تأليف: سلافوج زيزيك
عرض: محمد الشيخ
في الفاتح من نوفمبر من عام 1755 هز زلزال عنيف مدينة لشبونة، ونشب عنه حريق دام عشرة أيام؛ أعقبته موجة عاتية ساقت معها البشر والبيوت، ولما فرَّ الناس إلى النهر هاربين من النيران، أغرقتهم موجات مهولة. هز هذا الزلزال فلاسفة أوروبا، وفتح نقاشا حول الشقاء والعناية. وكان من بينهم فولتير وروسو الذين تجادلا حول دلالة هذا الحدث المهيب. واليوم، تجوب كارثة فيروس كورونا العالم، ولم تمر أيام على استفحال الأمر بأوروبا حتى ظهر كتابان فلسفيان في الحدث: واحد بالإسبانية ـ "حساء يوهان" ـ جمع فيه صاحبه آراء خمسة عشر مفكرًا في هذه الجائحة، وثان بالإنجليزية ـ "جائحة!" ـ تناول فيه صاحبه الموضوع نفسه؛ هذا فضلا عن عشرات المقالات والحوارات التي أجريت مع فلاسفة في الموضوع. والمشترك بين الكتابين اسم الفيلسوف السلوفيني سلافوج زيزيك ...
ما يميز هذا الكتاب أمور ثلاثة: أولا؛ الكتاب تأمل في "مفارقات" الوضع البشري في زمن كورونا. وقد جعل صاحبه من الفلسفة بحثا في "المفارقات" التي نعيشها في زمن الضنك هذا. وفيه إلماعات إلى وجه السلب ووجه "الإيجاب" في هذا الحدث. وثانيا؛ الكتاب "تأملات" تمتزج "بتحليلات" امتزاجا لطيفايستدعينا فيها الفيلسوف بين الفينة والأخرى إلى الإصغاء إلى حميميته: طفولته، أحلامه، كوابيسه ... وثالثا؛ الكتاب مزيج عجيب من الأسماء، من كبار الفلاسفة والأدباء (كانط وهيجل وأجامبن وباديو ...) إلى وجوه وسائط الاتصال والسياسة (أسانج، جونسون، ترامب ...)
يتكون الكتاب من عشر فقرات، فضلاً عن مدخل وضميمة:
فاتحة الكتاب
"لا تلمسيني!"
ذلك قول المسيح لمريم المجدلية (إنجيل يوحنا: 20/17) بعد أن تعرفت عليه بعد قيامته. وبناء عليه، يتساءل الفيلسوف: كيف أفهم أنا الملحد المسيحي المعلن هذه الكلمات؟ أولا؛ بربط هذه الكلمات بجواب المسيح على تلامذته: كيف لنا أن نعلم أن قيامتك قامت؟ وجواب المسيح: فشو المحبة بينكم أمارة. لا تلمسني، عامل الآخرين في إطار روح المحبة.
واليوم، في وسط الجائحة، ما نلبث نُقصف بنداءات: يا هذا، لا تلمس الآخرين، واعزل نفسك عزلا حتى تحفظ مسافة عن سواك. وما صلة هذا بأمر "لا تلمسيني"؟ بات لا يمكن لليدين أن تلمسا الغير، وإنما يتم ذلك من جوانية الإنسان: بالعينين. اليوم، عندما نلتقي بالسِّوَى، أكان قريبا أم بعيدا، نكتفي بإلقاء نظرة عميقة إلى عينيه حتى تجليان أكثر مما تفعله لمسة حميمية. لا يمكن للفيروس أن يحرمنا من ذلك. والعزاء أن نظرات العينين تعزز روابطنا، بل في تفادي لقاء الغير تجربة حكيمة في الفقد والشوق. لا يعني هذا أننا نداري الحدث الجلل بهذا، فالجائحة ألجأتنا إلى القطع مع الوضع الماضي، وألزمتنا إما بالتفكير في بناء حياتنا على أنقاض تلك الماضية، أو الخضوع إلى بربرية جديدة باتت بعض علائمها تلوح في الأفق. لقد أمسى علينا أن نطرح السؤال: ما الخاطئ في نظامنا الذي لم يهيئنا إلى الكارثة على الرغم من إنذار العلماء بها منذ سنين؟
ـ 1 ـ
كلنا في نفس المركب الآن
