تأليف: أن. أجيت كومار وبراديب كانانكود
عرض: فيلابوراتو عبد الكبير
يدّعي الناشرون أن هذا الكتاب يُصدَر كحلقة من سلسلة كتب تخص العلومالأساسية (Basic Science Books). يحاول الكاتبانتقديم الموضوع في أسلوب بسيط سلس، يتوافق مع مدارك الطلاب والقارئ العادي. وينقسم الكتاب إلى قسمين: القسم الأول يتناول عدد 38 مرضا وراثيا مثل فقر الدم المنجلي، وعمى الألوان، والعميوفيليا(نزعةالنزف الدموي)، ومتلازمة داون، ومتلازمة كلاينفلتر، ومتلازمة تيرنر، والمهق(Albinism)، وجفاف الجلد المصطبغ، وIchthyosis (نوع من مرض الجلد يدعى سماك)، وقزم قصور الدرقية، وعته المحاور العصبية عند الرضع (amaurotic idiocy)، وفرط حمض يوريك الدم، وبيلة الكابتون(Alkaptonuria)، وتوسع الشعريات (Telangiectasia)، ومرض هونتينغتون(سُمّي بهونتينغتون لأن جورجا هونتينغتون هو الذي اكتشف هذا المرض عام 1872 أول مرة، وسبب المرض وجود خلل في أحد الجينات في كروموسوم الرابع. المصاب بهذا المرض يفقد التحكم على عضلاته، فلا يستطيع الاستقامة، ويكون مشيه بشكل الرقص). وانعدام الدماغ (Anencephaly)الذي يسبب الموت للطفل فور ولادته،والسنسنة المشقوقة (Spina Bifida)الذي يترتب عليه موت المولود الجديد بسبب نمو النخاع العظمي قبل تشكل عظم الجنين الفقري، ونقص الكولاجين الذي يشير إلى انكسار العظام (Osteogensis imperfecta)، (إذا ظهرت أعراضه عند الولادة سيموت الطفل بلاتأخير)، وقزم الودانة (Achondroplasia dwarfism) الناتج من عدم التناسب في نمو اليد والرجل، وEhlers – Dalos syndrome الذي يُظهر تمدد جلد الجسد كالمطاط إلى 8 بوصات تقريبا عند تمديده، وكان الطبيبان الدنماركيان أدوار ايليرسوألكسندر دالوس هما اللذان اكتشفا هذا المرض ولذلك سمي بهذا الاسم، و Club – footالذي يسببتشوه القدم، والبرص، وتصلب الأذن، وتدلي الجفون العضلية، والطفح الجلدي فراشي الشكل (وجود علامة كصورة فراشة على جانبي الأنف)، والذهان الهوسيالاكتئابي، والصرع، وكروموسوم فيلادلفيا (وهو الحرمان من جزء من أجزاء كرموسوم الثاني والعشرين، سمي بذلك لأنه تم اكتشافه أول مرة في فيلادلفيا)، وبيلة الفينيلكيتون(نوع من أمراض الإعاقة الذهنية)، ونقص الشعر والقولون القزحية(نوع منأمراض العيون)، ومتلازمة اختفاء العين بالولادة، واعتمام عدسة العين، والزرق (Glaucoma)، ومرض السكر(Diabetic)، وسكيسوفرينيا (نوع من الأمراض النفسية).
تسمى هذه الأمراض أمراضا وراثية بسبب جينات لا تعمل بشكل سليم في الجسم. وقد اعتنى المؤلفان بشرح هذه الأمراض في صورة مختصرة لا تتجاوز أكثر من صفحتين، ولا يخوضانفيالجوانب الطبية المعقدةلتلك الأمراض؛ لأن الكتابلا يستهدف الخبراء في مجال الطب بل العامة والطلاب فقط. وقد اهتم الناشرون بتصميم الصفحات برسوم بيانيةوصور فوتوغرافيةتتعلق بالموضوعات. ويلي هذا المختصر المفيد بضع صفحات تلقي الضوء على الوسائل الوقائية لمكافحة الأمراض. نقرأ فيها كيف أن الجراثيم تدخل أجسادنا وكيف أنّ أجسادنا تقاوم تلك الجراثيم بأنظمتها الطبيعية، وكيف يمكن أن نكافحها باتخاذ الوسائل الوقائية المبنية على التجارب العلمية مثل اللقاح والتطعيمات المختلفة.
