المسلمون في إيطاليا: التأثيرات المدنية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية في روما

61MQDIC2bLL.jpg

لفابريتسيو شوككا

فاتنة نوفل

"الإسلام" و"المسلمون" هما أكثر المواضيع المتناولة في المُناقشات العامة في الوقت الحاضر في أوروبا، وأيضاً في إيطاليا. يقدم المؤلف في هذا البحث تحليلاً حول تأثير وأهمية وجود الجاليات الإسلامية وتزويد القارئ "ببوصلة" حول موضوع مُعقد يشمل الجوانب المدنية، والاجتماعية، والدينية، والهوية.

المفتاح المثير للقلق الذي يُهيمن اليوم على نهج الهجرة، والهجرة الإسلامية على وجه الخصوص، هو سياسة وسائل الإعلام، التي تعصف باستمرار بالسياسات الأمنية من خلال الدعايات الانتخابية معتمدة على أرقام الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها أوروبا.

في هذا السيناريو غالباً ما تميل، أجهزة الإعلام، وبالتوازي مع شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى تقديم إطار واحد فقط من الهجرة، ووصفها بأنَّها غير منتظمة وخطيرة، بتعمد زيادة أعداد المسلمين، متناسين أن الهجرة إلى إيطاليا الآن منتظمة ومستقرة وتساهم في الثروة الوطنية، فوفقاً لأحدث التقارير لمؤسسة ليون موريسسا فإن المهاجرين ساهموا بـ (123 مليار يورو، ما يساوي 9% من الناتج القومي الوطني) هذا النقص في صحة المعلومات المتداولة، لا يُساعد على فهم هذه الظاهرة ويقدم تصوراً مشوها تماماً لدى السكان الإيطاليين مقارنة بالمعدلات الفعلية والتي من شأنها أن تولد نوبات من التعصب والعنصرية وكره الأجانب. وعلاوة على ذلك، فإنّ مناخاً من السخط لا يساعد على تخطيط سياسة واعية للمناطق المدنية. وفي هذا السياق، إذا تم تحديد "المهاجر المسلم" وعلاقته بالإسلام، فإنها تثير في الرأي العام مشكلة أخرى مرتبطة بظواهر الهجرة.

في الواقع ومنذ هجوم 11 سبتمبر 2001، مرورا بهجوم 2004 في مدريد و2005 في لندن، اشتعل في الغرب وبطريقة ملحة الجهاد الإرهابي (أولا تنظيم القاعدة ومشتقاته، واليوم تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من المجموعات المنتشرة في العالم) النتيجة الأولى هي ولادة إحساس بالخوف وانعدام الأمن والتوجس من المُسلمين الأجانب المقيمين في المنطقة؛ على اعتبار أن الإسلام دين خارجي "عنّا وعن ثقافتنا".

وضع المرأة، والعلاقة بين الدين والسياسة، والأصولية والإرهاب من أصل إسلامي، أصبحت الإطار الذي من خلاله يتم قراءة الإسلام والمسلمين وتقديمه للرأي العام. لذا فإن الخوف "من الأجانب" يضاف إليه الخوف "من المسلمين" الذين يتم توبيخهم لعدم التنصل من الهجمات الإرهابية(باريس، بروكسل، نيس...إلخ) ، في نوع من الذنب الجماعي لمجرد كونهم مسلمين.

الاتجاه الحالي من قبل وسائل الإعلام، التي تعمد إلى تقديم المسلمين الأجانب في إيطاليا كأنهم "كتلة واحدة متجانسة" دون الأخذ بعين الاعتبار التنوع العرقي، والثقافي والوطني، والذي يؤثر في هيكلة تكوين الفرد.

السؤال الذي يجب الإجابة عليه في هذه المرحلة يتكون من النقطتين التاليتين: كم عدد المسلمين ومن أي الدول يأتون؟ ما هو الأثر الاجتماعي-المدني الذي تحدثه الأقلية الدينية الإسلامية بناءً على دينها؟