عنوان استوحاه المؤلف من قول مأثور لمارتن لوثر كينج: "يمكن أن نكون قد أتينا من قوارب مختلفة، لكننا الآن في نفس المركب". ثمة قصة الطبيب الصيني الأول ـ "لي" ـ الذي لم يعذر حين أنذر. خالفت الحكومة شعار ماو: "ثق في الشعب أولا"، فلم تثق به. كان عليها أن تحب الشعب وتحميه وترعاه وتراقبه، ولا تثق به؛ بحيث تعمد إلى إخفاء كل "متنطع" حتى ولو كان على نحلتها الماركسية... ما أرعب الدولة هو الترابطات الموجودة بين وسائط الاتصال الحديثة، بما فيها مواقع ماوية، عدتها الدولة منافسة للخطاب الإيديولوجي الرسمي الواحد. قال "لي" وهو على فراش مرض موته: "يلزم أن يكون ثمة أكثر من صوت واحد في المجتمع الصحي". لا علاقة لهذا بالديمقراطية التعددية الغربية، وإنما هو مطلب بترك ردود الفعل المواطنة الناقدة تتبدى؛ وإلا فالثمن المؤدى عن فرض الرقابة ـ بتعلة مراقبة الإشاعات التي تنشر الهلع ـ أن تصير هذه الرقابة نفسها هي من ينشر عدم الثقة، وتؤدي بالتالي إلى المزيد من نشر نظريات المؤامرة. والمشكلة: كيف نميز بين حرية التعبير "الجيدة" والإشاعات "الفاسدة"؟ والجواب: تعزيز الثقة بين الشعب وأجهزة الدولة، وهو ما هو مفقود في الصين.
ـ 2 ـ
لماذا نحن متعبون طيلة الوقت؟
أوقفتنا الجائحة أمام وجهين متعارضين برزا على ساحة حياتنا اليومية: 1 ـ أولئك الذين بلغ بهم التعب أشده، من فريق التطبيب والنقل. 2 ـ وأولئك الذين لا شيء يفعلوه، ما دام قد فرض عليهم الحجر، قسرا أو طوعا. لماذا صرنا منهكين إلى هذا الحد؟ وذلك بصرف النظر عن مفارقة أن المرء يجد الإنهاك لا في الشغل وإنما في منعه من الشغل. السببأننا أمسينا نقصف قصفا، والحال حال اعتزال، بمهاتفات من العمل، تدعونا إلى مزيد عمل في بيوتنا ... لكن، ثمة تعب وتعب: فارق بين تعب الطبيب والممرض والسائق، وقد أضناهم العمل اليومي الشاق، وتعب من يشتغل، في بيته، لسوق المال وللترقي في وظيفته ... تعب الأوائل قيم، وتعب الثواني عبث.
ـ 3 ـ
نحو عاصفة قاصمة في أوربا
تحدث العاصفة الداهية عندما تتفق ظروف متنوعة. والأمر أدهى حين نتواجد على المركب نفسه، وليكن أوروبا، ولتكن العواصف الثلاث المتفقة: التأثيرات الصحية للجائحة (الحجر، المعاناة، الموت)، والاقتصادية (اقتصاد يعاني من ركود منذ زمان)، والاجتماعية (أزمة المهاجرين السويين على الأبواب) ـ وهذا الأثر هو الذي يسميه المؤلف "فيروس بوتين أردوغان" اللذين يساومان بدماء الملايين من السوريين ويدمران بلدا لخدمة أهدافهما، بما في ذلك تدمير أوروبا الموحدة. يمكن لهذه التوليفة أن تؤدي إلى عاصفة قاصمة للظهر: موجة جديدة من اللاجئين بإيعاز من تركيا يمكن أن تمسي لها عواقب وخيمة في وقت الجائحة. وإلى حد الآن أحد الأنباء السارة القليلة من عالم الجائحة، فضلا عن أنها جعلتنا نعي بمشترك الحاجة إلى تعاون شامل، أنها لم تُعْزَ، كما جرت بذلك العادة، إلى المهاجرين واللاجئين ـ إذ دائما ما كان يدرك "الآخر الشرقي" على أنه أصل كل بلاء ـ لكن إذا ما صير إلى النظر إلى اللاجئين بحسبانهم ناشري الفيروس، فلسوف يشكل ذلك مشجبا للعنصريين الشعبويين الذين سيعللون إقصاء الأجانب بدواعي طبية "علمية"؛ مما يدعو إلى اتحاد أكبر للأوربيين بغاية سد الذرائع.
