إلى أين تقودنا فلسفة الدين…؟

قيس بن حمود المعولي

"معنى فلسفة الدين (التخصص بداياته وتطوراته)" مقالة لأستاذ الفلسفة في جامعة تونس فتحي المسكيني ناقش فيها مفهوم فلسفة الدين بصورة تفصلية أورد فيها آراء ونظريات متنوعة ومُختلفة من بداية هذا الأمر إلى ظهوره، سنتطرق إليها في هذه المقالة التي ستكون صورة ممحورة لبعض ما ذكره الكاتب في مقالته، إنَّ الفلسفة بشكل عام وإن كان ظهورها قد توغل في القدم إلا أنَّ ارتباطها بالدين والعقائد والإيمانيات قد ظهر في فترة متأخرة بحسب ما ذكره الكاتب في أطروحته لعدة أسباب أجعلها في ما يتأخر من هذه الكلمات. ماذا نعني بفلسفة الدين وكيف نشأت؟ لماذا طرح تساؤل ماهو الله؟ ماذا قد تغير بعد الفلسفة؟ كيف غيرت الفلسفة نظرة العالم إلى إله الدين؟.

فلسفة الدين هي الدراسة العقلية للمعاني والمحاكمات التي تطرحها الأسس الدينية وتفسيراتها للظواهر الطبيعية وما وراء-الطبيعية مثل الخلق والموت ووجود الخالق وهي فرع من فروع الفلسفة تتعلق بالأسئلة المختصة بالدين، كماهية وطبيعة الرب وقضية وجوده، وتفحّص التجربة الدينية، وتحليل المفردات والنصوص الدينية، والعلاقة بين الدين والعلم. وهو منهج قديم وجد في أقدم المخطوطات المتعلقة بالفلسفة التي عرفتها البشرية، ويرتبط بفروع أخرى من الفلسفة والفكر العام كالميتافيزيقيا والمنطق والتاريخ. فلسفة الدين عادةً ما تتم مناقشتها خارج الأطر الأكاديمية من خلال الكتب المشهورة والمناظرات، خصوصاً فيما يتعلق بقضيتي وجود الرب ومعضلة الشر وهي تختلف عن الفلسفة الدينية من ناحية أنها تطمح لمناقشة أسئلة تتعلق بطبيعة الدين ككل عوضاً عن تحليل المشاكل المطروحة من نظام إيماني أو معتقد معيّن. هي مصممة بطريقة تجعلها قابلة للنقاش من قبل كلِّ من يعرّفون أنفسهم بأنهم مؤمنون أو غير مؤمنين وكفرع من الميتافيزيقيا. الميتافيزيقيا أو ما وراء الطبيعة هو فرع من الفلسفة يدرس جوهر الأشياء. يشمل ذلك أسئلة الوجود والصيرورة والكينونة والواقع. تشير كلمة الطبيعة هنا إلى طبيعة الأشياء مثل سببها والغرض منها وبعد ذلك تدرس ما وراء الطبيعة أسئلة عن الأشياء بالإضافة إلى طبيعتها، خاصة جوهر الأشياء وجودة كينونتها.

إن المفهوم القاصر للفلسفة في بادئ انطلاقها قد جعل الناس يخوضون فيما هو قاصر به تفكيرهم وفكرهم، إن الأمر والتفصيل في ما هو الله يعد أمراً مخالفاً لمعظم الشرائع كون العقل البشري قاصرا على وصف ما خلقه وكونه وأبدعه ولكن الابتعاد عن هذه الشرائع قد أورد هذا الفكر، ولربما قال البعض واستدل بأن الله يختلف كونه وجوهره باختلاف تلك الشرائع. إن ظهور مؤمنين يقعون بعد الملة كما قاله الكاتب عند حديثه عن كتابه "الإيمان الحر أو ما بعد الملة" قد أنشأ هذه الفكرة وجعلهم يجعلون نصب أعينهم التغيير والتبديل والتفكير استناداً لوقائع حياتهم. ولكن يجب على المرء الذي يُريد البحث خلف هذه المعاني أن يعلم حقيقة ما تستند إليه.

 

