تأليف: روبرت تي كيوساكي وتوم ويلرايت
عرض: عاطفة المسكري (كاتبة عمانية)
تعد الأنظمة الاقتصادية إحدى أكثر الأنظمة سرعة في التغيير وإن الأمم الرابحة هي تلك الأمة القابضة على عصب الاقتصاد العالمي والتي غالبا ما تكون مدركة لطريقة سير الأنظمة الاقتصادية بل المتحكمة بظروفه. يحتوي النظام الاقتصادي في بقعة ما لفترة زمنية معينة على آلية توزيع الثروات ما بين الشعوب تحديدا لتوفير احتياجاتهم الأساسية إضافة إلى تقسيم الطبقات ما بين ملاك أدوات الإنتاج ورأس المال أو الطبقة البرجوازية أو (الأغنياء) من جهة والطبقة المتوسطة من جهة والطبقة العاملة، الفقيرة أو البروليتارية من جهة أخرى. يأتي كتاب (لماذا يزاد الأثرياء ثراء؟) لروبرت تي كيوساكي مؤلف كتاب (أب غني وأب فقير) الذي نال صيتا واسعا،وتوم ويلرايتكمساعد له، ليتحدث عن التغييرات الحاصلة في المفاهيم المتعلقة بالثراء والحرية المادية في ظل تغيير الأنظمة الاقتصادية وما ترتب عليه من تغيير في قيمة العملة والعوامل أو الطرق المؤدية للثراء الحقيقي.
استُفتح الكتاب بطرح فكرة قد تكون مألوفة لدى الجميع تلك التي تتناول جزءاً من التربية -الروتينية- كنصيحة شبّ عليها الكثيرون تنص على وجوب تدرج الأبناء من المدرسة إلى الجامعة ثم الوظيفة المؤدية إلى الوفرة. بغض النظر ما إذا كانت هذه النصيحة فعالة أم لا، أراد الكاتب طرح فكرة التعليم المالي وما إذا كانت فعلاً المدرسة أو الجامعة حقلا مناسبا لدراسة الاقتصاد والمال الذي بدورة يؤدي إلى الوفرة فيؤكد أنّالتعليم الأكاديمي ليس كافياً. في السابق كانت الطبقة الارستقراطية محكورة لعمالقة الصناعة كهينري فورد مثلاً مالك شركة فورد للسيارات، بينما اليوم أصحاب الثروات هم المسيطرون على العقارات الإلكترونية كستيف جوبسالشريك المؤسس لشركة آبل، وجيف بيزوس، المدير التنفيذي لشركة أمازون، وسيرجي برين ولاري بايج مؤسسي شركة جوجل.
لذلك فإن أدلجة الأجيال على التدرج الروتيني من المدرسة إلى الجامعة ومن ثم إلى سوق العمل جعل الغالبية العظمى أياً كانت مستوياتهم الفكرية، ومستوى الذكاء والإمكانات التي يملكونها هم من الطبقة العاملة (الكادحة). قد تكون هذه النصيحة الأبوية المتوارثة هي التي قلبت مفاهيم الثراء رأساً على عقب. يقول الكاتب إنّ الأثرياء الحقيقيين هم ملاك رؤوس الأموال وملاك الأدوات؛ أي هم ملاك الطبقة البروليتارية بخلاف المفهوم السائد لدى غالبية المجتمعات والذي يرى أن طبيباً أو محامياً أو وزيراً - أو أي شخص ذا دخل عالٍ ثابت- هو بشكل أو بآخر ثري لمجرد أنه يعمل تحت مؤسسة ما بدخل عالِ ولكن ما يشير الكاتبان إليه هو أنّ الأثرياء الحقيقيين لا يعملون من أجل المال بل يصنعون المال لهم وللآخرين -الطبقة البروليتارية- بواسطة شغفهم في مجال ما، والذي يجعل لهم دوراً هاماً في خلق فرص عمل، وبالتالي رفع مستوى المعيشة وتقليل نسبة البطالة. تعويلاً على ذكرنا الفكر الروتيني والمتوارث من الآباء إلى الأبناء فإننا وفي مجتمعاتنا كذلك نورث أبناءنا فكرة الادخار والتي أسهب الكاتبان في انتقادها. ولذلك في ظلّ التقلبات الاقتصادية الراهنة والتي تجعل من المال المدخر ليس سوى خسارات فادحة لعدة أسباب أهمها التضخم الذي يجعل المال مع الزمن يفقد قيمته، فعشرون ألفاً قد تجعلك تمتلك عمارة في زمن ما وتجعلك عاجزًا عن شراء سيارة في زمن آخر، فالأثرياء لا يدخرون بل يستثمرون.
يرى الكاتبان أنّ ثقافة العمل لابد أن تنتقل من السعي خلف الوظائف ذات الطابع الروتيني إلى استثمار أموالهم لنطاق أكثر حرية لأنّه في زمن الذكاء الاصطناعي ستكون الروبوتات المبرمجة قادرة على أداء تلك الأعمال بدقة أكبر، وفاعلية أكثر وبإنتاجية مضاعفة لكونها لا تمل ولا تكل من التكرار بخلاف الإنسان المعرض للكثير من الأخطاء وتعتمد إنتاجيته على عوامل قد تكون نفسية في كثير من الأحيان.
