قيس بن حمود المعولي
"نحو فهم جديد للتعددية الدينية في القرآن الكريم" أطروحة لأستاذ الدراسات الإسلامية عدنان المقراني ناقش فيها مفهوم التعددية الدينية وأثرها في واقع حياة البشر وذكر فيها جوانب الفهم في مختلف الأفكار والحقائق. إن التعدد هو مفهوم عام للتنوع والاختلاف بشكل عام و الدين هو مجموعة من المعتقدات والشرائع التي يتبعها جمع من الناس إيماناً بمصداقيتها وحقيقتها يرد مصدرها لرب أو كتاب مقدس أو تعاليم ثابتة. وفي هذه الكلمات سأناقش ما ذكره الكاتب من كلمات في معنى الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان والإقصائية.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:" إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"(19:آل عمران) وتفسير هذه الآية إنما هو تعريف شامل لمفهوم الإسلام العام الذي ينبغي على القاصي والداني والعالم والجاهل أن يفهمه ويعلمه فإن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله، ولا يقبل غيره هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يقبل الله من أحد بعد بعثته دينا سوى الإسلام الذي أرسل به. وأما الفرق بينه وبين الإيمان فقد ورد عن الإمام نور الدين السالمي رحمه الله أنه قال في أرجوزته أنوار العقول:
إيماننا التصديق والإسلام *********** إذعاننا لما دعا الأحكام
ولهما في الشرع معنى ملتزم ************ تصديق قول عملا إذا لزم
وذكر في مشارق أنوار العقول الجزء الثاني "اعلم أن للإيمان والإسلام استعمالين أحدهما لغوي والآخر شرعي"، وفي هذا المقال سأتطرق للغوي فقط لما للشرعي من إسهاب كما ذكر الإمام السالمي في كتاب مشارق أنوار العقول الجزء الثاني (198-203). الإيمان لغة هو التصديق بالقلب فقد قال الله تعالى:" قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (14:الحجرات) أي لم تصدقوا، وأما الإسلام لغة فهو الانقياد والاذعان وترك العناد وقوله:" وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا" أي هو إذعاننا أي انقيادنا وترك تمردنا على من طلب منا الانقياد و الإذعان. من منطلق هذه الكلمات فإن الإسلام الشرعي هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يخالف، ويمكن أن يرد الإيمان والإسلام كمترادفين لدلالة قوله تعالى:" فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ(36)" (35-36:الذاريات).
إن اختلاف الديانات باختلاف عقائدها وشرائعها في العصر الراهن لا يعكس صحتها من خطئها؛ فكثير منها قد تغير جزئيا أو نسبيا أو شكليا وبعضها كليا ولكن ما بقى منها هو رسالة خير خلق الله محمد بن عبدالله صلى عليه الله وسلم. إن في كل شرعة من تلك الشرائع أناسا يرون في شريعتهم الكمال والتمام والصفوة دون غيرهم، ولكن ما يجهله هؤلاء القوم هو التسامح الذي يجب أن يكون راسخا في كل شريعة ومنهج لكي تقوم هذه الدنيا التي خلقت باختلاف وستنتهي باختلاف لقول الله تعالى:"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين" (118:هود)َ. إن العمل بهذه المناهج والشرائع يختلف تصنيفه من حيث صحته وجزئية صحته وخطئه حسب فهم الناس لهذه الديانات وكيفية العمل بها من ناحية مجتمعية لا شرعية؛ فنظرة الشريعة مختلفة في هذا الأمر. من هذا المنطلق يجب إيضاح معنى الإقصاء وقد ذكر أحمد محمد سالم في كتابه "إقصاء الآخر: قراءة في فكر أهل السنة" أنه قوة جماعة واحدة على منع الجماعة الأخرى من الحصول على المكافأة، أو فرص الحياة الإيجابية، وفي ضوء المعايير التي تسعى الجماعة الأولى لتبريرها، ومن ثم، فالإقصاء هو حشد القوة لاستبعاد أو حرمان الآخرين من الامتيازات والمكافآت. من هذا المنطلق أقصى كل الآخر للحصول على الكمالية والانفرادية والتميز عن الآخرين ظنا منهم أنهم سيحصلون على المكافأة العظمى والجائزة الكبرى. ولكن هل أهل الكتاب الذين صدقوا بما أنزل إليهم وما أنزل على محمد صلى الله وسلم يعتبرون مسلمين؟ إن إيمان أي شخص من أي ملة سابقة بالرسول الأعظم صلى الله وسلم وبما أنزل عليه يعتبر إسلاما، وللمؤمن ما للمسلمين وعليه ما عليهم وهذا يعني أن تجري عليه أحكام أهل الإسلام. وأما دلالة الآيات التي ذكرها الكاتب ومنها: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (62:البقرة)، فإن الله بين ذلك في قوله: " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"(19:آل عمران)، ثم قال مباشرة: "فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (20:آل عمران) ويقول أيضا: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (85: آل عمران) وعلى هذا تحمل أمثال هذه الآيات على من كان قبل دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما كان يثيره المشركون لدى أهل الكتاب أن سلفكم الذين كانوا قبل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في زعمهم أنهم في دين محمد هالكون فرد عليهم القرآن أن كل من آمن بنبي من أنبياء الله عز وجل واتبع الدين الذي أنزله عليه وآمن بالكتاب الذي أنزل عليه طالما أنه كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فإذا تحمل هذه الآيات على من كانوا قبل نبينا محمد، وإن كان بعض العلماء قال إنها أيضا تشمل من لم تصلهم دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا متمسكين بما جاء به الأنبياء والمرسلون الذي يؤمنون بهم ممن هم قبل دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الأمر وإن لم يكن واضحا جليا في عصرنا هذا لشمول دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام فإنها أقرب منها للنظرية لا الواقع، وخلاصة لذلك فإن هذه الآيات كما ذكر معظم المفسرين تخص من كان قبل دعوة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالشروط المذكورة فيها. وعلى ما ذكرت آنفا هل لنا أن نقف عند الحق لما أنزل في كتاب الله أم نجعل عقولنا وعقائدنا تقف فقط على ما يراه المجتمع أو يعكسه؟.