ـ 4 ـ
مرحبا بكم في فيافي الفيروس
أدى انتشار الجائحة إلى انتشار واسع للفيروسات الأيديولوجية التي كانت وسنانة في مجتمعاتنا: الأخبار الزائفة، نظريات المؤامرة العظامية، سَوَرات العنصرية. لكن يأمل المؤلف في وجود فيروس آخر ـ حميد ـ يصيبنا وينتشر بيننا: فيروس التفكير في مجتمع بديل، يتجاوز حدود الدولة القومية، ويحقق نفسه في أشكال التضامن والتعاون الشاملين. ولئن تأدت كارثة تشيرنوبيل إلى سقوط شيوعية الاتحاد السوفياتي، وجائحة كورونا إلى سقوط شيوعية الصين، فقد يؤدي الأمر إلى "إعادة ابتداع الشيوعية وابتعاثها"، شيوعية تكون هذه المرة مبنية على الثقة في الشعب وفي العلم. لقد شكل الفيروس ضربة استباقية إلى النظام الرأسمالي الشامل في أمارة منذرة بأن ما اتبعناه لحد الآن لا يمكن الاستمرار عليه، وأننا في حاجة إلى تغيير جذري. وها هو ما كان تم تصويره في أفلام الخيال العلمي من أخطار تتهدد البشرية جمعاء صار حقيقة مجسدة. فهل كنا نحتاج إلى هذه الكارثة كي نتأمل وضعنا؟ وألا نتدبر في هذا الأمر: الذي دعانا إلى التضامن هو نفسه الذي باعد بيننا: كورونا؟ وهل كان الأمر يحتاج كل هذه السنين إلى أن ننتبه إلى الفيروسات الحقيقة بعد أن لم نعهد إلا فيروسات الكومبيوتر؟ ألا تدعو هذه الظواهر إلى تخليص البشرية من ربقة أسواق المال؟ علما أنه لا يقصد بالشيوعية هنا أسلوبها البائد، وإنما التنظيم الشامل الذي يمكن أن ينظم الاقتصاد ويراقبه، كما يحد من سيادة الدولة القومية حين يحتاج الأمر إلى ذلك. وإذا كانت الأمم اقتدرت على فعل هذا زمن الحروب، فإننا اليوم نقترب من حال حرب طبية. كيف يمكن أن نجمع بين "حرية" الليبراليين ووعي الشيوعيين بأزمة الرأسمالية العالمية ودعوتهم إلى تغيير جذري؟ ذاك هو المطلب.
ـ 5 ـ
مراحل الوباء الخمس
أمام حقيقة المرض والفقد والانفصال وغيرها من الظواهر المؤلمة في حياة الإنسان، قد يمر المصاب بأطوار خمسة: 1- الإنكار (لا يمكن أن يحدث لي هذا!)، 2- الغضب (لماذا أنا!)، 3- المساومة (دعني فقط أعيش لأرى أبنائي يكبرون!)، 4- الإحباط (لا محالة أنا ميت، فلماذا الانزعاج من أي شيء!)، 5- القبول: (لا يمكن أن أقاوم، علي أن أستعد!). وهو الأمر الذي ينطبق على الوباء الذي أصابنا. في البدء كان الإنكار (لا شيء جدي في ما يحدث، بعض الأفراد غير المسؤولين ينشرون الهلع!)؛ ثم الغضب (وقد اتخذ شكلا عنصريا: الصينيون مذنبون، ودولتنا لا تقوم بشيء)؛ ثم المساومة (صحيح ثمة بعض الضحايا، لكن أقل من ضحايا سارس!)؛ فإن لم ينفع فثمة الإحباط (صحيح هناك بعض الضحايا، فلا نغالط أنفسنا!)؛ والآن ها نحن سائرون إلى القبول ...
