دور الجامع الأزهر في مصر والوطن العربي

أمجد سعيد

في المقالة البحثية المعنونة بـ"وثائق الأزهر وصون الدين والمجتمع في الزمن الحاضر" للأستاذ أيمن فؤاد سيد، تمت مناقشة دور الجامع الأزهر من عدة مناظير مختلفة وذلك لأهمية الجامع الأزهر في الحفاظ على التاريخ والثقافة والدين والمجتمع في زمن كانت هذه الركائز محل شدٍّ وجذب، ورغم أنَّ الأزهر يُعد إنشاءً فاطمياً إسماعيلياً كمركز رئيسي للدعوة الإسماعيلية في الجانب الإسلامي من العالم، فإنَّ هذا الدور تبخر تمامًا مع الثورة العلمية الفجائية التي قادها صلاح الدين بن أيوب والتي كانت لها نتائج جسيمة في مكانة الجامع الأزهر في مصر، منها انتهاء الدولة الفاطمية وتحويل مصر إلى دولة سُنية عباسية تابعة لبغداد كمركز للخليفة العباسي هناك، وتوقف خطبة الجمعة في الأزهر لأكثر من قرن من الزمن. كل هذه النتائج أتت من تلك الثورة العلمية التي ركزت على الأزهر باعتباره مركزا للدعوة الإسماعيلية. بعد أن أخذ الظاهر بيبرس رأي العلماء والفقهاء سنة 1267م، بجواز إعادة خطبة الجمعة للأزهر، بدأ الجامع الأزهر بممارسة دوره كمركز للإسلام السُني بعد سقوط بغداد العامل الذي أجبر الخليفة العباسي للذهاب إلى مصر هربًا من المغول الذين استولوا على بغداد قبل انتعاش دور الجامع الأزهر بثلاث سنوات.

