بول كيفل
زينب الكلبانية
يقدم هذا الكتاب إطارا لفهم العنصرية المؤسسية، ويقدم اقتراحات عملية وأدوات وأمثلة ونصائح حول الكيفية التي يمكن بها للبيض التدخل في المواقف الشخصية والتنظيمية، للعمل كحلفاء من أجل العدالة العرقية. هنا نجد ثروة من المعلومات حول مجموعات ثقافية محددة مثل المسلمين، والأشخاص ذوي التراث المختلط، والأميركيين الأصليين، واليهود، والمهاجرين الجدد، والأمريكيين الآسيويين، واللاتينيين. وما يصفه الكاتب بول كيفل هو أن القاعدة في هذه الأيام لجعل القضايا العامة مسألة مشاعر شخصية، وفصل المعتقدات عن سياقها الاجتماعي، والتركيز على المشاكل الفردية المستخلصة من القضايا الحقيقية للسلطة والامتياز. ومن السياق التاريخي، صار من الممكن لمفاهيم سخيفة مثل "التمييز العكسي" أن تصبح موضوعا للمناقشة الجادة، وهذا ما جعل حتى هذه المحاولات النصفية لخلق العدالة العرقية كإجراء إيجابي عرضة للهجوم. بول كيفل هو مؤلف حائز على جوائز عديدة ومدرب ومتحدث بارع، ولقد كان ناشطا في العدالة الاجتماعية، ومعلما لمناهج متخصصة في العنصرية، ومعترفا به وطنيا ودوليا، وزعيما مبتكرا في مجال منع العنف لأكثر من أربعين عاما.
ويمكن أن نقول إنّ تاريخ الفكر الغربي قد توقف وقفة هادئة من حيث التعلق بالجنس البشري ومعناه، وذلك في جميع حقول المعرفة الغربية من فلسفة وتاريخ ودراسات دينية، واتخذ طريقا مغايرا بعد نشر دارون لكتابه "أصل المخلوقات" وقد كان ذلك في عام 1856م.
ودعونا نسترجع ذاكرتنا إلى الوراء قبل الدخول في خبايا الكتاب الموضوعية، وذلك بهدف توضيح الصورة، ولكي نتمكن جميعا من استنباط الأفكار بطريقة واضحة، ونفهم مقاصد الكاتب بدون ضبابية أو تداخل في الأفكار، وذلك عندما قال فيليب كارتن: إن الصورة التي طبعت في أذهان الأوربيين عن أفريقيا وسكانها، بدأت تتبلور منذ الرحلة الأولى التي قام بها الرجل الأبيض إلى شواطئ غرب أفريقيا، وكان ذلك في القرن الخامس عشر. هذا وقد ترسبت هذه الصورة بشكل ثابت عندما بدأت تجارة الرقيق في القرن السابع عشر، وقد تبع ذلك استغلال فكري وعقائدي واقتصادي مارسه الرجل الأبيض على مر السنين إلى اليوم بدون انقطاع، وقد أخذ هذا الاستغلال أشكالا متعددة. ونستنتج من ذلك أن العنصرية لم تكن أبدا وليدة اللحظة؛ وإنما هي متراكمة منذ قديم الزمن، وأيضا تنوعت أشكالها، ولكن مغزاها واحد.
ومرة نجد هذه العنصرية تطفو إلى السطح بشكل سافر، وباستمرار يكون كامنا تحت مسرح الحياة، وفي ضمير الرجل الأبيض. وعادة ما يكون المحرك الفعلي لهذا الاستغلال، هو الرجل الأبيض نفسه، لذا ظهرت التفرقة العنصرية السافرة في الفكر الغربي جميعه وبالأخص في الفكرين الفرنسي والبريطاني. ونظرا لأن الفكر البريطاني له قصبة السبق ونصيب الأسد من هذا التعصب العنصري والاضطهاد البشري للرجل الأسود وأن الفكر الأمريكي هو وليده الشرعي، وهذا ما حاول الكاتب بول كيفل توضيحه في كتابه أيضا، وما تمخض عنه هذا الفكر في جميع مجالاته، وخاصة الفلسفية والدينية والتاريخية والأنثروبولوجية.
