«كيف تصنع الأمراض التاريخ منذ العصر القديم حتى اليوم؟»

Picture1.jpg

تأليف: رونالد د. غيرسته

رضوان ضاوي | باحث في الدراسات الثقافية المُقارنة – الرباط | المغرب

صدر كتاب "كيف تصنع الأمراض التاريخ منذ العصر القديم حتى اليوم؟" للمؤرخ والصحفي وطبيب العيون الألماني رونالد د. غيرسته Ronald Dietmar Gerste في مارس 2019. ويعتبر هذا العمل جزءاً من مشروع توثيقي لتاريخ أمريكا وأوروبا، وتكملة لكتاب سبق أن نشره هذا المؤرخ عام 2015، تحت عنوان "كيف يصنع المناخ التاريخ: الكوارث وتغيّر المناخ منذ العصر القديم حتى اليوم" تناول فيه تأثير المناخ على الأحداث التاريخية وعلى التغيّر المناخي عبر التاريخ.

يتبنى الصحفي غيرسته في كتابه الجديد والعابر للتخصّصات، بأسلوب علمي تدريسي ممتع ومحفز، ضمن رؤية معرفية احترافية للنصوص التاريخية، الأطروحة القائلة إنّ أمراض الكثير من قادة الدول العظمىغيّرت مراراً وتكراراً في مسار التاريخ وفي مسار الشؤون العالمية في اتجاه آخر،كما أثّرت أمراض المثقفين والأدباء والفنّانين في مصير مجموعة من الأعمال الفنية والثقافية المعروفة. وساهمت الأمراض من الطاعون إلى الزهري إلى الإيدز في صنع التاريخ، ووجّهت مصير عصور كاملة، حيث ارتبطت الأمراض والأوبئة والسياسة والاقتصاد دائمًا ببعضها البعض على مر العصوروأثرت على نتائج الحروب،كما حدّدت أيضًا حياة وثقافة ووعي الشعوب فغيّرت حياة الناس. ويجمع هذا العمل بين دفتيه سبعة وعشرين فصلاً. وحسب التقسيم الذي تصورناه لهذا الكتاب المهم،وإضافة إلى فاعل المناخ الذي تطرق له الباحث في كتابه"كيف يصنع المناخ التاريخ"، يركّز المؤلف على ثلاثة فاعلين أساسيين في هذا الكتاب:

 أولا: الشخصيات السياسية التي تأثرت إنجازاتها بالأمراض أو بالموت المفاجئ، فقد بدّلمرض أو موت شخصيات تاريخية مجريات التاريخ، من أمثال: فريدريش الثالث قيصر التسعة والتسعين يومًا في ألمانيا، وماري تيودورملكة بريطانيا، وألكسندر الأكبر فاتح العالم، وغوستاف الثاني ملك السويد، وجورج واشنطن ووودرو ويلسونوهتلر وفرانكلين روزفلت، وجون ف. كينيدي.ثانيا: مرض أو موت الشخصيات الثقافية، التي خصّص الباحث لها حيّزاً مهماً لكونها أثرت في الذوق الفني العالمي. فقد أثَّر وضعهم الصحّي بوضوح على أعمالهم وآثارهم الفنية والأدبية والثقافية، مثل بيتهوفن الذي أصيب بالصمم، وفريدا كاهلو الرسّامة المكسيكية التي أصيبت بالشلل، والأديب الألماني جيورج بوشنر الذي أصيب بالتفويد وتوفي وعمره 23 سنة، ورغم ذلك حصل على أكبر جائزة أدبية ألمانية، ويوهان سباستيان باخ الذي كان ضعيف البصر، وجورج أورويل الذي أثر مرضه بالسل على كتابته لروايته المشهورة 1984، ومات وهو لا يتجاوز سن السادسة والأربعين.ثالثا: خصّص الباحث فصولًا في موضوع الأوبئة والأمراض مثل الطاعون أو الموت الأسود الذي فتك بأوروبا، أو الزهري، أو الجذري الفتّاك، إضافة إلى النقرس الذي يتسبب في الوفاة المبكرة والوباء العالمي الكوليرا، ثم الإنفلونزا أو البرد القاتل، والسل والإيدز.

