تأليف: د. آلان دونوِ
عرض: وليد العبري
آلان دونوِ خو أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، وهو أكاديمي ناشط، معروفٌ بالتصدي للرأسمالية المتوحشة ومحاربتها على عدة جبهات، وقد كانت مساعيه هذه موجِعة للأطراف التي حاربها، حتى أنه لوحق قضائيا، من قبل بعض أقطاب صناعة التعدين عام 2008، وذلك بعد أن أصدر كتابا في العام نفسه بعنوانٍ مثير، هو "كندا السوداء: النّهب والإفساد والإجرام في إفريقيا".
أما عن هذا الكتاب فقد لاقى نجاحاً كبيرا ورواجاً في كثير من دول العالم بسبب أطروحاته الجريئة وأسلوبه المختلف. ويدور موضوع هذا الكتاب حول فكرة محورية: نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام أدّى، تدريجيا، إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة الحديثة.
بذلك، وعبر العالم، يلحظ المرء صعودا غريبا لقواعد تتسم بالرّداءة والانحطاط المعياريّين، فقد تدهورت متطلبات الجودة العالية، وغُيّب الأداء الرفيع، وهُمشت منظومات القيم، وبرزت الأذواق المنحطة، وأُبعِد الأكفاء، وخلت الساحة من التحديات، فتسيّدت إثر ذلك شريحةٌ كاملةٌ من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية، وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية، ودائما تحت شعارات الديمقراطية والشعبوية والحرية الفردية والخيار الشخصي، حتى صار الأمر يذكّر بما كان مونتسكيو يحذر منه مثل وجوب صون الحرية عن الابتذال، عندما قال إن "ممارسة الحرية من قبل أكثر الشعوب تمسكا بها تحملني على الاعتقاد بوجود أحوالٍ ينبغي أن يوضع فيها غطاءٌ يستر الحرية مثلما تُستر تماثيل الآلهة".
تتمثل أطروحة الكتاب في أن كل نشاط في الفضاء العام (سياسة أو إعلام أو أكاديميا أو تجارة أو عمل نقابي أو غير ذلك) صار أقرب لـ "لعبة" يلعبها الأطراف فيه، يعرفها الجميع رغم أنه لا أحد يتكلم عنها. ولا قواعد مكتوبة لهذه اللعبة، ولكنها تتمثل –أو تُستشعر – في انتماءٍ إلى كيانٍ كبيرٍ ما، تُستبعد القيم فيه من الاعتبار، فيُختزل النشاط المتعلق به إلى مجرد حسابات مصالح متعلقة بالربح والخسارة الماديين (كالمال والثروة) أو المعنويين (كالسمعة والشهرة والعلاقات الاجتماعية)، وذلك إلى أن يصاب الجسد الاجتماعي بالفساد بصورة بنيويّة، فيفقد الناس تدريجيا اهتمامهم بالشأن العام، وتقتصر همومهم على فرضياتهم الصغيرة. وهكذا، فنحن نلعب لعبة أعظم من أنفسنا أو نتظاهر بالخضوع لها، ونوسّع من نطاق قواعدها طوال الوقت، أو نخترع لها قواعد جديدة حسب الحاجة.
ورغم أنه عادة ما يكون بين الأشخاص الطموحين أناسٌ ذوو معايير عالية تنشد النجاح الرفيع وآخرون ذوو معايير متدنية يبحثون عن النجاح السهل، فإن من يدير اللعبة هي الفئة الثانية عادة، لأن أفرادها أقرب إلى ما تتطلبه الطبيعة اليومية للحياة من التبسيط، ونبذ المجهود والقبول بكل ما هو كافٍ للحدود الدنيا.
فإن لم يرتفع الآخرون إلى المرتبة العالية للأوائل، حرصوا على أن ينحدر هؤلاء إلى دركهم، والانحدار – إن لم ينتبه أصحاب المعايير العالية – هو أمرٌ يحدث بسرعة، وبشكل مخاتل، لا يلبث المرء معه إلا وقد وجد نفسه قد سقط من عليائه، فانضمّ إلى من في السفح، هناك، بالأدنى، فـ "التسفّل أيسر من الترفّع"، لأن للأمر تفسيرا فيزيائيا معروفا: فكل مرتفع يقاوم الجاذبية الأرضية، فيما كل منحدرٍ يسلم نفسه بيسرٍ إليها.
