فاطمة بنت ناصر
لا يُعد مصطلح علم الكلام من المصطلحات الشائعة بين عامَّة الناس، فهو ليس كالفقه والإفتاء والشريعة. والسبب قد يعود إلى ظهوره الخجل والنادر في الوقت الراهن، على عكس العلوم الإسلامية الأخرى التي كان لها وجود قديم ولازال حتى اليوم تتداول ويتم تدرسيها، ولهذا حين يموت عالم من علمائها يخلفه تلاميذ كُثر. فهناك جامعات ومؤسسات معنية بتدريس الشريعة والفقه وأصول الإفتاء وغيرها من الأمور، أما علم الكلام، فلم يكتب له عُمر طويل؛ فقد عاش حين لم تدخل الدولة في الخلافات بين المدارس العلمية ومات حين تحيزت الدولة في صف أحدها. إلا أن بدايته كانت قوية ومؤثرة حيث تداخل وتفاعل مع علوم كثيرة أبرزها علوم أصول الدين، حيث كان يصعب التفريق في وقت من الأوقات بين الكلامي والأصولي، وذلك يعود لالتقاء العلمين في تحكيم الدليل، فالأصولي يحتج بالدليل والكلامي يحتج به كذلك. في هذا المقال تلخيص ومراجعة لما كتبه محمد عمر في مجلة التفاهم من بحث بعنوان "المصطلح في علم الكلام".
تعاريف علم الكلام
تتعدد التعاريف لهذا العلم إلا أنها تجمع في الحفاظ وحراسة العقيدة والدفاع عنها من المشوهات والتزييف
- فبحسب الفارابي: صناعة علم الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الأفعال المصرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل.
- وهو عند ابن خلدون: علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف.
- أما الغزالي فيقول: حفظ عقيدة أهل السنة، وحراستها من تشويش أهل البدعة.
- ومن التعريفات الحديثة قولهم: " إنه نقل اللفظ من المعنى الذي استعمل فيه أول مرة إلى معنى آخر مجازي اصطلاحي بسبب وجود علاقة بينهما".
أما عن سبب تسميته بعلم الكلام فيعود
أولاً: لارتباط هذا العلم بكلام الله والدفاع عنه أمام ما قد يناقضه.
ثانياً: كما أن القضية الأبرز في مناظرات علم الكلام منذ نشأته هي قضية هل كلام الله محدث أم مخلوق؟
ثالثاً: أضف إلى ذلك صفة الكلام التي هي من أبرز صفات الله.
المصطلح الكلامي رسوخ وجذور
إن علم الكلام يعد من العلوم المؤسسة في الدين الإسلامي فهو أحد الروافد الأساسية لعلم أصول الفقه، الذي يستند في الكثير من مباحثه على مواضيع علم الكلام.
أما المصطلح الكلامي فقد تكون منذ نشأة علم الكلام. ونقصد بالمصطلح الكلامي هو مجموعة التعبيرات والمفاهيم والألفاظ المعنية بعلم الكلام والتي يستخدمها المشتغلون بهذا العلم. وهذه المفاهيم والمصطلحات اكتسبت صبغة علم الكلام وقد لاتكون بالضرورة معبرة لمعناها في المعاجم والمراجع الأخرى. لهذا فالمصطلح الكلامي مكتسب تطور ونشأ بنشأة علم الكلام. وهذا يدل على عمق الاشتغال في هذا العلم بالقدر الذي تكونت فيه مصطلحات شائعة لها معنى واحد متعارف عليه بين العاملين والمعنيين فيه. ويمكن تعريف المصطلح بالآتي: "كل لفظ بسيط ومركب لفظي قصد به التعبير عن ماهية المفهوم". أما القاضي عبدالجبار فيعرفه قائلاً: " : قد تنقل اللفظة من أصل
اللغة إلى ضرب من التعارف على حال ما تعرفه من حال كثير من الألفاظ". ويقول الخوارزمي : "المصطلح مفتاح العلوم" .
ضبط المصطلح الكلامي
لقد تنبه المشتغلون بعلم الكلام إلى أهمية ضبط المصطلح الكلامي. فهو لا يعد فقط إضافة لغوية مهمة ولكنه بالضبط يؤدي إلى رسوخ علم الكلام وإلى تأسيسه بالأساس المكين الذي يبنى عليه ولا خوف عليه من التصدع.
