«الانفتاح: الحالة التقدمية للتجارة الحرة والهجرة ورأس المال العالمي»

Picture1.jpg

تأليف: كيمبيرلي كلا وسينغ

عرض: محمد السالمي

مع هبوب رياح الحرب التجارية التي لم نشهدها منذ عقود،حيث كلا التيارين اليسار واليمين يشيران إلى الحماية، تأتيكيمبيرليكلاوسينغ في كتابها "الانفتاح: الحالة التقدمية للتجارة الحرة والهجرة ورأس المال العالمي" لتناقش وتؤكد على أن الاقتصاد الحر والانفتاح الاقتصادي هي أفضل طريقة لتعزيز مصالح الأمريكيين العاملين، وكذلك مساعدة الفئات الأكثر ضعفًا.

تشير الكاتبة إلى أنّالانفتاح الاقتصادي يسهم بشكل كبير فيالتجارة الدولية، ويرفع من مستويات المعيشة، وتفيد المستهلكين وتسهم فيحركة رأس المال العالمية لكل من المقترضين والمقرضين. كما تعمل على تحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار، وغيرها. وعلى الرغم من كل الانتقادات التي تجذبها في كثير من الأحيان، فقد أخرجت العولمة بلا شك مئات الملايين من الفقر على مدى العقود الأربعة الماضية. كما كانت التجارة والاستثمار الدوليينمحورين في نهوض الصين والعديد من الاقتصادات الناشئة. في غضون ذلك، سمحت الهجرة لعشرات الملايين الآخرين بالهروب من القمع أو الفقر المدقع. ولا تزال الهجرة واحدة من أعظم نقاط القوة في أمريكا، حيث يلعب الوافدون الجدد دورًا أساسيًا في النمو الاقتصادي والابتكار وريادة الأعمال.

في الوقت نفسه، ألقي اللوم على العولمة في تراجع بعض الصناعات قبل الأوان، وزيادة عدم المساواة، وركود الأجور، والأزمات المالية، وعلى الأقل جزئيًا، ظهور السياسة الشعبوية على طرفي الطيف السياسي. وعلى الرغم من ذلك تواجهالمؤلفة هذه الانتقاد، وتؤكدعلى أن وضع العوائق أمام التجارة من شأنه أن يتسبب في أضرار لا حصر لها. بدلاً من ذلك، تحددالمؤلفةجدول أعمال لإدارة العولمة بشكل أكثر فعالية، وتقديم استراتيجيات لتجهيز العمال للاقتصاد الحديث، وتحسين السياسة الضريبية، وإقامة شراكة أفضل بين القوى العاملةوالشركات.

 

كمبيرلي هي أستاذة الاقتصاد في كلية ريد، حيث حصلت على الدكتوراه من جامعة هارفرد، وقد عملت سابقا كباحثة اقتصادية في كل من صندوق النقد الدولي، ومشروع هاميلتون، ومعهد بروكينغز.تعد كمبيرليواحدة من أبرز الخبراء الدوليين في فرض الضرائب على شركات متعددة الجنسيات، وهو موضوع أدلت بشهادته أمام الكونغرس.

نحن نعيش في زمن الاستقطاب السياسي، لكن الكثير من اليسار واليمين متفقون في عدائهم للعولمة.غالبًا ما يكون أولئك الذين يعادون العولمة قلقين بشأن المخاوف المشروعة: صعوبة دعم الأسرة في سوق اليوم، والطبيعة التنافسية الشديدة لأسواق العمل، والشعور بأن الأجيال القادمة قد تتخلف عن الركب من قبل قوى لا يمكنهم السيطرة عليها. وتشكك المجموعتان في الاتفاقات التجارية التي يرون أنها تضع مصالح الشركات قبل مصالح العمال، وتميل إلى إلقاء اللوم على المنافسة الأجنبية.في أمريكا اليوم، بينما تُرى هذه الموضوعات على اليسار واليمين، لا تزال هناك اختلافات. اليمين أكثر تشككا في الهجرة من اليسار، ومن المرجح أن ينظر إلى العمال الأجانب على أنهم تهديد. اليسار أكثر تشككا في الشركات الدولية من اليمين. هم أكثر عرضة للقلق بشأن الكثير من السلطة في أيدي الشركات متعددة الجنسيات.