ولعل السر في انخراط الناس في "اللعبة" يكمن في التبسيط، في كل شيء. فالسلوك السياسي، مثلا يسعى باستمرار إلى تبسيط الأوضاع الفردية المعقدة إلى أقصى حدود التبسيط؛ فحماية الصحة مثلا، هي غاية نبيلة، ولكنها، إن لم تقترن بخطط وأدوات وإحصائيات ونتائج، فإنها لا تعدو أن تكون مفهوما مفرّغا من كل معنى.
وبالنهاية، فلا أهمية لأي شيء، كما تم إيهام الناس، فلا سياسة ولا جامعة ولا إعلام، بل ولا حتى شؤون الصالح العام هي أمرٌ مهم، إذ تقتضي التفاهة أن نتذكر أن الأمر بالنهاية لا يعدو أن يكون "لعبة".
على خلاف ما تُفهمُنا النظم الأيديولوجية، فإن السلبية قيمة. تدفع التعاليم الأيديولوجية الناس دفعا إلى اتخاذ موقف ما نحو المناطق الفكرية الخلافيّة، فتحثهم إما على تكوين رأي جديد أو اعتناق رأي سائد، مع التعبير السياسي الواضح عن ذلك (من خلال النقاش/ الكتابة / التظاهر/ الإضراب/ الاعتراض/ الاعتصام).
ولكن هذه الأيديولوجيات تنسى – أو تتناسى – أن قدرات الناس محدودة، إما لطبيعة "معدلات ذكاء ضعيفة"، وإما لـ"جهل معرفي"، وإما لـ"تقاعس"، وإما لـ"ضعف شخصية"، وإما خوفا من "خشية الانتقام". إن المهارة الأولية التي ينبغي تعليمها للناس ليست مهارة اعتناق الرأي، بل مهارة "لا-اعتناقه": أي القدرة على ترك مسافةٍ بين النفس والرأي، مع مقاومة إغراء الانتماء إلى معسكرٍ فكريّ رغم عدم القدرة على اتخاذ القرار.
للتّفاهة أداةٌ لغويةٌ هامة هي "اللغة الخشبية" التي يتحدث عنها المؤلف في بعض مواضع الكتاب، وهو يشير بذلك إلى اللغة الجوفاء المحمّلة بالحقائق والتأكيدات التوتولوجية، أي النطق بتحصيل الحاصل الذي يقوم على الحشو، أو مجرد التكرار بألفاظ مختلفة، وكأن في الأمر قضية جديدة تدفع بمعرفتنا إلى الأمام، رغم أنه لا يضيف عما هو معروفٌ عن الشيء أساسا، بما يعني أنها محض ألفاظٍ زائدة على أصل المعنى من دون فائدة. بذلك فالمقصود بهذه اللغة هو "الخطاب الأجوف، الصالح لكل زمان ومكان"، الذي هو في حقيقته فنٌ لا يحذقه – عكس ما يُظنّ – إلا قلة من الناس.
يتحدث المؤلف، باستفاضة، عن الأحوال المؤسفة للجامعات في زمننا هذا. والحقيقة أن كثيرا مما يناقشه هي أمور تعرفها جامعاتنا العربية، وأكثر، ولعلنا نزيد على ما ذكر ظاهرة طلب العلم لأغراض المظهر الاجتماعي، لا طلبا للحكمة العالية. وبما يذكّر بظاهرة الهوس بالحصول على الشهادات العلمية العالية من ماجستير ودكتوراه لأغراض الظهور الاجتماعي وحده.
