«الهوية مطلب الكرامة وسياسة الضغن»

Picture1.png

فرانسيس فوكوياما

محمد الشيخ

مَنْ ذا الذي يذكر أنَّ المفكر الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما ـ صاحب الأطروحة الشهيرة والمُثيرة للجدل حول "نهاية التاريخ" ـ أتى بالذكر، في أطروحته هذه، ومنذ أزيد من ربع قرن، على اسم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وكان الرجل لا يزل آنذاك رجل أعمال طموح إلى تحقيق الاعتراف بذاته وبعظمته المتنفجة؟ بل مَنْ ذا الذي يذكر أنَّ فوكوياما كان قد جعل من دونالد ترامب حينها رمز الرغبة في حيازة الاعتراف من داخل عالم سوق الاقتصاد لا من سوق السياسة؟ إذا أنت لم تذكر ذلك، فما عليك إلا أن تُعيد تصفح الكتاب المذكور، فلا شك لن يضيع جهدك سدى؛ ثم تستأنف النظر، فتصل قراءتك التصفحية هذه بقراءة كتاب فرانسيس فوكوياما الجديد هذا ـ الهوية: مطلب الكرامة وسياسة الضغن [الحقد المبني على الحسد] (2018).

وها هو هذا المؤلف المُثير للجدل يعود اليوم لكي ينضم إلى لائحة العديد من المُفكرين والفلاسفة الذين هاجموا ترامب بأشد مهاجمة تكون. أكثر من هذا، ها هو يُعلن، في مقدمة كتابه الجديد، الإعلان الغريب التالي: "ما كان لهذا الكتاب أن يُكتب لو ما كان دونالد ترامب انتخب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في شهر نوفمبر من عام 2016!" وها هو المتنبئ بنهاية التاريخ يقر بأنَّه فوجئ بنتيجة الانتخابات، وبما هو سائر من الترتب عن ذلك من عواقب على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى العالم، وقد ضم هذا الاقتراع إلى اقتراع ثانٍ مفاجئ بدوره هو الاقتراع البريطاني على الانسحاب من الاتحاد الأوربي، لقد ناهض ترامب "المؤسسة الرسمية"، بعد أن تبرم الناس مما يسميه فوكوياما "حكم الاقتراع" الذي يسمح لمصالح جماعات الضغط بأن تعطل مصالح النَّاس.

والذي عند فرانسيس فوكوياما هو أنَّ معضلة ترامب معضلة مزدوجة: معضلة في سياسة الرجل، ومعضلة في طبعه. من جهة، ثمَّة نزعة ترامب الاقتصادية القومية التي من الأرجح أن تضر أكثر مما تنفع أولئك الذين يؤيدونه، وتفضيل ترامب طراز الرجل السياسي القوي على حلفائه الديمقراطيين؛ وهو الشيء الذي يَعِدُ بزعزعة استقرار العالم، ومن جهة أخرى، ما كان من الممكن تصور رجل سيئ الطباع كهذا فظ غليظ رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، رجل يجد فوكوياما أنه يفتقد إلى ما ينبغي أن يتوفر في الزعيم السياسي العظيم ـ النزاهة والمصداقية والروية وخدمة المصلحة العامة والبوصلة الأخلاقية الموجهة ـ رجل أمضى سحابة عمره في الدعاية لنفسه دعاية فجة.

والحال أنَّ ترامب، عند فوكوياما، إنما يمثل نزعة عالمية آخذة في التوسع: القومية الشعبوية. ويسعى الزعماء الشعبويون إلى استعمال المشروعية التي أكسبتها إياهم الانتخابات الديمقراطية بغاية تعزيز سلطتهم، وهم ينهجون سياسة التواصل الكارزمائي المباشر مع "النَّاس" يقربون قوماً منهم ويقصون أقوامًا. وهم لا يحبون المؤسسات، ويطمحون إلى إحداث الخلل في موازين القوى التي تحد من السلطة الشخصية في ديمقراطية ليبرالية: المحاكم، التشريع، وسائل الإعلام المُستقلة، الجهاز الإداري غير المتحزب، ويقدم مثالا عن ذلك ببوتين في روسيا، وأردوغان في تركيا، وأوربان في هنغاريا، وكازينسكي في بولندا، ودوترتي في الفلبين.

