توماس باور
رضوان ضاوي*
تُعدّ دراسة الأستاذ محسن جاسم الموسوي المكتوبة بالإنجليزية بعنوان "The Medieval Islamic Republik of Letters : Arabic Knowledfe Construction" (جمهرة الآداب في العصر الإسلامي الوسيط) (2015) أهم ما ألف حديثاً حول مفهوم "عصر الوسيط الإسلامي"، وقدم فيها الباحث صورة أخرى عن هذه المرحلة الإسلامية الوسيطة، مغايرة لما كتبه المستشرقون الغربيون، وقد كتب الأستاذ أحمد بوحسن قراءةً ومراجعة نقدية لهذا الكتاب موسومة بــــ "مراجعات نقدية لمفهوم عصر الانحطاط" (صدرت ضمن كتاب "تقاطعات التاريخ والأنثربولوجيا والدراسات الأدبية أعمال مهداة إلى عبد الأحد السبتي"، تنسيق عبد الرحمان المودن وأحمد بوحسن ولطفي بوشنتوف، دار أبي رقراق للطبع والنشر، الرباط 2018). وضمن الدراسات الألمانية الحديثة، نشر الباحث الألماني سباستيان غونتر دراسة قيمة في مجلّة التفاهم (عدد 55-56، شتاء وربيع 2017م./ 1438 هـ. / ترجمة رضوان ضاوي) بعنوان "المدرسة بوصفها مؤسسة للتعليم في العصر الإسلامي الوسيط".
ويأتي كتاب الباحث الأكاديمي الألماني توماس باور الجديد " لماذا لم يوجد عصر إسلامي وسيط؟" باعتباره أهمّ دراسة ظهرت مؤخّراً باللغة الألمانية، تعيد الاعتبار لفترة "العصر الإسلامي الوسيط" وتنصف الإنتاجات المعرفية والحضارية التي وسمت تلك الفترة، وتوسع إدراك القارئ لهذا المفهوم ومجموعة من المفاهيم المرتبطة به.
وإذا كانت كل هذه الدراسات تشترك في عنصر الدفاع عن تلك الفترة الطويلة من تاريخ الحضارة الإسلامية وتنفي عنها صفة الظلامية والتقهقر المعرفي والتراجع الحضاري، فإن كتاب الباحث الألماني باور يتميز بأنه في تناوله لما يسمى بالعصر الإسلامي الوسيط، ويجمع بين السرد التاريخي الجادّ والمراجعة النقدية لمفهوم العصر الوسيط ومفهوم العصر الإسلامي الوسيط.
ولعل ما يثير في دراسة باور، هو وقوفه عند التأريخ للعصور باعتبارها تأريخاً أوروبيا، أي اختراعاً أوروبيّاً خاضعاً للمركزية الغربية ورائداً لعصر التنوير الأوروبي، على أساس التنمية والتطور والنهضة. وتوصف العصور الوسطى الأوروبية بأنها "العصر الوسيط" الذي عبر فيه الغرب المسيحي عن تفوقه وسيطرته. فقد أثار اهتمام الباحث باور مجيء المستعمر الأوروبي إلى إفريقيا مقتنعاً ألا تاريخ ولا ثقافة لهذه المنطقة. لكن باور يلفت الانتباه إلى أن هذه النظرة الأوروبية للتاريخ تتجاهل حقيقة أنه في إفريقيا وآسيا وأمريكا وفي سياقات إيديولوجية أخرى، يمكن أن يكون تاريخ التقييمات مختلفاً. ويمكن تحديد عصر الاضمحلال بذكر مجموعة من أهم الأحداث السياسية في فترة العصر الوسيط (العصرين المملوكي والعثماني): عام 1453 فتح العثمانيون القسطنطينية، في عام 1492 سقطت غرناطة، آخر مملكة إسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية. وفي عام 1501، سيطر الصفويون على إيران، وبعد ذلك بفترة قصيرة، ظهرت الإمبراطورية المغولية في الشرق. وفي عام 1517، غزا العثمانيون الإمبراطورية المملوكية، وفي نفس العام نشر مارتن لوثر رسائله الـ 95. بعد غزو غرناطة تم طرد السكان اليهود والمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية، وكان سقوط بغداد سنة 1258، وغزو نابليون لمصر في 1798. وفي الشرق، بعد فترة وجيزة من عام 1500، تم توطيد ثلاث إمبراطوريات في العالم الإسلامي: الإمبراطورية المغولية في الشرق، والعثمانيون في الغرب، والصفويون. أثر كل هذا على الحياة اليومية، والفن والثقافة. لكن هذا لم يمنع من كون مصطلح "العصور الوسطى" يمكن التغلب على معياره الأوروبي، ومنع تصديره باعتباره مصطلحا مضللاً يجب الاستغناء عنه.