ولكن أبرز ما ناقشه المؤلف في كتابه هذا هو مسألة تسليع المعرفة الأكاديمية، وبيعها للجهات الممولة للجامعات، من خلال سلسلة تبدأ أولى حلقاتها في سعي الأستاذ الجامعي للحصول على المنح من هذه الجهات الممولة. وهكذا، ينحدر العمل بالجامعة إلى درك التفاهة، فيتحول من منتج للمعرفة إلى تاجرٍ فيها، يعمل في وسطٍ من الاعتبارات الكمية والقيم الزبائنية.
وفي كتابه هذا، يذكرنا المؤلف بالمسؤولية المباشرة للممارسات التجارية عن كثير من أوجه الانحطاط المجتمعي والأخلاقي، التي آلت إليها حياتنا المعاصرة، والتي أدت إلى تمكن نظام التفاهة من مفاصل هذه الحياة. ومنها الحوكمة. نظريا، تهتم الحوكمة المؤسسية بتحقيق التوازن ما بين الأهداف الاقتصادية للمؤسسة والأهداف المجتمعية، فالأمر يتمثل بالنهاية في الموائمة بين كل من مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمع بشكل متسق بقدر المستطاع.
وفي حين أن الحوكمة بهذا المعنى هي مفهوم مصمم للبيئة التجارية يشكل خالص، إلا أن لعبة التفاهة قد ظهرت إرهاصاتها مع حكم التكنوقراط الذي بدأ عهده بمارغريت تاتشر رئيسة الوزراء في بريطانيا. فعندما وصل فريقها إلى الحكم، نقل فكرة الحوكمة إلى المجال السياسي، واستبدل الحوكمة بالسياسة، ففُرّغت السياسة بذلك من الأفكار الكبرى، كالحق والواجب والعمل والالتزام والقيمة والصالح العام، واستعيض عن ذلك بمفهوم الحوكمة، وتم استبدال مفاهيم الإرادة الشعبية والناشطون السياسيون والمواطن والمريض بمفاهيم المقبولية المجتمعية واللوبيات والشريك تباعا.
وشيئا فشيئا، تحول الاهتمام بالصالح العام من شأن سياسي قيمي إلى مجرد إدارة عملية، فخلا العمل العام من منظومات الأخلاق والمفاهيم والمثل العليا والمواطنة والالتزام، وصار الهم العام هو الخصخصة وتحويل المشروعات العامة إلى القطاع العام، بهاجس تحقيق الربح فقط، وكأن الدولة محض شركة تجارية.
يولي المؤلف أهمية كبرى لموضوعات الثقافة، ويلفت أنظارنا إلى أنها صارت أداة هامة في توطيد أركان نظام التفاهة كما يحيط بنا اليوم، رغما عن التسميات المؤثرة والهالات اللامعة، التي تحيط بكل ما هو ذو علاقة بالثقافة.
انتهى الوضع بنا إلى أن أصبح لدينا مصطلحات يرفضها العقل الجمعي، حتى أن باب النقاش بشأنها صار يقبل قبل أن يبدأ. من هنا، ولضمان السلامة، أصبح الأسلم الاستعاضة عن كلمة "علمانية" بكلمة "مدنية"، وعن "الفلسفة" بـ "التفكير النقدي" و "قانون" بكلمة "نظام" وكلمة "فائدة" تحولت إلى "مرابحة"، وأيضا لا يستخدمون لفظ "قتل" وإنما دائما يتحدثون عن "تصفية" العدو.
للصحافة طبيعةٌ اختزالية؛ فهي تبخّر ما يقع تحت يدها من أخبار، ثم تكثّفه، ثم تقتطع منه، ثم تصيغه وفق ما يلائم مصالح ملاكها وتوجهاتهم السياسية أو الاقتصادية، ثم تبسطه بحيث تكون قراءة الموضوع مناسبة للسواد الأعظم من قرائها، ثم تضع له عناوين عريضة تضخ فيها الكثير من الانفعالات.