وتتميز معارف المؤلف على أنها تتكون من تآلف بين العديد من التخصصات، وقائمة على المعرفة بالعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، وهذا التحالف أعطى ثماره بالفعل من خلال كتابه الأكثر مبيعًا "كيف يصنع الطقس التاريخ" (2015) الذي درس فيه عاملا تاريخيا آخر، هو المناخ، ودرس المؤلف فيه الأحداث التاريخية الرئيسية من وجهة نظر الأرصاد الجوية وبحث تأثير الطقس في مصير العالم، فقدّم لنا مفهوماً مماثلا للمفهوم الذي تابعه في هذا الكتاب بطرحه للسؤال: "ماذا لو ...".

يمكن القول إن السيرة الشخصية الممزوجة بالسيرة المَرضية، التي يسعى الكاتب إلى توثيقها في هذا الكتاب، تؤدي تلقائياً إلى سؤال المضاربة "ماذا كان سيحدث لو ...؟".فالواقع المعاكس هو دائمًا جانب من انشغال المؤلّف بالتاريخ. ارتباطاً بهذه الفكرة، يؤكد المؤلف أنّ مرضصنّاع القراريحدد بشكل حاسم مسار الأحداث، ويُقلق بعض المؤرخين بالنظر إلى أن مرض هؤلاء الأشخاص مؤثّر في التاريخ،تماماً مثل انتشار الأوبئة والأمراض، فقدكشفت الدراسات العلمية أنّ الطاعون والزهري والإيدز هدّدت الناس في زمنهم وتركت بصمتها في وعيهم، وأنّ الطاعون الدبلي المسمى "الموت الأسود"، الذي وقع ضحيته نحو ثلث سكان أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر تقريبًا، كانت له آثاره الاجتماعية والاقتصادية الكاملة.كما استمر مرض الزهري في أجزاء كثيرة من العالم لأكثر من 400 عام. وتقول بعض الروايات إن لويس الرابع عشر وبعض الباباوات عانوا من المرض التناسلي، وأيضا العديد من الفنانين مثل لودفيج فان بيتهوفن وفرانز شوبرت أو الشاعر الألماني هاينريش هاينه. ومع ذلك نجد أنهمن الصعب تخيّل التطور الذي كانت أوروبا ستتخذه بدون هتلر في القرن العشرين،على سبيل المثال. فقد أثبت التاريخ أنه متى كانت هناك سلطةمطلقة في أيدي قلّة، فإنَّ هذا يكون تأثيرا كبيرا على مسار التاريخ، ولا يتعلّق الأمر بالملوك والأباطرة في العصور القديمة فقط، لكن الديمقراطيات الحديثة بدورها كانت وما زالت عرضة لمثل هذه التحولات،خاصّةً إذا ما تمّ وضع سلطات واسعة في يد شخص يمكن أن يصبح فجأة مريضًا، وخير مثال على ذلك الديمقراطية الأمريكية، حيث سيتعرف قارئ هذا الكتاب على العديد من الرؤساء الذين أثرت أمراضهم في تقرير مصير العالم.

ويحاول الكاتب الإشارة إلى إغراءات التكهن بكيفية سير الأمور في هذا الكتاب فيرافق المؤلف بعض المرضى المشهورين في معاناتهم، ويطرح السؤال الجوهري: ما هو المسار المختلف الذي يمكن أن تسلكه الأحداث لو...؟ - لو نجحت على سبيل المثال محاولة اغتيال هتلر في يوليو 1944، أو كيف سيغدو عالمنا لو كان نابليون في كامل قوته البدنية والعقلية في معركة واترلو الحاسمة، فقد كانت الأمراض هي العامل الحاسم في مسار التاريخ، وكان من المألوف إصابة ممثلي التاريخ بالأمراض في اللحظات الحاسمة، ما جلب عواقب مصيرية في أغلب الأحيان. وتنطبق هذه الفكرة على الفصلين الأولين من هذا الكتاب، وهما أهمّ فصلين عالجا تاريخ أوروبا، فقد حكم هؤلاء بلادهم لفترة قصيرة جدا، لكنها كانت فترة حكم حاسمة ومهمة.

