الإسلاموفوبيا والاستشراق في ألمانيا

قيس بن حمود المعولي

إن انتشار الإسلام والعرب حول أنحاء العالم وخصوصا القديم منه شرقا في آسيا وفي الغرب إلى أوروبا قد جعل من يقطنون هذه الأنحاء يفكرون بشكل واسع عن طبيعة العرب والإسلام، وفي الجانب المقابل ازدهار العلوم في العصور السابقة في منطقة الشرق تحديدا العلماء العرب والمسلمين قد أرسى فكرا واسعا لحال العرب والمسلمين في مخيلتهم. إن الجانب الألماني وإن لم يكن قد توغل في التاريخ القديم كقوة أو حضارة مستقلة ولكنه مع معاصرته للدولة العثمانية واختلاطه بها قد أنشأ رؤى متباينة ومتفاوتة وأفكارا في المجتمع الألماني عارضت ووافقت الجانب العربي المسلم. وفي هذه الأطروحه سنناقش مقالة بعنوان "رؤى العرب والإسلام في المخيلة الألمانية"، وهي منشورة في مجلة التفاهم.

الإسلاموفوبيا: هي كلمة مستحدثة تعرف الأشخاص الذي يعانون من الخوف والكراهية من الإسلام والمسلمين،وقد أضيف إلى ذلك أنها حالة من التخوف العقلي لا المعرفي الذي ينشأ من أفكار لا أصل لها ولا منطق. لقد بدأ استخدام هذه الكلمة في المجتع الغربي خلال القرن الثامن العشر وبالتحديد في الأراضي الفرنسية إلى أن انتشر هذا في البلاد الإنجليزية؛ كل ذلك كان خوفا من انتشار الإسلام بين النصارى في تلك المناطق. وقد بنوا خوفهم على طريقتين لنشره بين الناس الأولى عقائدية تقول إن الإسلام هو هرطقة نصرانية قديمة، والأخرى سياسية تدعي أنه تهديد للممالك والإمبراطوريات النصرانية في ذلك الوقت حسب الأستاذ جرين تود في كتابه الخوف من الإسلام،أما في الجانب الألماني فالوضع مختلف كما ذكرنا لأن الدولة الألمانية لم تكن قوة متدينة أو حضارة مبنية على معتقدات مستقلة بذاتها بل كانت تابعة فقط. انتشار هذا الأمر كان رهيبا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ وقد نشر كثير من الوسائل الإعلامية استنكارها أن المسلمين قد دبروا وأحدثوا ما حصل وأن هذا أمر في حياتهم وعقيدتهم بناء على جهالة وخوف. تتزايد الحالات هذه من الكراهية في المجتمع الألماني بعد الحالة التي طرأت على عالم العرب والمسلمين من خلال الثورات والحروب التي فرضت عليهم الخروج والنزوح واللجوء لدول مختلفة وكان منها ألمانيا.

 

إن المجتمع الألماني قد أظهر في بداياته حب المعرفة والتداخل مع الإسلام بشكل واسع ولكن بعد الأحداث التي حصلت في القرن الحادي والعشرين، الذي وإن كانت أحداثه لا تعكس الحالة الرئيسة والعقائد الصحيحة التي بني عليها، فقد غيرت نظرة المجتمع الغربي اتجاه الدين الحنيف. ووفقا لوزارة الداخلية الألمانية فإن 950 جريمة كراهية وعداوة ضد المسلمين تتمثل في الاعتداء عليهم أنفسهم أو على أماكن العبادة أو المراكز الفكرية الإسلامية، حدثت فقط في عام 2017م. وجد الباحثون علاقة واضحة بين عدم الثقة والتعصب المتزايدين وبين نجاح حزب اليمين المتطرف البديل من أجل ألمانيا وفقا للدراسة؛ إذ يعتقد 49% من سكان المنطقة أن التعايش "بين الألمان والمسلمين" هو أمر "صعب إلى حد ما"، مقارنة بـ40% ممن يرون أنه أمر "غير معقد". بالإضافة إلى ذلك، 37% فقط من سكان المنطقة يعتقدون أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا. عللت الدراسة تلك التغيرات الجذرية في الرأي على جبهتين: أزمة اللاجئين التي بدأت بشكل جدي في صيف عام 2015، وصعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في حوض الرور، ووفقا للباحثين: "هناك نظرة سلبية للغاية ومليئة بالكراهية للإسلام سائدة بين مؤيدي حزب البديل من أجل ألمانيا". في الواقع، يعتقد 80% من أتباع الحزب أن العيش مع المسلمين "صعب"، وإن كان حاضرهم قد اختلف عن ماضيهم، ولكن إن حدث تغيير لابد له في نهاية المطاف أن يتغير مرة أخرى. وهذا التغيير يجب أن يسبقه تغير في حال المسلمين العرب ككل ليوجهوا رسالتهم التي ألقيت إليهم بأتم وجه دون نقض ولا تقصير.