ذكرنا هذا الأمر بما كان يُروى عن الصحافة الفرنسية، إثر حقبة الحروب النابليونية؛ فعندما هرب نابليون من منفاه في جزيرة ألبا الإيطالية، كتبت الصحف الفرنسية في عناوينها "الوحش يهرب من ألبا"، وعندما اقترب من فرنسا كتبت "نابليون يهرب إلى فرنسا"، ولكنه عندما دخل فرنسا فعلا كتبت "الإمبراطور يدخل البلاد". لنتذكر أن الصحافة صناعة بالنهاية، والصناعة يحركها هاجسا المصلحة والتسويق دائما.
يشكل العمل السياسي – بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير – المساحة الخصبة لازدهار نظام التفاهة. وتمثل الديموقراطية، بما تنطوي عليه من مراكمةٍ لكل هذه العناصر، بالضرورة، المجال الأخطر لذلك.
ومن أهم الانتقادات التي توجه إلى الديموقراطية، باستمرار، والتي لا تخلو من صحة، هو الخطر المتمثل فيما يمكن أن تؤدي إليه من طغيان الأغلبية على الأقلية. ذلك أن الدساتير ما وُضعت إلا لحفظ حقوق الأقلية قبل الأغلبية، فالأغلبية هي تكتل وتفاهم لا يُخشى عليه من إجحاف، وإنما الأقلية تحتاج إلى الضمانات السياسية كما تقدمها الدساتير. إن القول بغير ذلك يعني أن الدولة ما هي إلا أداة بيد الأغلبية لقمع الأقلية، وبذلك فإن القانون يتم تجييره لأهداف مختلفة، مع فصله عن العدالة.
وفي جميع الأحوال، لنتذكر أن الحديث عن طغيان الأغلبية أو حكم الأقلية، لا يكون إلا في المجتمعات ذات الوعي بأهمية الأدوات السياسية، ولا أدري إن كان يمكن وصف مجتمعاتنا العربية بذلك. فما ألحظه هو انشغال الناس في منطقتنا بشيئين بالدرجة الأولى، وهما شؤون المعيشة والترفيه. في الأمر، حقيقة، ما يذكرني بثنائية "الخبز والألعاب"؛ هذه العبارة اللاتينية التي ذهبت مثلا للتعبير عن نمط حياة الشعب الروماني في فترة الانحطاط قبيل انهيار روما، عندما كان الرومان مأخوذين تماما بالمتع الحسية من لذائذ وترف وطعام "الخبز"، وبألعاب المجالدين الدموية في الملعب "الألعاب"، والتي دخلت القاموس السياسي الحديث فصارت تستخدم للدلالة على الأولويات التافهة للسياسيين المُضلّلين للشعوب، الذين يشغلون شعوبهم بالمطالبات الشعبوية عوضا عن وضع السياسات الحصيفة، فينجحون في إشغال الناس بشؤون المعاش من جهة (النزعة الاستهلاكية ونقاشات الأسعار والرسوم والرواتب والتموين والصحة والتأمين)، وبأنشطة الفرجة من جهة أخرى (الترفيه وكرة القدم).
وهنا، يقصد نظام التفاهة إلى إسباغ التفاهة على كل شيء. وتكمن الخطورة الحقيقية للأمر في كون هذه المهمة سهلة وممكنة التحقق بسلاسة.
وفي ظل ما يحاصرنا من دعاوى التسليم والانقياد الفكري الأعمى، تحت مسميات إطلاقية كالحرام والحلال والعيب والتقاليد وتقديس الأشخاص والرأي العام والشعبوية، علينا أن ندرّس التفكير الانتقادي، القادر على التعرف على كل دعوى تافهة مثل هذه، بل وأن نستحضر جميع نماذج التفكير الانتقادي الصرف "الذي يراد منه إفهامنا أن حضارتنا لا تعرفه"، فنبث الحياة فيها.
في هذه المرحلة، يمضي موضوع الفساد إلى ما هو أبعد من استغلال النفوذ؛ الأظرف المليئة بالنقود؛ والمعاملة الفُضلى التي يرتبط بها عادة. هذه مجرد عوارض، فالفساد أكثر خطورة من ذلك بكثير: إنه عملية تدهورٍ راديكاليةٍ ذات تأثير سلبي عميق على ما هو أساسي.
