فاطمة بنت ناصر
كتب الأستاذ إبراهيم البيومي غانم - رئيس قسم الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بجمهورية مصر العربية دراسة مهمة حول مقاصد العمل الخيري نشرت بمجلة التفاهم. وتتمثل أهمية هذه الدراسة في تبيين التوجه الموحد للناس في تطبيق العمل الخيري رغم سعة معناه وعمق مضامينه، فأصبح العمل موجات تارة توجه لبناء المساجد فتفيض الأرض بها وتارة تجمع الأموال لتنقذ من يعانون في الخارج وينسى أبناء الداخل الأقل حظاً. لقد ابتلي العمل الخيري بالكثير لم يفصل بذكره كاتب المقال حيث إنه آثر أن يستغل الوقت في التعريف بمقاصد الخير الرئيسيّة لنعيد توجيه بوصلتنا في فعل الخير فننظم الصفوف فلا نزرع كلنا في نفس الأرض ولكن يحمل كل منِّا فأسه إلى أرض جديدة.
معاني الخير في اللغة العربية وغيرها
-
-
- ففي اللغة يقول الكاتب إن معنى الخير يشير إلى كل ما فيه نفع وصلاح لتحقيق منفعة أو جلب مصلحة. وهو مرتبط في اللغة بكثرة البدائل المتاحة وحسن الاختيار منها.
- الأصفهاني يسبغ لتعريف الخير صبغة فلسفية فيقول: "الخير ما يرغب فيه كل البشر، كالعقل والعدل والنفع والفضل. وضده الشر.
- ومن أقوال فلاسفة وعلماء الإسلام في الخير قول ابن سينا: "إن الخير ما يتشوقه كل شيء ويتم به وجوده".
-
وأما الكتاب المعنيون بالحكمة السياسية فيربطون الخير بمبدأ عمارة الأرض وإقامة العدل كقول سِبْط بن الجوزي: "إذا اتسع الرزق كثرت الخيرات، وإذا كثرت الخيرات عمرت البلدان".
-
أما في اللغات الأوروبية فإنّ "العمل الخيري" مشتق من كلمة philanthropia حيث تعني كلمة philein الحب وكلمة anthropon وتعني الإنسان. وتأتي كذلك بمعنى الطيبة مثل كلمة kindness وفي إنجلترا يشيع استخدام كلمة الإحسان charity عند الحديث عن العمل الخيري.
الفلسفة الإسلامية للخير مقابل الفلسفة الأوروبية
يقول الكاتب إنَّ فلاسفة عصر الأنوار كتوماس هوبز وجون لوك وبنثام وغيرهم (في تعميم جائر كما أراه لكل رواد ذلك العصر) لا يتطرقون إلى مفهوم (الخير أو الخير العام) وسبب ذلك حسب قوله اهتمامهم المسلط نحو اللذة والمنفعة الفردية!. وهذا قول غريب فرواد ذلك العصر كانوا يعظمون قيمة الإنسان ويرون أن بسعادته يسعد ما حوله فقولهم عن البحث عن اللذة والسعادة هو ليس بالضرورة (ما فهمه الكاتب من لذة ومتع فردية) هي جزء منها بلا شك وهذا لا ينقص من أهمية تلك اللذات وانعكاس تلبيتها على الفرد والمجتمع ، بل إن تركيزهم على الفرد ولذته كان بوضع المجهر على المكون الأساسي للمجتمع وهو الإنسان فحين يمنح هذا الإنسان الحق في البحث عما يسعده سوف يعيش المجتمع في انسجام. إن أقوال فلاسفة ذلك العصر مرتبط بأحوال ذلك الزمان الذي عاصروا فيه أن اللذات والخير محصور لفئة الأغنياء والأثرياء بينما يكدح الآخرون وترهقهم الحياة! كانت محاولاتهم تلك موجهه لذلك السياق الذي فيه ناصروا حق الجميع في التلذذ بالحياة والعيش بسعادة وهذا طبعاً غير محصور بالمتع الجسدية فقط كما يحلو لكثير من مفكرينا تسطيحها ووضعها في ذلك السياق خدمة لنصرة فكرتهم. فحين يقول هوبيز : " المكاسب مقياس للخير " يعني فيه كلما زاد الخير في الناس زادت المكاسب التي يجنيها المجتمع بأسره، وزيادة المكاسب في المجتمع يدل على زيادة الخير فيه. فلا يمكن أن نجمع كل فلاسفة التنوير ونضعهم في سطر واحد ونعمم عليهم بحكم كهذا. إن كنّا نريد القول أن العمل الخيري من صميم فلسفتنا الإسلامية فهذه الفلسفة لا معني لها ولاقيمة حين ينعدم تطبيقها ويلجأ البؤساء منا إلى الغرب حيث تحترم كرامتهم بينما نضعهم نحن معزولين في المخيمات.