والسؤال الذي يُحير فوكوياما هو: كيف لأنظمة سعت إلى نشر الديمقراطية الليبرالية في العالم أن تعود القهقرى لتنكفئ بدورها على قومية ضيقة؟ وهكذا ينشغل فوكوياما انشغالاً بتحليل ما كان سماه الباحث السياسي لاري دايمن منذ أزيد من عقد من الزمن "تراجع الديمقراطية". ويتساءل عمَّا إذا كان هذا التراجع السائد اليوم سوف يتحول إلى أزمة ستشكل منعطفًا نحو طراز آخر من النظام السياسي؟ أم أنَّ الأمر لا يعدو أن يكون رجة خفيفة تشبه تلك التي تصيب البورصة، ثم سرعان ما تستعيد الديمقراطية عافيتها؟

يجد الكتاب منطلقه من تلك الحادثة، ويغوص في هذه المعضلة، وفي ما يبدو أنه مراجعة فوكوياما لأطروحته حول "نهاية التاريخ"، يذكرنا بأنَّه سبق له أن نشر بحثه "نهاية التاريخ؟" أواسط عام 1989، وهو البحث الذي طوره إلى كتاب "نهاية التاريخ وخاتمة البشر"، والذي نشره عام 1992، وأن السؤال الذي لطالما كان يوجَّه إليه هو ما إذا كان هذا الحدث أو ذاك قد فند أطروحته؛ بما في ذلك حدث انتخاب ترامب وموجة انتشار الشعبوية.

ويرد على ذلك بأنَّ معظم هذه الانتقادات إنِّما بنيت على سوء فهم. ذلك أنه كان قد استعمل لفظ "التاريخ" بالمعنى الهيجلي-الماركسي؛ أي بمعنى مروية تطور مؤسسات الإنسان على المدى البعيد، والتي يُمكن أن تسمى طورا "نموا" وطورا "تحديثا". أما كلمة "النهاية"، فما استعملها قط بمعنى "نهاية الأمر وختامه" وإنما بمعنى "مآله" و"غايته" أو "بغيته". وإذا كان ماركس قد أوحى بأنَّ غاية البشرية تتحقق تحققها الختامي على شاكلة مدينة فاضلة من الصنف الشيوعي، فإنَّ فوكوياما انتصر للنسخة الهيجلية التي تقول بأن التطور أو النمو ينتهي إلى دولة ليبرالية مرتبطة باقتصاد السوق ـ وهي النسخة عن خاتمة التاريخ التي بدت أكثر مصداقية.

على أنَّ هذا الأمر لا يعني ـ وهذا إقرار عجيب من الرجل ـ أن نظرته لم تتغير على مر السنين، وهو يدعونا إلى أن نلقي نظرة على كتابيه اللاحقين لأطروحته: أصل النظام السياسي (2011) والنظام السياسي والانحطاط السياسي (2014) ـ الذين يُعدان محاولة منه لإعادة كتابة "نهاية التاريخ وخاتمة البشر". وعنده أن التعديلين اللذين حدثا هما: 1- صعوبة تطوير دولة حديثة لا يطغى عليها الطابع الشخصي ـ الأوتوقراطي. 2- إمكان انحطاط ديمقراطية ليبرالية حديثة أو عودتها إلى الخلف.

ويرى فوكوياما أن نقاده تناسوا أمراً مهمًا: لقد تناسوا أن المقالة الأولى ـ أصل الأطروحة ـ كانت تحمل علامة استفهام في نهاية عنوانها ـ "نهاية التاريخ؟" ـ كما أنهم لم يقرأوا الفصول الختامية من كتاب "نهاية التاريخ وخاتمة البشر" الذي ركز كثيرا على فكرة "آخر إنسان" عند نيتشه. وفي الموضعين معًا يذكرنا فوكوياما أنه كان قد شدد على أنه لا القومية ولا الديانة توشكا أن تختفيا من حيث إنهما قوتان فاعلتان في سياسة العالم، وهما ليستا على وشك فعل ذلك، لأن الديمقراطيات الغربية لم تحل نهائياً مشكلة "التيموس"؛ أي ذلك الجزء من النفس البشرية المتعطش إلى الاعتراف وإلى الكرامة، وقسميه: القسم الراغب في الاحترام كأساس مساواة مع بقية الناس، والقسم الراغب في أن يحوز الإنسان الاعتراف بأنه الأعظم والأقوى والأعلى.

