لفرانشيسكا ماريا ولوشانو فيولانتي
فاتنة نبيل*
كتاب "الإسلام ليس إرهابا"، الذي يقع في أربعة عشر فصلا، مُستعرضا سردًا لتاريخ الإسلام والعوامل المختلفة التي تأثَّر بها من وجهه نظر عدة كُتَّاب متخصصين وباحثين في هذا الموضوع. فمن وجهة نظر المؤلفة كورراو، فإن العلاقات التي يجب تطويرها تحتاج إلى التزام من كلا الجانبين "الشرق والغرب"، وهناك حاجة لمعرفة متبادلة لتعزيز الحوار؛ لأنه في حال واصلنا الحديث عن الإسلام فقط من حيث الإرهاب فسوف نتعب للعثور على محاورين. وفي الوقت نفسه، إذا سادت لدينا أجواء عدم الثقة، فإن التواصل في الغرب سيُصبح صعباً بشكل متزايد لوقف انحراف الفرائس الصغيرة المهمشة للشباب من "المحرِّضين السيئين"، الذين يقومون بالدعاية للإرهاب للشباب "الجنة مقابل التضحية بالحياة"، ويستند الاقتراح الحاقد والمتكرِّر إلى عرض للصور التي تظهر النتائج المأساوية الناجمة عن الحروب التي يشنها الغرب في الشرق الأوسط. يجب أن نتذكر أن الوضع أكثر تعقيدًا، لأن العديد من المسلمين يعيشون في الغرب ويشعرون بأنهم جزء من مجتمعنا؛ لذا يجب تأسيس مناخ من المعرفة والثقة بين كلا الجانبين، وفقط مع الجهود المستمرة من الناس ذوي النوايا الحسنة سيكون من الممكن خلق الحوار والاحترام المتبادل. هذا هو السبب الذي دفعني لكتابة "الإسلام ليس إرهابا" مع لوتشيانو فيولانتي؛ فقد دعوت سبعة مثقفين إيطاليين مختصين بالعالم العربي وخمسة مفكرين عرب، وتركيا واحدًا، وصوماليًّا، لإبراز جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية: من السياسة إلى الاقتصاد، من الحق إلى الفلسفة ومن تاريخ النساء إلى التصوف؛ للحصول على معلومات علمية جيدة بلغة بسيطة لمن يريد الاقتراب من الثقافة الإسلامية، وفضح الكثير من التحيزات الخادعة. واليوم، دعم الحوار هو أفضل وسيلة للدفاع عن حقوق الإنسان وصونها. وهنا أستذكر ما كتبه عالم الاجتماع التركي مصطفى شناب عن كثرة المبادرات من مختلف الطوائف الدينية لصالح حوار الأديان، كما تضاعف لدينا لثلاث مرات عدد الطلاب الذين يريدون التعرف على العالم العربي.
تستهلُّ الكاتبة في مقدمتها الحديث عن واقع اليوم عن العالم العربي، وبالأخص عن العالم الإسلامي الذي ليس بالأمر السهل؛ فوسائل الإعلام الغربية تعطِي معلومات مؤكدة عن احتمال وقوع هجمات إرهابية دون ترك أي مساحة للتفكير أو التأمل.
لدينا أمام أعيننا الأعمال الإجرامية المأساوية للمجموعات المتطرفة تُبررها قراءة ضالة للإسلام. لسوء الحظ، وسائل الإعلام لا تساعد على التمييز بين العقيدة الصحيحة والاعتدال الذي يدعيه غالبية المسلمين، فنجد تخمينات السياسيين، والاستخدام الشرير للمتلاعبين بالإسلام هم من يُسهمون في تدمير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من المعلومات المتوفرة حاليًا يحصل المرء على الانطباع بأن العلاقة بين الإسلام والإرهاب هي علاقة مباشرة، ومن يرغب حقا في فهم ما يحدث وإيجاد الحلول المناسبة من بين كل ما يكتب وينشر، يجب عليه سؤال الاستشاريين المتخصصين، والذين هم قلة ومغيبون في إيطاليا وإجاباتهم غالبا جاهزة ومختصرة.
إنَّ التنوع الكبير في اللغة السياسية يُظهر بشكل معقول أن الإسلام شديد الوضوح، وأنه ليس إرهابيا على الإطلاق، فكما كتب المثقف التونسي محمد شريف في كتاب "الإسلام والحرية" (1999): "إن جميع الأديان التوحيدية عرفت حركات متشددة وجماعات إرهابية".