 

ترى كيمبيرلي أنّهناك ثلاث حجج حاسمة يتعين على كلا الجانبين التفكير فيها بعناية. أولاً، في حين أن مخاوف العمال الأمريكيين حقيقية للغاية، فإن الأسواق العالمية ليست القوة الوحيدة المسؤولة عن الوضع الحالي. هناك العديد من العوامل الأخرى الأكثر أهمية، بما في ذلك التغيير التكنولوجي الدرامي، وزيادة تركيز السوق "احتكار القلة"، والتغيرات في المعايير الاجتماعية، والتغيرات في السياسة.ثانياً، تأتي الأسواق العالمية بفوائد للعمال الذين لا يتم الاعتراف بهم بشكل كافٍ. نعتمد جميعًا بشكل كبير على التجارة كمستهلكين، ولكن أبعد من ذلك، تعد التجارة أيضًا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا العملية بطرق إيجابية؛ لدى بعض العمال وظائف تنتج الصادرات، ويعتمد العديد من العمال الآخرين على الواردات كأجزاء رئيسية من عملية إنتاجهم. كانت الهجرة قوة كبيرة للاقتصاد الأمريكي في الماضي، وهي قوة كبيرة على الإطلاق في الوقت الحاضر. حيث يحفز المهاجرون على الابتكار وريادة الأعمال وخلق فرص العمل، وهم يوفرون مهارات لا يمكن العثور عليها بسهولة في السكان الأصليين. يخفف المهاجرون أيضًا من ضغوط الميزانية التي يعاني منها السكان المتضخمون في سن التقاعد.ثالثاً، من المرجح أن يضر كبح الاندماج العالمي بالعمال الأمريكيين. التعريفات الجمركية والضرائب التي تقع على عاتق الفقراء هي أكثر مما تقع على الأغنياء. كما تخلق الحواجز التجارية وأيضا الحروب التجارية "صدمات" جديدة في سوق العمل تتسبب في فقدان الوظائف وتراكم المصاعب؛ حيث يخاطر كل من المزارعين وعمال السيارات بفقدان الوظائف. كما أن الحروب التجارية تنفر من الحلفاء،وتبعد عن الشركاء المهمين الذين نحتاجهم لمعالجة قضايا مثل تغير المناخ والمنافسة الضريبية. وأخيرًا، ستكون أمريكا وعمالها أقوى مع المزيد من الهجرة وليس أقل.

 

توضحكيمبرليأنه بدلاً من الإقناع بالاندفاعات الشعبية من خلال إلقاء اللوم على الأجانب على أمراض المجتمع وإطلاق النار على أنفسنا في هذه العملية، يجب على صناع السياسة معالجة الأسباب الجذرية لركود الأجور وعدم المساواة الاقتصادية. ومع ذلك، فهي تترك أفكارًا سياسية جريئة حقًا دون فحص، مثل الدخل الأساسي العالمي. وتأسف على القدرة التفاوضية المنخفضة للعمال ونقاباتهم، لكنها لا تتحدث إلا عن كلام لتصحيح التوازن.

أما في نطاق العولمة، فتشير الكاتبة أن تقليصها هو رد فعل أحمق تجاه مشاكل العمال الأمريكيين. والأهم من ذلك الإقدام على مثل هذه الخطوات، يعيق إيجادوسائل أسهل وأكثر فعالية لمساعدة العمال. على سبيل المثال،لو نضع في الاعتبار قانون الضرائب الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2018،فسيخلق هذا القانون عجزًا إضافيًا يزيد عن 1.5 تريليون دولار (على مدى عشر سنوات) من أجل دفع التخفيضات الضريبية التي تفيد في الغالب أولئك الذين يتصدرون توزيع الدخل، كما يوجد في القانون ثغرات جديدة فظيعة مثل "خصم التمرير"التي تجعل من النظام الضريبي الأمريكي أقل عدالة وأقل كفاءة حسب وصف الكاتبة.

قد يكون النهج الأفضل هو تقديم الدعم الحقيقي للعمال من خلال التغييرات في السياسة الضريبية. على سبيل المثال، سيكون توسيع الائتمان الضريبي المكتسب وتوفير التأمين على الأجور للعمال النازحين خطوات أولى جديرة في هذا الاتجاه. كما أن الاستثمار في العمال من خلال التمويل الكافي للبنية التحتية والبحث والتعليم أمر بالغ الأهمية. بالإضافة إلىتوسيع شبكة الأمان لجعل التأمين الصحي أكثر أمانًا خطوة مهمة. في المقابل، يجبأن تحرك مشروع قانون الضرائب في الاتجاه المعاكس بإلغاء التفويض الفردي لشراء التأمين الصحي،وهذه إحدىالركائز المهمة لقانون الرعاية بأسعار معقولة.فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، يمكننا القيام بعمل أفضل بكثير. إن اعتماد السياسات التجارية الحمائية، ولوم المهاجرين غير المبرر، إجراءات خاطئة، بل إنها تصرفنا عن أولوياتنا تجاه السياسة الاقتصادية الملحة.

