كلمات تموج

Picture1.png

تأليف: سونيل بي إلاييدام

عرض: فيلابوراتو عبد الكبير

هذه دراسة يحاول من خلالها الكاتب في التيار اليساري في كيرالا أن يثبت صلاحية النظرية الماركسية ونفوذها الفعال في جميع مناحي الحياة الإنسانية وقدرة تفاعلها مع النظريات الأخرى. يشرح كيف أن هذه النظرية حتى بعد مضي قرنين من ولادتها تتفاعل مع النظريات الجديدة والحركات الاجتماعية المختلفة فكرة وتطبيقا. يُقسَم الكتاب إلى قسمين. وفي الفصل الأول من القسم الأول يأخذنا الكاتب إلى العالم الفكري لـ كارل ماركس والميزات الباصمة لنظرياته. بعد موضوع مؤلفات ماركس تأتي العناوين التالية: كارل ماركس وأمبيدكار: الحوارات وتبادل الأفكار، الطبقات والصراع الطبقي: أبعاد تاريخها التطبيقية، سيرة الرأسمال التاريخية، اللغة وأبعادها الاجتماعية التاريخية، إعادة أفكار عن الجماهير.والقسم الثاني مذكرات عن حياة شخصيات أنجبوا في مجال الفكر الماركسي والثورة الشيوعية أمثال كيه. دامودران أحد رواد الفكر الماركسي في كيرالا، و وتشي جيفارا النجمة الحمراء في ثورة كيوبا، وجون برجر أحد أبرز النقاد الفنيين وكاتب السيناريو، وتيري ايجيلتون أحد المفكرين الشيوعيين المعاصرينوهنتريليفيفر(Lefebvre ) الفيلسوف الماركسي والعالم الاجتماعي الفرنسي الذي توفي عام 1991. والكتاب عموما يُعد من الدراسات الجادة عن اتجاهات الفكر الماركسي المعاصرة، يتناول المواضيعبأسلوب تحليلي متميز ولكن من منظور مُنظِّر واثق النفس في صلاحية النظرية الماركسية في كل مكان وزمان وبالتالي يَعقُد أماله على مستقبلها في الهند.

وهذا كتاب ثاني للمؤلف حول التيار الفكري الماركسي. وفي عام 2014 قد نُشِر له كتاب تحت عنوان "استدراكات الفكر الماركسي وانتقادات الحداثة" حيث تَعرّض لانتقادات البعض كما نال إطراءات البعض. حاول فيه الكاتب رئيسيا أن يعالج موضوع الحداثة نتيجة من نتائج النظام الرأسمالي لكي يقدِّم الماركسية أداة مفيدة لانتقادها. انتقد هذا النهج بعضُ الماركسيين بوصفهم إياه محاولة باطلة لربط ما بعد الحداثة بالماركسية بين ما انتقده أصحاب ما بعد الحداثة بأنه محاولة ماكرة لإقحام الماركسية إلى أفكار ما بعد الحداثة. وكان هناك أيضا من رفضوا الكتاب إطلاقا مشيرين إلى أن تصور ما بعد الحداثة الرأسمالية ذاته ناتج من الجهالة عن الحقائق الأساسية. ولكن الكاتب مستندا إلى قول المفكر الماركسي المصري سمير أمين يتشبث بأن تصور "الحداثة الرأسمالية" الأساسي ليس مما يجب أن يُرفَض بتاتا، لأن الحداثة إنما استقوت نشأةً وتطورا بارتباطها العميق بالنظام الرأسمالي المعولم.فعلينا أن نعتبر أشكال الحداثة والدموقراطية والليبراليةالقائمة مرتبطة بتطور النظام الرأسمالي بتزامنهابتاريخ الرأسمالية وبعلاقتها الخاصة بالنظام الإنتاجي الجديد.ويقول المؤلف إنه يعتقد أن هناك حدودا في مقاربة الحداثة باعتبارها غير رأسماليةوبتجريدها من ظروفها العالمية الواقعية. وهذا هو المنهج الذي يتبعه في جميع المقالات في هذه المجموعة ظاهرة وباطنة. وتوجد فيها مقالات طويلة تتجاوز سبعا وثمانين صفحة كما توجد مقالات تقتصر في أربع وخمس صفحة، كانت مكتوبة في عدة مجلات صادرة في كيرالا في مناسبات مختلفة ولكن المؤلف لم يهتم بتحريرها وغربلتها جيدا حين جمعها في شكل كتابي، ولذلك نرى في بعض المقالات تكرارا يُمِلّ القارئ.

