القوانين الدولية والخير العام

   ناصر الحارثي

يستعرض الدكتور أبو الوفا الباحث في القانون الدولي من خلال مقاله بعنوان "مسألة الخير العام في فكر وعمل مؤسسات المجتمع الدولي"، قضية أساسية في حقوق الإنسان في أطرها المحلية والدولية، وذلك من خلال مُناقشة أهم القوانين والمؤسسات الدولية في أربعة مواضيع أساسية وهي مجال الحق في الغذاء، ومجال محاربة الفقر والقضاء عليه، ومجال مواجهة الكوارث العالمية، ومجال الضمان الاجتماعي، ومن ثم ربط هذه المجالات الأربعة بمسألة الخير العام في فكر وعمل المؤسسات الإسلامية، ومن ثم تحدث عن إشكاليات القانون الدولي وعلاقته بالقانون والسيادة الداخلية للدول.

 إن تطور القانون الدولي وتجاوزه مرحلة العلاقات بين الدول كأنظمة مستقلة إلى قانون يتدخل في أنشطة ومؤسسات المجتمع الدولي كأنظمة متداخلة هو أحد أهم المواضيع الشائكة والمثيرة للارتياب عند عدد من القانونيين والسياسيين، لأنه يفتح المجال أمام قضية هامة وهو هل القانون الدولي أسمى وأعلى من القانون الداخلي أم أن القانون الداخلي له العلوية والأولوية، ومن هنا نجد وجود مذهبين: المذهب الأول هو المذهب الذي ينادي بازدواجية القانون واستقلالية كل قانون عن الآخر، في حين ينادي المذهب الآخر بوحدة القانون. وقبل أن نناقش تفاصيل وحجج كل طرف، سنتعرض أهم جهود وتشريعات القوانين الدولية في أربعة مجالات أساسية والتي تعتبر من أهم أسس تحقيق الخير العام للبشرية.

  • مجال الحق في الغذاء

اهتمت العديد من المؤسسات الدولية بقانون "كفالة الحق في الغذاء" مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة حقوق الإنسان ولجنة حقوق الطفل.

  • مجال محاربة الفقر والقضاء عليه

من ضمن أهم أنشطة مؤسسات المجتمع الدولي القضاء على الفقر وهو ما يندرج تحت حقوق الإنسان والتي تشمل (الحق في الغذاء، والتعليم، والمسكن، والعمل، وخصوصية الحياة الخاصة، والحقوق السياسية والحريات السياسية، وغيرها)، لذلك صدرت العديد من القوانين لتحقيق الخير العام ومحاربة الفقر مثل إعلان الأمم المتحدة حول " التنمية والقضاء على الفقر" والذي تضمن جملة من البنود من أهمها اعتماد سياسة تسمح بوصول جميع صادرات أقل البلدان نموا إلى أسواق الدول المتقدمة دون فرض رسوم أو حصص عليها، وكذلك تنفيذ برامج معززة لتخفيف ديون الدول الفقيرة المثقلة بالديون، ومنح مساعدة إنمائية أكثر سخاء للدول الفقيرة.

  • مجال مواجهة الكوارث الطبيعية

إن منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة أطباء حول العالم وغيرها من المنظمات الدولية تهدف إلى إنقاذ حياة البشر من الكوارث الطبيعية، وكذلك تقرير الأمم المتحدة حول "الجهود الدولية المبذولة لتلبية الاحتياجات الإنسانية في حالات الطوارئ" واعتبارها عقد التسعينات عقدا لمحاربة الكوارث الطبيعية، ولقد أشار الكاتب إلى وجود مؤسسات على المستوى الدولي وكذلك على المستوى الأفريقي والعربي تعنى بإدارة الكوارث وسبل التخلص والمواجهة السريعة لآثارها.

 

 

  • مجال الضمان الاجتماعي

تعتبر قضية الضمان الاجتماعي إحدى أهم القضايا الدولية المعاصرة على الصعيدين المحلي والعالمي، حيث يهدف الضمان الاجتماعي إلى تأمين الشخص ضد أخطار العجز والمرض والشيخوخة من خلال توفير احتياجاته الضرورية هو والأفراد الذين يقوم بإعالتهم، ومن المؤسسات التي تسعى إلى تحقيق الضمان الاجتماعي مجلس أوروبا وكذلك الوثيقة العربية الاسترشادية للضمان الاجتماعي، ولقد عمل مجلس أوروبا على تحسين الوضع الاجتماعي للعمال المهاجرين والنساء العاملات والأطفال ذوي الإعاقة، في حين شملت الوثيقة العربية على منافع الضمان الاجتماعي النقدية والعينية مع الإرشاد حول سبل تطبيقها دون الإلزام.