تطرق الكاتبان كذلك إلىأنّ الأثرياء يزدادون ثراء عادةً لأنّهم يملكون ذكاء ماليًا ((financial IQ والذي يجعلهم قادرين على التعامل مع أزماتهم المالية أيا كان حجمها وتوقيتها على خلاف ما يظنه الآخرون،من أنّ أصحاب الثروات لا يمرون بأزمات مالية تضاهي ثرواتهم لمجرد أنّهم أحرار مادياً، ولكن في الحقيقة، على قدر الثروة تأتي الأزمة.أكّد الكاتبان هذه الفكرة بطرح دونالد ترامب كمثال؛ رجل كدونالد ترامب– على اعتبار أنّه مواطن أمريكي عادي يمتلك مليارات من الدولارات وبعيدا عن كونه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية– إذا وقع في أزمة مالية تتطلب منه دفع الملايين للخروج منها فإنّه سيفعل ذلك بأقل ضرر ممكن، على عكس غالبية الأشخاص وحتى من هم في مستويات عادية بعيدا عن الحرية المادية، أي أزمة مالية قد تكلفهم الكثير.
صنف الكاتبان الأثرياء لعدة أنواع، فمنهم الثري متعدد الأصول قليل النقد وذلك من يمتلك عددا من العقارات والسيارات والأملاك.حيث يتعامل مع أزماته ببيع أحد أملاكه(الأصول). والنوع الآخر هو ذلك الذي يمتلك ثروة كبيرة ولكن لا يستطيع التملص من الضرائب العالية بالطرق القانونية فدخله العالي وثرواته تهدر منها نسبة لا يستهان بها لمجرد أن ذكاءه المالي لا يرقى للمستوى المطلوب للثراء الحقيقي- وفقا للكتاب-أمّا النوع الأخير والذي وصل لمستوى عال من الحرية المادية، ويرى الكاتبان أنّه يعد من ضمن فئة الأثرياء الحقيقيين الذين يمتلكون أصولا وثروات وذكاء ماليًا يجعلهم قادرين على التعامل مع التكاليف الثابتة مثل الضرائب بأقل خسارة وبطرق قانونية وذكية؛ استناداً على ذكائه المالي العالي ((high financial IQ.
تكرار الذكاء المالي ((financial IQ قد يشعر عددًا ما من الأشخاص بشيء من الإحباط لاعتقادهم أنّ الذكاء المقصود به هنا هو شيء فطري يخلق مع الإنسان. ينكر الكتاب ذلك ويؤكد أنّ الثراء بحاجة لدراسة معمقة لفهم كيفية صناعة الثروات. قد يتملص الكثيرون من حضور العديد من الدورات التدريبية والورش في إدارة المال لظنهم أنّه "يأتي بالفطرة" وهو في الحقيقة ليس كذلك؛ فامتلاكك لحلاق مثلاً في مكان نشط وامتلاك صديقك كذلك للمشروع ذاته قد يجعله جاذبا للمال أكثر منك ليس بمحض الصدفة كما تظن -غالباً- وليس لحسن حظه وسوء حظك بل لأنّه درس ذلك ولم يجبل عليه.
نعود مرة أخرى للتعليم التقليدي والأفكار المورثة والتي جعلتنا نشعر بقلق دائم من الأخطاء وأنّ المخطئ هو شخصأساء التعامل مع أمر ما حيث يرى الكتاب أنّ هذا الأسلوب لا يصنع الثراء والأثرياء قطعاً.
إنّ الوصول إلى الثروة والذكاء المالي بحاجة ماسة للكثير من الأخطاء لفهم كيفية التعامل مع الكثير من المعاملات المالية المعقدة والمتشعبة، وكيفية تجنب أخطاء أكبر في المستقبل. عودةإلى معنى الثراء الحقيقي -مالك الطبقة الكادحة لا الموظف ذو الدخل العالي- استثماره الدائم هو دخل متزايد ودائم بطبيعة الحال والذي سيجعله كثير التفكير بالطرق الأمهر لمضاعفة تلك الاستثمارات،ومضاعفة حجم ثروته، بخلاف ذلك العامل البروليتاري الذي تزداد مصاريفه بحجم تلك الزيادات السنوية الثابتة في دخله الشهري مما يجعله يحيا مهما بلغ مستوى دخله في نفس مستوى الحرمان وبنفس المخاوف المادية.
على صعيد الجهل ومخاطر الجهل فالجميع يتفق أنّ ذلك المحروم من التعليم -الجاهل- كثيراً ما ينتهي به المطاف في السجن مثلاً ولكن ماذا عن الجاهل مادياً؟ يرى الكتاب أنّ الجهلاء مادياً هم أشخاص كثيرو التذمر، أدى بهم جهلهم هذا للكثير من المفترقات النفسية كشعورهم الدائم أنّهم ضحايا، ناهيك عننظرتهم السوداوية اتجاه الأثرياء الذيناكتسبوا ثرواتهم بطرق غير قانونية لا محالة، وفقا لاعتقادهم.بطبيعة الحال، الجاهل مادياً ذو فكر وأفق محدود جداً أحيانا،قد يصعب عليه استيعابأّن الأثرياء صنعوا ثرواتهم بتعليمهم المستمر وقدرتهم الدائمة على مواصلة التعلم وتنمية مهاراتهم في إدارة أموالهم والتعامل مع جميع المخاطر مهما كان حجمها وأياً كانت تأويلاتها ونتائجها.