وفي القسم الثاني يخوض المؤلفان في موضوعالأوبئة، ويمكن تصنيفها كالتالي: الأمراض الفيروسية وأمراض البكتيريا وأمراض الأوالي (Protozoan diseases)والأمراض الفطرية (Fungal Diseases) والأمراض الجنسية والأمراض الناتجة بنقل الدم وأمراض الديدان الطفيلية. وتتفرع كل هذه الأنواع إلى أنواع أخرى، ومن الأمراض البكتيريا الطاعون والتيفوئيد ومرض السل والجذام والالتهاب الرئوي والكزاز(Tetanus) والجمرة الخبيثة (Anthrax) وداء البريميات (Leptospirosis) والخناق – الديفتريا – والسعال الديكي. أما الطاعون فهو أيضا يتنوع إلى طاعون بوبونيك وطاعون نيومونيك.
ومن الأمراض الأواليالملاريا(البرداء) وداء الأميبيات وداء البرقوقي(Balantidiasis) وداء الجيارديات(Giardiasis) وكالازار(Kala Azar) وداء المثقبيات(Trypanosomiasis).
ومن الأمراض الجنسية الإيدز ومرض الزهري والسيلان (Gonorrhoea). وأما أمراض الديدان الطفيلية فمنها داء الفيليريات والدودة الوحيدة (Taenia Solium) وداء الصفر (Ascariasis) وداء الأنكلستومات الجلدي (Ancylostomias).
ومن الأمراض الفيروسية الجدري والحصبة(Rubeola) والحصبة الألمانية والنكاف(Mumps) وشلل الأطفال وداء الكلب والتهاب الكبد وحمى الضنك وحمى الصفراء وChikkun Guniaوأنفلونزا الخنازير ونيباه (Nipah) الناتج من فيروس تحمله الخفافيش وداء ينتقل من فيروس كورونا.
خلافا للقسم الأول يتناول هذا القسم كل وباء بالتفصيل، من حيث طبيعة الفيروس وكيفية تنقله إلى الإنسان والوسائل الوقائية اللازم اتخاذها ضد الفيروس المعني وأعراض المرض وتشخيصه والعلاج المطلوب وتاريخ المرض وعواقبه. جميع هذه المعلومات نجدها تحت عنوان كل داء. إن كورونا مجموعة كبيرة من الفيروسات المسببة لأمراض، من الزكام إلى "سارس" و"ميرس". تم اكتشافه عام 1937 في طيور أصابها الالتهاب الشعبي (Bronchitis). نتيجة للاختبارات التي جرت خلال 70 سنة اكتشف الأطباء أن فيروس كرونا قد يُصيب الفيران والكلاب والديوك التركية والحصان والخنازير والنعام. أما ما اكتُشِف في الصين من كورونا فهو نوع جديد مما تغير جينيا. جميع العالم حاليا تحت تهديد هذا المرض المعروف بـ "كوفيد 19. وهو المتنقل من الحيوانات إلى الإنسان ثم يعدو إلى نطاق واسع. ويقال إن أعراضه ستظهر خلال 14 يوما من دخوله في جسم الإنسان. لم يتم اختراع أي لقاح وقائي لهذا المرض الخطير حتى الآن.ليس أمامنا إلا الابتعاد الاجتماعي والحجر الصحي(Quarantine). (يمتنّ العالَم لابن سينا في الحجر الصحي لمكافحة الأوئبة، لأنه هو الذي اقترح هذا الإجراء أول مرة في التاريخ. تَوصّل ابن سينا إلى نتيجة أن بعض الأمراض تنتشر عبر الكائنات الدقيقة، وحينها أوجد طريقة لعزل الناس لمدة 40 يوما، ومن هنا جاءت التسمية العالمية الحالية Quarantine حيث قام بعض التجار في البندقية ذلك الوقت بأخذ هذه الطريقة الناجحة ونقلها لإيطاليا تحت مسمى Qarantine والتي تعني "أربعين" باللغة الإيطالية. كانوا يعزلون ركاب السفن في جزر قريبة لمعرفة ما إذاكانت لديهم أعراض الطاعون أم لا، قبل أن يسمح لهم بالوصول لشواطئ المدن؛ أثناء الطاعون الذي اجتاح أوروبا عامي 1347 و1352(.