ويذكر المؤلف في الفصل الأول أنّ مرض الإمبراطور البروسي فريدريش الثالث )1831-1888(بسرطان الحنجرة، قد دمّر جميع آمال البرجوازية الليبرالية في ملكية دستورية. كان الليبراليون يعتبرونه منارة الأمل، ويمكن أن يقود ألمانيا إلى ملكية دستورية تقدمية. فهل كان بوسع إمبراطور التسعة والتسعين يوماً فعلاً تجنيب ألمانيا ويلات الحرب العالمية الأولى؟ وكان فريدريش الثالث قد تولى الحكم مدة تسعة وتسعين يوما، وعُرِف عنه تشبّعه بالأفكار التحررية التي تلقّاها من أمه وزوجته الإنجليزية-وهي أخت الملكة البريطانية فكتوريا )1819-1901(التي سُمّيَ العصر الفكتوري باسمها، وشهدت فيه بريطانيا ثورة صناعية وثقافية وسياسية وعلمية-، واعتقد الليبراليون أنه معارض لسياسة والده الإمبراطور ومستشاره بيسمارك المحافظة،لكن سرطان الحنجرة قتله ودُفن معه الأمل في رؤية مختلفة تماماً لحكم ديمقراطي في ألمانيا. وهنا يمكن فقط التكهّن بمصير ألمانيا لو حقق الإمبراطور أحلام الليبراليين في دولة ديمقراطية، ولو أن ابنه فلهيلم الثاني، الذي أودى بألمانيا نحو مصيرها المحتوم في الحرب العالمية الأولى، لم يتسلّم الحكم إلا بعد عام 1920.رغم ذلك يبقى التكهن قويًا أنه ربما لو عاش الملك فريديش الثالث إلى 1920 لكان قد جنّب ألمانيا ويلات الحرب العالمية الأولى، على الرغم منتشكيك بعض الباحثين في قدرة فريدريش الثالث في تحقيق تلك الأحلام رغم ميوله لأفكار زوجته التحررية، فقد كان مؤمناً بعقيدة الجيش البروسي ومخلصاً للملكية،وولاؤه للملكية وإصابته بسرطان الحنجرة هما اللذان خيّبا آمال الليبراليين.

أمّا في الفصل الثاني فيتساءل الكاتب عن النحو الذي كانت ستبدو عليه "الخريطة الطائفية البريطانية" لو لم تستسلم ماري تيودور )1516-1558(الأسطورية لورمها في وقت مبكر جدًا؟ فقد دخلت ماري تيودور التاريخ باسم "ماري الدموية"، لأنها أرادت في القرن السادس عشر تحويل إنجلترا بوحشية إلى معقل للإيمان الكاثوليكي، بدعم من زوجها الإسباني ولي العهد فليب. وربما بدون موتها بسبب الورم المبكر، لكانت خريطة أوروبا الدينية اليوم مختلفة. ولم يكن الورم السرطاني وحده السبب، بل إن ما يسميه الباحث في كتابه مرض "وهم الحمل" الذي جعل الملكة الإنجليزية تتوهّم مرتين أنها حامل بولي العهد من زوجها الأمير الإسباني، وتوهمت معه الوحدة بين إسبانيا الكاثوليكية وإنجلترا البروتستانتية، كان دافعاً إلى ما سطّره التاريخ في تلك الفترة المظلمة من تاريخ بريطانيا. فهل لو كان الحمل حقيقياً، كان سيجعل من إسبانيا دولة عظمى في عالمنا المعاصر باتحادها مع بريطانيا؟ وهل كان وهم الحمل عند الملكة، ثم الورم، قد عجّلا بإفشال هذا المشروع؟ كانت ماري الدموية مصابة بأربعة هواجس: هاجس إثبات حقّها الشرعي في اعتلاء العرش البريطاني، ثم هاجس الدفاع عن الكاثوليكية لتضمن شرعيتها، ولكي تضمن إثبات شرعية حكمها ونشر الكاثوليكية، غرقت في هاجس توحيد بريطانيا مع إسبانيا الكاثوليكية بزواجها من ولي العهد الإسباني فليب. ولم تكن ستضمن توحيد المملكتين إلا بحملها بولي العهد، ولأنها كانت تقترب من سن الأربعين، وأصبح حملها شبه مستحيل، فقد أصيبت بالهاجس الرابع وهو الحمل الوهمي. وكان من آثار حكمها الدموي الذي دام خمس سنوات استمرار حرب الثلاثين سنة بعد إعدامها. أثّرت هذه الأحداث على تطور الديمقراطية الليبرالية في إنجلترا، فغالبا لا يهتم الباحثون بالعلاقة بين معاناة ماري مع الحمل الوهمي الزائف ودمويتها، لكن أختها حكمت خمسا وأربعين سنة وكان عصرها ذهبياً ظهر فيه الكاتب العظيم شكسبير وانتشرت فيه اللّغة الإنجليزية عبر العالم.

