قيم إسلامية

عاطفة المسكرية

أرسى الإسلام قيماً أساسية تُعد مرجعًا شاملاً لاستنباط كل ما يتعلق بالشؤون البشرية. وحتى في أحلك الظروف كالحرب راعى الإسلام أدق التفاصيل فيما يتعلق بالأخلاقيات التي يجب اتباعها في تلك الفترة. يناقش الأستاذ إبراهيم العناني في مقال له بعنوان "قيم الإسلام وأخلاقيات الحرب والسلام" الكثير من هذه القيم التي وجدت حيزًا للتطبيق في الحروب التي كانت تحدث في زمن الرسول والصحابة، حيث يعد الرسول صلى الله عليه وسلم أنموذجا يعتد به في التعامل الإنساني في فترات الحروب، وتبعه الصحابة في ذلك. تتمحور هذه القيم والمبادئ في الواقع حول احترام كينونة الإنسان وكونه شريكًا في إعمار الأرض ولو كان من ألد الأعداء، حيث إنِّه من الواجب حفظ كرامته بالقدر المستطاع والذي تتحقق فيه مصلحة الطرف المسيطر دون شيء من الإذلال أو الخنوع له. وتقوم هذه الأسس أيضًا على العفو والتسامح عدا في بعض الحالات الاستثنائية كالدفاع عن النفس. أباح الإسلام قتال العدو وصد كل ما يعد تهديداً للأرواح والأنفس والممتلكات بشروط وضوابط دقيقة تتعلق بالهدف الذي توجه له ضربة الدفاع عن النفس.

تنامت هذه القيم وتم الاعتراف بها وجسدت عبر القوانين التي تمَّ سنها في المنظمات والقوانين الدولية في حالات الحرب والنزاعات المسلحة. ومن أهم القيم التي تعد أساسية في حالات الحرب والسلم معًا، حفظ الكرامة الإنسانية، فهي مستوحاة من كون الإنسان مكرمًا من قبل الله سبحانه وتعالى وفي قوله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) فقد خلق الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض إكرامًا له. وكجانب مهم أيضًا من أخلاقيات التعامل الإنساني العدل والمساواة. حيث تمثل بها الرسول واقتدى به الصحابة والصالحون ولا زالت من أنجع القيم التي يجب اتباعها في هذا الزمان تحديدًا بل تعد ضرورة للتطبيق في سبيل إيجاد حل لخلافات العصر. تعد السيرة النبوية غنية بالأحداث التي تثبت أهمية العدل كقيمة لصلاح المجتمعات وقد أثبت الرسول ذلك في تعاملاته وفي قوله صلى الله عليه وسلم "لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى" وتتضح أهمية ذلك أيضًا في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ .. ) فالقرآن الكريم والسنة النبوية يجمعان على العدل والمساواة الإنسانية وهذا ما لا نجده حاضرًا للأسف في أغلب الثقافات الغربية والعربية وفي مجتمعاتنا المحلية كذلك.

فالتفرقة حاضرة عندما نتحدث عن الذكر والأنثى، التفرقة حاضرة عندما نتحدث عن الأسود والأبيض، وكذلك عندما نتحدث عن العربي والأعجمي وهلم جرا. وما يثير التساؤلات هنا هي المدة الزمنية التي سيستغرقها البشر لاستيعاب عدم فاعلية فكرة التفرقة المبنية على أي تصنيف كان في بناء الإنسان والحضارات. فلا التعليم ولا التوعية ولا التجربة كانت جديرة بتغيير فكرة التفرقة العنصرية بين الجميع. فلو وجدت فئة تقدمت وتجاوزت هذه الأفكار الرجعية – بالنسبة لبعض الأشخاص على الأقل – نجد فئات لا زالت تنظر نحو الأمور من نفس الزاوية، على الرغم من أنَّ التجارب التاريخية بما فيها من خلافات أثبتت أن الاتحاد قوة والتفرقة دائماً ما تكون مؤدية للصراعات والحروب ما هي إلا عنصرا مدمرا للحضارات ويعيدها خطوات إلى الوراء. فالتسامح الفكري يقود إلى التسامح الفعلي الذي بدوره يخلق بيئة تعزز التعايش واحترام الفئات الأخرى بمختلف تصنيفاتها. إنَّ التسامح كقيمة يبدأ من الفكر المنغرس في الأفراد إلا أنَّ أهميته تمتد على مستوى بناء الحضارات فالحضارات ما ازدهرت إلا من خلال القيم التي يقدرها الفرد ويلتزم بها. وتغرس هذه القيم منذ الصغر وتكون حاضرة في أبسط الأنشطة اليومية.

فالشعوب الذكية التي تخطط لتحقيق هدف ما نجدها تعمل عليها باستمرار وعلى كيفية الاقتراب من الهدف عبر الممارسات اليومية لجميع الأفراد. وقد يكون ذلك بشكل مباشر كتلقين الأجيال الناشئة ليكبروا وتكبر الفكرة والهدف معهم أو بإدخالها كهدف تساهم المؤسسات بالاقتراب منه خطوة بعد خطوة عبر أفرادها الواعين بالهدف الأكبر والمراد تحقيقه. ولو جئنا نعيد النظر في هذه القيم الثلاث – حفظ الكرامة الإنسانية، العدل والمساواة، والتسامح – نجدها مكملة لبعضها البعض بل تتداخل طرق تحقيق أي منها في الأخرى فالكرامة الإنسانية لا يمكن حفظها في بيئة عنصرية تفرق بين الأشخاص. كذلك يصعب إيجاد أفراد متسامحين وتحديداً إذا نشأوا على الأفكار العنصرية. لا يمكن تحقيق المساواة والعدل إذا لم تكن كرامة الإنسان محفوظة من الأساس لأنها تصبح بلا قيمة آنذاك، وأي تسامح يصبح قابلاً للتنفيذ في بيئة لا يعامل فيها الأفراد بطريقة متساوية. فالقيم السامية غالبا ما تكون مرتبطة ببعضها البعض لأنها من الأساس وجدت للتطبيق من أجل حياة بشرية سليمة قابلة لإحقاق الهدف الأكبر ألا وهو إعمار الأرض. والالتزام بهذه القيم أمر لا هوان فيه بغض النظر عن ظروف الزمان والمكان. فالإسلام كشريعة راعى الظروف التي يصعب فيها اتباع بعض القيم الإنسانية، كمجابهة العدو مثلا، حيث يصعب فيها تطبيق القيم الإنسانية في المعاملة.

مع ذلك وجدت قيم وأحكام دقيقة لم يبح الإسلام التنازل عنها حتى في الظروف الصعبة. في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان تطبيق ذلك يعود بالنفع والفائدة على المسلمين في جذب أعدائهم نحوهم مما ساهم في زيادة أعداد المنظمين إلى صفوف المسلمين بسبب تعاملهم مع أعدائهم وعدم الإساءة إليهم بمثل ما أسيء لهم. وحتى الآية تشير إلى ذلك في قوله تعالى (ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك). فلا التاريخ ولا الشرائع تشير إلى أمم قامت بلا قيم.

أخبار ذات صلة