تأليف: فديريك اميليتتا و بيترتو باولو رامبينو
عرض: فاتنة نوفل
شهد التمويل الإسلامي لحظات عظيمة بسبب وفرة رأس المال المتاح في هذا السوق؛ ليصبح التمويل الإسلامي موضوع اهتمام على نحو متزايد في عالم سوق رأس المال الغربي بسبب وجود مؤسسات الائتمان التي تطبق قوانين الشريعة الإسلامية في هذا السوق من ناحية، ولوجود المستثمرين من القطاعين العام والخاص الذين يعتزمون الاستثمار في الأوراق المالية التي تحترم الشريعة الإسلامية من ناحية أخرى ما يمنح بعض الدول العربية زخماً أكبر لهذا النوع من الاستثمار وقد استفادت من ذلك بلدان غربية كثيرة. فبدءا من الأزمة الناجمة عن إفلاس بنك ليمان براذرز منذ ما يقارب ال 10سنوات وبالنظر إلى كل مرحلة من مراحل السوق التي تتسم بالتقلب وعدم اليقين وبعد اختفاء الأساسيات التي تقوم عليها استراتيجيات الاستثمار التقليدية، تساءل المحللون والمديرون عن كيفية البحث عن العائد والتنوع في الأسواق و إيجاد منتجات "بديلة" بطرق مختلفة.
هذا الكتاب يركز على التمويل الإسلامي، أو بالأحرى على مجموعة المنتجات والخدمات الحلال التي تعترف بها الشريعة مثل الصكوك التقليدية، والمرابحة، والتوريق والإجارة وغيرها، وطرق تطبيقها في البلدان الغربية.من الممكن تحديد أربعة نماذج تنظيمية للبلدان التي يوجد فيها نظامان قانونيان مختلفان (القانون المصرفي التقليدي والذي غالبًا ما يكون مشتقًا من الأنجلوساكسون والقانون المصرفي الإسلامي) كالحال في الأردن، والإمارات العربية المتحدة واليمن. البلدان التي تخضع فيها المصارف الإسلامية لقواعد خاصة مكرسة لها، بموجب قانون مصرفي واحد مثل اندونيسيا، والكويت، وماليزيا، وقطر، وتركيا. الدول التي تطبق على البنوك الإسلامية نفس القواعد المطبقة على البنوك التقليدية، على سبيل المثال المملكة العربية السعودية ومصر وفي الغرب المملكة المتحدة. وأخيرًا، هناك دولا مثل إيران والسودان مقتصرة على المناطق الشمالية تخضع فيها أنظمتها المالية بالكامل للشريعة. لقد تم إنشاء أول بنك إسلامي عام 1961 (بنك ميت غمر) في مصر، متخصص في تمويل القطاع الزراعي والحرفي. كما أجريت تجارب مماثلة في الجزائر وماليزيا. أول بنك إسلامي خاص تأسس في دبي (الإمارات العربية المتحدة) في عام 1975. ثم صناديق الثروة السيادية في البلدان الإسلامية التي تطبق أو تحاول ألا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وهنا يجدر القول إنه حتى في الدول العربية، كان التمويل الإسلامي يعيش منذ فترة مع أشكال وأدوات مالية خاصة بالعالم الغربي وأن النظم القانونية الإسلامية المعاصرة هي نتيجة تطور عملية التدوين والتشريع التي حدثت منذ منتصف القرن التاسع عشر في العهد الاستعماري وتتميز بمستويات مختلفة من التكامل بين الأشكال القانونية الإسلامية (الشريعة) وحق الدولة المنبثقة (القانون) والتي هي مستوحاة في الغالب من النماذج القانونية الأوروبية.
لذلك، تدرس بعض الدول الغربية معالجة بعض القضايا للتعامل مع الصعوبات التنظيمية والمالية الناتجة عن إدخال أدوات قانونية محددة في نظام سوق رأس المال. على سبيل المثال في فرنسا في 4 آب 2010، أصدرت وزارة الاقتصاد والمالية تعليمات مخصصة مؤهلة بموجب الملف القانوني والضريبي لأربعة صكوك (المرابحة، والتوارق، والصكوك، والاستصناع، والإجارة) فيما يتعلق بالمستثمرين. وفي المملكة المتحدة كانت هناك لوائح وتوضيحات تتعلق بالتمويل الإسلامي: وهناك أيضًا عقود مرابحة تؤخذ كمرجع في سوق لندن.