وتأتي هذه المجالات الأربع في رأي الكاتب متناسقة تمامًا مع مبدأ الخير العام في فكر وعمل المؤسسات الإسلامية من خلال الإرشاد إلى أهمية الإنفاق العام والنهج النبوي الذي يسعى إلى تحقيق الخير العام من خلال عدم قطع المؤونة عن الأعداء حتى في الحرب ووقت الحصار، وهو ما يجعل الفكر المحمدي سابقًا ومتقدماً على القوانين الدولية، كما أوضح الكاتب أنّ منع النبي محمد قطع المؤونة عن أهل قريش قبيل فتح مكة يأتي متناغما تماما مع البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 المضاف إلى اتفاقيات جنيف 1949 والذي ينص على أنه "لا يجوز تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، أو تدمير أو تعطيل المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة" وبذلك تكون السيرة النبوية سابقة بخصوص هذه القضية الحقوقية والتي تندرج تحت الخير العام.

حاول الكاتب من خلال استعراض هذه الجوانب الحقوقية في القوانين الدولية إيصال رسالة وهي أهمية المعرفة الدقيقة للقوانين الدولية وتناسبها مع القوانين والتشريعات العربية والإسلامية في حماية حقوق الإنسان لذلك علينا الإطلاع عليها ودراستها للتمكن من انتزاع الحقوق، ولكن في الآن ذاته علينا الحذر وعدم الاتكاء على هذه الحقوق لأنها لا تخدم الدول والمجتمعات الأضعف وذلك لوجود إشكاليات متعددة سواء في طرق تفعليها أو حتى في بنيتها، وهو ما يعني مناصرة الكاتب لرأي ازدواجية القانون الداخلي والدولي مستندًا على أسباب ومبررات وهي أن قوانين مؤسسات المجتمع الدولي تعمل في أطر محددة ينبغي عليها الالتزام بها وعدم تجاوزها، كما أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول يُهدد سيادتها وهو خارج الإطار التنظيمي لعمل المؤسسات الدولية خاصة وأن ميثاق الأمم المتحدة ينص على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما " وثانيا أن هناك إشكالات في القانون الدولي والذي تأتي تشريعاته عادة متزامنة مع اعتبارات سياسية، فكيف يكون حكمًا لقضايا داخلية سياسية؟! ويأتي دفاع الكاتب عن النظرية الكلاسيكية حول استقلالية القانون الداخلي مع مبررات أخرى يستند إليها أصحاب هذا المذهب القانوني والمتمثلة في تباين أشخاص القانونين فأشخاص القانون الداخلي هم أفراد المجتمع، أما القانون الدولي فالمنظمات والدول، وكذلك فإنَّ القانون الدولي ينظم علاقات الدول في السلم والحرب بينما القانون الداخلي يركز على العلاقات بين أفراد الدولة الواحدة وكذلك فإن القانون الداخلي يتسم بالإلزامية والصلابة لوجود السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية في حين يفتقد القانون الدولي لهذه السلطات، والقانون الدولي يحاكم دول ذات سيادة قانونية وذاتية على نفسها وهذا ما لا ينطبق على الأفراد؛ لذلك استحالة قيام التنازع بين القانونين المحلي والدولي، وكذلك اضطرار القانون الدولي إلى الإحالة للقانون الداخلي لفهم طبيعة التنازع، في حين أن رد أتباع مذهب وحدة القانون يتمثل في أن القانون الدولي مشتق أساسا من القانون الداخلي فلا يوجد تباين بينهما، وكذلك لا يوجد اختلاف وتباين بين أصل القاعدة القانونية وطريقة تطبيقها فكلاهما يرجعان في النهاية لأصل واحد وهو الحق الإنساني واختلاف طريقة التعبير لا يغير أصل القانون، وكذلك لا يوجد اختلاف في بناء القانون لأن الأمم المتحدة صارت تتمتع بالسلطات الثلاث وهي التشريعية (الجمعية العامة) والتنفيذية (مجلس الأمن) والقضائية(محكمة العدل الدولية).

أخبار ذات صلة