فيما يتعلق بالبيانات على المستوى الوطني في إيطاليا، فهي تقدر بحوالي 2.7 مليون مسلم، 1.6 مليون من أصول أجنبية، و800 ألف يحملون الجنسية الإيطالية، و100 ألف من الإيطاليين الذين اعتنقوا الدين الإسلامي، يتمركز معظمهم في الشمال (60 %تقريبًا منهم يتمركزون في 4 أقاليم هي: لومبارديا، بييمونتي، فينيتو وإميليا رومانيا) ، في المناطق الصناعية الكبيرة التي تجعل من إيطاليا الدولة الأوروبية الرابعة لوجود المسلمين بعد فرنسا، وألمانيا والمملكة المتحدة. علاوة على ذلك، يجب أن يُنظر إلى أنه وفقاً للخبراء الديمغرافيين، فإن هذا العدد مرشح للارتفاع، وذلك بسبب معدل المواليد(المنخفض جدا لدى الإيطاليين، والمرتفع لدى العائلات المهاجرة) ومن خلال تدفقات الهجرة القادمة من البلدان الإسلامية ما يقدر وجود المسلمين في إيطاليا في عام 2030 إلى أكثر من 3 ملايين مسلم.

لذلك من الضروري أن تقوم المؤسسات والمجتمع في البدء بإعداد أنفسهم، وقبل كل شيء، على قبول ظاهرة اجتماعية لا يمكن التراجع عنها الآن، وهي أن تكون إيطاليًا بلدا متعدد الأعراق والديانات، ولا يمكن اعتبارها ظاهرة "عابرة" بل "مستقرة". إن نمو إيطاليا على المستوى الدولي سيكون أيضًا عن طريق الآليات التي ستستخدمها من أجل الانخراط والدمج داخل "النظام القطري" والنسيج الاجتماعي- المدني، المهاجرون الأجانب القادمون من لغات/ ثقافات /تقاليد وأديان مختلفة.

هناك بالتأكيد مشكلة تتعلق بالأمن القومي ترتبط بإلارهاب ذي الطابع الجهادي، والتي لها مصلحة في توظيفه، في السياق المدني الكبير. إن شرائح الشباب المسلم التي تعاني من أزمة الهوية والمشاكل الاقتصادية، بتقديم البديل لها كعوامل جذب مقارنة بأوروبا (الى إيطاليا) التي لم تعرف ولم تكن قادرة حتى الآن على إدماج الأجيال الثانية والثالثة.

هناك أيضًا قضية تتعلق بوجود حوالي 10 آلاف مسلم نزلاء سجون، ثلثاهم  من الملتزمين دينيًا، وفق وزارة الداخلية، ما يتوجب السماح لهم بحق العبادة ومن ناحية أخرى تفعيل آليات مراقبة فردية تحسبًا لأي شكل ممكن من أشكال التطرف.

جانب آخر مثير للاهتمام هو ممثلو الجاليات الإسلامية، حيث بالإضافة إلى الجمعيات التاريخية (اتحاد الجماعات الإسلامية في إيطاليا، والمجتمع الديني الإسلامي، والمركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، والاتحاد الإسلامي الإيطالي) التي تأسست منذ سنوات عديدة كنقطة مرجعية للمهاجرين الأوائل، الآن بدأت بالظهور منظمات وكوادر جديدة من الشباب المسلم، المولودة غالباً في إيطاليا، والتي تقترح مطالب لتلبية احتياجات المهاجرين كمواطنين كاملي الحقوق في البلد الذي يعيشون فيه.

التأثير المدني والاجتماعي للجاليات الإسلامية في روما، الذي تناوله فابريتسو شوككا، قدم مفتاحًا للقراءة عن التساؤلات التي تدور عن حال أحد أهم العواصم الأوروبية الرئيسية في وقت تاريخي من التفاعلات المتضاربة بين الأحداث الثقافية، والخطابات المتنامية الداعية إلى كراهية الأجانب، العنف القائم والأصولية.

إن ايطاليا تمثل في الواقع وجهة طريق للمهاجرين لأسباب اقتصادية أو لطلب اللجوء والذين يتجهون من البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، ما يجعل من روما أول وأهم الحاضنات.

من الممكن توثيق تحول المنطقة المدنية على مدار الـ 25 عامًا الماضية مع تركيز خاص، على  لوحة الشتات الإسلامية. ففي هذا البحث يستعرض شوككا أبحاث المجلس الوطني "الإسلام والغرب مفاوضات أم صراع حضارات" وفيها أفكار لتحليل آثار الحركات الإسلامية في إيطاليا من الجماعات الدولية ذات الطابع الإسلامي التي تعمل على إعادة اكتشاف الهوية الدينية في البلد المضيف.