يحاول الكاتب تحليل المواضيع المذكورةفي ضوء تاريخ الفكر الماركسي الطويل وتطبيقاته السياسية. الفصل الأول يدور حول حياة كارل ماركس مفكرا ومؤلفا بعنوان "كلمات تموج"، إنما يعني المؤلف بالكلمات هي كلمات ماركس ذاتها، ويعتقد أن كلمات ماركس لا تزال ترن في آذان الزمان دون أن تفوت قيمتها أبدا. لا يقلقه انهيار قلعةالنظرية الماركسية على النطاق العالمي في القرن الماضي ولا خمول الحزب الشيوعي في الهند. ويؤكد أنه ليس مقبولا لديه مزاعم بعض المحللين الذين يرون من الواجب أن يُفَرّق الفكر الماركسي عن علائقه الماضوية مثل نظريته المادية الجدلية وتصوره الخاصبحركات العمال العالميةلتمرير الروح الانتقادية على الماركسية، وكذلك وهو غير مستعد أن يأخذ بجدية الفكرة التي تعتبر الماركسية حلقة من حلقات تاريخ الفكر الغربي الذي انتهى دوره حيث يجبإيجاد عناصر وأدوات من أفكار جديدة تُطبَّق في الوقت الحاضر. ويقول إن هذا النضال "المقدس" لتحرير الماركسية عن الحركات الماركسية وتطبيقاتها السياسية، كما أشار إليه بيري آنديرسان(Perry Anderson) في كتابه Considerations of Western Marxism،ليس إلا محاولة لربط الماركسيةبحضيرة البرجوازية التي لا تساعد على توثيق الأواصر بين النظرية الماركسية ونضال طبقات العمال الكادحة. إن مواقف الماركسية الغربية هذه في نظره بالرغم عن تقديرهنحو مساهماتها في مجال الفكر لا يستطيع تقييمها إلّا على أشكال محاولات جرت في الأزمنة اللاحقة لتغيير مسار الماركسية إطلاقا عن توجهاتها السياسية والاقتصادية التي تحتوي أفكار كارل ماركس. وفي الوقت ذاته يعترف بأنه لا يعتقد أن أشكال الماركسية المعاصرة جميعهانتيجة محاولات يقوم بها مفكرو ما بعد الماركسية لرفض الماركسية بتاتابجعلها نظرية بحتة.ويقول وهو ينقل المفكر اليساري اليوغوسلافي سيسيك إن اي محاولة عقلانية ملتزمة بالنطرية الماركسية يجب أن تكون مبنية على ثلاثة أصول من مصالح أساسية. أولها النقد ضد الرأسمالية واستيلائِها على مناحي الحياة المختلفة، وثانيها الصراع الطبقي، وثالثها نضالات الشعوب المختلفة وتنظيمهم السياسي لتحقيق مصالحهم في حياتهم اليومية. يرى أن البحوث العقلانية التي تتصف بالتظاهر العلمي والتي تبتعد عن النضالات الجماهيرية بالنظرإليها بازدراء لا تُنصِف الماركسية. ويشير إلى أن أفكار ما بعد الماركسية لا تُشارِك بجدية هذهالمصالح المذكورة وخاصة الموضوعين الأولين. لا يُصِرّ المؤلف على أن تكون جميع البحوث عن الماركسية هكذا. يعترف بأن جميع الأفكار غير الماركسية وحتىالأفكار التي تُعادي الماركسية أيضا جزء من تراث أفكار النسل الإنساني. ولكنه يعتقد أن الإصرار بأنها هي التصور الماركسي الإبداعي المعاصر لاتُنصِف الماركسية ولوكان ذلك باسم التطبيق العملي الانتقادي (Praxi) للماركسية.ولذلك قام بإعداد هذه الدراسة راسخا قدميه داخل تاريخ الأفكار الماركسية وتطبيقاتها العملية السياسية الطويلة ومتبعا لها؛ فنرى فيها منقولات كثيرة من المفكرين الماركسيين القدامى.ويعترف بأن الفكر في هذه المجموعة ليس أفكارا أصلية، ويُرحِّببالنقد الذي قد يُطرح على محتويات هذا الكتاب بأنها مجموعة أفكار منقولة كما ورد على بعض كتبه السابقة. فالكتاب محاولة للتعبير عن مفهومات من تلقاء نفسه معتمدا إلى حد كبير على العلوم الماركسية والنصوص الماركسية المكتوبة في السابقمنقولا منها كثيرا ومضيفا إليها جديدا من الأفكار ومتفاعلا معها إيجابيا. فإذًا يمكن أن يُقال إن الكتاب عموما حلقة إضافية إلى تاريخ العلوم الماركسية.