على الرغم من اعتراف المؤلفة بوجود ضحايا للعولمةوما إذا كان ينبغي أن تكون هناك عولمة أم لا، تشير أنه يجب أن نبقى منفتحين على الاقتصاد العالمي ولكن هناك العديد من الخطوات السياسية المهمة التي يمكننا اتخاذها لجعل اقتصادنا العالمي أكثر توافقًا مع احتياجات العمال، والاستجابة لعقود من الركود في الأجور وتصاعد التفاوت في الدخل.

وكخطوة واحدة، يمكننا أيضًا العمل على تعزيز اتفاقيات تجارية أفضل تتصدى للمنافسة في السياسات وتعالج المجالات التي تتطلب تعاونًا عالميًا. هناك العديد من الاستجابات الرئيسية وهي خطوات يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها بمفردها. يمكننا القيام بعمل أفضل بكثير لدعم العمال والمجتمعات من خلال الاستثمار في العمال والبنية التحتية والتعليم. كما يمكنإصلاح النظام الضريبي للتأكد من أن نمو الدخل القومي يعود بالفائدة على جميع الأمريكيين تقريبًا. وهذا يعني ضرائب أقل لمن هم في القاع، ويعني أيضًا مساهمات أعلى من أولئك الذين في القمة، ولكن الإصلاحات الدقيقة يمكن أن تقلل من الحيل والخداع التي تملأ النظامالضريبي الأمريكي الحالي، مما يخلق المزيد من الإيرادات الضريبية بمعدلات ضريبية معقولة. والأهم من ذلك، يمكننا متابعة شراكة أفضل مع الشركات، حيث يتم معالجة قوة السوق الغير مبررة وتشجيع الشفافية والمسؤولية الاجتماعية في قضايا مثل الضرائب والعمل. وسيستفيد مجتمع الأعمال بدوره من الأسواق المفتوحة واللوائح والضرائب العادلة والبسيطة.

هذا الكتاب جيد لمناقشة وتسليط الضوء على بعض المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي.طرحت الكاتبة العديد من الرؤى العامة والحلولبشأن التعاون الدولي للقضاء مثلالملاذاتالضريبية، والتصدي لتغير المناخ، وإنفاذ معايير العمل المتسقة دوليًا. وزيادةالتمويل لبرامج التعليم والتعديل الهيكليكي يواكب العمالمن الصدمات التجارية والتكنولوجية وغيرها من الحلول. ولكن هناك شيء مفقود، من ناحية، كما يشير الاقتصادي داني رودريك، وهو أن تعويض العمال الذين يخسرون من العولمة،أصبح أكثر صعوبة بموجب قواعد التجارة الحرة التي ترى في أي تنظيم محلي حاجزا أو عائقاللقدرة على التنافسية التجارية. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن يقوض حق الدول ذات السيادة في تصميم مؤسساتها وأنظمتها.في المقابل،لا أعتقد أنه بالإمكان اعتماد بعضالحلولالمقترحة، وأرى أن احتمالية إدخال أي من التغييرات على السياسة بعيدة نسبيا.وما يميز الكتاب لفت المؤلفةالانتباه إلى الفوائد التجارية التي نادرا ما تناقش، وكذلك إلى العديد من القوى الأخرى المسؤولة عما هو مناسب لإلقاء اللوم على العولمة.أحد أكبر فوائد الكتاب هو دعم حجج المؤلفةبكنز من البيانات المفيدة مثل: فوائد التجارة، وتكلفة التعريفات، وقيمة التعليم، والآثار الاقتصادية لأنواع مختلفة من المهاجرين.حصل الكتاب على العديد من الإشاداتسواء من القراء أو من داعمي الحزب الديموقراطي، أبرزهم فريد زكريا، مراسل سي إن إن، ولورانس سمرزوزير الخزانة الأمريكي السابق، وجيسون فورمان وغيرهم.

------------------------------------------------

تفاصيل الكتاب:

عنوان الكتاب:الانفتاح: الحالة التقدمية للتجارة الحرةوالهجرة و رأسالمال العالمي

المؤلف: كيمبيرليكلاوسينغ

الناشر:Harvard University Press

سنة النشر:2019

اللغة:الإنجليزية

عدد الصفحات:360 صفحة

 

 

 

أخبار ذات صلة