وإذا كان الباحث في الدراسات الإسلامية والعربية بمونستر توماس باور قد أطر كتابيه السابقين "ثقافة الالتباس، تاريخ مغاير للإسلام"(2011 وترجمه حامد قطب عن دار الجمل في 2016) و" توحيد العالم: عن فقدان التعددية والاختلاف" (2018) بمجموعة من المفاهيم الأساسية التي استند عليها فيها، فقد عمل أيضا على تأطير كتابه "هل يوجد عصر إسلامي وسيط" بمفاهيم جديدة، وراجع فيها مفاهيم قديمة أو شائعة مثل مفهوم "العصور الوسطى الإسلامية" الذي يستخدم بشكل مترادف مع مصطلح التقسيم الأوروبي، وهذا أمر خطأ ومضلل. ووفقاً لأطروحة هذا الكتاب، فإنه من غير المناسب إجراء مقارنات ثقافية غير متمايزة بين تطورات أوروبا الغربية والوسطى من ناحية وتلك الموجودة في غرب آسيا من ناحية أخرى في العصور الوسطى.
يحتوي الكتاب على مقدمة وخمسة فصول. في المقدمة يشير المؤلف إلى أصل فكرة هذا الكتاب، فقد ألقى عرضاً في أكاديمية العلوم براندنبورغ ببرلين بتاريخ 4 فبراير 2014، تناول فيه موضوعا جوهريا: هل وجد فعلاً عصر إسلامي وسيط؟ ثم بدا له تطوير الفكرة لتنشر على شكل كتاب. في الفصل الأول، يستشهد الكاتب بستة حجج ليفكك بها مصطلح "العصور الوسطى الإسلامية" ويتجنب بها أضرار هذا المفهوم، وفي الفصل الثاني يقارن المؤلف بين الشرق والغرب من خلال التعرض لسبعة وعشرين عنصرا من عناصر المقارنة التي اختارها الباحث باور مرتبين ترتيبا ألفبائياً، من بين هذه العناصر نجد: الحمامات، والقراميد، والأعياد، واليهود، والنقود النحاسية، وشعر الغزل، والطب، والعلوم الطبيعية، والدين، والتمدن الحضري، والطرق، والخوف من الأجانب. وقد استعان الباحث باور بهذه العناصر للمقارنة بين غرب ووسط أوروبا من جهة، وغرب آسيا من ناحية أخرى في فترة تسمى غصبا "العصر الوسيط المبكر". أما الفصل الثالث فيدور حول "البحث عن الصورة الكاملة" لمنهجية التأريخ الجيدة، بينما بتناول الفصل الرابع هذه الفترة التي تُعرض على أنها الفترة التكوينية والمزدهرة للعلوم الإسلامية؛ ويشكل الفصل الخامس خاتمة وخلاصة مركزة لهذا الكتاب.
تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه من الدراسات الجديدة والقليلة والنادرة التي تعيد النظر في مفهوم "عصر الانحطاط" ضمن وجهة نظر تتجاوز بكثير تلك النظرة الجزيئية لهذه الفترة الحاسمة من تاريخ المسلمين. فكان دور هذه الدراسة هو الكشف عن مراجعة مغايرة للمنتج الفكري والحضاري لتلك الفترة. تأتي جدّة موضوع هذا الكتاب من خلال أطروحة الدكتور توماس باور في أن الأدب العربي في العصر العثماني والمملوكي لم يُدرَس بصورة جدّية، وأن القسم الأعظم من مخطوطاته لم يحقق، وأنّ إطلاق صفة "الانحطاط" على تلك المرحلة الطويلة والغنيّة من تاريخ الأدب العربي يشكّل ظلما كبيرا للثقافة العربيّة. وقد كشفت القراءات المغايرة عن توسيع مفهوم الباحثين الجدد (توماس باور، جاسم الموسوي، سيباستيان غونتر، وأحمد بوحسن) للتاريخ ما جعلهم يفهمون الانحطاط في سياق التحقيب. فقد كان السرد الغالب على تقييم فكرة الانحطاط سلبيا رسّخ صفة الاضمحلال، وهي نظرية سياسية وإيديولوجية تتحكم فيها القوى الغربية، فتباحث الغربيون حول انحطاط الثقافة العربية والإتيان بأدلة دون تبرير واضح ولا تقدير منصف لما قدمته الثقافة العربية في ذلك الوقت. ولكن الجانب السياسي ليس عذرا لكي يغطي على الإنتاجات الفكرية والأدبية، كما يقول الأستاذ أحمد بوحسن.
وقد تحدث اللاهوتي والفيلسوف النمساوي فرانز شوب (1936 - 2016) عن أهمية اثنين من المفكرين المسلمين هما ابن رشد وابن ميمون، ابن رشد في الحوار والتسامح وتقبل الآخر، وابن ميمون في نشر التسامح والحوار في الأندلس. وجدير بالاهتمام، أن التطور بين أوروبا والشرق مختلف جداً وغالباً في الاتجاهات المعاكسة، فبداية حقبة جديدة للعالم كله بين جبل طارق وهندوكوش واضحة: أي القرون الذهبية في إفريقيا. علاوة على ذلك، فإن المساحة التي تبدأ فيها هذا الحقبة الجديدة تتوسع إلى الجنوب، فيتم دمج المزيد والمزيد من المناطق في أفريقيا في الشبكة الإسلامية الاقتصادية والثقافية، والتي تمتد من شمال أفريقيا إلى الجبال العالية في آسيا الوسطى. يجادل فرانسوا كزافييه فوفيل François-Xavier Fauvelle، الذي قدم كتابه „Das goldene Rhinozeros“ بعنوان ثانوي هو "أفريقيا في العصور الوسطى" „Afrika im Mittelalter“ ، مقتنعًا أن القرون، التي يشار إليها عادة باسم "العصور الوسطى"، يتم توثيقها في إفريقيا، ولكن ليس بأي حال من الأحوال بصفتها "قروناً" مظلمة، على العكس تماماً: "القرون الذهبية - ليست مظلمة، بل منسية".
وكان الباحث الألماني سيباستيان غونتر قد كتب بأن إنشاء شبكة واسعة من الجامعات في فترة ازدهار التعليم، قد أسهم في إضفاء الطابع المهني على التعليم الإسلامي في المناطق الشرقية من العالم الإسلامي في العصور الوسطى، ولكن فيما بعد أيضا المغرب الإسلامي والأندلس. وقد أدت وظيفة هذه المؤسسات إلى تحقيق مستوى معين من التعليم العام في الإسلام في القرون الوسطى، كما طورت هذه المدارس الحوافز الاقتصادية والثقافية الاجتماعية (توفير السكن للفقراء) والاقتصادية (في المدينة التي تقع فيها الجامعات) والثقافية (جذب علماء وأساتذة بارزين) والتاريخية (أضرحة المانحين).
وجد الكلام الأوروبي عن الشرق باعتباره جامدا متخلفا ومنحطا صداه في الشرق الأدنى، ووجد من اعتقد به. وقد توجه نظر المؤرخين العرب إلى الحكم على حضارتهم الخاصة من خلال رأي الأوروبيين الذين يرجعون كل تصور يتواجد في الشرق الأدنى إلى الإسلام، وتوجب في العالم العربي دائما الاسترشاد بالأفكار الغربية حين ننظر إلى التاريخ العربي. ومنذ القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين كان الغرب يحارب ضد الإسلام المنحط والمتقلب والمنحرف، وكانت حالات من سوء الفهم تلك نجدها عمليا في كل عدد من أعداد الجرائد اليومية الألمانية حتى يومنا هذا.