لنُعطي تمهيدا عن كينونة الإسلام ومبادئه: نذكر أن القرآن يتكون من 114 سورة (فصلاً) تبدأ بالدعاء "باسم الله الرحمن الرحيم". وكما يذكر المؤرخ التونسي الكبير محمد الطالبي، المسلم الصالح يجب أن يكون نموذجا لرأفة الله ورحمته، ويجب أن نستمر بهذه الطريقة مع آلاف من الأمثلة الأخرى. وهنا، يجدر التذكير بأنه في القرآن هناك حديث عن السلام أكثر مما هو عن الحرب، وحقوق أكثر من محظورات. إن التعددية الدينية مضمونة. يجب التذكير بأنه ولأكثر من ألف قرن عاش المسيحيون واليهود في ظل الخلافة؛ أولا: في دمشق، ثم في بغداد، وبعدها تحت حكم السلاطين العثمانيين. لا ننسى أنه بعد الطرد من إسبانيا، في وقت إعادة الاستيلاء، لجأ اليهود إلى شمال إفريقيا، لا سيما في تونس، والمغرب، ومصر، وأيضًا في إسطنبول؛ حيث تمَّ استقبالهم واندماجهم بشكل جيد. اليوم تدهورت الأوضاع نتيجة عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط بعد التدخلات العسكرية الأجنبية والدكتاتوريات التي لعبت على تقسيم مختلف الطوائف الدينية (C.A Nallino رئيس معهد الشرق الفصل الثامن). حتى لو كانت الصور النمطية صعبة الموت، فمن الضروري الاستمرار في تقديم معلومات صحيحة حتى لا ينتهي الأمر في دوامة جديدة من معاداة السامية؛ لأن العرب هم ساميون. فمن الصعب على من يعرف تاريخ الحضارة الإسلامية، وروائع اللغة العربية، والدين العظيم الذي قدمته للبشرية أن ينظر بعين أخرى لورثة هذه الحضارة.
وفي فصل الإصلاحات والثقافة في الإسلام المعاصر، توضِّح الكاتبة ما الذي نحتاجه لفهم الإسلام اليوم؛ على سبيل المثال: معرفة كيف تطور مع مرور الوقت وفي مختلف المناطق التي انتشر فيها. فلطالما استوعب الإسلام عادات وتقاليد الأماكن المختلفة. فعلى سبيل المثال: رياح التجديد كانت تستلهم الشباب في الشمال المغربي منذ بداية القرن الحادي والعشرين، والتي لها جذور بعيدة. أولا احتلال نابليون لمصر عام 1798، وبعدها احتلال فرنسا للجزائر عام 1830، أنتجت مشاعر من السخط وكذلك الحاجة للتحديث. فالسلطان العثماني، وبعد الهزائم التي مَنِي بها، طالب بإنشاء مدرسة عسكرية للحصول على جيش حديث أكثر ملاءمة للدفاع عن حدود الإمبراطورية. في مصر وعلى يد المندوب العثماني محمد علي -الذي تمكن من تحرير مصر عام 1805- آخذا بعين الاعتبار عمليه التحديث بإرسال بعثات دراسية إلى باريس لتعلم الوسائل الحديثه التي ساعدت في نجاح الاستعمار.
وفيما يتعلق بالإسلام والاقتصاد، هنا تكتب إيرسيليا فرانشيسكا تحت فصل "الإسلام والاقتصاد" الدعوات بإنشاء مدارس لتعليم اللغات لتأهيل مترجمين لتسهيل التبادل التجاري؛ لأن الاقتصاد يحتل المكان الأعظم في نقطة الالتقاء بين الشرق والغرب؛ مما أسهم في تسريع التطور وبناء سكك الحديد وإنشاء مشروع قناة السويس.
وتستعرض المؤلفة كورراو مراحل الإصلاح الاجتماعي: أول مصلح ديني كان جمال الدين الأفغاني 1838-1897، كان يحفز المفكرين للثورة ضد السلطان؛ معه ومن بعده محمد عبده 1849-1905، ورشيد رضا 1865-1935 كانوا ملتزمين بتجديد روح العقيدة الخالصة.
إن طرح هؤلاء الإصلاحيين لمدى مطابقة الإسلام مع حداثة الغرب، أثار حركة من الهياج الثقافي في مصر، وكانت تُسمع أصداؤه في بيروت ودمشق؛ حيث كانت المدارس الدينية المسيحية تدرس اللغات والمواد العلمية الغربية.