فلسفة الدين واحدة من الفلسفات المضافة، مثل فلسفة العلم وفلسفة القانون وفلسفة التربية...إلخ. فهي لا تختصّ بدين معين أو أديان خاصّة، وإنّما هي بمثابة فلسفة العلم التي لا تختص بعلم معين. لكنّ نشأة فلسفة الدين في الغرب كانت سبباً لأن تتداول العقائد والمقدس والظواهر الدينية في المسيحية واليهودية، لذلك اهتمت بدراسة مفاهيم الخلاص والتضحية والقربان والتعميد، والتجسيد والتثليث، بموازاة دراسة الظواهر والمعتقدات الدينية المشتركة في غيرهما. يصنّف بول ريكور الاتجاهاتِ الأساسيةَ في فلسفة الدين حتى أواخر العقد الثامن من القرن الماضي إلى خمسة اتجاهات: 1-اتجاه الوجود ـ معرفة الله:  ويشتمل على أربعة مسارات مهمة: مسار متأثر بأرسطو وتوما الإكويني، ومسار متأثر بهيغل، ومسار متأثر بهوسرل، والأخير متأثر بهايدغر،2-اتجاه نقد الدين في الفلسفة التحليلية: ويشتمل أيضاً على مسارين مهمين: المسار الذي يهتم بلغة الدين، هل لها معنى أم لا؟ والمسار الآخر تتمحور قضيته الأساسية حول سؤال: هل يخضع كلام المتألهين للضوابط المنطقية والمعرفية نفسها؛ المعتبرة في علمية أي كلام آخر؟،3-الاتجاه المتأثر بالعلوم الإنسانية: وهو أيضاً على ثلاثة مسارات مهمة: المسار المتأثر بتاريخ الأديان المقارن، والمسار المتأثر بالعلوم الاجتماعية، والمسار المتأثر بعلم النفس بشكل عام، وبالتحليل النفسي بشكل خاص،4-اتجاه الفنون اللغوية وفعل الكلام الديني: المتأثر بفيتغنشتاين المتأخر،5-اتجاه هرمنيوطيقا لغة الدين. وتُبحث في فلسفة الدين القضايا المشتركة بين الأديان، مثل:1-ماهية الدين: مفهوم الدين، مناشئ وبواعث الدين، أفق انتظار البشر من الدين، أثر الدين في حياة الفرد والمجتمع، الدين وإنتاج معنى لما لا معنى له في حياة الإنسان، حدود الدين؛ وهل أنّه شامل، أي دنيوي وأخروي، وما حدوده الدنيوية، أو إنّه للآخرة خاصة، ومجالات الدين، وجوهر وصدف الدين، أو الذاتي والعرضي في الدين، والثابت والمتحول في الدين، وتطور الدين،2-وجود الله: طبيعة وجوده، وبراهين وجود الله، وصفات الله، وأفعال الله، ومفاهيم الله والألوهية في الأديان، وطبيعة علاقة الإنسان بالله،3-مشكلة الشر: كيف أنّ الشر بكافة أشكاله؛ الألم الجسدي، والنفسي، والأذى الأخلاقي، سواء نتج عن الأسباب والكوارث الطبيعية، أو ظلم الإنسان، يطرح بوصفه تحدياً لقدرة الله القادر على كل شيء، ولمحبته ورحمته التي تتسع لكل شيء،4- الإيمان والعقل والقلب: هل الإيمان منبعه العقل والقلب معاً، أو العقل فقط، أو القلب فقط؟ وهل يتعزز الإيمان بالعقل، أو أنّ العقل يقوّض الإيمان، كما يشدد على ذلك كيركغورد ودعاة النزعة الإيمانية؟،5-التجربة الدينية: بيان ماهية التجربة الدينية، وأنماط التجربة الدينية، وإمكانية معرفة صاحب التجربة الدينية بتفسيرها، هل هي عاطفة وشعور بالتبعية للحقيقة الغائية، أو شوق ووجد للحقيقة الغائية، أو هي كشف وإشراق وانخطاف للروح؟ ما الفرق بين تجربة المقدس وغيره؟ هل هي تجربة حسية وإدراكية؟ هل التجربة الدينية هي حقيقة وجوهر الدين؟، وغير ذلك الكثير قد أورد الكاتب بعضه وأورده آخرون في مقالاتهم وكتاباتهم.

كل هذه العوامل والجوانب قد شكلت أفكارا وآيدولوجيات عديدة منها ما ذكره الكاتب وهو الإلحاد الذي لو أردنا إنشاء تعريف له لقلنا إنه: إنكار وجود الإله والمدبر والخالق العالم بما يحصل ويتغير في الحاضر وعالم غيب المستقبل ومن له الإحاطة بالماضي بدون بزيادة ولا نقصان. إن انتشار الإلحاد في الأقطار المختلفة من العالم وفي جوانب الديانات المختلفة قد شكل نوعا من هذه الفلسفات التي لا يعلمها أغلب الناس، لا لقلة تواجدها وحضورها بل لصعوبة إدراكها دون دراستها بتفصيل عميق والتوغل في مفاهيمها وعواملها ودراساتها وفصولها وأبوابها التي قد تكون وحدها مختلفة باختلاف من قدمها وابتدعها. إذا ما الذي طرح سؤال وجود الله؟ إن الأمر هذا غاية في التعقيد والصعوبة أن يدرك أن يفهم دون الرجوع إلى نشأته ولكن لربما يقال إن نظرة بعض الناس إلى الديانات القاصرة التي لم تكن آلهتها قادرة على فعل شيء يذكر قد جعل من هذه حقيقة ولكن حسبنا ما قال سيد الخلق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في قوله:" تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق".

 

 

أخبار ذات صلة