ـ 6 ـ
فيروس الآيديولوجيا
العزل وحده، وبناء أسوار، وفرض مزيد من الحجر لن يؤدي المهمة. المطلوب: بناء تضامن كامل وتنسيق شامل؛ هي ذي "الشيوعية" المطلوبة. فإن لم نفعل، سوف تصير ووهان نموذج مدينة المستقبل: البقاء في البيت، العمل على الحواسيب، التواصل عبر الفيديو، الحصول على الغذاء بالطلب؛ بحيث لا نرى بشرا من لحم ودم ... في مدن بلا مستهلكين جوالين، بجمال مالنخولي لشوارع فارغة. لكن حيثما المهلكة فقد تلوح بوادر المنجاة: حياة سكينة في زمن الوباء من شأنها أن تعيد إنعاش تجربة حياتنا. بعض الناس قد يستغلون وضعهم للتحرر من نشاط محموم، كما لتدبر حياتهم باعتبارها حياة فورة مجنونة. وقضية المؤلف التي يدافع عنها: حتى الأحداث الفظيعة قد تكون لها آثر إيجابية لا يمكن التنبؤ بها (ص. 58).
ـ 7 ـ
اهدأ واهلع!
تلك مفارقة الإعلام الذي ما يفتأ يردد: "يا هذا، لا تهلع!" ثم يصب عليك وابلا من المعلومات التي تدفعك إلى الهلع! يذكرنا هذا بالأنظمة الشيوعية: حين يعلن المسؤولون أن لا هلع، فلأنهم هلعون!وبالمثل، حين يعلن المسؤولون اليوم كفاية ورق النظافة، تصاب الأسواق بالهلع: الذي نخشاه من خصاص هو ما نتسبب فيه بهلعنا الشرائي!ما السلوك المناسب للجائحة؟ سوف تعطي كورونا دفعة جديدة للشيوعية. أمر يبعث لا محالة على الضحك، على الرغم من أن ردة فعل بلد شيوعي رسميا ـ الصين ـ أفضل من ردة فعل بلد رأسمالي ـ إيطاليا! لكن المؤلف لا يظهر التعاطف مع شيوعية الصين، بسبب كذبها على الناس وإخفائها للحقيقة. ما الشيوعية التي على باله؟ تحرك الناس محلياتحركا قويا وفعليا على مستوى التعاون العالمي، وتصرف الدولة كما لو كانت في حالة حرب كي توفر حاجات المرضى، وتتعاون مع بقية الدول، وتتداول المعلومات ولا تراقب الأخبار، وذلك مع القطع مع منطق "كل دولة تعمل لحسابها الخاص". فما أبان الوباء على حد السوق وحده، وإنما أبان على حد الشعبوية القومية أيضا. وما كان الرجل طوباويا ليدعو إلى تضامن مثالي بين الشعوب، وإنما أظهرت الأزمة كيف أن التعاون والتضامن الدوليين في صالح بقاء الكل: هي ذي الأنانية العاقلة. فأمام دعوة البعض إلى الاصطفاء الطبيعي، لا جواب عنده سوى: إما البربرية وإما شيوعية مبتكرة (ص. 70).
ـ 8 ـ
إدارة وعقاب؟
أجل من فضلك!
سجل العديد من المعلقين الليبراليين واليساريين كيف أن الوباء استُغل لتسويغ إجراءات الرقابة المشروعة على الناس، وهي اجراءات ما كان ليُفكَّر فيها من قبل في المجتمعات الديمقراطية. وكان رد فعل الفيلسوف الإيطالي الشهير جيورجيو أجامبن فريدا. أدان ما سماه الطابع المحموم وغير العقلاني وغير المضمون للإجراءات المستعجلة التي تم تبنيها بعد وباء عاد، وتساءل: لماذا تجهد وسائل الإعلام والسلطات نفسها للحد من تحركات الناس وإلغاء الحياة اليومية؟ وقد عد هذه الإجراءات ردة فعل غير متكافئة مع الحدث، ونزوع من الدولة إلى استعمال تعلة "حالة الاستثناء بحسبانها أنموذج الحكم". ورد زيزيك أن رد فعل أجامبن مجرد شكل من أشكال موقف يساري شائع يرى في رد فعل الدولة هلعا مبالغا فيه اتُخذ ذريعة لممارسة الرقابة. والحال أن رد الفعل هذا هو الذي ينبغي أن يوصف بالتهويل في اتهام الدولة، وبالعمى عن درك حقيقة الداء. حياتنا بعد الفيروس هي غير حياتنا قبله: تلك تجربة فلسفية. وذاك هو معنى "الفلسفة": اسم لتوجهنا الأساسي في الحياة، إذا فهمنا هذا الأمر وغيرنا سلوكنا نكون آنها قد أحدثنا ثورة فلسفية حقيقية.