البيانات الواردة في المجلد تقدرعدد المسلمين بـ 100ألف في محافظة روما، والذي يشمل المقيمين النظاميين وغير الشرعيين. هذا الكون الواسع من المسلمين في روما ينتمي إلى أنواع مختلفة من المذاهب. الأغلبية الساحقة البالغة 70%، تنتمي عقيدتها إلى الإسلام السني أو الشيعي، 19% تنتمي إلى "جماعات التبليغ "، يضاف إليهم 4 %من السلفيين. وهناك 4% من مكونات مسيسة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، متأصلة في مجمع المنظمات الإسلامية في إيطاليا والمنتدى الإسلامي الأوروبي.

أصبح موضوع إدارة الأنظمة المدنية واقعا وموضوعا للنقاش على المستوى الأكاديمي؛ فالمناطق المدنية، الموجودة بالفعل، متجهة إلى مزيد من التمدد لثلاثة أضعاف في الثلاثين عاماً المقبلة، ومرشحة لتستقبل 73 مليون شخص إضافي في المتوسط كل عام. فوفق توقعات الأمم المتحدة لعام 2050، فإنّ عدد سكان الكرة الأرضية سيبلغ 10 مليارات، يقدر أن 70 %منهم سيبقون في المدن التي تشغل 3 %فقط من سطح الأرض، وهم مسؤولون عن 80- %70 من استهلاك الطاقة و75 %عن انبعاث الكربون؛ فهذا النمو السريع غير المنضبط وغير المنظم يتطلب أشكالاً جديدة من الحكومة، تتوجه بالضرورة نحو الحوار والاندماج وفوق كل شيء إعادة اكتشاف معنى المواطنة.

إن نوع الهجرة بسبب"عوامل الجذب" (من أجل العمل، ومن خلال الموافقة بواسطة سياسات توظيف محددة يتم تنظيمها من خلال مراسيم قانونية تستخدمها إيطاليا لاستجلاب العمالة الأجنبية والتنظيمات غير القانونية)، تختلف عن نوع الهجرة بسبب "عوامل الطرد" (هرباً من الحروب، والإرهاب، والكوارث الإنسانية والبيئية، وحالة الفقر المدقع) ، وهذا النوع الثاني من الهجرة أكثر صعوبة في التعامل والإدارة مقارنة مع الأول، فإنه غالبا ما يسبب موقف العداء المتزايد للأجانب من قبل السكان، "أجنبي منبوذ" ينظر إليهم على أنها محتاجون وخطيرون. فسياسات الإدماج لا تحظى بالإجماع الاجتماعي اللازم للرد على الأحزاب اليمينة أو الحركات الشعبية المؤيدة لإغلاق الحدود وطرد المهاجرين غير المنتظمين.

تم التطرق إلى النقاط المختلفة لمحاولة فهم واقع تأثير الجالية الإسلامية على المستوى المدني والاجتماعي في مدينة روما. في نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان عدد الأجانب المقيمين في روما تقريبا 10 آلاف شخص، اليوم عددهم يقارب الـ 120 ألف ما يعادل 4 %من مجموع سكان العاصمة.

أكثر من الثلث يحملون الجنسية الإيطالية، تحتل الجالية البنغالية المركز الأول (بحوالي 26 ألف مسلم) ، يتبعها الجالية المصرية والمغربية ( بـ 10 آلاف و5 آلاف على التوالي). هذه الفسيفساء تتكون أيضًا من جنسيات، لغات وثقافات أخرى، من 42 دولة مختلفة، من آسيا وأفريقيا وأوروبا. في هذا الإطار- القائم اليوم فعلا في العاصمة يجعل من الإسلام وفق عددهم الديانة الثانية بعد المسيحية- ليس فقط كديانة بل كدستور للمبادئ والقيم المشتركة.

 كيف يؤثر ذلك على مدينة روما؟ وما الذي يحدثه من تغييرات؟ إن الجاليات المسلمة، التي بدأت تستقر ببطء ابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي، اليوم هي مجتمعات مستقرة من المهاجرين (%90 مع تصريح إقامة قانوني)، ثلثهم من النساء، مندمجين في النسيج الإنتاجي للاقتصاد في روما، والذي يساهم بنحو %5 من الدخل لروما، معدلات التوظيف تتماشى بشكل كبير مع المعدلات الإيطالية، مع حوالي 15 ألف شركة في روما يمتلكها أجانب قادمون من بلدان إسلامية. يعيش معظمهم في الأحياء رقم واحد، وخمسة، وستة؛ لأسباب رئيسية وهي انخفاض تكلفة الإيجارات في المباني القديمة أو لسلسلة من الفرص الاقتصادية التي ساهمت على مر السنين على جذب المهاجرين الجدد للعيش فيها مما ساهم في زيادة عدد المسلمين. فمن الشتات للمهاجر، المسلم الذي أصبح دائمًا بمرور الوقت يتطلب احتياجات داخل المجتمع، ومن هجرة "اقتصادية"( أو هجرة ذكور بالغين موجودين بشكل مؤقتً) أصبحت هجرة سكانية، لديها مجموعة من الاحتياجات الجديدة، وخاصة للأجيال الثانية والثالثة. فظهور جيل جديد من المواطنين الإيطاليين المسلمين، وهو ما يطلق عليه عمومًا "الجيل الثاني" يجعل من الإسلام وبشكل متزايد دينًا إيطاليًا وأوروبيًا، والمسلمون كمواطنون يرفضون التهميش والاستبعاد، كما حدث عند إغلاق عدد من المساجد والجمعيات الثقافية عام 2016 (بعضها تم إعادة فتحها بعد اللجوء إلى القضاء).