ومرة أخرى، وتماماً كما في مثال الفصل الثاني، تختلط المصالح الدينية بالدنيوية في الفصل الثامن من هذا الكتاب،ففي عام 1630 قرّر ملك السويد غوستافوس أدولفوس الثانيالوقوف ضد الطوفان البابوي الآتي إلى شطآن السويد، ونزل على شاطئ ألمانيا الشمالي كبطل لينقذ البروتستانت، بينما كان ينويفي حقيقة الأمر السيطرة على الرابطة الهانسية وتحويل البلطيق لبحيرة سويدية. انتصر غوستاف لاحقا في نصرين حاسمين وسقط قتيلا فيمعركة لوتزن في 16 نوفمبر 1632. ويتساءل الكاتب كيف سيتحوّل التاريخ لو لم يسقط غوستاف أدولف الثاني في معركة لوتزن؟ ربما سيكون تأثير السويد على ألمانيا كبيراً، فقد قلب تدخله هذا الطاولة، وأجبر ألمانيا على القيام بالتسوية بين المذاهب ونشر قيم التسامح.

وسيلاحظ القارئ أنّ المؤلّف يستدعي تاريخ أمريكا بقوة في هذا الكتاب، ويعتقد أن أمريكاعانت من هاجس تاريخي هو إخفاء مرض الرئيس. فقد تمّإخفاء حالة وودرو ويلسون الصحية السيئة في مرحلة سياسية عالمية حاسمة بين عامي 1919 و1921، فتوسّع فراغ السلطة في البيت الأبيض مما أدى إلى شلل السياسة الخارجية للولايات المتحدة.وعندما تعرض ويلسون لسكتةٍ دماغيةٍ خطيرة وأصبح عاجزًا بسبب الجلطة ومرض الشلل وأصيب بالسكتة الدماغية وضعف البصر في أكتوبر من عام 1919، أخفت زوجته إديث خطورة مرضه، وقامت بإصدار الأحكام بالنيابة عنه، ما جعل البلاد تحت رحمة زوجته التي أدارت شؤون البيت الأبيض في سرية تامة. وربما كان هذا الأمر جيّدا لمستقبل أمريكا، فقد اعتبرهمنافسوه سياسيًا أمريكيًا ساذجًا بأفكار سياسية خارجية مدفوعة بالتعصب الديني، وأنه كان من «روّاد رئاسة الدولة الإمبريالية».

إن الأسئلة التي طرحها الكاتب تشير بوضوح إلى أهمية الأمراض بالنسبة للتاريخ، والتي يتعامل معها المؤلف انطلاقاً من تاريخ مرض الشخصيات التاريخية الهامة. وكذلك الشأن بالنسبة للأوبئة التي أثرت في مصير العالم من خلال انعكاساتها على الوضع الديمغرافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن أمثلة هذه الأوبئة يذكر المؤلف الكوليرا، ففي هامبورغ تصدّرت أخبار هذا الوباء عناوين الصحف، مما أساء إلى صيت المدينة عالميا. وكان مألوفا عند حدوث الأوبئة محاولة إيقاف الأخبار، كيلا يتأثّر الاقتصاد الوطني. كانت الكوليرا آخر وباء كبير أصاب ألمانيا في 1892، التي أصبحت تعاني من الكوليرا ومن الحرب على حد سواء. وبعد انتهاء الكارثة الصحية في مدينة هامبورغ، تم سنّ قوانين جديدة بهدف تحسين ظروف المعيشة والصحة والنظافة والبيئة، كما تم تحسين شروط الصحة في المراكب وفي الميناء وتمّخلق منصب طبيب الميناء، كما تم إنشاء مصنع لحرق النفايات في هامبورغ، تم بناؤه عام 1893 باعتباره أول مصنع في ألمانيا. ومن خلال تعديل دستوريشاركت قطاعات أكبر من السكان في العملية السياسية.ومعروف أن الكوليرا تنتشر أيضا بين ضحايا الحروب، وفي وقتنا الراهن أصيب الآلاف من اليمنيين بهذا الوباء. فقد تُوفِّي هذا العام من جرَّاء الكوليرا ما يقرُب من 2000 يمني منذ أن بدأت فاشية هذا الوباء في الانتشار سريعاً في نهاية شهر نيسان/أبريل. وقد صرح الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، قائلاً: «لإنقاذ الأرواح في اليمن، يجب علينا أن ندعم النظام الصحي... فالشعب اليمني لن يستطيع التحمل لفترة أطول -واليمنيون في حاجة إلى السلام لإعادة بناء حياتهم وإعمار بلدهم».