استثناءً من المعلومات العامة عن فيروس كورونا لا يحتوي الكتاب تحليلات شاملة عن آثار جائحةكوفيد19 على الأصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن نافلة القول إن هذه الجوانب أيضا تستحقالذكر. ماذا كان موقف الدول الكبرى من مكافحة جائحةكوفيد19؟ لو اتخذت موقفا صارما في البداية لما انتشر الوباء بهذه السرعة الفائقة.أمام توسع انتشار وباء كوفيد 19 في أنحاء العالم وجدت الحكومات والمنظمات الإنسانية نفسها في سباق محموم من أجل الحصول على معدات طبية وأدوات وقائية، لكن الانتقادات توجه للولايات المتحدة التي يوجد فيها أكبر عدد إصابات بالمرض، بأنّها لم تحترم قوانين اللعبة. اتهمتها السلطات المختصة في ألمانيا وفرنسا، بتحويل وجهة معدات طبية مخصصة في الأصل لبلديهما، وذلك بالمزايدة على المشترين الأصليين.
أقرت رئيسة المفوضية الأوربية اورسلا فون دير لايين بأنّالمسوؤلين السياسيين قللوا من أهمية حجم الخطر الذي يبثّه وباء كورونا المستجد. وقالت: أعتقد أننا جميعا، ونحن لسنا خبراء، ما أخذنا الأمر بجدية في البداية. ولكن تبين فيما بعد أن الفيروس يشغل بالنا لفترة طويلة حيث تُعتبر أوربا بؤرة الأزمة".الباحثون الطبيون في جامعة Imperial college بلندن كانوا قد حذروا الولايات المتحدة من سرعة انتشار فيروس كورونا في 6 مارس. حذر أولئك العلماء أنّه في حالة عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة فورا سيُصاب أكثر من 81% نسمة بالمرض، كانت ثمة تقارير دراسات تفيد بأن عدد الموتى قد يبلغ مليونا. ولكن ماذا كان موقف الرئيس ترامب؟ كان يعرض عن كل هذه الإنذارات في المرحلة الأولى. ولقصور إدارة ترامب وعشوائية فراراتها بدءا بالاستهتار بالوباء وإنكار تفشيه دور كبير فيما وصلت إليه أمريكا الآن. رفض تحذيرات الخبراء بإزدراء متسائلا هل تم إغلاق الحياة حين مات 37000 شخص في العام الماضي بإصابة مرض الانفلونزا؟ فلم يخجل أن يعلن أمام الوسائل الإعلامية أن الفيروس الصيني أيضا سينتهي حتما كما انتهت الإنفلونزا من قبل. عند هذا الإعلان كانتالإصابات المؤكدة أقل من 300 كما كان عدد الموتى 11 فقط. ولكن بعد ثلاثة أسابيع انقلبت الأمور رأسا على عقب.غدت أمريكا أكثر المصابين بمرض كورونا في العالم. وهذه القوة العظمى الاقتصادية في العالم اضطرت الآن لأن تمد يدها إلى عدوها الصين حتى الهند للمساعدت. تحتاج أمريكا إلى أكثر من 17000 جهازللتنفس الاصطناعي. غطرسة الرئيس ترامب بإهماله تحذيرات الجهات المختصة عن وخيمة كوفيد 19 كانت السبب الرئيس الذي أوصل أمريكا إلى هذه الحالة المأسوية. وليس لدى الرئيس الأمريكي أي مشروع لاستئصال فيروس كورونا بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة على ملايين المرضى. بداية لم يلتفت إلى تعليمات منظمة الصحة العالمية، وكان شاكا في نتائج التجارب الطبية في أمريكا، فلا عجب فيه، لأن مواقفه كانت دائما مصدر وقود للنظريات المؤامراتية التي يتبناها دعاة معاداة الطب الحديث.