أخيراً اختتم الكاتب فصوله بتصنيف الأفراد مادياً حيث وضع شكلا يختزل كل الفئات في أربعة أقسام واستطرد في شرحها وفقا للآتي:
|
E |
B |
|
S |
I |
الفئة E: ترمز إلى الحرف الأول من كلمة Employee وهو الموظف العادي الذي يتقاضى أجرا أيا كان حجمه عالياً أم منخفضاً.
الفئةS:اختصاراً لكلمةSmall إشارةإلى أصحاب المؤسسات الصغيرة.
الفئةB: ترمز إلى الحرف الأول من كلمةBig وهم أصحاب المؤسسات الكبيرة.
الفئةI:تشيرإلى الحرف الأول من كلمة Investor إشارة إلى المستثمرين.
يشير الكتاب هنا إلى أنه بإمكان الأشخاص أن يتوسعوا فيشملوا فئات عدة بتلقيهم تعليماً مالياً يؤهلهم لذلك. فالموظف الذي يبقى قابعا في منطقة الراحة E بإمكانه الانتقال إلىالمنطقة S، ومثالا على ذلك الطبيب الذي يعمل بنظام المناوبة بإمكانه افتتاح مركز طبيخاص به لاستقبال المواعيد المستعجلة دون الحاجة إلى الاستقالة من وظيفته الأصلية كطبيب حكومي! هنا حدث انتقال سلس من المنطقة E إلى المنطقة S. وبإمكان ذات الطبيب بعد فترة لا بأس بها افتتاح فرع آخر لمركزه الطبي في مدينة أخرى تتلوها فروع أخرى في مدن أخرى أو في خارج البلاد مثلا، ويصبح مالكا لمجموعة مراكزطبية خاصة يعمل فيها مئات الموظفين. يشير المثال الأخير إلى نموذج مبسط حول عملية الانتقال من مجموعة لأخرى، حيث انتقل الطبيب الذي يملك مركزا طبيا واحداليصبح بعدها مالكا لسلسة مراكز طبيةبأفرع متعددة.وأخيرًا بإمكانه التفكير في الانتقال إلى مرحلة الحرية المادية بكافة أبعادها وبأن يصبح مستثمرا ذكياً رافعاً مستوى ذكائه المادي ((financial IQ. وبالإشارة إلىالفكرة المطروحة في "لماذا يزداد الأثرياء ثراء" فإنّه عادة ما تنبع السلوكيات التي تنم عن جهل في التعامل بالأمور المالية من الأشخاص القابعين إما في الخانةEأو الخانة S على عكس الأشخاص في الخانة I حيث ينظر إليهم من قبل الأشخاص المذكورين في الخانتين السابقتين على أنّهم متملصون من القانون غير ملتزمين بدفع ما عليهم من مستحقات للحكومة، على الرغم من أنّ الحكومة ذاتها تكرم من هم في مستواهم بشكل غير مباشر عبر الامتيازات والإعفاءات فيما يتعلق بالضرائب. قد تنتاب القارئ ريبة لحجم الأفكار التقليدية التي اتضح أنّها مغلوطة ولكن لا بد من الإشارة هنا بأن الكاتب لم يقصد استنقاص من أراد "الذهاب إلى المدرسة" والتمتع بوظيفة ذات دخل ثابت يرتفع بنسب ثابتة سنويا ومن ثم يوفر هذا المال، فلا ضير من ذلك إن لم يكن يسعى أن يعيش الحرية المادية، إضافة إلى ذلك لا ضرر في أن يتعلم الشخص في مجال شغفه، ولكن أن يضع في الاعتبار أنّ الشغف قد يكون شيئا والحرية المادية قد تكون نتيجة لشيء آخر، والذكي طبعا من يستطيع الجمع بين شغفه وكونها أداة يستطيع الاستثمار فيها وصولا إلى الحرية المادية. عودة إلى مسألة الاهتمام باكتساب العلم في السياق الذي ذكره الكاتب كفكرة تقليدية لا تنفي أهمية العلم واكتسابه؛ فالجاهل يبقى جاهلا في نهاية الأمر والوصول إلى الحرية المادية لم ولن يتعارض مع طلب العلم يوما؛فالعلم هو حجر الأساس وبداية مهمة لسلسلة من النجاحات. التفوق والذكاء المادي لابد أن يصلا لمرحلة يتطلب فيها التعليم.
------------------------------------------
الكتاب: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً؟ (ما هو التعليم المالي حقا؟)
المؤلف: روبرت تي كيوساكي وتوم ويلرايت
الناشر: Plata Publishing
لغة النشر: اللغة الإنجليزية
عدد الصفحات: 340