ظل الأزهر محافظاً على دوره التعليمي المهم في مصر مصاحبا بذلك دور المدارس التي انتشرت على ضوء ازدهاره العلمي والثقافي آنذاك في القاهرة، ومع سقوط دولة المماليك في مصر والشام وانتشار الدولة العثمانية في تلك الأراضي التي عرفت فيما بعد بالعالم العربي، تزايد دور الجامع الأزهر حتى بلغ منصبا عاليا في تلك المنطقة حيث عرف بلقب شيخ الأزهر. وكان التحول الكبير في دور الجامع الأزهر مع وصول الحملة الفرنسية في سنة 1798م، وتراجع قوات مراد بك، هنا نجح الدور المهم للأزهر بعد أن تركت القاهرة خالية من أي دفاع كلقمة سائغة للمحتلين، وقد برز دور الأزهر مجددا كمركز للوحدة الوطنية وكجبهة باسقة ضد المحتلين الجدد، الذين فاوضوا الأزهر وسمحوا له بتشكيل تسعة أعضاء من شيوخ الأزهر لتدبير شؤون القاهرة تحت إمرة المحتلين الذي شعروا بأنَّ الجامع الأزهر وقف صامدا أمام احتلالهم وهذا ما أدى إلى نشوء لجان داخلية تُخطط للرد على المظالم الفرنسية التي شعرت بخطر الثورة الأولى في القاهرة ومن هنا وجهت القوات الفرنسية الضربة الأولى للأزهر باحتلاله وتخريبه واقتحامه مما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى الذين لم يوجد لهم مدفن سوى تحت الأزهر نفسه. في إحدى الوثائق المهمة التي صدرت عن الأزهر في مساندة حركات التحرير في وقت نشوء ما يعرف بالربيع العربي، جاءت هذه الوثيقة لتهتم بثورات الربيع العربي وتُدين الطغيان العربي، وتعد الثورة في مفهوم الأزهر واجباً وطنياً في وجه الطغاة العرب، وتضمنت هذه الوثيقة ستة مواضيع تتضمن رؤية الأزهر والمفكرين المصريين والعرب ووجهات نظرهم التي رصدت ثورات الشعوب العربية. ومن أهم ما أشارت إليه هذه الوثيقة أن الشعوب والثوار المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية لا يُمكن اعتبارهم من الطغاة؛ بل إن ما يقومون به واجب عليهم لا سيما في ظل عدم استجابة الحكام لمطالبهم بالعدالة والمساواة والإنصاف. كما نادت الوثيقة بأن قيام أي حاكم عربي بممارسة العنف والقتل ضد شعبه المطالب بالحرية فعل ينفي شرعيته. وناشدت الوثيقة الحكام العرب الإسراع بتنفيذ عملية الإصلاح وتحقيق كل المطالب الوطنية التي نادى بها الشعب لكي تنهض الأمة العربية وتلحق بالركب الأممي المتحضر. وجاء إصدار هذه الوثيقة من أجل دعم إرادة الشعوب في تحقيق الشورى والعدالة والحرية وحقوق الإنسان التي تم تغيبها والإغفال عنها، وخاطبت الحكام والرؤساء بضرورة الاستجابة لمطالب الشعوب. وفي تعقيبات قام بها شيخ الأزهر في نهاية الجلسات التي أقيمت لمناقشة الوثيقة:" إن مواجهة أي احتجاج وطني سلمي بالقوة والعنف المسلح وإراقة دماء المواطنين المسالمين بمثابة نقض لميثاق الحكم بين الأمة وحكامها، ويُسقط شرعية السلطة ويهدر حقها في الاستمرار بالتراضي، فإذا تمادت السلطة في طغيانها واستهانت بإراقة دماء المواطنين الأبرياء حفاظاً على بقائها غير المشروع أصبحت السلطة مدانة بجرائم تلوث صفحاتها، وأصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين ومحاسبتهم". وأكد شيخ الأزهر أن الثورات من إرادة الشعوب وفعاليتها فعالية داخلية بالرغم من الأموال والأدوات التي رصدت من الغرب ومن أمريكا بخاصة لإحداث التحول الديموقراطي في المنطقة؛ إلا أنها لم تكن ذات أثر، فمن المهم أن تتحرك هذه الشعوب وفق منطقها الذاتي ومواريثها الحضارية بما يمثل خصوصيتها التي يجب أن تحترم، ووثيقة الأزهر أنموذج لهذه الخصوصية.

ناقشت أيضاً الوثيقة بابا من أبواب المواضيع الحساسة التي نادرا ما تطرق لها الوطن العربي ألا وهو موضوع حقوق المرأة، ولكن تمَّ تأجيل صدور هذه الوثقية نظراً للجدل الذي نشأ من إثارة هذا الموضوع، إلا أن هنالك بعض الملامح الأولية التي لاقت ترحيباً وحفاوة من ناشطات حقوقيات في مجال حقوق المرأة. وتكمن أهمية هذه الوثيقة في أنها أتت بمبادرة خاصة من الأزهر ليزيل غبار الشائعات التي تقول بأنه مناهض للذكورية وليكون سندًا للمرأة المصرية بشكل خاص والمرأة العربية بشكل عام، وليفتح المجال أمام المرأة بأن تقاتل في معركتها ضد الذين يحاولون الحط من مكانة المرأة الفعال في المجتمعات العربية.

لطالما كان الجامع الأزهر محط إعجاب لكل العرب، بكل ما قام به من أدوار مباشرة وغير مباشرة في تمكين الإنسان العربي من معرفة حقوقه الكاملة وفهمها والمطالبة بها، ووقوفه سدًا منيعًا رغم كل التغيرات التي حدثت من حوله ليكون رمزا شاهدا على تبدل الزمان. ورغم فتور دور الأزهر كمركز إسلامي تنويري إلا أنه يقدم للباحث العربي بعض الحقائق التاريخية التي شهدت منعرجات عدة في تشكيل ما يسمى الآن بالوطن العربي. ومن منطلق أن الأزهر يقدم حقائق فلابد أن يكون الإنسان العربي على دراية تامة بقوة تلك الحقائق وما يمكن أن تفعله في المستقبل القريب.

 

 

أخبار ذات صلة