عاطفة المسكرية
في مقالة بعنوان "معنى وحدة الدين وديانات التوحيد في تاريخ الإنسانية" يناقش محسن الخوني الأكاديمي والباحث في جامعة تونس المنار جانب في سياق الحوار المتعلق بالأديان. لطالما دعت العديد من المؤسسات الحديثة إلى الحوار تفاديًا للخلافات الناتجة عن صدامات المختلفين، دينيا، وعرقيا، وثقافياً إضافة إلى القائمة الطويلة من التصنيفات والقوالب التي اخترعها البشر لخدمة هدف ما. يشير الباحث مبدئيا إلى فكرة الأديان على أنها محاولة (لتحدي ظاهرة الموت) حيث لم يكتف الإنسان بما أتيح له من معلومات وماديات وظواهر تتناسب مع فهمه وإدراكه المحدود بطبيعة الحال. فاللجوء إلى الأديان كان نوعاً من محاولة الحصول على إجابات تتعلق بالأمور الغيبية واعتبارها مسلمات لإسكات التساؤلات التي لا تحتمل الإجابات المبسطة. وأشار إلى تبرير آخر لوجود الأديان حيث إن طبيعة الفرد الاجتماعية تستدعي ذلك وتلبي الأديان هذا المطلب بطابعها السياسي والاجتماعي الذي يعد حاضرا في أغلب الأديان إن لم تكن جميعها. وتعد الديانة الإغريقية مثالا جيدا على ذلك، حيث جاءت بأوامر تُنادي بإقامة الاحتفالات الاجتماعية والمناسبات المدنية كجزء من المنظومة الدينية. في هذه النقطة تحديدا تجدر بنا الإشارة إلى كافة الأديان السماوية كذلك، حيث لا تخلو ديانة من مناسبات وطقوس اجتماعية ضمن منظومة الدين بغض النظر عن الاختلافات من جانب والتشابه الكبير في بعض الجوانب أحيانا!
ينتقل الباحث إلى فكرة أخرى في سياق حديثه عن التحاور ويذكر الكيفية التي تقدم وتفرض الأديان نفسها كديانة كونية تكترث بالإنسانية والاتحاد البشري للمصلحة الجمعية حتى وإن فرضت بشكل قسري. ومن ثم ينتقل إلى الإسلام كفكرة وكدين وكيف أنه لا يقتصر على الرسالة المحمدية مستندا في قوله على الآية (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) مشيرا إلى امتداد الإسلام " كإسلام وإيمان التوحيد بالله سبحانه وتعالى أكثر منه رسالة نبي الله صلى الله عليه وسلم وحده" وربما نجد ذلك مدعوما بفكرة أننا نؤمن بعيسى كنبي الله سبحانه وتعالى ولكننا لا نعتنق الديانة المسيحية، وهذا وضعنا مع الأديان السماوية، الأنبياء والرسل كذلك. يشير الكاتب في محاولة فهم أهمية الوحدة الدينية بالنسبة للأديان غالبا إلى ارتباطها بتحقق الوحدة الإنسانية للبشر، ولكنه يطرح تساؤلا بعد حين لقياس مدى قدرة الأديان على التطور والتقدم لمواءمة مستجدات العصور اللاحقة. يتكرر طرح هذه الفكرة في كل مرة يتم فيها التعمق في المسائل المتعلقة بالأديان ويتضح أنه أمر متوقع في الوقت الراهن لاسيما بعد ظهور المذاهب العلمية الوضعية وامتزاج الكثير من القيم والأفكار نتيجة الثورة والانفجار المعرفي بجانب العولمة. وفقاً لما جاء في المذهب الوضعي الذي يرى في انحسار علم اللاهوت نتيجة متوقعة أمام انتشار العلوم في المجتمعات. من هذا المنطلق يتجه معتنقو هذا المذهب إلى دحض كل الغيبيات المجاب عنها في سياقات دينية واستبدالها بأدلة علمية. ومع تطور وتقدم العلم والاكتشافات المستمرة يؤمنون أن العلم سوف يصبح قادرا على أن يحل محل الدين بشكل تام مرفقاً بأدلة منطقية تخاطب العقل.
وقبل ذلك ظهرت آيدولوجيات تعتنق بعضا مما جاء في هذا المذهب معتبرة أن الدين وعي مزيف مؤقت في سبيل إسكات ما لا يستطيع الوعي البشري فهمه ببساطة. يعود الباحث لمسألة نشر الدين كديانة كونية ويناقش الآلية التي يتم نشره فيها وما إذا كانت بعقيدة السلم أم بعقيدة السيف تغلب في مسألة النشر؟؟ يعتمد الأمر برمته على الفكرة الكامنة في أذهان من يحملون على عاتقهم مهمة النشر، فإذا كانوا يؤمنون بالبشر على أنهم منبع للخير وأصل الإنسان خير نشروه بعقيدة السلم، وما عدا ذلك كان يستعدي أن ينشر الدين بعقيدة السيف. في الجزئية الثانية من الطرح وبعدما ناقش وبرر وجود الأديان وفق قوالب مختلفة يشير الباحث إلى الترابط ما بين الأديان ويفتتح ذلك بتأكيد وجود ترابطا روحيا ما بين المسيحية واليهودية. قبل التعمق في ما جاء في هذا السياق من الجدير بالذكر هنا أن الترابط بطبيعة الحال لا بد من وجوده بين الأديان السماوية الثلاث متضمنا الإسلام وغير مقتصر على المسيحية واليهودية فقط. وما أدل على ذلك أكثر من الطقوس الدينية في أي من الأديان السماوية الثلاثة، حيث أن التشابه الكبير فيما بينها يدل على وجود هذا الترابط. ومن هذا المنطلق يتوجب على العناصر الدينية البحث عن أوجه التشابه والترابط لتقوية العلاقات وليصبحوا غير معنيين بالتفاصيل المختلفة.
يسلط الباحث الضوء على الاختلاف بين الحوار والتفاوض مشيرا إلى أهمية الحوار الذي تكمن فكرته في التنازل عن شيء ما ما لم تكن لديك حجة مقنعة. لسنا متأكدين هنا من نوع "التنازل" المطلوب لا سيما في شيء مثل "الدين" تابوه المجتمعات. وقد تكون مقاربة الآراء والأفكار أجدى نفعا في المسائل المتعلقة بالدين. ومن الممكن كذلك مناقشة التسامح أيضا؛ فطالما هنالك تعددية لا بد من حضور التسامح كفكرة لتجنب الصراعات الفكرية. واليوم في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي الذي أتاح للجميع فرصا متساوية – إلى حد ما – للتعبير عن أنفسهم، من الممكن استغلال هذه المنصات للتقارب الفكري ودعم الترابط الروحي ما بين الأديان المختلفة أو أي تصنيفات بشرية تسببت في شقاقات وخلافات بينهم. تعد وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أداة حقيقية تؤخذ بعين الاعتبار وبجدية أكبر كلما تقدمت الأيام.
تماسكت شعوب واختلفت أخرى، توطدت علاقات وانقطعت أخرى بشرارة انطلقت من إحدى قنوات التواصل الاجتماعي الرسمية، وفي سياق الجدية التي منحتها المؤسسات الرسمية لهذه الأدوات أصبحت الكثير من الكيانات السياسية (الحكومات وقنواتها وكل ما يرتبط بها) حاضرة في هذه المنصات، وكذلك الدينية منها ولكن ما الدور الحقيقي الذي لعبته المؤسسات الدينية وما مدى الجدية التي ساهمت بها في سبيل تقريب وجهات النظر ؟؟!