مقاصد العمل الخيري
يقول الكاتب إن العمل الخيري هو بحد ذاته مقصد ثابت من مقاصد الشريعة وله خمسة مقاصد :
أولاً: الحرية
هو أول المقاصد وأعظمها شأناً فالكاتب يستند في أهمية الحرية على آيات القرآن الداعية لفك رقبة وتحرير الأرقاء فهو يقول أن تقييد الحرية بالعبودية هو أحد وجوه تحرير الناس ، فالحرية يمكن أن يقيدها الظلم أو الدَين أو الفقر والحاجة. وهذا تفسير جميل يخرجنا من التفاسير الحرفية التي تجعل القرآن جامداً في زمن نزوله فَلَو اكتفينا بقولنا فك رقبة لوجدنا أن التطبيق أصبح ضيقاً في حياتنا المعاصرة حيث أن الناس قد تحرروا منذ سنين من العبودية أما المعاني الأخرى التي أوردها الكاتب فهي معانٍ توجد في كل زمان ففي كل زمان هناك الفقير واليتيم والمحتاج للعون والتحرير مما يقيده.
ثانياً: عمارة الأرض
إن تفعيل العمل الخيري بلا شك سوف يساهم في إعمار الأرض وبناء المجتمعات، والدروس في هذا كثيرة خاصة إذا تتبعنا تاريخ ( الأوقاف) حيث ساهمت في نشأة المدارس والجامعات وهو أقدم من حيث النشأة وتعمير هذه المؤسسات من الدولة الحديثة التي تكفلت بهذا لاحقاً وأخضعت الأوقاف لها بعد ذلك. وللأسف تم توجيه العمل الخيري ليحصر في الأعمال الإغاثية وأهملت فيه الجوانب الأخرى التي يمكنها أن تساهم في البناء بجانب الجهود المبذولة من قبل الدولة. وهنا أضيف نقطة أننا لو رسخنا مفهوم العمل الخيري الشامل المساند لعمل الدولة لما واجهنا التذمر من المساعدة في وقت الأزمات بدعوى أن هذه مسؤولية الدولة فقط.
ثالثا: السلم الأهلي
البذل والعطاء يعززان بلا شك التلاحم بين أفراد المجتمع ويزيدان من محبتهم مما يجعله حصيناً أمام ما يفرقه ويشتته وهذا الحصانة صمّام أمان لأي دولة أمام الفتن الخارجية التي تحيط به وما أكثرها في حاضرنا.
رابعاً: محاربة الفقر
إن القضاء على الفقر أصبح ضرورة ورسالة عالمية تحاول لتحقيقها الكثير من المنظمات الدولية وذلك لأن الفقر منبع الكثير من الشرور كالجهل والأمراض والبطالة والجريمة وبالتالي فهو عائق كبير لنهوض الأمم وتطورها. يقول الكاتب إن النظام الإسلامي يسعى إلى اجتثاث الفقر ويدعو إلى الزكاة والعمل الخيري بأشكاله المتعددة كالموقف والهبة والانتفاع بفائض رؤوس الأموال وغيرها، ويضيف بأن المسلمين حددوا الفقر وطرق قياسه ومؤشراته قبل العالم كله مستنداً إلى أقوال الفقهاء الذين أجمع معظمهم على أن الفقر مرتبط بمستوى الكفاية وتلبية الفرد لحاجاته الأساسية.
خامساً: الإسهام في بناء المجال العام
لم يفصل الكاتب هذه النقطة ربما لأنها نقطة مضمنة في كل المقاصد الأخرى ومكررة ولا أعلم لماذا رأى أن يفصلها كنقطة منفصلة.
ختاماً
المقال مهم غير أنه أسهب في إثبات أننا أمة سباقة في صياغة مفاهيم العمل الخيري دون أن يذكر ماهي أسباب اعتلال تطبيقه. وأرى أن من أسباب اعتلاله الآتي:
-
-
المرويات التي يكررها بعض الفقهاء وتجذرت في عقول الناس إنها أفضل وجوه البذل والخير كحديث : " من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة". وكثرة ما تم تأليفه في فضل بنائها مع إهمال ذكر وعرض وجوه الخير الكثيرة الأخرى.
-
دور الشيوخ في تخصيص فعل الخير ليكون من مسلم لأخيه المسلم والتي ضاقت أيضاً مع الوقت لنرى أن كل طائفة تساعد بعضها رغم أن القرآن ذكر ( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس) دون تخصيص لدين أو عرق أو مذهب.
-