ـ 9 ـ
هل البربرية بوجه إنساني قدرنا؟
درس كورونا: توقف العالم الذي عهدناه، عدد من الدول تعيش على حجر تام، والناس معتزلون في بيوتهم يواجهون عدم يقينية المستقبل، ومن المحتمل جدا حتى إن بقينا أن نواجه أزمة اقتصادية كبرى. ها قد حدث المستحيل، فما الذي يمكن أن نفعله حتى نواجهه؟ لا يظن المؤلف أن الخطر الأكبر يتمثل في عودتنا إلى "بربرية مفتوحة": عنف فظ من أجل البقاء، اضطراب في النظام العمومي، هلع آكل للبشر؛ لكنه أخوف ما يكون من "بربرية بوجه إنساني": إجراءات بقاء قاسية تأتي على المسن والضعيف. كلا؛ ما كانت "الحياة العارية" هي هدفنا الأول ـ كل يسعى إلى منجاته وحده ـ وإنما حفظ المسافة مع الغير عربون على إظهار الاحترام له: قد أكون أنا أيضا حاملا للفيروس وأعديك! وأمامنا معركة ضد التضليل الأيديولوجي، ينبغي أن ترافقها معركة بيئية، وأخرى لإعادة النظر في نظامنا الاجتماعي والسياسي وفي مجتمعنا الاستهلاكي وفي تعاملنا مع الكائنات الطبيعية ...
ـ 10 ـ
الشيوعية أو البربرية بكل بساطة!
ألا كم سخر الكثير من زيزيك، من اليمين إلى اليسار ومن الشرق إلى الغرب (هان، باديو)، وهو يكرر القول بمجيء عهد من الشيوعية نتيجة الجائحة!وألا كم عارضوه بالزعم أن الرأسمالية عائدة وبشكل أقوى، مرفوقة هذه المرة بالرقابة على حياتنا على الطريقة الصينية بعاذرة الضرورة الصحية! وألا كم قيل بأن هلع البقاء أمر لا صلة له بالسياسة وإنما يجعلنا ندرك الأغيار بوصفهم تهديد موت لا رفاق معركة!لكن المؤلف يرى أن وضعنا اليوم وضع عزلة توحدية لكنها سياسية: نواجه خيارات سياسية جذرية تُدبَّر لنا، وعلينا أن نتبنى رأي كانط: "أطع، لكن فكر، صن حرية الفكر!"ما كانت الشيوعية أضغاث أحلام، وإنما تسمية لما هو واقع: عودة دور الدولة في تنظيم الحاجات الرئيسية: الأقنعة وأجهزة التنفس... وبالتالي التخلي عن ميكانزمات السوق. فضلا عن أنها ينبغي أن تلحق بذلك العناية بالضعيف والمسن، وأن تتعاون مع الدول الأخرى في تنظيم الموارد وإنتاجها وتقاسمها.فإن بقيت الدول معزولة، فذاك منذر بالحرب. هي ذي الشيوعية عنده، ولا بديل عنها سوى "البربرية الجديدة" (ص. 104)؛ هذا إن نحن أردنا "إنسانية جديدة" و"موحدة".
أخيرا، هل من معنى لهذه الجائحة؟ ثمة المعنى المباشر، وثمة المعنى غير المباشر (معنى المعنى). من عجائب صاحب هذا الكتاب، أنه يدعونا إلى أن نقف عند المعنى المباشر فقط: كورونا فيروس وحسب، ليس هو، مثلا، "عقابا" عادلا من الله للبشر بسبب الاستعلاء في الأرض، وإلارددنا خطاب "ما قبل العهد الحديث"الذي يعامل الكون كشريك في التواصل، ويعتبر الإنسان مخاطبا؛هذا الذي ما كان سوى نوع بين أنواع بلا قيمة على بقية الأنواع (ص. 14). لكن، سرعان ما ينسى المؤلف ما قرره ويؤكد على أنه لربما الطبيعة سائرة إلى مخاطبتنا بمثل اللغة التي خاطبناها بها: ما فعلتم بي ـ من تدمير ـ أفعله بكم (ص. 81). وذلك هو التناقض الخفي!
-----------------------------------
عنوان الكتب:جائحة
المؤلف : سلافوج زيزيك
دار النشر : O/R Books
مكان النشر : نيويورك/لندن
سنة النشر: 2020