تقريبا كل شخص أسود في أمريكا قد عانى من عدم الاحترام على أساس كونه أسود، هناك عدد كبير، ولكن غير محدد من السود الذين يشعرون بعدم احترامهم بشكل كبير في حياتهم اليومية، وهم يعتبرونه تمييزا دقيقا وصريحا. يعرف الناس السود العنصرية اليومية التي يتم التأكيد عليها بقوة من خلال أحداث عنصرية مشهورة مثل الحادثة في ستاربكس، أو موجة القتل الأخيرة لرجال الشرطة السود، أو استدعاء الشرطة على طالبة سوداء أثناء القيلولة في منطقة مشتركة في جامعة ييل، وكل هذه الأحداث حدثت في السنوات القليلة الماضية.
وتحدث الكتاب بأنّه في مواجهة هذه الحقائق، يلاحظ السود في كل مكان ويديرون أنفسهم في مجتمع يهيمن عليه البيض بشكل كبير، ويتعلمون ويتبادلون القواعد الفريدة لمجتمع يهيمن عليه البيض، وتتجلى فيه تعبيرات العنصرية البيضاء بشكل متزايد. وفي عام 2016، دعا الرئيس المنتخب للولايات المتحدة آنذاك علانية إلى الفصل، والفصل يكون على أساس العرق والدين، وفي الوقت نفسه، لا تزال التفاوتات في التعليم والإسكان والرعاية الصحية وسوق العمل هي السائدة، في حين أدى تزايد انعدام الأمن والخوف إلى انتشار وباء فظيع، ومضايقة الناس الملونين. ومع ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن واحدا وثلاثين في المائة فقط من الناس البيض، في الولايات المتحدة يعتقدون أن العنصرية هي مشكلة مجتمعية رئيسية في نفس الوقت، وأنه ستكون هناك مقاومة قوية من كلا الجانبين، كما هو واضح في صراعات الشعوب الأصلية على الأرض، والسيادة وحركة حياة السود.
ويصر الكاتب بول كيفل بالحديث عن مزاعم المجتمع التي وجدها بالمتناقضة، حيث يزعم الغرب أيضا أنه مجتمع منفتح ومتكافئ، أو ما يسمى بـ"تكافؤ الفرص"، ومثل هذه النتائج اليومية تترك السود موضع شكوك عميقة. علاوة على ذلك، فإن الناس السود مقتنعون عموما بأنه يجب عليهم العمل مرتين بصعوبة الحصول على نصف العمر في الحياة، وهذا مؤشر خطير جدا. ومن بين هؤلاء، يؤكد السود على هذه الدروس المركزية ويعيدون تأكيدها، ويحاولون من منطلق الواجب، تمريرها إلى الآخرين الذين يهتمون بهم، وخاصة لأولادهم.
يوضح بول كيفل في هذا الكتاب أنّ العنصرية هي إضفاء الطابع المؤسسي على الظلم الاجتماعي القائم على لون البشرة، والخصائص البدنية الأخرى، والفوارق الثقافية والدينية، وأنّ العنصرية البيضاء هي التوزيع غير المتساوي والعادل للسلطة، والامتياز، والأراضي، والمواد المادية لصالح هؤلاء الناس ذوي البشرة البيضاء. وعلى الرغم من أنّه يمكن أن تصبح الأمور أكثر تسامحا وفهما، فإنّ العدالة وحدها هي التي يمكنها إخماد نار العنصرية، ولكن يبقى السؤال الذي يتردد كثيرا في حالة انعدام العدالة في المساواة ماذا سيحل بالبشرية؟
وهناك منحدر آخر تحدث عنه كتاب اقتلاع العنصرية وهو ازدحام السجون بالرجال السود – بنسبة كبيرة جدا – مقارنة بالبيض، ويرجع ذلك نتيجة يأس الرجل الأسود من النظام المحيط به، وهذا اليأس مصدره الأثر الهدام والصادر من الرجل الأبيض. ويسوق الكاتب في معرض حديثه تجربة أجراها على بعض تلاميذه من الطلاب البيض حيث خيرهم في أمرين: أن يكون مع الواحد منهم خمسمائة دولار فتسلب منه بواسطة رجل أبيض أو أن تكون معه عشرون دولاراً فتسلب منه بواسطة رجل أسود، وقد اختاروا أن يسلبوا بواسطة الرجل الأبيض، وهذا أيضا مؤشر خطير آخر.