وهنا استرسل د. آلان دونوِ في كتابه بالحديث عن المعرفة والخبرة في فصله الأول، ثم حديثه عن التجارة والتمويل في فصله الثاني من الكتاب، تلا بعد ذلك الحديث عن الثقافة والحضارة، وفي فصله الأخير تحدث عن ثورة ما يُضِرُّ بالصالح العام، ولا يسعنا هنا الحديث عن كل فصل، ولكن أنصح الجميع بقراءة هذا الكتاب الرائع مما يحمله من دلالات وحكم وعبر، تُضيف للقارئ المزيد من المعرفة.
يساعدنا عملٌ قديم، هو كتاب أرسطو المُعنون "حول الكون والفساد" على تحديد الأفكار من جانبين. في عمله هذا يوضح أرسطو أن الفساد ليس أمرا يحدث – ببساطة – بمجرد أن يتحول شيٌ أو يبلى، بمعنى أن تتغير بعض خواصه. فمثلا، عندما ينتقل القضيب المعدني من حالة السخونة إلى حالة البرودة فإنه يتغير بلا شك، ولكنه لا يفسد بعد. بذلك، فإن الفساد لا يقع إلا عندما يتغير الشيء بشكل عميق حتى لا يعود من الممكن التعرف على طبيعته. "إنه يحدث، ليس بفضل التجميع أو العزل (لعناصره المكونة له)، وإنما عندما يتغير شيء من هذا إلى ذاك بكليته". وهكذا، يصبح الشيء فاسدا عندما يتغير في عناصره الدائمة.
لا يمكن للفساد أن يكون أبديا. ليس هناك ما يمكن وصفه كعمليةٍ أبديةٍ من "قبول الفساد". فالفساد – من خلال فعل التحوّل الراديكالي ذاته– يصل إلى نهايته الخاصة. فلا يمكننا الحديث عن فساد المؤسسات العامة والمبادئ على مدى عقودٍ من دون التساؤل عما حدث لها كنتيجة للتغيرات العميقة التي نُسبغ عليها هذا الاسم.
بشكل تاريخي وجمعي، لقد وصلنا الآن إلى النقطة التي يمكننا القول فيها بأنه كان هناك فساد. وما دامت هذه هي الحالة، فإلام وصلنا؟ أين نجد أنفسنا الآن، وما الذي نواجه؟
إن هذا عملٌ للفلسفة: عدم الرضا بالمعرفة المتخصصة بالكلاسيكيات – التي تُنمذِج النظم المجردة، والتي بصددها يستطيع العارفون القيام بالتقدير السلبي للطبيعة المتقلبة لنظام الأشياء – وإنما الخروج بمفاهيم يمكننا من خلالها استيعاب النظام الجديد الذي يتمخض عن الفساد، فيما هو يُنهي نفسه.
كيف يمكننا تسمية هذا الشيء، البِنْية، أو المنظمة – الجديدة بشكل راديكالي – التي سوف تنتج عن الفساد، وكيف يمكننا التفكير فيها أو تنظيمها؟ ما عدنا نقول إن الفساد يهدد الديموقراطية بشكل دائم، وإنما ينبغي الآن أن نقول إن مبدأ الديمقراطية – وقد أصبح الآن فاسدا – صار يفسح المجال لنظام جديد يوصف بكلمة "الحوكمة". إن الجامعة الفاسدة ينتهي بها الأمر كمؤسسة تعمل في مجال بيع الخِبرة؛ والاقتصاد الفاسد يؤدي إلى ظهور الأوليجارشيّة المالية، والمؤسسات القضائية الفاسدة تقود إلى قيام جهات خاصة تُعنى بالتسويات المكلفة للمنازعات.
---------------------------------------
الكتاب: نظام التَّفاهة
المؤلف: د. آلان دونو
ترجمة وتعليق: د. مشاعل الهاجري
سنة النشر: 2020
دار النشر: دار سؤال للنشر
عدد الصفحات: 368 صفحة