في إيطاليا، بدأت المؤسسات في معالجة المشكلة بقصد اقتراح تغييرات على التشريعات المصرفية لأن التمويل الإسلامي يطرح معضلات في تأهيل العقود والأوراق المالية من ناحية القانون المدني والضرائب؛ حيث تحظر الشريعة أي نشاط مالي يؤدي إلى الفائدة (الربا): وهذا يعني أن المسلمين (المستثمرين) الذين يعتزمون التكيف مع الشريعة لا يمكنهم تلقي أو دفع الفائدة لكن هذا لا يعني عدم السعي إلى جني الأرباح عند توظيف رأس المال؛ لكنه يجب أن يأتي من خلال مخاطرة ليست مالية بحتة ولكن مرتبطة بمشروع اقتصادي بينما في النظام الرأسمالي الغربي يمثل الممولون ورجال الأعمال فئتين مختلفتين، وتوجد في إيطاليا قوانين بنكية تحظر الخلط بينهما وهذا لا يحدث في التمويل الإسلامي لاعتبار قيمة المال فقط للتبادل. وبالتالي، فإن التمويل الإسلامي في جوهره هو إعادة تمويل للأصول مع احترام للمحظورات التي يجب مراعاتها وهي: عدم اليقين المفرط في الاستثمارات الرأسمالية؛ وعدم الاستثمار في القطاعات غير الأخلاقية مثل الكحول؛ وفرض حظر على الألعاب والرهان (القمار).
من هنا يجب ملاحظة خصوصيات النظم القانونية العربية وتطور البنوك الإسلامية التي هي مؤسسات ائتمانية لديها قواعدها الأساسية الخاصة، وتسعى لتحقيق أغراض جني الأرباح بالقيام بأنشطة مالية دون تطبيق فوائد على القروض، وتعمل على أساس مبدأ تقاسم المخاطر للمعاملات المالية لعملائها بما يسمى مشاركة الأرباح والخسائر وأشكال التمويل غير التشاركي أو ما يسمى بالتجارة أو التشاركية بشكل غير مباشر. كل من هذه التقنيات مقبولة وتؤدي إلى إصدار صكوك قانونية معينة.
إن العقود التي تعتبرها العقيدة الإسلامية تتماشى بشكل صارم مع إملاءات الشريعة الإسلامية هي عقود المشاركة بشكل مباشر في المضاربة والتشارك. في عقد المضاربة، يقوم المقرض (صاحب المال: البنك أو العميل) بإقراض المال للطرف الطالب (المضارب: صاحب المشروع أو بنك آخر في حالة التمويل غير المباشر) والذي يتعهد بإدارة المبلغ المستلم من أجل تحقيق ربح يتم توزيعه بين الأطراف على أساس النسبة المئوية المحددة حسب العقد كحصة من إجمالي الأرباح (ليس كمبلغ محدد سلفًا كما هو الحال مع الفائدة).
يمكن أيضًا استخدام نظام التشارك للتمويل غير المباشر: يمكن لأولئك الذين حصلوا على رأس المال كوكيل أو وسيط أن يقوم بدوره في إبرام عقد المضاربة مع طرف ثالث باستخدام المبالغ المستلمة للأنشطة الإنتاجية (المضاربة المزدوجة) وفقًا للقانون الإيطالي من هذه العملية (الذي يعتبر أن هذه العمليات عادة ما يحكمها القانون الإنجليزي) وبالتالي هناك أوجه تشابه قوية مع أحكام المادة رقم 2542 للأحوال المدنية في إيطاليا وعلى وجه الخصوص الأدوات المستخدمة في عقد المضاربة فإن أولئك الذين يتلقون الأموال هم وحدهم المسؤولون عن المشروع. ويتحمل الطرف الذي يحصل على المال المخاطر المالية الكاملة لأي خسائر.
وبموجب هذا العقد، يمكن إصدار وثائق تمثل عملية المضاربة. تمثل هذه الوثائق مساهمة رأس المال لشركة معينة دون صلاحيات الإدارة والرقابة.
هناك نوعان رئيسان من عقود التشارك: التشارك بالملكية وهي شراكة تقوم على الملكية المشتركة للسلعة، والتشارك بالعقود والذي يقوم على عقد بطبيعة المشاركة. بموجب عقد التشارك، يوافق البنك والعميل (طرفان أو أكثر) على حصص رأس المال (الخدمات أو العمل) التي يعطيها كل منهم للمشروع لتقوم هذه الأطراف بالمشاركة في تنفيذ وإدارة المشروع؛ يتم تقسيم الأرباح على النحو المتفق عليه في العقد حيث يتم توزيع الخسائر بما يتناسب مع رأس المال، الخدمات والعمل. وبالتالي فإن العقد ساري المفعول عندما يمكن لجميع الأطراف المعنية الدخول بشكل صحيح في العقد وتوقيع الاتفاقية دون عوائق أو قيود. يمكن وجود اختلافات بين نوعي العقود في طرق تمويل الاستثمار: في المضاربة يسهم البنك بالكامل برأس المال، بينما في التشارك يشارك كل من البنك ورجل الأعمال مالياً في المشروع؛ في إدارة الأمر نفسه، في الحالة الأولى تقع المسؤولية الحصرية على المضارب، في حين يتم تقاسمها في الحالة الثانية؛ وفي ملكية الأصول المشتراة من خلال الاستثمار في المضاربة، تبقى الملكية للبنك، في حين أنها ملكية مشتركة في التشارك. لذلك، في حالة وجود عقد شراكة في المشاركة يحكمه القانون الإيطالي يمكن اعتبار العملية مؤهلة أيضًا بموجب القانون الإسلامي.
