لتشوي هيون شك
محمود عبد الغفار (مدرس الأدب الحديث والمقارن كلية الآداب- جامعة القاهرة)
"الموجة الرابعة آتية" حلقة من سلسلة كتب ذات توجهات جديدة تتخذ منحى التنبؤ بالمستقبل على أساس علمي بحت في مجالات السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا بحلول عام 2030م. وقد سبقته كتب أخرى ناقشت الأوضاع والتحديات المُستقبلية بحلول العام سابق الذكر نفسه. أما الموجة الرابعة فتعني الثورة التكنولوجية الرابعة التي تشهدها الصناعة في العالم؛ تلك الثورة التي تحدث تغييرات عميقة وتفتح مسارات جديدة في الصناعة تحمل عنوان "الثورة الذكية" في عصر يمكن تسميته "الرأسمالية الفردية". وهنا يطرح المؤلفان تساؤلات من قبيل كيف يمكن الانتفاع بالذكاء الاصطناعي في ظل هذا التنافس التكنولوجي الرهيب؟ كما أنهما يتنبآن بأنَّ الثروات الفردية ستزداد طبقًا للقدرة على الانتفاع بالتكنولوجيا الذكية. التحول الأخطر والأهم هنا هو ثورة الانتقال من رأس المال بالمعنى التقليدي إلى رأس المال الفردي في ظل الاتصال العالمي أو الكوكبي المرتكز على الذكاء الاصطناعي عبر شبكة الإنترنت. يكشف المؤلفان كذلك عن أنّ الثورة الصناعية في موجتها الرابعة عليها أنْ ترتكز على الفرص العظيمة للثراء بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية.
في ظل الموجة الرابعة، على نحو ما يرى المؤلفان، علينا أن نغير تصوراتنا عن المُستقبل، وأن نكون موضوعيين بحيث يمكننا رؤية التغييرات الجارية والتي ستحدث مستقبلاً. علينا أن نفكر في الفرص المتاحة التي يحملها الغد القادم بدلاً من القلق والتخوف منه. فجوهر الاقتصاد والثروات يتحرك الآن بشكل مغاير لأن بنية النشاط الاقتصادي نفسها قد تغيرت وكذلك الحال بالنسبة لأدوات الاستثمار وفرصه. وسط كل هذا علينا أن نجهز أنفسنا بالتخطيط والشروع في التنفيذ بدلاً من الانتظار والتحرك كرد فعل. علينا أن نُدرك هذه التغيرات الأساسية لأنها فرصة لا يجب تفويتها. لقد تم توظيفنا جميعًا في ظلّ الرأسمالية التقليدية وجميعنا كنَّا أدوات لم يُسمح لها بتحقيق الثروات الشخصية. هذا الأمر تغير مع الموجة الرابعة من الاقتصاد الذكي. لم يعد أيٌّ منا أداة بل أصبحنا جميعًا نمتلك الفرص للاستثمار الفردي وتحقيق الثروات. هل يمكن تحقيق هذا ونحن لا نملك الأموال الكافية للاستثمار؟ ونحن لسنا من أصحاب المصانع والشركات؟ الإجابة التي يطرحها المؤلفان هي "نعم". فهناك فرص كثيرة متاحة وكل ما علينا فعله هو استغلال الظروف المُستقبلية على الوجه الأمثل. وهنا يتوقف المؤلفان عند خمس مراحل: التعاون مع الذكاء الاصطناعي. – تنظيم الوقت بطريقة جديدة. – التمتع ببصيرة جيدة للتعرف على الإنسان من الداخل بغض النظر عن سلبيات هذا الإنسان ونواقصه ورغباته ومشكلاته. – أن تتسم هذه البصيرة بالقدرة على التخيل. – القدرة على أن يجد المرء أريحية بين الجانب الإنساني وجانب الآلة أو الميكنة التي تسيّر كل شيء في ظل الذكاء الاصطناعي غير المسبوق.
تشوي هيون شك، وهو أحد مؤلفي هذا الكتاب، يعد واحدًا من اختصاصييّ الدراسات المستقبلية. له ثلاثة مؤلفات تدور كلها حول بلوغ عام 2030م بعنوان "مستقبل جريء"، و"تحديات جريئة"، و"خريطة مستقبلية للثروات". درس في جامعة "هوستن" علي يدي "بيتر بيشوب" و"كريستوفر جونز"، و"وندي سكولتز"، كما درس الاقتصاد والأخلاق والفلسفة واللاهوت، وقد صار أصغر الاختصاصيين الذين لفتوا الانتباه في الدراسات المستقبلية في كوريا بل وفي آسيا كلها، وخاصة ما أذاعه حول "سيناريو حرب الهيمنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين"، و"مستقبل الصين" و"إحياء أمريكا الجديد عام2020م"، و"مستقبل سامسونغ"، و"الأزمة الكبيرة في آسيا". هو المدير الحالي لمعهد الدراسات الإنسانية المستقبلية وعضو جمعية "اختصاصييّ الدراسات المستقبلية المحترفين"، وعضو جمعية "استراتيجيات المستقبل". أما أهم الكلمات المفتاحية الأساسية في خطابه ودراساته القيمة عن تقنيات التنبؤ بالمستقبل، وإستراتيجيات الإدارة المستقبلية، ولعبة الحرب والهيمنة، فهي "البصيرة، المستقبل، الابتكار والإبداع، الإعداد الجيد، حسن استغلال الفرص، البحث عن الفرص وسط الأزمات".