ففي ما يخص القسم الأول، الحال أنَّ الديمقراطيات الحديثة إذ تعد وتوفر توفيرا واسعا درجة أدنى من الاحترام المتساوي، المتجسد في الحقوق الفردية، وسيادة القانون، والحق في التصويت، فإنَّ ما يعد غير مضمون فيها هو أن يكون الناس، في الممارسة الفعلية، قد نالوا الاحترام على وجه المساواة، لاسيما منهم أعضاء جماعات ذات تاريخ من التهميش. هُوَ ذا ما فشلت الديمقراطيات الغربية في تحقيقه، وهو ذا منبع الداء أيضًا: بلدان بأكملها يمكن أن تشعر بأنها لا تنال الاحترام المستحق، فتبدي نزعة قومية استعدائية عدوانية. كما يمكن أن يحمل على فعل ذلك المؤمنون المتدينون قد يشعرون أن دينهم قد أنكر عليهم، ومن ثمة، فإن الرغبة في أن يحظى المرء بالاحترام يمكن أن تستمر في قيادة مطالب الاعتراف على سبيل المساواة، والتي هي مطالب يبدو أنه لا يمكن إرضاؤها الإرضاء النهائي التام.

وفي ما يخص القسم الثاني، فإن المشكلة الأخرى هي مشكلة الرغبة في الاعتراف للمرء بعظمته، ذلك أنه إذا حق أن الديمقراطيات الليبرالية قد وفرت السلام والازدهار (بدرجة أقل في السنوات الأخيرة)، فإن المجتمعات الثرية الآمنة أمست مجال حياة إنسان نيتشه الأخير، بحيث بتنا أمام أناس يزجون أوقاتهم في المتع الاستهلاكية، بلا شيء يملأ أفئدتهم، بلا اعتقاد ولا شعوذة، كما يقول نيتشه، لا أهداف لهم ولا مُثُل يسعون إليها أو يُضحُّون من أجلها. وحياة هذا شأنها ـ ولا شأن لها على التحقيق ـ لن يرضى عنها أي أحد. ومن شأن رغبة الاستعظام أن تزهر في الاستثناء: فإذا بالمرء يريد الإقدام على مخاطرات كبرى، والدخول في معارك ضخمة، والبحث عن إحداث آثار وفرقعات واسعة؛ لأنَّ كل هذا يؤدي به إلى تحصيل الاعتراف للذات بأنها أعلى من الآخرين. والحق أنه في بعض أطوار التاريخ أثمرت هذه الرغبة عن زعيم بطل، على شاكلة لينكولن أو تشرشل أو مانديلا، لكن في أحايين أخرى أنجبت طغاة، شأن قيصر أو هتلر أو ماو، قادوا مجتمعاتهم إلى الديكتاتورية وإلى الكارثة، والحال أنه ما أن توجد هذه النزعة في مجتمع من المجتمعات، حتى لا يمكن تجاوزها التجاوز كله، وإنما قصارى ما يُقدر عليها معها أن يتم تقييدها وتلطيفها.