مع مرور الوقت و ظهور متطلبات جديدة تم تطوير العديد من المتغيرات لهذا العقد والتي لها نفس القدر من الطابع التجاري. على سبيل المثال، هناك أشكال من "السيولة" يتم تعريفها على أنها عملية التورق التي يتم استخدامها عن طريق بيع وشراء المعادن الثمينة. الفئة الرئيسية الأخرى من العقود غير الثابتة هي الغير قائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر كعقود الإيجار أو التأجير. في الشريعة الإسلامية، يكون عقد الإيجار معادلاً لنقل الحق في التمتع بالأصل بمقابل محدد يتم تحديده في وقت العقد ويتم احتسابه على أساس الاستخدام الذي ينوي رجل الأعمال الاستفادة منه. يجب أن ينص العقد على الاستخدام الفعال للأصل المؤجر، والذي يجب أن يكون المستخدم قادراً على الاستفادة منه. تظل ملكية الأصل المؤجر للمستثمر الذي يتحمل المخاطر ذات الصلة طوال مدة العقد؛ وبالتالي فإن أوجه التشابه مع عقود التأجير على النمط الغربي واضحة. يمكن تأمين أساليب التمويل هذه في وثائق كعقود الإجارة ذات السعر الثابت أو المتغير.
بالإضافة إلى التقنيات القائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر وأشكال التمويل غير التشاركية، يوفر القانون الإسلامي أشكالًا من القروض المجانية (القرض الحسن) مخصصة للأفراد أو الشركات التي تواجه صعوبات مالية، والتي تخدم الأغراض الخيرية. لذلك ليس هناك فوائد للدفع. هذا شكل من أشكال المساعدة المالية التي يصعب بلا شك تصديرها إلى الغرب.
أخيرًا، يتم إكمال نطاق العقود المؤهلة من خلال عقود الكفالة، والأمانة، والوكالة والتي تتألف من تقديم خدمات الضمان والحضانة والوكالة والخدمات الاستشارية.
الرأي السائد بين الفقهاء الإسلاميين هو أن استخدام أشكال التمويل غير القائمة على المشاركة يجب أن يكون فقط استثناءً للقاعدة، وذلك بسبب عدم اليقين في الحدود التي تفصل التقنيات القائمة على الفائدة عن التقنيات القائمة على التجارة، وكلاهما يعتمد على العائد المحدد سلفا. ومع ذلك، تشير العديد من الدراسات إلى أنه على عكس توجهات مدارس الشريعة الإسلامية الرئيسية، فإن التقنيات الغير قائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر تستوعب غالبية حصة ميزانية المؤسسات المالية الإسلامية وتمثل القروض القائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر في المتوسط حصة تتراوح بين 20 و30 % من الأصول المصرفية.
يمكن عزو انخفاض معدل حدوث التقنيات القائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر لثلاثة أسباب رئيسية: إن بعض عمليات التمويل لا تصلح بطبيعتها لتطبيق مبدأ تقاسم الأرباح؛ وفي بعض السياقات (البلدان القطاعات) قد يكون هناك تباين في المعلومات وخطر المشاكل الأخلاقية سبب في تثبيط استخدام التقنيات القائمة على الشراكة؛ القوى التنافسية يمكن أن تدفع البنوك الإسلامية إلى مواءمة شروط عروضها مع شروط البنوك القائمة على الفائدة، خاصة عندما يتعايش النموذجان في نفس الترتيب في الدولة.
بشكل عام، تجدر الإشارة إلى أن إنشاء الأدوات التي سيتم إدخالها في عالم سوق رأس المال يجب أن يبدأ بالضرورة من الصيغ التعاقدية المذكورة أعلاه. لذلك ينبغي تحليل أهلية الاستثمارات في الأدوات المالية الغربية القياسية، بمعنى آخر، يجب مقارنة أشكال الاستثمار المتاحة في العالم الغربي بما هو مقبول في الشريعة الإسلامية.
-----------------------------------------
العنوان: أدوات التمويل الإسلامي في دعم النظام الإيطالي
المؤلف:فديريكاميليتتاو بيترتو باولو رامبينو
دار النشر:بيارسونللنشر
بلد الإصدار:ايطاليا
لغة الكتاب:الإيطالية
تاريخ الاصدار:أيار2018
عدد الصفحات:89