أمّا الطاعون فقد تسببفي أكبر كارثة ديمغرافية في أوروبا. طرق الوباء أوروبا في القرن السابع عشر، ورافق تمدد الموت الأسود ظهور بعض مظاهر العنصرية فانتشرت موضة البحث عن كبش فداء تمثل في الإشارة إلى غضب الرب على اليهود. وبسبب ابتعاد الإنسان عن الحيوانات، وانتشار موجة النظافة البدنية بفضل أفكار عصر التنوير، تم إخماد الطاعون. وعرفت فترة ما بعد الطاعون تحسناً في الوضع الاجتماعي في أمريكا وأوروبا، فقد توفرت مناصب الشغل، وانخفضت الأسعار، وحصلت النساء على فرص للعمل في وظائف كانت محرّمة عليهن من قبل.

أمّا قصّة الجدري فهي جديرة حقيقةً بالتوثيق في هذا الكتاب، فقد كانت مثالية الاكتشاف البريطاني في اللقاح هديّة للعدو التقليدي نابليون. قام نابليون بتطعيم جيشه وابنه عام 1805 باللقاح الذي اكتشفه الطبيب البريطاني إدوارد جينر،فتراجعت الوفيات في فرنسا وفي العالم، وقدّم نابليون ميدالية للطبيب الإنجليزي تعبيراً عن شكره له، كما لبى الإمبراطور الفرنسي دعوة الطبيب له إلى إطلاق سراح أسيرين بريطانيين، وقال الإمبراطور الفرنسي: لا نستطيع رفض طلب أحد أعظم من قدَّم خدمة للإنسانية.

وهكذا ارتبطت مجموعة من الأسئلة والأجوبة، بهذه الشخصيات التاريخية والفنية المؤثرة في التاريخ، وبهذه الأمراض والأوبئة،نعتقد أن أهم نتيجة لهذه الوقائع والأحداث؛ التكهنات والافتراضات التي وضعها المؤلف بخصوص مصير العالم.ويقول المؤلّف إنه ربما كان التشاؤم الفظيع الذي جلبته معها الأوبئة والأمراض، قد تحوّل إلى تفاؤل في العالم الجديد: فقد تفوقت أوروبا على الأوبئة وتم تنظيفها مثل فعل الشمس بعد المطر.

وقد يستغرب القارئ هذه النتيجة التي توصل بها الكاتب، لكنه يجب ألا ينسى أنّ هذا الكتاب صدر قبل اجتياح فيروس كورونا ألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وأمريكا وباقي دول العالم، لهذا، وربما، بنفس عدل منطق الكتاب، يحقّ لنا: كيف سيستطيع الكاتب صياغة أطروحة كتابه هذا لو أنه اشتغل عليه في شهر مارس 2020، أي بعد انتشار وباء كروناوالخسائر التي تسبب فيها وظهور السلوكات المرتبطة بانتشار الوباء؟ وربما نستطيع التكهّن أيضا بأن النتائج لن تختلف كثيراً عما أورده الكاتب،من خلال مجموعة من القضايا المرتبطة عموما بسلوك الدول والأفراد، ومنها: إخفاء المعلومات الحقيقية عن أسباب الوباء أو العدد الحقيقي لضحايا الوباء، واحتكار السلع وانتشار هاجس الشراء، وانتشار بعض مظاهر العنصرية والتهم المتبادلة، ومظاهر سرقة المواد الطبية. وقد يكون التغيير الظاهر هو أن الوباء الجديد لم ينتشر في العالم عبر عربات البواخر الضيّقة فقط، كما حدث مع الكوليرا، ولكن أيضاً بواسطة الطائرات.

---------------------------------------------

الكتاب:كيف تصنع الأمراض التاريخ منذ العصر القديم حتى اليوم؟.

الكاتب:رونالد د. غيرسته .Ronald Dietmar Gerste

اللغة: الألمانية.

 دار النشر: منشورات كوت-كوتاKlett- Cotta ، شتوتغارت، ألمانيا.

تاريخ النشر وعدد الصفحات: مارس 2019، 385 صفحة.

 

أخبار ذات صلة