ويذكرنا فوكوياما مرة أخرى بأنَّ المسألة التي كان قد طرحها في الفصل الأخير من كتابه عن "نهاية التاريخ" تمثلت في التساؤل عما إذا كان نظام الديمقراطية الليبرالية الحديث، المرتبط باقتصاد السوق، سوف يوفر منافذ ومخارج للراغبين في أن يُعترف لهم بذواتهم وبتفوقهم، وكان قد أشار في عام 1992 بأنه يمكن لاقتصاد السوق أن يوفر ذلك، إذ من شأن رجل أعمال أن يصير ثرياً ثراء فاحشاً، وأن يشارك في الوقت نفسه في الازدهار العام. وهنا أشار، بالفعل، إلى دونالد ترامب باعتباره مثالاً لطموح فردي عجيب يرغب في نيل الاعتراف وقد ارتبط بعالم التجارة والأعمال. وما كان فوكوياما، وهو يخط ما خطه، يراوده حتى أدنى ظن، بعد مضي خمس وعشرين سنة، في أنَّ رجل الأعمال هذا لن يرضى بالنجاح في الأعمال وبالشهرة، وإنما سوف يلج إلى عالم السياسة، بل وسوف ينتخب رئيساً لبلده، على أن فوكوياما لا يرى أنَّ هذا الحدث يعارض الحجة العامة التي دافع عنها: أجل لقد وُجد دومًا مثل هؤلاء ـ قيصر وهتلر وبيرون ـ الذي قادوا مجتمعاتهم إلى التهلكة، على أن جديد تحليله، هنا، هو أنَّ من شأن هؤلاء، لكي يدفعوا بأنفسهم إلى الأمام، أن يستثمروا ضغائن الناس الذين يشعرون أن أمتهم أو ديانتهم أو طريقة عيشهم لم يتم احترامها، وهنا يلتقي النزوع إلى أن يتم الاعتراف للمرء بتفوقه بنزوع المرء إلى حيازة احترام الغير.

وفي هذا الكتاب يؤوب فوكوياما إلى المواضيع التي كان قد استشكلها عام 1992: التيموس، الاعتراف، الكرامة، الهوية، الهجرة، القومية، الدين، الثقافة، ويرى أن المفهوم الناظم لمعظم ما يجري في عالم السياسة اليوم هو مطلب أن يُعترف لإنسان معين أو جماعة بهويته، وما كانت الهوية هنا مقصورة على الهوية السياسية، كما تمارس في باحات الجامعات، أو ما تثيره القومية البيضاء، وإنما أمسى مطلب الهوية ينتشر ليشمل ظواهر أوسع، مثل بزوغ موضة القومية القديمة والإسلام السياسي ... ومعظم ما يبدو ظاهرياً على أنه محرك ومحرض اقتصادي، إنما يجد جذوره في طلب الاعتراف؛ ومن ثمة لا يمكن أن يتم إرضاؤه باعتماد الوسائل الاقتصادية. هذا ما ينبغي أن نفهمه ونحن أمام واقع الشعبوية اليوم. ويذكرنا فوكوياما بأنَّه حسب ما كان قد ذهب إليه هيجل، فإن ما قاد التاريخ إنما هو المعركة من أجل انتزاع الاعتراف، وقد ذهب الفيلسوف الألماني إلى أن الحل العقلاني الوحيد للرغبة في الاعتراف هو الاعتراف الكوني الشامل، حيث يتم الاعتراف لكل إنسان إنسان بكرامته، لكن هذا الاعتراف الشمولي الكوني، أمست اليوم تتحداه أشكال جزئية من الاعتراف مبينة على الأمة والدين والطائفة والعرق والنوع، أو طلب الاعتراف من أناس يريدون أن يعترف لهم بالتفوق، ومن ثمة، كان بزوغ سياسة الهوية، في الديمقراطية الليبرالية الحديثة، أحد التهديدات الكبرى التي تواجهها هذه الديمقراطية، وأطروحة فوكوياما الأساسية في هذا الكتاب أنَّه ما لم نَعُد إلى مزيد فهم كوني لكرامة الإنسان، وبقينا متشبثين بسياسة الهوية، فإننا نحكم على أنفسنا بأن نبقى سجناء نزاعات موصولة لا تفتر وصراعات لا تكل.

