القلم الذين كانوا في أوروبا فجعلوا من أنفسهم سفراء لنشر الآداب اليونانية مع سعيهم للتواصل مع عواهل أوروبا لشن حملة صليبية على الإسلام وتحرير القسطنطينية، كما كان هدف المرويات والأدبيات الآخروية هو تعزية الساكنة الإرثذوكسية على الغزو الإسلامي وتوفير الوسائل الضرورية اللازمة لبقاء الشعب وفيا لديانته ووطنه، وتذكر الكاتبه أيضا أنه قد بدأ البحث المنظم عن الإسلام منذ ما يقارب الخمسين سنة في كليتي اللاهوت في جامعتي تسيالونيكا وأثينا، مما يوضح لنا أن البحث اليوناني يسعى حثيثا بالبحث والمعرفة إلى تحقيق التواصل بين العالم اليوناني والعالم الإسلامي، مما جعل أوروبا تتجه لهذا البلد كونه رابطا روحيا وثقافيا بين الشرق والغرب.

أخبار ذات صلة