الخزعبلات والمعتقدات الخرافية هي التي قادت هذا الحاكم أكثر كثيرا من الاختراعات المبنية على التجارب العلمية. يمكننا أن نرى نفس الحالة في تصرفات حاكم الهند نريندرا مودي. وهو أيضا ليس لديه أي مشروع وقائي ناجع لمقاومة هجوم فيرس كورونا غيروسائل تحايلات وخطابات رنانة. بينما تتم الفحوصات الطبية على 5400 شخص من ملايين المرضى في أمريكا،إّن نسبة الفحوصات في الهند 66 فقط. وهذا يدل على أنّ حالة الهند حتى في تشخيص المرض متخلفة جدا. ومعناه أنّ العدوى إذا انتشرت إلى نطاق واسع في المجتمع فلن تكون هناك سبيل لمقاومتها. يقول الناشطون في مجال الصحة إن العدوى قد تجاوزت إلى الانتشار الجماعي في بعض المناطق. فلذلك ستكون الأيام القادمة حاسمة. أولويات حكومة مودي في مقاومة كرونا نراها مركزة على ما يوجد في الأساطير الهندية القديمة، الجانب الكوميدي كان واضاحا أمام العالم حين أهاببالناس لضرب الصحون وإضاءة مصابيح كاز بعد إطفاء المصابيح الكهربائية لمطاردة فيروس كورونا عودا من عصر الكهرباء إلى عصر الكاز.عمل أتباع حزبهاحتفالا حيث تظاهروا في الشوارع العامة بمخالفة الحجز المنزلي وحظر التجول. الحالة الاقتصادية في البلاد كانت قد بدأت تنهار قبل الكوفيد 19، وقد زاد الطين بلة. وما خفي قد يكون أعظم. وإليه يشيرقرار مجلس الوزرء المركزي بخصم 30% من رواتب رئيس الدولة ورئيس الوزراء وأعضاء البرلمان وخصم المبالغ المخصصة لمشاريع التنمية.
وهناك عدة تحليلات عن آفاق ما بعد كرونا وما يترك وراءه من حطام وركام. ويُلاحظ هنا ما كتب المفكر والمؤرخ الإسرائيلي "يوفال نوح هراري" في صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية في 20 مارس حول توقعاته لما سيحدث في العالم بعد التغلب على مرض كوفيد19. يقول إنّه سيمر هذا الطوفان وسوف يعيش أغلبنا، ولكن في عالم مختلف: من أجل منع وباء كورونا على الجميع التقيد ببعض التعليمات المحددة. هناك طريقان رئيسان للوصول إلى هذا الهدف. الأول: أن تقوم الحكومة بمراقبة الناس ومعاقبة كل من ينتهك القوانين. قبل نصف قرن لم يكن بوسع المخابرات السوفياتية " كيه جي بي" مراقبة 240 مليون نسمة على مدار 24 ساعة. لكن الدول الحالية باتت تعتمد على تقنيات مراقبة وتجسس موجودة في كل مكان. أمّا هذا الوباء فيمكنه أن يشكل تحولا كبيرا في تاريخ مراقبة الأفراد، يمكنه الانتقال من مراقبة ظاهر الأشياء إلى مراقبة ما هو مخفي.
"في السنوات الأخيرة حدث صراع كبير حول "الخصوصية"؟ أزمة كورونا ستكون نقطة تحول هذا الصراع، لأنه لو سمحنا للناس بالخيار بين الخصوصية وبين الصحة فإنّهم سيختارون الصحة. جذور المشكلة تكمن في هذه المسألة أنه سوف يُطلب من الناس أن يختاروا بين "الخصوصية" وبين الصحة، وهو انتخاب خاطئ.... فعلينا الاستفادة من "الخصوصية" ومن الصحة، وانتخابنا يمكن أن يكون في حرصنا على سلامتنا وفي قدرتنا على مواجهة الوباء، وفي عدم إنشاء أنظمة مراقبة شمولية، بل تمكين المواطنين.إنّ الرقابة المركزية والعقوبات القاسية ليست الوسيلة الوحيدة لإجبار الناس على اتباع الإرشادات المفيدة....".
تُرى هل تكون حكومات "الصابون" أكثر شمولية في مابعد عصر كورونا؟ هل يكون تكميم الوسائل الإعلامية أشد صرامة في المستقبل؟ وقد رأينا حكومة الهند طالبت المحكمة العليا بإصدار تعليمات تقيد الوسائل الإعلامية بحصر أخبارهافي ماتُوزع وزارة الإعلام منالنشرات الرسمية فقط.
إنّ لكل كارثة إيجابيات كما لها سلبيات، لا سلبيات في العالم يدون إيجابيات ولا إيجابيات بدون سلبيات،حقق كورونا خلال أسبوعين ما عجزت عنه كل اجتهادات البشر، في مجال خفض التلوّث كما أشار إليه الرئيس السابق في تونس منصف المرزوقي في إحدى مقالاته نقلا عن صديقه المهندس في شيكاغو أيسلمو ولد دلاهي.
-----------------------------------------------------------
عنوان الكتاب: الأمراض الوراثية والأوبئة.
عدد الصفحات: 144
تأليف: أن. أجيت كومار وبراديب كانانكود، اللغة: مالايالام
سنة النشر: 2020، الناشر: DC Books، كوتايام، كيرالا،
