قيس بن حمود المعولي
تختلف المبادئ من زمان ومكان بحسب نشأة التغيرات على الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. إنّ هذه الطفرات والفلسفات التي ما هي إلا خروج عن الواقع الذي يجب أن يعيشه البشر بالبساطة والواقعية والعقلانية المتزنة الوسطية. الاختلاف والخلاف حالتان لابد من ورودهما في حياة البشر اليومية وإلا لطرأ على هذا العالم السلام والأمن والاستقرار والتسامح والعيش الرغد الهنيء. إنّ الحديث أغلبه ينصب هذه الأيام عن الطرق السياسية للحكم وتسيير أمور الدول والحكومات بحيث يختلف المحللون والمفكرون والدارسون السياسيون حول أفضل الطرق وأنسبها للحياة اليومية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. سنطرح في هذه المقالة بعض الأفكار التي نشرها الكاتب ياسر قنصوه في "المفهوم الليبرالي للتعددية الثقافية".
يعيش المبدأ الليبرالي فترة من الانتعاش وهذا يتضح من خلال تعريفه الذي ينص على أنه نظرية أو فلسفة سياسية تقوم على أفكار تدعو للحرية والمساواة؛ فالليبرالية الكلاسيكية تدعو إلى الحرية، بينما الليبرالية الاجتماعية تدعو إلى المساواة، ويتبنى الليبراليون أفكاراً تدعو إلى حرية التعبير، وحرية الدين، والحفاظ على الحقوق المدنية، بالإضافة إلى المساواة بين الجنسين. إن انتشار الحركات الحقوقية والأحزاب السياسية التي تؤيدها إنما هو انعكاس لصورة الانتعاش الليبرالي الذي يعيشه المجتمع الدولي. هذه الحريات والمبادئ ماهي إلا طفرات نشأت بسبب الاختلال الفكري الذي يعشيه الواقع الحالي وماهي إلا خزعبلات ينادي بها الناس في ضوء غياب الحقوقية والعدالة الاجتماعية.
ظهرت الليبرالية كحركة سياسية أثناء عصر التنوير، حيث حظيت بشعبية كبيرة بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي، وذلك بسبب رفض الليبرالية للمفاهيم الدارجة خلال ذلك الوقت من الملكية المطلقة والتميز الإلهي للملوك، وسيطرة دين الدولة على الشعب. يعود تأسيس الليبرالية إلى الفيلسوف جون لوك في القرن السابع عشر، حيث دعا لوك إلى حق الإنسان الطبيعي في الحياة والحرية والملكية، وضرورة توقف الحكومات عن انتهاك هذه الحقوق المطلقة مستغلين العقد الاجتماعي، كما سعى إلى استبدال الحكم الديكتاتوري بحكومة ديمقراطية تمثل كافة شرائح المجتمع. يختلف تفسير الحكم الديكتاتوري بين الفلاسفة فمنهم من فسره على أنه الظلم والاستبداد من الحاكم أيا كانت طريقة وصوله للحكم وآخرون فسروه بأنه الحكم الوراثي ولكن يجب أن يعيدوا النظر في تفاسيرهم هذه إلى أن يضعوها بتخصيص أدق وأيسر للفهم.
دخلت الليبرالية إلى العالم العربي عن طريق تعلم الكبير من أهل المشرق في الدول الأوروبية كفرنسا والمملكة المتحدة بدايات القرن العشرين حيث أنهم قد أعجبوا بما تقدمه الليبرالية من فتح المجال إلى التشارك في الآراء وحرية التعبير والفكر والشخصية حيث أن أغلب تلك الدول العربية قد سلبت هذه الحقوق من مواطنيها خلال تلك الفترة مثل ما سرده التاريخ وذلك بسبب الاحتلال والاستعمار الذي نكب تلكم البلاد وما حواها.
تقسم الليبرالية إلى ثلاثة أقسام: الليبرالية الاقتصادية والليبرالية الاجتماعية. تختلف الليبراليات الاقتصادية والاجتماعية بعدة أسس ولكنها في مجملها ترجع إلى الأساس وهو المبدأ الليبرالي السياسي. الليبرالية الاقتصادية: هي فلسفة اقتصادية تدعم اقتصاد عدم التدخل والسوق الحر وتُعارض تدخل الدولة في السوق وتدعم التجارة الحرة والتنافس، وتقوم فكرة الليبرالية الاقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية ووظائف تجارية وعدم تدخلها في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم. فالليبرالية الاقتصادية تدعم الحرية الاقتصادية من حيث القوانين والتطبيقات، حيث إنها تريد سيطرة قليلة أو عدم وجود سيطرة على السوق، وترك السوق يتحكم بنفسه من صعود وهبوط على قاعدة العرض والطلب والمتغيرات الأخرى دون تدخل الدولة بذلك بوضع قيود حماية أو حدود للصعود أو النزول. وتعتبر أن قيمة السلع والخدمات تحددها الخيارات غير المقيدة للأفراد، أو بما يسمى قوى السوق.
الليبرالية الاجتماعية: تدعو الليبرالية الاجتماعية إلى احترام الحرية الفردية والتسامح مع تشديدها على "الحرية الإيجابية" (التي تهتم بقدرة الأشخاص على المشاركة في العمل) وتعتبر أن حق العمل وحق أجر مناسب على العمل لا يقل أهمية عن حق التملك حيث تدعم اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يسمح بالملكية الفردية لوسائل الإنتاج مع تنظيم الدولة للسوق بما يحقق التنافس الاقتصادي العادل وتقليل نسب التضخم وتقليل البطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والضمان الصحي وتوفير متطلبات حقوق الإنسان، وتوظف عناصر من الرأسمالية والاشتراكية معًا لتحقيق موازنة بين الحرية الاقتصادية والمساواة بما يخدم الصالح العام. تعد الليبرالية الاجتماعية الأكثر انتشارا بسبب رواجها وتقبلها من معظم الناس الذين يدعون إلى المساواة والتقاسم والتشارك العادل الذي يضمن لكل فرد حقه ومستحقه دون النظر إلى العرق أو الجنس أو العمر وإنما فقط إلى المجهود والعمل.
إنّ اختلاف الثقافات هو الذي أنشأ بعض الاختلاف في الجوانب الليبرالية المتعددة وذلك بسبب اختلاف الصور النمطية المنتشرة بين أنحاء المجتمع الدولي وكذلك اختلاف تاريخ وركائز الدول بحسب دياناتها وسوابقها التاريخية العقلية منها والنقلية. هذا الاختلاف كان ظاهرا عند قدوم الحركة الليبرالية إلى بلاد المسلمين حيث إنها أظهرت بعض المعارضات مع الأسس الدينية العقدية منها والفقهية فمضى الناس ينفرون منها توجها إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل بحسب ظنهم. التعارض أو التوافق مع المبدأ الليبرالي منوط بكيفية رؤية الفرد للحركة ذاتها مقارنة بتوجهاته وتوجهاتها وأسسه وأسسها لا ما على تمليه هي من قوانين أو مبادئ. إن مثل هذه الحركات التي هي من صنع كثير من الفلاسفة والمحللين والمفكرين والسياسيين لابد فيها ومن اللازم أن تقع في أخطاء أو أن تظهر فيها الشوائب ولكن لابد على العاقل الذي ينظر إلى الأمور بعين العقل أن يصوبها لما فيه المصلحة العامة للناس لضمان حقوقهم وحرياتهم وتوجهاتهم الفكرية بحيث لا يضرون ولا يتضررون مع الأخذ بعين الاعتبار المبادئ والقيم التي نشأ عليها المجتمع المراد استهدافه وتقويمه.