وفي العام 1906، انتشرَ في مصر أولى الجرائد السياسية، وبعد عام تم ترخيص إنشاء أحزاب سياسية. أول حزب وطني كان بقيادة مصطفى كامل 1874-1908 الذي كان محفزا على نمو الجدال السياسي؛ مما عزز من نشوء تيارات فكرية مختلفة. قراءة الكتب الكلاسيكية التي تبحث بالتحرر وعلم الاجتماع أدت لولادة الفكر العربي القومي، العلاقة بين المفكرين والسياسيين أصحاب النفوذ أسهمت في تطوير حركة قامت بإسقاط الامبراطورية العثمانية أولا، وولادة أقطار قومية بعدها بعد نضال طويل للتحرر من الاحتلال.
وفيما يتعلق بالنساء ودورهن في الحياة الاجتماعية، كتبت ريناتا بيبيشللي إنه تقريبا في الفترة نفسها ظهر ما يسمى بالحركات النسائية، وظهرت أصوات نسائية تتحدث في الأماكن العامة، واضعة جدالا عن عصور الاستبداد في القرون السابقة. من خلال الشعر، والرواية ومقالات في الجرائد؛ مثل: المصرية ملاك حفني ناصيف 1886-1918 التي كانت تكتب تحت الاسم المستعار باحثة البادية، وهدى شعراوي 1879-1947، والتونسية بشرى بن مراد 1913-1993، كنَّ يناقشن قوانين اللباس، والتعليم، والزواج، ودخول عالم العمل وحق الانتخاب. أشهر منظمة نسائية هي الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي والذي تم تأسيسه بتاريخ 16 مارس 1923 في الذكرى الرابعة لوفاة حميدة خليل خلال مظاهرة ضد الاحتلال البريطاني. وقد شهدت أعوام العشرينيات والأربعينيات من القرن الماضي ظهورَ عددٍ من الاتحادات النسائية في فلسطين، وسوريا ولبنان. وكانت تجمع نساء مسلمات ومسيحيات مما يعني أن المشكلة لم تكن الإسلام.
ورغم مشاركة المرأة في النضال ضد الاحتلال، إلا أن حكومات ما بعد الجلاء في كل من مصر، وتونس، والجزائر والمغرب، لم تتقبل ظهورهن العام وقلصت من حرياتهن. لكن حكومات جمال عبدالناصر في مصر والحبيب بورقيبه في تونس منحت لهن بعض المطالب.
وفيما بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بدأت بالظهور الحركات النسائية الإسلامية. وهنا، يكتب ماسسيمو بابا عن مرحلة ما بعد التحرير من الحكم الاستعماري بالنسبة للقوانين وتأثرها بالدول الاستعمارية، فقد قامت الدول العربية المختلفة بوضع دساتير على النمط الغربي، ولكن بدلاً من ذلك ظلت مرتبطة بالتقاليد الإسلامية فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وعلى وجه الخصوص القواعد التي تسترشد بحقوق المرأة، والزواج، الطلاق والإرث. يجب الإشارة إلى الاستثناءات المهمة، وهي تركيا التي ألغت الخلافة وحظرت الحجاب، وأعطت حق التصويت للنساء مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفرضت العلمانية في البلاد. كما أعطت تونس بورقيبه حقَّ التصويت للنساء، وتمَّ منحهن الطلاق والمساواة في الحقوق في العمل وفرض الزواج الأحادي. كما دعمت العديد من الجمعيات النسائية التي ساعدت في تطوير الاقتصاد والتعليم في المناطق الريفية. ومع ذلك، هناك العديد من الدول العربية؛ حيث القواعد السلوكية للمرأة تتعرض للعنصرية. علاوة على ذلك، في العقود الأخيرة، ينتشر مفهوم جذري جدا للإسلام لا يسهل نشر حقوق المرأة.
وفي الآونة الأخيرة، عاد العديد من العلماء الإصلاحيين المسلمين لتحليل أصوات الإسلام لشرح أن التفسير الجديد يجلب التوافق المطلق مع الحداثة وحقوق الإنسان. على وجه الخصوص، أشار المؤرخ التونسي محمد طالبي الذي كتب مؤخراً أن المتخلفين عن حقوق الإنسان ليسوا من أصل عربي فقط، بل يبرز أيضاً أن جذور التراث الديني الإسلامي تتوافق مع حقوق الإنسان.
