الثورة لدينا مزيج من دين وسياسة

فاطمة بنت ناصر

هذا المقال يحمل تلخيصاً ووجهة نظر حول ما كتبه الأستاذ الزواوي بغوره في مجلة التفاهم بعنوان (تسييس الدين والثورات في الحاضر الإسلامي). المقال يركز على الحاضر وعلاقة الدين بالسياسة في تشكيل ثوراته، غير أنّ هذه العلاقة ليست وليدة هذه اللحظة الراهنة؛ بل هي قديمة جداً بقدم الدين والسياسة على حد سواء. ولأنّ الكاتب خصص الحديث عن الحاضر فسنبدأ بتعريفه لمعنى الحاضر ثم نبدأ في التطرق لبقية النقاط.

ما هو الحاضر؟

يعرف معظمنا أنّ الحاضر يتمثل باللحظة الراهنة المنفصلة عن الماضي وعن المستقبل. لكن الفلسفة تتناول الحاضر من زاوية أخرى تتعلق بالفعل وتقسمه كالآتي: حالة الفعل وما هو موجود حقيقة ويملك قوة وكثافة. وتحاول الفلسفة في كل زمان فهم الحاضر وتجمع على أن الحاضر لا يتشكل من زمن واحد ولكنه عبارة عن عدة أبعاد مختلفة للزمن؛ لهذا نجد ميشيل فوكو يدعو لكتابة ( تاريخ الحاضر) حيث كل حاضر له علاقة بماضينا. أما معنى الثورة فمختلف عليه ولكن هناك عناصر وسمات مشتركة للثورة وهي:

 

١- إنها حركة تهدف لإحداث التغيير، ويقول الكاتب إن الحركات العربية أحدثت بالفعل التغيير الداخلي والخارجي، ووضعها في المساق التاريخي قد يكون له أثر في المستقبل البعيد للتحول نحو الديموقراطية.

٢- هي حركات لتحقيق الحرية والديموقراطية في وجه الاستبداد والتسلط.

٣- العنف ملازم لأي ثورة. فلا يوجد تغيير وتأسيس جديد دون قدر من العنف. وقد شهدنا هذا في (ليبيا وسوريا واليمن) ووصل إلى حد الحرب الأهلية في بعضها.

٤- الثورة تحتاج إلى تنظيم وقيادة، والثورات العربية لم تستطع إيجادها لهذا قد يكون هذا عملاً رئيسياً لفشلها.

٥- الثورة بداية جديدة إلى الحرية كما تقول حنة أردنت.

٦- لم نصل في العالم العربي إلى نقطة تحقيق هذه البداية الجديدة. هناك ربما مؤشرات ضعيفة ليست صامدة؛ لهذا فرصة عودة الماضي حاضرة دائماً فنحن لم نصل إلى نقطة اللاعودة، ولا زلنا اليوم نختبر تطبيقنا لقيم الحرية والعدالة.

٧- بحسب الكاتب، لا يمكن فصل ما يحدث اليوم عمّا عرفه تاريخ المنطقة العربية الحديث والمعاصر من فشل وإخفاق متتالٍ وحروب أهلية (لبنان، اليمن، السودان، الجزائر) فكلها ساهمت لقيام الثورة التي في الماضي وجهت لمقاومة الاستبداد وبعدها لمقاومة الاستبداد والتسلط والتحول من النهضة إلى الديموقراطية. وهو كلام في محله ولكن لماذا اختار الكاتب التاريخ الحديث والمعاصر؟ ألم يكن التاريخ الإسلامي منذ بدايته شاهداً على ثورات لتقويم الشأن العام كما حدث في مقتل عثمان وغيرها من الحوادث التي سبقتها وتلتها. ألم تستخدم بعض الفصائل الثورية المعاصرة شعارات وأطروحات قديمة كتطبيق الشريعة وغيرها! فلماذا يفصل التاريخ المعاصر عن التاريخ الإسلامي الأول المليء بالثورات؟

٨- الجانب الاقتصادي أول وأبرز العوامل المسببة للثورات؛ فالاقتصاد المتدهور مسبب للفقر والشعور بالذل والحرمان وفقدان الكرامة. ثانياً صراع الأجيال بين الشباب الذين قادوا هذه الثورات فهم شباب متعلم لكنه غير فاعل في المجتمع بسبب البطالة ومحروم من المشاركة السياسية بسبب الأنظمة. ثالثاً رفض الأنظمة العربية الإصلاح الذاتي وتعمدها كبح رغبات التغيير بتضييق الحريات. رابعاً الشعور بالهزيمة أمام التفوق الغربي الذي أدى إلى نكبة ١٩٤٨ وهزيمة ١٩٦٧، ويقول الكاتب إنّ الدارسين اتفقوا على أن تلك الهزائم كانت السبب الرئيسي وراء ظهور ما يعرف اليوم بالإسلام السياسي. وأختلف أنا مع الكاتب في هذا ولن أتطرق لذكر أمثلة كثيرة غير أني سأكتفي بذكر تأسيس جماعة الإخوان المسلمين الذي يعود للعشرينيات حيث لم تكن هناك هزائم ولا نكبات فالأمر أبعد بكثير من الهزائم ضد إسرائيل.