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام تغطي الأزمات الاقتصادية في كوريا والصين، والتنبؤات المستقبلية لتجاوز تلك الأزمات في أسرع وقت ممكن. صحيح هي أزمات لكنها يمكن أن تكون فرصًا متاحة نحو استثمارات ذكية جديدة. كما تُغطي هذه الأقسام أيضًا قراءة في مخططات الرئيس الأمريكي "ترامب" واستراتيجياته السياسية والاقتصادية. يأتي القسم الأول تحت عنوان "موجة حرب رأس المال". يُفتتح هذا القسم بتوجيه طلب أو نصيحة بضرورة الاستعداد لحرب الهيمنة القادمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وضرورة استدعاء التاريخ، فالصين نفسها عايشت نظمًا استعمارية لآلاف السنين. لو تذكرنا هذه الحقيقة فسوف نستوعب أو نتنبأ بسهولة بالحلم الصيني. ففي الوقت الذي تريد فيه أمريكا بسط الهيمنة تقوم الصين بالتهديد، فضلاً عن أنّ الصين تريد استعادة دورها المهيمن الذي لم يكن تحت النفوذ العسكري الأمريكي. صحيح أن "ترامب" يقوم بتنفيذ مخططات الحماية الاستباقية لأمريكا، ولكن الصين قد شرعت في اتخاذ تدابير وقائية لحماية نفسها منذ عام 2012م. ثم يتطرق هذا القسم لعدد من النقاط مثل؛ حرب رأس المال قد بدأت للتو، وخلال عام 2017م سيبدأ الجزء الثاني من هذه الحرب، وقراءة في أساليب ترامب ومخططاته وأهدافه الثلاثة: النمو، والهيمنة الاقتصادية، والهيمنة العسكرية، وكذلك قراءة في جوهر الاستراتيجيات الاقتصادية لديه، وما سيحلّ بكوريا جراء تلك الاستراتيجيات. فسيحدث تقليل في الإنفاق الحكومي في البلاد، كما سيحدث خفض للضرائب. ستحدث أزمة اقتصادية كتلك التي شهدها العالم في 2008م ولكن هذه المرة في الصين وذلك بحلول 2020م. في الفصل الثاني من هذا القسم تحت عنوان "عودة الدولار القوي". يرى المؤلفان أنه قد تخسر الشركات التي تقوم بالتصدير لفترات قصيرة، لكن الشركات الأمريكية لا تعاني هذه المشكلة لأن معدل التصدير يتراوح بين أحد عشر إلى اثني عشر بالمئة، فضلاً عن أن الفارق الدولاري بين معدلات التصدير والاستيراد يمكن استغلاله في تنفيذ مخططات أخرى من قبيل خفض الضرائب وتقليل تكلفة استهلاك الطاقة ورفع القيود التجارية، وكلها أمور كانت ضمن البرنامج أو الوعود الانتخابية لترامب. وعلى الرغم من عودة الدولار القوي، فلن تتوقف أمريكا عن تهديد الصين والادعاء مثلاً بأنها الدولة التي تتلاعب بالعملات العالمية بحيث يؤدي الأمر في النهاية إلى تزايد قوة العملة الصينية. قد يؤدي ارتفاع الدولار إلى تزايد قوته الشرائية وخفض أسعار الاستيراد داخل أمريكا مما سيدعم التجارة والاقتصاد الأمريكي بشكل عام كما سيعزز من نجاح المصانع والشركات العاملة داخل أمريكا. كما يغطي هذا الفصل عددًا من النقاط المهمة مثل: جذور النموذج الاقتصادي لترامب، ونقطة التحول المهمة في الاقتصاد الأمريكي كانت عامي 2012م/ 2013م، والاقتصاد الأمريكي أقوى مما نعتقد، وكمن يصطاد في ماء مضطرب؛ يقصد المؤلفان هنا ترامب الذي تسلم أمريكا وهي تتعافى اقتصاديًّا معاودة سيرتها الأولى لما قبل 2008م وهناك علامات كثيرة تثبت هذا الأمر، والإمكانيات المتاحة والسياسات الاقتصادية التي يمكن لترامب الإفادة منها. في الفصل الثالث من هذا القسم، وهو الفصل المخصص للحديث عن كوريا الجنوبية وكيف يمكنها تجاوز أزمتها المالية بنسبة 90%. فإن حدث الصدام المحتمل بين أمريكا والصين، بحيث قامت كل دولة بالتركيز على حماية اقتصادها وشعبها فإنَّ كوريا ستتأثر بذلك حتمًا. لقد اتجهت الصين بالفعل نحو الاقتصاد الصناعي القائم على صناعة منتجات وسيطة وليس مجرد استيراد تلك المنتجات وتجميعها هناك. ولو قامت الحرب المحتملة بين