ما يثير الانتباه أن الكاتب بول كيفيل يعطي بيانات كافية لإثبات الآثار المستمرة للعنصرية البيضاء، في التوظيف والتعليم والإسكان، ...إلخ. وينصب تركيزه الرئيسي على ديناميكيات العنصرية المؤسسية، وبسبب هذه التحديات، يشك العديد من السود في دخول مساحات الطبقة الأخرى، ويترددون في الاستثمار في علاقاتهم مع البيض التي يجدونها هناك، إذ إن إيجاد مثل هذه العلاقات إشكالية للغاية، تميل إلى فك الارتباط مع الناس البيض في الأماكن العامة والخاصة، مما يجعل هذه العلاقات سطحية إلى حد ما. وبالنظر إلى الفروق الصارمة بين السود والبيض، لا يعرف السود سوى القليل عن كيفية عيش البيض في الواقع، والعكس صحيح.
يقوم كيفيل بعمل جيد في تسليط الضوء على المشاكل الخطيرة التي يجب مواجهتها في مجالات مختلفة، مثل العمل الإيجابي والعمل والتعليم والشرطة ونظام العدالة الجنائية، وفي القسم الخاص بالشرطة، وعلى سبيل المثال، يقول لنا "إن الإجابة ليست مجرد وعي، وإنما أن تكون أكثر من ذلك بالنسبة لرجال الشرطة، والساسة الكبار ككل، ونحن بحاجة إلى جعل الشرطة خاضعة للمساءلة أمام المجتمع بأكمله، وفي الوقت نفسه، إن تحدي العنصرية في مجتمعنا الذي يستمر في استخدام الشرطة لإنفاذ اللامساواة والظلم. وكما نعلم جميعا الأحداث التي وقعت مؤخرا في الولايات المتحدة بين الجانبين، وأدت إلى موت الكثير من الأبرياء وتخريب المرافق العامة، كان سببها رجال الشرطة، إذ قاموا بالاعتداء بوحشية كبيرة على أحد السود، وقتله في نهاية الأمر، دون مبرر يذكر، وهو ما أشعل فتيل الغضب في أوساط مجتمعات السود، وهذا ما حرص عليه الكاتب بأن يكون رجال الشرطة تحت مساءلة المجتمع، دون رجال الساسة فقط، الذين لوحظ تهاونهم في اتخاذ الإجراءات اللازمة حول هذا الموضوع.
إنّ التعددية الثقافية المناهضة للعنصرية يشدد عليها كيفيل من حيث الحاجة إلى تجاوز التكامل والزيوت الرمزية، وتحدي الافتراض السائد غير المعلن بأنّ القيم والممارسات والإجراءات البيضاء والذكورية والمسيحية تمثل "الاتجاه السائد" للجميع. وهناك أمر آخر حول مفهوم القوة والامتياز، وهو التوزيع غير المتكافئ للثروة، إذ يعتبر هو حجر الزاوية للعنصرية.
ويرجع بول كيفل مرة أخرى في فصوله الأخيرة للحديث عن بعض الاستكشافات المثيرة، إذ أن العديد من الأشخاص البيض يقولون إذا أردت الحصول على العديد من الامتيازات يجب أن تكون من ذوي البشرة البيضاء، ولو دققنا أكثر في هذا التصريح، فإنه يوضح في نهاية المطاف الفجوة الكبيرة بين الطبقتين. كذلك الحال عند الحديث عن التمييز بين الديانات والمعتقدات، الكثير من الناس تعاني في هذا الجانب، خصوصا إذا كان ضمن أقلية بسيطة داخل مجتمع ذي ديانة أو معتقد آخر، الأمر الذي يدعو الكثير إلى الانعزال عن المجتمع الذي يعيش فيه، خوفا من الاضطهاد، أو التمييز القسري من الأفراد الآخرين، وهو ما تحدث عنه كيفيل في كتابه، عندما أعلن بأنه يهودي، وكيف تغيرت نظرات الآخرين من حوله، حتى أصحاب البشرة البيضاء، بسبب تاريخ المجتمعات الأوروبية والأمريكية الطويل من التمييز ضد اليهود.
وتم طرح سؤال ذي مدلول كبير، أصاب بعض البيض بصدمة كبيرة، وهو "هل بإمكان الناس البيض تجربة العنصرية؟ هذا السؤال أثار سخط البيض كثيرا وخصوصا عندما تم طرحه على وسائل التواصل الاجتماعي، ولقي استحسان البعض الآخر إذ أوضحوا بأنهم ضد العنصرية والتمييز بين البشر من حيث ألوانهم أو دياناتهم، وأوضحوا بأنّ لديهم أصدقاء من السود، وكذلك من الديانات الأخرى، ويسعون إلى مكافحة هذه العنصرية، عن طريق العديد من الوسائل المتاحة. وأوضح الكاتب أنّه من المرجح أن يشعر بعض القراء بالتهرب من استكمال قراءة الكتاب لما يحتويه من حقائق لا تناسب رغباتهم وميولهم اتجاه النوع الآخر من البشر.