 

ما بين الدين والسياسة

 

السؤال عن إن كان الإسلام دينا ودولة/ مصحفا وسيفا؟ أم كان عقيدة ودينا فقط؟ هو نقاش قديم أثير كثيراً خاصة حين بات الفارق الحضاري بين العرب والغرب لا يمكن إنكاره، وفي محاولة لفهم هذا التراجع كتبت مؤلفات كثيرة مثل: كتاب علي عبدالرزاق (الإسلام وأصول الحكم) وكتابي عادل ظاهر (الأسس الفلسفية العلمانية) و (أولية العقل) التي ناقشت موضوع فصل الدين عن الدولة. فالدولة في الإسلام لم تنفصل عن الدين رغم التحول من الخلافة إلى الملك، ولكن هذا التحول نتج بالقتال، ولايزال المسلمون يقتتلون بطريقة أو بأخرى في أحقية تمثيل هذا الدين بين قطبين رئيسين: السنة والشيعة. أما توظيف الدين في السياسة فهو لم ينقطع منذ النشأة إلى اليوم. ولكن ما هي البدائل؟ يطرح الكاتب أهم نظريتين من وجهة نظره، وهي أطروحات رضوان السيد وفهمي جدعان:

١- رضوان السيد: اختلاف العلاقة بين الدول الإسلامية والسياسة فمنها "الحفظ والاستتباع" كالسعودية و "الحياد الإيجابي والسلبي" مثل لبنان، و "الإقصاء والإضعاف للمؤسسة الدينية" مثل الجزائر التي هي ذات منهج يساري عسكري. والمثال الجزائري لا يقصي الإسلامي بل يرى أنّه لا يتعارض مع فكرة الاشتراكية ففي كل المواثيق الجزائرية بدءاً بميثاق ٦٤ وحتى ميثاق ٨٦ نجد الإسلام متوافقا مع أيديولوجية النظام السياسي ومسخراً لخدمته؛ فنجد أنّ الإصلاح تمثل في وجود أفراد تولوا مناصب في وزارات كالتربية والتعليم والشؤون الدينية والأوقاف فأصبحوا جزءاً من المؤسسة الحاكمة وليسوا منفصلين عنها. وفي الجانب الآخر ظهرت حركات منفصلة عن السلطة كانت تحاول الإصلاح من خلال ما يعرف (بالإسلام السياسي) بنشر أفكار ودعوات لأسلمة المجتمع الذي في نظرهم هو جاهل وغير مسلم ويحتاج إلى إعادة تأهيل. ويرى أن التوظيف السياسي للدين وصل إلى مرحلة الانفجار بدءا من السبعينيات بمصر والقاعدة وطالبان وباكستان، ولم ينته حتى اليوم.

 

٢- فهمي جدعان: يرى أنّ حركة الإخوان المسلمين (السنية) وحزب الدعوة (الشيعية) حركات كانت لا ترى أن الإصلاح يمكن تحقيقه من خلال المؤسسة الرسمية وإنما يتحقق عن طريق النضال السياسي، والعمل على استبدال الأنظمة المستبدة. وهاتان الحركتان والحركات التي تتبنى ذات النهج تجمعها خصائص مشتركة وهي: الاستخلاف، والتكليف، والحاكمية. الحل لدى جدعان هو بتغيير مفهوم تطبيق الشريعة إلى مفهوم تطبيق مقاصد الشريعة وهو ما تبناه قبله: الماوردي والغزالي والشاطبي.

عناصر التسييس:

١- المساجد: خرجت من كونها دور عبادة لتصبح مكانا للتعبئة السياسة والحزبية.

٢- خطباء مستقلون عن المؤسسة الدينية الرسمية: خطابهم يتصادم مع الخطاب الإصلاحي التابع للمؤسسة الرسمية. كما أنّ اعتلاء المنابر لا يخضع لاستيفاء شروط علمية وتربوية معينة.

٣- اختلاف توجهات الخطباء ونستعرض هنا الجزائريين؛ فمنهم من يدعو إلى "الجزأرة" بإعلاء قيم الخصوصية الجزائرية، ومنهم ذو اتجاه أممي كجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، ومنهم الجهاديون الذين واجهوا الدولة وذهبوا للجهاد في أفغانستان.

 

من المهم في الختام التأكيد على صعوبة فصل الدين عن التوظيف السياسي لمكانته المركزية في المجتمع الإسلامي، وإن رغبنا في تغيير مسالكه الفكرية نحو أفق يواكب الحاضر علينا بإشاعة حرية التعبير ليسهل مناقشته ونقده. فإن كان صالحاً لكل زمان ومكان لماذا يلاحقه الفشل؟ لهذا كله نحتاج إلى رغبة حقيقية وضمانات تكفل حرية تشريحه ومناقشته.

أخبار ذات صلة