وفي فصل "الإسلام والإرهاب"، كتب عامر السبايله: منذ 11 سبتمبر 2001، تُهيمن القضية الإسلامية على السيناريو الدولي، ومسألة الإرهاب بشكل خاص إذا كانت ذات أصل إسلامي، لذلك هناك "قبل" و"بعد 11" سبتمبر؛ لدرجة أنه يمكن التحدث عن عهدين مختلفين من التاريخ الذي يعمل كنقطة فاصلة.
إنَّ الهجمات على البرجيْن التوأمين أشعلت نقاشا دوليا مكثفا، حول نوع الخطر الذي يمكن أن يمثله الإسلام لسلام كل الناس والعالم، ومعظم هذه المناقشات لم تغط الطبيعة الحقيقية للمشكلة.
وفي السنوات الأخيرة، تم نشر العديد من الكتب حول هذا الموضوع، والتي يمكن تقسيمها إلى فئتين رئيسيتين: واحدة تعتبر الإسلام مصدرًا للإرهاب، والأخرى تحاول إنكار هذه الأطروحة، وتفكيك الاتهامات. في الغرب، ترتبط الصورة النمطية المهيمنة بالجهادي، وتتعلق بالفئات: الجنسية واللغة العربية، والبشرة الداكنة واللحية. مع الحرب على العراق، التي بدأت في العام 2003، في عهد جورج بوش، تغيرت بعض خصائص الإرهاب؛ فلم تعد منظمات تعمل في السر أو الخفاء والظل، وإنما جماعات إرهابية تعمل على الأرض تحت ضوء الشمس، وتعمل على الدعاية لنفسها مستخدمة جميع قنوات التواصل الاجتماعي.
هنا.. نعتزم التمييز بين الإسلام والإرهاب، وتبني عملية تحليلية جديدة لا تنكر وجود الراديكالية الإسلامية. إن نقل عاصمة الخلافة من مكة إلى دمشق من عام 661 الى عام 750، على سبيل المثال، يستجيب لإستراتيجية سياسية دقيقة. فكل قرار أو عمل للخليفة يرتبط لدى الجماهير بالقيم المفروضة في الإسلام. ومع سقوط الإمبراطورية العثمانية ونهاية الحربين العالميتين، تقوم الأنظمة السياسية الجديدة بإضفاء الشرعية الذاتية على فكرة الأثر بالعودة إلى ارتباط مباشر بآل أهل بيت النبي.
لقد وضع المصري حسن حنفي تفسيره للإسلام كدين ثوري؛ فالإسلام دين عدالة يقود البشر إلى رفض الخضوع لكل سلطة ظالمة، وإلى المطالبة باسم الله بتحرير الأرض والشعوب. يجب تحويل العبادة إلى أنثروبولوجيا من أجل تمكين الرجال من جعل الإيمان والمعتقد أداة لتغيير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. التحديات الرئيسية للفكر الإسلامي تتحرك في ثلاثة اتجاهات؛ أولا: التقاليد التي استمرت لمدة أربعة عشر قرنا وقدمت الأفق النظري للجماهير. ثانيا: الغرب؛ تحد جديد للتقاليد، كمصدر ثان للمعرفة والعمل لمدة قرنين تقريبا، خاصة بالنسبة للنخبة؛ فقد خلق العلمانية في الفكر العلمي والحداثة في الإصلاح الديني والفكر الاجتماعي السياسي، ثالثًا: واقع العالم الإسلامي، احتياجاته وضروراته، التي تقف وراء إصلاح التقليد أو تقليد الحداثة.
شيء ما تغيَّر في العلاقة ما بين الشرق والغرب؛ فالثورات العربية أوضحت لهذه المجتمعات أنها تعبت من اتهام أعدائها الخارجيين.
وعن أسباب الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن سوء الإدارة والفساد العربي، كان فشل الثورات العربية للعام 2011 مثيراً بالنسبة لحياة سكان الشرق الأوسط؛ وذلك رغم أن الحكومات المختلفة قد بحثت في بعض الأحيان عن طرق جديدة لإحياء الاقتصاد، إلا أنها واجهت صعوبة في الوصول إلى الأسواق الدولية وأموال البنك الدولي.
-------------------------------------
الكتاب: "الإسلام ليس إرهابا".
- المؤلفان: فرانشيسكا ماريا كورراو، ولوشانو فيولانتي.
- الناشر: آل مولينو، إيطاليا، باللغة الإيطالية، 2018م.
- عدد الصفحات: 228 صفحة.
* مترجمة مقيمة في إيطاليا