لكن ما يحزن الباحث باور أن الصورة العدائية الغربية التي ترى أسباب كل الشرور موجودة في تاريخ الإسلام تتطابق إلى حد كبير مع كراهية العرب والمسلمين لتاريخهم الخاص باعتباره عملية مستمرة من الانحطاط والتدهور. ومن اللافت للنظر عند مؤلف هذا الكتاب أنه ليس الإسلام التقليدي من العصور الوسطى، بل ممثلوه الحاليون من يقود حربا ضد حضارتهم الخاصة متأثرين في ذلك بعلماء غربيين ومستشرقين. فأصبح معظم الباحثين العرب والمسلمين من أتباع نظرية التخلف.
ويتعجب توماس باور من أن الغرب اعتقد أنه نتيجة حقبة ألف عام من الانحطاط والتشدد الذي منع العالم الإسلامي من التطور يجب التغلب عليه بمساعدة الغرب وفق إيديولوجية متداولة في الشرق موروثة عن الاستعمار الأوروبي مفادها أن العالم الإسلامي كان يعيش منذ القرن العاشر والحادي عشر في حالة تأخر وجمود. لذلك يرى ممثلو نظرية التخلف هذه، التي ترتكز عليها أطروحة هذا الكتاب، عدم وجود سبب لقراءة كتب هذه الحقبة أو الاعتماد عليها.
لقد أصبحت نظرية الجمود والتخلف في الشرق الأدنى بمثابة عقيدة في القرن التاسع عشر. وكانت الصورة المعتادة لانحطاط العالم الإسلامي التي يعتقد فيها كثير من المثقفين الغربيين، بل كثير من المثقفين في الشرق الأدنى وإفريقيا أن علماء ظلاميين استطاعوا أن يهيمنوا على المشهد، فجمدوا تحت سطوة التشدد كل فكر حر. وبدأ انحطاط مثير يستمر ألف عام. وكان كل هذا مبررا للاستعمار الثقافي في القرن التاسع عشر. لكن توماس باور يثير فكرة مهمة وهي أن الرحالة والموظفين المسؤولين عن الشؤون الاستعمارية وعلماء الأعراق شككوا في مسألة "انحطاط تلك الفترة"، فقد كان هناك عصر ذهبي في القرنين الثامن والتاسع الهجريين في العالم الإسلامي عندما ترجمت نصوص العلوم اليونانية والفلسفة إلى العربية والتي استطاع الغرب الاستفادة منها.
واقتناعاً من الباحث باور بأن مفهوم "العصور الوسطى الإسلامية" غير دقيق، ويؤدي إلى استنتاجات خاطئة وأحكام مسبقة، كما أنه يتم استخدامه للتشهير حاملا كل الدلالات السلبية، ويساهم في تغريب العالم الإسلامي، وهو يعمل من أجل الصالح الإمبريالي، ولا يقوم على أي أساس واقعي، كما أنه يعرقل رؤية الحدود الحقيقية للعصور، وأن انتقاد مفهوم "العصور الوسطى" (الأوروبي) وسيلة للدراسة العلمية، ينطلق توماس باور من السؤال المحوري: هل هناك في الشرق الأوسط تطور يماثل بطريقة واضحة الانتقال من العصور الوسطى في مناطق الإمبراطورية الرومانية الغربية؟ فيرفض التحدث عن "القرون الوسطى" بشكل عام و"العصور الوسطى الإسلامية" على وجه الخصوص؛ ذلك أن التحول الذي قاد أوروبا من العصر القديم إلى العصور الوسطى، لم يتواجد في الشرق، كما أنّ المعلومات التي يقدمها المؤلف فيما يتعلق باللغة والتطورات القانونية والخطابة والفلسفة في الثقافات العربية تفتح نوافذ جديدة ورؤى للقارئ. فالذين يصفون هذه الحقبة بالانحطاط يرتكبون خطئاً كبيرا، ذلك أنهم يقيسونها بفترة العصر الوسيط في أوروبا. لقد عرفت المرحلة الإسلامية الوسيطة مناقشات ودراسات متباينة بين الباحثين قديماً وحديثاً، بينما لعب المستشرقون دوراً كبيراً في استنبات هذا المفهوم في القرن التاسع عشر. وهذا ما يؤكد عليه الأستاذ أحمد بوحسن والأستاذ جاسم الموسوي، وتزكيه دراسة الأستاذ توماس باور الجديدة.