ومن الأقوال التي شدتني في هذا الكتاب، قول الكاتب: "نحن أناس تمّ تصنيفهم اجتماعيا ليعرفوا بأنّهم "بيض" ونحن ندرك أنّ هذه الهوية متجذرة في تفوق الأبيض، وقد استخدمت كأداة للقمع لمئات السنين في الولايات المتحدة. ونحن ندرك أيضا أنّه في حين أنّه لدينا العديد من الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية، لا توجد أو تمنح للطرف الآخر من القضية. لقد دفعنا ثمنا باهظا من خلال وجود الإنسانية التي نتشاركها مع جميع الناس".
لفترة طويلة، لم يسمع البيض عن العنصرية إلا في سياق ما لا يجب فعله، ولكن نادراً ما يسمع الناس البيض، في أي وقت، عن الكيفية التي يمكنهم بها استباق هذه القضية، ومن خلال أخذ قيادة الأشخاص الملونين في الحوار الأوسع حول القضاء على العنصرية، يمكن للبيض اتخاذ خطوات ثابتة، وحتى بسيطة نحو أن يصبحوا حلفاء في الكفاح ضد عدم المساواة العرقية.
ولخص كيفيل كيف يمكن المساهمة في وقف العنصرية المقحمة، وأشاد بضرورة الاستماع عندما يتحدث الناس السود عن العنصرية اليومية، عندما يتحدث شخص أبيض عن العنصرية، يميل البيض الآخرون إلى الإصغاء بعناية وباحترام، حتى إذا كانوا لا يوافقون. ومن خلاله يجب أن يتحدث العاقلون والمثقفون عندما يسمعون هذه الحوارات لوقفها أو محاولة تقليل مخاطرها على الجنس الآخر، ولكن في أكثر الأحيان، عندما يتكلم السود والناس الملونون عن العنصرية، فإن الغريزة هي القفز إلى الاستنتاجات، أو المقاطعة، أو الاتصال بهم، أو استجواب ذكائهم، أو الابتعاد عن المحادثة تماما.
وأضاف كيفيل ضرورة تثقيف أنفسنا عن العنصرية قدر المستطاع قبل أن تطلب من الناس السود المساعدة، ومن المهم الاستماع والتأني إلى الأشخاص ذوي الألوان أثناء المناقشات حول العنصرية، لكن علينا أن نتذكر أنهم أيضا بشر لديهم قيود على وقتهم ومواردهم ومدى اهتمامهم واحتياطياتهم العاطفية، وفي بعض الأحيان، قد لا تكون لديهم الطاقة اللازمة لتوعية البيض بالعنصرية لأنهم تحدثوا عنها كثيرا بالفعل، وقد يؤدي أيضا إلى المزيد من الألم، والاستياء، والحزن من التعامل مع الظلم.
إنّ زراعة قدر أعظم من الكفاءة العرقية، وفحص الطرق التي نعمل بها بامتياز أو بغير وعي على تفعيل تمييزنا للبيض قد يكون صعبا، وغير مريح، وتم تصميم اجتماعاتنا الدورية التي تقوم بها بعض المؤسسات الحكومية، وبعض الجمعيات المهتمة بهذه القضية، لحضور الناس ذوي البشرة البيضاء فقط، إذ يعتقدون بأنهم سيجدون النتائج والحلول الصحيحة عن طريق تواجدهم هم فقط، لإنهم أكثر نقدا وشخصية والحفر العميق في المسببات، ولم يتم تصميم هذه الاجتماعات للأشخاص ذوي الألوان الأخرى، وهذه هي العنصرية بحد ذاتها؛ لإنه يجب إشراك السود في هذه الاجتماعات والتشاورات والآخذ بآرائهم، إذ سيسهل الحصول على حلول لتجنب تفاقم هذه العنصرية، ونجد أنه غالبا ما يكون هناك ميل لوضع عبء تثقيف الناس البيض على أشخاص ملونين في الغرفة.
-----------------------------------------
عنوان الكتاب: اقتلاع العنصرية: كيف يمكن للناس البيض العمل من أجل العدالة العرقية المنقحة.
المؤلف: بول كيفل
سنة النشر: 2017
الناشر: New Society Publishers
عدد الصفحات: 448