أهم المصنفات والمقدمات في المصطلح الكلامي
نظراً لعدم تداول هذا العلم في الوقت الحالي وتغييب معانيه ومقاصده، فمن الضروري إرشاد القراء المهتمين بتتبع هذا العلم وأصوله بأن نضع بين أيديهم أهم الكتب التي تم تأليفها في المصطلح الكلامي:
- كتاب التعريفات. لصاحبه: الجرجاني.
- كتاب الزينة في الألفاظ العربية الإسلامية، وكتاب الكليات. لصاحبه: النفوي.
- كتاب اصطلاحات الفنون. لصاحبه التهاوني.
- كتاب الحدود في علم أصول الفقه. لصاحبه: أبي الوليد الباجي.
- كتاب الحدود. لصاحبه: ابن فورك.
- كتاب الحدود الكلامية والفقهية على رأي أهل السنة الأشعرية. لصاحبه: أبي محمد بن سابق الصقلي.
كما تكثر مقدمات المؤلفات الفقهية التي تحتوي على وصف دقيق لعلم المصطلح الكلامي خاصة في المؤلفات الفقهية والكلامية والأصولية. و أبرز من كتبها:
- الإمام الغزالي. في باب الحد الذي ورد في كتابه المستصفى.
- الإمام الباجي. في مقدمة كتابه إحكام الفصول في أحكام الأصول.
تأثير علم الكلام على غيره من العلوم
من أهم المؤشرات على تأثير علم الكلام على غيره من العلوم هو وجود مفاهيمه في نصوص العلوم الأخرى. وأبرز العلوم التي استخدمت مفاهيم علم الكلام هو علم أصول الفقه. وأبرز تلك المفاهيم: العلة، والتعليل، والكلام، والوضع، والحاكم
ولهذا التأثر أسباب عديدة أهمها:
- تداخل العلوم الإسلامية بشكل كبير، وهناك علوم أكثر تأثراً ببعضها من غيرها كالتأثير الحاصل بين علم الكلام وعلم أصول الفقه.
- لم ينحصر اهتمام المتكلمين بعلم الكلام بل اشتغلوا في علم أصول الفقه، مما أدى إلى نقلهم للعديد من المفاهيم التي تنتمي في الأصل إلى علم الكلام. و أبرز هؤلاء العلماء قاضي السنة أبوبكر الباقلاني و قاضي المعتزلة عبدالجبار الهمذاني. وممن شهدوا لهم بهذا الدور العظيم الإمام بدر الدين الزركشي الذي قال: "وجاء من بعدهم أي الشافعي والصدر الأول فبينوا و أوضحوا، وضبطوا وشرحوا، حتى جاء القاضيان- قاضي السنة أبوبكر بن الطيب، و قاضي المعتزلة عبدالجبار - فوسعا العبارات وفكا الإشارات، وبينا الإجمال، فرفعا الإشكال، واقتنع الناس بآرائهم، وساروا على أخذ نارهم، فحرروا وقرروا، وصوبوا وصوروا، فجزاهم الله خير الجزاء ومنحهم كل مسرة وهناء".
ختاماً
قدم المقال من وجهة نظري تقديماً بسيطاً جداً للراغبين المبتدئين في معرفة بعض الملامح العامة لهذا العلم ولكنه تجاهل وغض الطرف تماماً عن شيطنة العلماء المتحدثين لعلم الكلام لدرجة أوصلتهم إلى تكفير المشتغلين به وإلصاق تهمة الزندقة بهذا العلم. والسبب أن المحدثين لا يحاجون إلا بالمكتوب من الأحاديث أو القرآن ولا يتدبرون بعقولهم ولا يتفكرون، فهم يؤمنون بالنقل فقط وعدا ذلك كفر وزندقة. والسؤال اليوم هل نجد في الأحاديث جواباً لكل مستجدات العصر من مسائل؟! كيف نستطيع القياس إن لم نعمل العقل؟ ولعلنا في مرحلة فارقة من التاريخ حيث تزداد كل يوم القضايا التي تشغل الناس وتقابل أغلبها واهية ومهزوزة ممن يحسبون على الدين، بل إننا في وقت نرى تلون العلماء وتغير قناعاتهم مباشرة على الفضائيات معللين ذلك بطاعة ولي الأمر. إننا في أمس الحاجة لبعث علم الكلام بروح العصر الحديث التي تقنعك بالعقل وليس بالفرض والإرهاب.