يثبت توماس باور أنّ مفهوم العصور الوسطى ليس مفيداً لتاريخ أوروبا، ولا لتاريخ منطقة الشرق وإفريقيا، لأنه تنقصه رؤية شاملة للمنطقة. لهذا نراه سائراً إلى مزيد من انتقاد مؤرخي الأدب العربي وباحثيه المحدثين لأنهم وصفوا الأدب العربي-الإسلامي في العصر المملوكي والعثماني بـ"الانحطاط"، مستغربا الدوافع التي جعلت الأمة العربية-الإسلامية تتنكّر لقرون طويلة من تاريخها الثقافي وتنعته بالانحطاط، ومؤكدا على أن للمفهوم سياقا إيديولوجيا وسياسيا غير منصف.
يمدح المؤلف آداب الشرق بقوله بالقول إن آداب الشرق الأدنى بين القرن 12 و19 تمثل أكثر آداب الإنسانية ثراء وغنى بالعبر والطابع الإنساني. لكن الغرب حذر من هذا الثراء باعتباره تاريخا للتدهور والانحطاط في فترة ما قبل الاستعمار. فقد استنكرها المستشرقون واعتبروها إنتاجاً تافهاً، ذلك أن الشرق باعتباره حضارة هامشية تعاني من الانحطاط كان هو الموضوع الأساسي في الخطاب الاستعماري. لقد عمل المستشرقون على نشر فكرة الانحطاط للعصور الإسلامية الوسيطة، وعمل المسلمون بأنفسهم على تبني هذه الفكرة فرفضوا ماضيهم، وجلبوا بذلك الدعم الغربي وعملوا على تجميع نصوص تدل في رأيهم على أنها علامة على الانحطاط والتدهور.
يدحض توماس باور ببراعة مفهوم عصر الانحطاط ويؤكد على أن العالم الإسلامي، كان عمره ألف سنة من الإنجاز الثقافي الفكري. فقد تم تطوير التراث القديم الموروث من الإسلام المبكر في العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية في وقت لاحق. يظهر توماس باور اليوم كيف عاشت الحضارة القديمة في العالم الإسلامي مع المدن والعلوم المزدهرة. فلعدة قرون كانت المدن القديمة في الشرق تعيش ازدهاراً كبيرا مع الحمامات والكنائس والمساجد والمباني الحجرية الكبيرة. واستمر الأطباء في تقديم العلاج واستمرت العلوم والشعر والبلاغة وضرب النقود النحاسية، وثقافة البلاط: ففي الحياة اليومية من المشرق، والإنجازات الكلاسيكية التي لم تعرفها أوروبا الوسطى. وكانت مؤشرا على تحول في العالم الإسلامي الذي سرعان ما تبعه العصر الحديث.
لقد أنصف الباحث في هذا الكتاب الحضارة الإسلامية بالقول إن حضارة العرب قبل الإسلام لم تكن بدائية، ذلك أن محاور الحضارة الإسلامية الجديدة كان مقرها في المدن خارج جزيرة العرب. وعمل المستشرق الألماني توماس باور على تثمين إنتاج العصر الإسلامي الوسيط، وذكر أصنافا كثيرة من هذه الإنتاجات: كتب الرحلات (ابن بطوطة)، الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والتأليف المعجمي، والأشعار الصوفية، ومدح الرسول، وقصيدة البوصيري، وإنتاجات كثيرة في العلوم الطبيعية والطب والمعمار.
من جهتنا نعتقد أن ترجمة إلى اللغة العربية لهذا الكتاب ستعطي دفعة قوية للباحثين العرب من أجل إعادة النظر في مفهوم "العصر الإسلامي الوسيط"، فقد كانت هذه هي الغاية من إنجاز الباحث الألماني توماس باور لهذه الدراسة القيّمة.
-----------------------------------------------------------------------
الكتاب: لماذا لم يوجد عصر إسلامي وسيط؟ إرث العصر القديم والشرق.
المؤلف: توماس باور.
اللغة: الألمانية.
دار النشر/سنة النشر: C.H. Beck oHG ميونيخ، ألمانيا، 2018. عدد الصفحات 175.
* باحث في الدراسات الألمانية ومترجم/ الرباط، المغرب.