الصين وأمريكا فسوف يتم تسريع هذه العمليات التصنيعية في الصين، وسيسعى ترامب للحيلولة دون ذلك بضغط من مؤسسات دولية لأجل حماية سياساته الاقتصادية في الوقت الذي ستدفع فيه الصين تلك المؤسسات لقبول فكرة التبادل التجاري الحر الذي سيدعم اقتصادها بقوة بينما سيكون تأثيره الاقتصادي على كوريا الجنوبية أقل دعمًا. بل وسيكون تأثيره قاسيًا على الاستيراد العالمي للاقتصاديات الواعدة لأن ترامب سيفرض ضرائب تقدر بــ 45 بالمئة على الاستيراد من الصين و35 بالمئة من المكسيك. إن تلك الاقتصاديات الواعدة تعاني أصلاً القلق من ارتفاع أسعار المواد التصنيعية والبترول على المستوى الداخلي، نحن نتحدث هنا- كما يرى المؤلفان- عن المكسيك وكوريا الجنوبية كمثالين لما سيحدث. ويرى المؤلفان أن الأعراض الخطيرة على الاقتصاد الكوري قد ظهرت عام 2012م، وأن الديون المستحقة على قروض شراء المنازل يمكنها الانتظار حتى 2019م. في الفصل الرابع من هذا الباب تحت عنوان "إمكانيات متاحة وسط الأزمات الاقتصادية؛ سيناريو بلاك سوان". يعرض المؤلفان الأسباب وراء هذا الإلحاح إلى تعرض كوريا لأزمات اقتصادية محتملة جراء الحرب بين أمريكا والصين، كما أنهما يؤكدان على ضرورة عدم المبالغة في التفاؤل بشأن إمكانية التغلب على تلك الأزمات. فعلى الكوريين أن يكونوا موضوعيين وأن يستعدوا لمواجهة ما هو قادم لأنه سيكون واقعًا لا خيالاً. فبالاستعداد الجيد يمكن للكوريين الحيلولة دون حدوث ذلك في الواقع، فإن لم يفلح ذلك فعلى الأقل سيتمكن الكوريون من التعامل مع الأزمة وإيجاد فرص استثمار متاحة خلالها لأن مثل تلك الأزمات لا تكون على هيئة موجة واحدة، إنها مثل نهر طويل وعميق جدًّا، ولو استطاع الكوريون عبور ذلك النهر فستكون هناك فرص كبيرة متاحة بانتظارهم. أما المقصود ببلاك سوان فيعني المستقبل غير المتوقع تمامًا كالورقة التي تقلب اللعبة رأسًا على عقب في لعبة الأوراق "الكوتشينة". هذا السيناريو يتوقع المؤلفان وقوعه خلال الفترة من 2017م إلى 2021م ولذا فهو يضع سيناريو الاستثمار التالي: من 2017 إلى 2019م الاستثمار على الدولار، ومن 2019م إلى 2020م الاستثمار في البورصة الكورية، ومن 2020م إلى 2021م الاستثمار في البورصة الصينية، ثم العودة للحالة الكورية.
يأتي القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان "الموجة الرابعة آتية". ويرى المؤلفان أنه بعد أن تم تجاوز الموجة الصناعية الثالثة، بدأت الموجة الرابعة المعتمدة على التكنولوجيا الذكية للآلات والبشر جنبًا إلى جنب بما سيغير أساليب اتخاذ القرار من خلال أطر خاصة محددة مثل التحكم الذاتي والأبدية البيولوجية والأحلام اللامحدودة فيما يتصل بالأعمار البشرية لأجل أن يتمكن المخ البشري من التعامل مع العالم الرقمي داخله. سيصحب هذا تحوّل المدن إلى الصناعة والإنتاج اعتمادًا على ذكاء الآلات والبشر كما أشرنا من قبل. أما القسم الثالث والأخير فقد تناولا فيه "قراءة في نماذج الثروات"؛ حيث ستتحقق دورة الازدهار الاقتصادي في مرحلتها العاشرة خلال القرن الحادي والعشرين، تلك الدورة التي استلهمت روحها من النموذج الأمريكي للاقتصاد في القرن العشرين. ثم يختم هذا القسم بفصل مهم عن أهمية القانون ودوره في ظل الموجة الرابعة وفي ظل المتغيرات العالمية غير المسبوقة على المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية.
--------------------------------------------------
عنوان الكتاب: الموجةُ الرابعة آتيةٌ
المؤلفان: تشوي هيون شك، وتشوي يون شك
الناشر: جيشك نوماد
اللغة: الكورية
سنة النشر: فبراير 2017م
عدد الصفحات: 500 صفحة