وإذن، يحمل فوكوياما جزءا من المسؤولية في ما حدث إلى المبالغات التي طالت سياسة الهوية؛ أي إلى تلك السياسة الدائرة على مطلب الأفراد والجماعات بهويات ثابتة، أكثر مما يتعلق الأمر بمطلب منزلة اجتماعية – اقتصادية، ويُلاحظ أن الفاعلين السياسيين ـ يسارا ويمينا ـ قد ساهموا في بدو سياسة الهوية بدل سياسة العدالة التوزيعية. لقد أمسى اليسار يركز أقل شيء على المساواة الاقتصادية، بالمعنى الواسع، وأصبح، بالبدل من ذلك، يشدد أكثر شيء على مصالح مروحة واسعة من الجماعات التي باتت تدرك أنها قد تمَّ تهميشها، فكان أن استحالت المطالب الاجتماعية إلى مطالب هوياتية؛ هذا بينما أمسى اليمين يعيد تعريف نفسه بنزعة قومية، باحثًا عن حماية الهويات القومية التقليدية، والتي غالباً ما يربطها صراحة بالعرق والجنس والدين، وتكمن مشكلة اليسار المعاصر في تبنيه للأشكال الخاصة للهوية والتي صار يختار أن يُلتَفت إليها أكثر من غيرها، وذلك بدل أن يتبنى اليسار مطالب أشكال تضامن حول تجمعات كبرى، غير هوياتية، شأن "الطبقة العاملة، مثلا، أو أولئك "المستغلين اقتصاديا". وها هو، بالبدل من ذلك، يركز على جماعات محصورة أكثر فأكثر، ومهمشة بتهميش خاص، وبالنسبة إلى بعض التقدميين، فإن سياسة الهوية صارت تلعب دور منتوج بديل رخيص الثمن ينتجه كل فكر جدي يسعى إلى قلب نزوع عمّر ثلاثة عقود، في أغلب الديمقراطيات، ويحل محل أشكال التمييزات الاقتصادية والاجتماعية، والحال أنَّ هذا الخطاب يجد صدى له في خطاب اليمين حول المواطنين المنسيين وحول النخب المحتقَرة. وينبه فوكوياما إلى أن الانغلاق في وضع هوياتي منكمش على نفسه يشكل جواباً سيئاً على مشكلة تزعزع وضع الطبقات الوسطى والشعبية في البلدان الغربية، تلك الطبقات التي أمست تشعر بأنها مهددة بفقدان موقعها ـ وهي التي لعبت دورا كبيرا في انتصار ترامب أو في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. أما البديل الذي يقترحه فوكوياما، فإنِّه يتمثل في الاستعاضة عن سياسة الهوية بإعادة تعريف الهوية القومية على أساس من المواطنة والاندماج والسياسات الاجتماعية الطموحة ـ هي إذن رؤية للهوية أكثر انفتاحًا، ولا ترتهن فقط إلى "صدفة الولادة".

كثيرًا ما رفض الفلاسفة التنبؤ، مفضلين "نثر الواقع" على "سجع الكهان": كان هيجل يرفض أن يتنبأ بالمستقبل، وكان هايدجر يفعل الشيء نفسه. لكن هذا ما منع هيجل من أن يغمز إلى نهاية الفن وبلوغ التاريخ البشري مداه، وما منع هايدجر ـ وهو الذي توفي عام 1976 والثورة الجينية غير قائمة بعد ـ من القول بأنَّه سوف يأتي على الإنسان حين من الدهر ـ وقد أخذته عزة التصنيع ـ ينتهي به إلى أن يصنع نفسه بنفسه، فيما يكاد يشبه النبوءة باستنساخ البشر. هذا فضلاً عن نبوءة نيتشه بالإنسان الأعلى وبالفلاسفة الجدد و"بفلاحة الإنسان" كما تفلح الباقلاء، على أن هذا وأولئك ما عاشوا حتى يروا نبوءاتهم تتحقق أو تفشل، أما فوكوياما فلربما كان من حظه العاثر أنه عاش حتى بدأ يرى ذلك، ولئن كان دو ميزيل قد قال: "في كل موسم دراسي موضة فلسفة جديدة"، فلربما يحق لنا أن نقول على إثره: "في كل عقد من الزمن نبوءة جديدة".

---------------------------------------------------------

عنوان الكتاب الهوية: مطلب الكرامة وسياسة الضغن

اسم المؤلف   فرانسيس فوكوياما

دار النشر     Farrar, Straus and Giroux;

سنة النشر     1st Edition edition (September 11, 2018)

عدد الفصول  14 فضلا عن تقديم وهوامش وببليوغرافيا وكشاف.

عدد الصفحات     214

 

أخبار ذات صلة