 

الاستشراق: (Orientalism)هو دراسة كافّة البنى الثّقافيّة للشّرق من وجهة نظر غربية، وتستخدم كلمة الاستشراق أيضاً لإثبات تقليد أو تصوير جانب من الحضارات الشرقية لدى الرواة والفنانين في الغرب. المعنى الأخير هو معنى مهمل ونادر استخدامه، والاستخدام الأغلب هو دراسة الشرق في العصر الاستعماري ما بين القرن الثامن عشر والتاسع عشر، لذلك صارت كلمة الاستشراق تدل على المفهوم السلبي وتنطوي على التفاسير المضرّة والقديمة للحضارات الشرقية والناس الشرقيين. وجهة النظر هذه مبيَّنة في كتاب إدوارد سعيد الاستشراق المنشور سنة (1978). إن البعد المعرفي والاستشراقي في الجانب الألماني يدعو إلى التفكر في التأثير الكبير الذي أورده العرب و الإسلام الجانب الشرقي من هذه البسيطة في حياة الألمان خصوصا في القرنين الثامن و التاسع عشر إبان ظهور الدولة الألمانية كنظام مستقل، هذا وإن كان هذا التأثير وقتيا لم يستمر وضوحه لعصرنا إلا أنه يختبئ بين جنبات ذلك المجتمع. ورجوعا لقصة الاستشراق الألماني الذي ظهر على الأغلب في القرن الثامن عشر وكان رائدها يوهان جاكوب رايسكه(1716-1774) ولها عدة خصائص منها: (أولا) إنها لم تكن نتيجة لأهداف سياسية واستعمارية ولم تكن وثيقة الصلة بالأهداف الدينية التبشيرية كدول أخرى مثل فرنسا وإنكلترا وإيطاليا، بل على العكس كان الألمان على علاقة طيبة بالدولة العثمانية، فقد تحالفوا معها في الحرب العالمية الأولى، (ثانيا) غلبة الروح العلمية وتقصي الحقائق على الدراسات الشرقية في ألمانيا، فهي تمتاز بالعمق والشمولية وغيرها الكثير التي ميزت الاستشراق والبعد الفكر المعرفي للألمان عن باقي دول وأقطار الغرب. لقد ساهم المستشرقون الألمان أكثرَ من سواهم بجمع ونشر وفهرسة المخطوطات العربية، وخصوصًا كتب المراجع والأصول المهمة، ونشر المخطوطات، فإن أهمَّ ما قام به المستشرقون الألمان وضعُ المعاجم العربية؛ فقد وضع فرايتاج (1788 – 1861) المعجمَ العربي اللاتيني في أربعة أجزاء، ثم وضع فيشر (1865 – 1949م) معجمًا للغة العربية الفصحي، وقاموس هانزفير (1909 – 1981م) العربي – الألماني للغة العربية المعاصرة، وقاموس شراكل (1923م) الألماني – العربي، الذي صدر سنة 1974، والقاموس الضخم للغة العربية الفصحى الذي عمل عليه أولمان (1931) في جامعة توبنجن، وفي سنة 1980م كان قد وصل إلى حرف الكاف (ك)، وفي سنة 2000 انتقل العمل على هذا القاموس إلى جامعة ميونيخ، ووصل إلى حرف الميم (م)، وإن العمل على هذا القاموس سيستغرق مائة سنة ونيِّفًا، على الرغم من الإمكانات التكنولوجية والمادية المتوفرة، وعلى رغم أن الذي يعمل على هذا القاموس هو فريق عمل!.

إن العالم العربي والمسلم قد أرسى أفكاره بناء على عقائد وحقائق بنيت على أصح الكتب وأتم القيم وأفضل البشر إلا أن دوام الحال من المحال؛ فإن نظرتنا في أعين المجتمعات تتغير فترة وتستقر فترة، وهذا إن دل إنما دل على الخلاف و الاختلاف في كل مكان وزمان، ولكن ما بنى عليه المسلمون و العرب عقائدم ومعرفتهم إنما هو ثابت لا يتغير؛ فلذلك لينظر هؤلاء القوم إلى حالهم ويحسنوه لما فيه خير لهم ولأمتهم وعالمهم، ولكي تكون لهم الكلمة الرائدة، ويكونوا المثل الأعلى في هذه الحياة كما هو مراد لهم أن يكونوا قادة لا مقادين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحسنون في كل وقت وحين.

أخبار ذات صلة