يتطابق توزيع المساجد بشكل واضح مع تركيز وجود السكان المسلمين في بعض الأحياء. ووفقاً لبعض الأبحاث، يقدر عدد المسلمين الملتزمين من 16-20 ألف شخص، يرتفع هذا العدد إلى الضعف خلال شهر رمضان وبالتالي يصل عددهم الى 3 ملايين من سكان روما.

في روما وخارجها، يعتمد طلب المسجد دائمًا على استعداد ومرونة رئيس البلدية وإدارة البلدية، حيث لا يوجد حتى الآن قانون وطني ينظم افتتاح مسجد أو قاعات صلاة إسلامية. مما يضطر المسلمين الى استخدام أماكن غير ملائمة كالكراجات، والطوابق السفلى، والسقائف غير المرئية، وذلك يعمل على بث الخوف وعدم الثقة في المواطنين بسبب هذا الاستخدام المرتجل في أماكن غير صالحة. على سبيل المثال وفي هذه المرحلة من الجمود، في انتظار التوصل إلى اتفاق ثابت بين الدولة والجالية الإسلامية أو قانون وطني متخصص في الموضوع في المستقبل، وكخطوة أولى من الأفضل منح مباني غير مستخدمة من البلدية لإدارتها من قبل الجالية الإسلامية، مما يجعلها جزءًا فعالًا في حل هذه المشكلة.

في بحث ميداني مطول اتفق جميع الأشخاص المسلمين الذين قابلهم المؤلف على الإشارة إلى أن معظم وسائل الإعلام، الوطنية والمحلية على السواء، مذنبة بتقديم المسلمين بشكل شبه دائم بأنهم على علاقة بالأخبار "السيئة" أخبار( الجريمة، والإرهاب والهجرة غير القانونية). في الواقع، يعتقد الإيطاليون أن عدد المسلمين هو %20 ، مقارنة بالعدد الحقيقي وهو %4.

بالمقابل هناك الأمثلة الإيجابية أيضًا، حيث يحدث الاندماج والتفاعل الذي طال انتظاره بطريقة بسيطة وتلقائية، فمثلا في سوق إسكويلينو هناك العشرات من محال الجزارة الحلال التي يديرها مسلمون على اتصال وثيق بالإيطاليين، والتي عبر عنها رجل إيطالي صاحب محل منذ 30 عاما، "جميعهم أناس لطفاء، ويوحدنا التعب". أيضا في محلات الخضراوات والفواكه، والتي يدير معظمها المصرييون: فإنه ليس من النادر أن نلاحظ كيفية تعامل الزبائن من كبار السن مع الشباب المسلمين وطلبهم للنصيحة عن أفضل منتج لشرائه في ذلك اليوم.

لعل التغيير النهائي سيتحقق، وباستخدام كلمات أليسساندرو باولانتوني" الجيل الثاني والثالث، اللذين لديهما عقلية مختلفة مقارنة بالمهاجرين من الجيل الأول"، حيث لن يُنظر إلى المسلم باعتباره عاملاً مختلفا بالنسبة لأغلبية الموطنين الأصليين "الأصول النقية" ولكنه ببساطة جزء من هوية مواطن إيطالي آخر؛ أوروبي، إيطالي، روماني ومسلم.

-----------------------------------------------------

العنوان: المسلمون في إيطاليا، التأثيرات المدنية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية في روما.

المؤلف: فابريتسيو شوككا.
دار النشر: ميلتيمي لينيي

بلد الاصدار: ايطاليا

لغة الكتاب: الايطالية

تاريخ الاصدار: نيسان  2018

عدد الصفحات: 131

 

أخبار ذات صلة