وفي الحقيقة إن أفكار ماركس يوجد فيها ما يؤخذ وما يرفض حسب المتحولات من الظروف. فمثلا المُنَظِّر الماركسي السابق في فرنسا رجاء غارودي رغم اعتناقه الاسلام في أواخر حياته كان يتمسك بالتفسير المادي للتاريخ لكارل ماركس بينما يرفض رؤاه حول الديانات السماوية. هناك دارسون مثل المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي الذي قام بتحليل أفكار كارل ماركس بدون انحياز، وكتابه "الماركسية والمغالطات الأخرى الغربية" خير نموذج لذلك، نجده فيه يعترف بإنجازات حققها ماركس في مجال الفكر واصلاح المجتمع بينما يشير إلى عيوب نظريته الأساسية. كان شريعتي أيضا من ألد أعداء الرأسمالية حيث يقول إنها مقيتة يجب إزالتها، لأنها ضد الإنسان وتُدمِّر جوهره وتجعل من القيم كلها أرباحاوتُبدِّل الفطرة إلى مال كما تُبدِّل الإنسان الذي يجب أن يكون خليفة الله في الأرض إلى ذئب مفترس أو ثعلب ماكر أو جرذ يعبد بريق المال، وتجعل الأكثرية قطيع غنم يرعى ممرغا وجهه في التراب وهو ينظر من يقص له صوفه ويحلب لبنه ويسلخ جلده وبالتالي يبيع عمله الذي هو أحد تجليات روح الإله في الإنسان ليقبض من ورائه الأجر المادي، وبالتالي يتبدل هدف فلسفة الحياة المبنية على الوعي والكمال من عبادة الله إلى عبادة الاستهلاك التي هي فلسفة حياة الخنزير. يعتقد شريعتي أن الاشتراكية تحرر الإنسان من مستنقع البرجوازية وتستأصل الروح النفعية والمادية وتخلق مجتمعا حرا. ولكن إنْ تُوضعْ في إطار الماركسية فإنها تعجز عن القيام بكل هذه المهام، لأن ماركس يَعدّ الاقتصاد أصلا علميا كليا للإنسان، ويقول شريعتي لهذا السبب نفسه نرفض الرأسمالية ونمقت الإنسان البرجوازي. الماركسية تَعُدُّ الإنسان والإيمان والفكر والقيم الأخلاقية كلها من نتاج الاقتصاد.

 يوجد في الماركسيين المعاصرين من يفكر أن النظرية الماركسية يجب تفسيرها من جديد حسب الظروف والزمن كما يجب تطبيقها عمليا (Praxi) بناء على ما يتم من هذا التجديد. وعلى هذه الخلفية كتب رايموند فيليام أن هناك اشتراكيات مختلفة كما الشعوب المختلفة. قائد المنبوذين وباني الدستور الهندي أمبيدكار وقائد الحزب الاشتراكي في الهند رام مانوهار لوهيا قد فكرا أنه يمكن بناء المجتمع في الهند على أصول العدل والمساواة عن طريق النضال ضد نظام الطبقات الاجتماعية الموجودة كما انتهجت الماركسية طريقا مختلفا عن طريق الثورة المسلحة التي جرت في روسيا حيث تماهت مع التحرير اللاهوتي في أمريكا اللاتينية ومع وطنية نظام القبائل في القارة الأفريقية. ولكن كما اعترف سي. أتشوتا مينون الراحل أحد قيادي الحزب الشيوعي في كيرالا أن الشيوعيين في الهند الذين اتبعوا أصول الماركسية لم يعر أي اهتمام بهذه الحقيقة. ولقد تساءل لوهيا المفكر الاشتراكي الهندي في نظرية كارل ماركس حول تطور الرأسمالية. أشار لوهيا إلى أن نمو الرأسمال لم يكن مبنيا على استغلال الطبقة البروليتارية وحدهبل كان أيضا على استغلال القوى الرأسمالية الموارد في البلدان الآسيوية والأفريقية. اعتقد لوهيا أن بالإمكان بناء مدنية جديدة من خلال ثورة السود على البيض بدون انتظار اكتمال نمو الرأسمال. وهذه الرؤية التي قدمها لوهيا كانت رؤية بديلة من رؤية التحرير الماركسي المتمركزة الأوربية.

كان الحزب الشيوعي الهندي أكبرَ حزب سياسي معارض بعدد أعضائه في البرلمان الهندي بُعيدَ استقلال البلاد. كانت له قواعد جماهيرية في البنغال الغربي وتريبوراوولايات آندهرا وبيهار وتاميل نادو. كان في سنوات عديدة الحزبَ الحاكم في البنغال وتريبورا باستمرار كما حكم ولاية كيرالا غير مرة، وأما الآن قد خسر البنغال وتريبورا وتقلصت قوته بحيث انحصر بسط حكومته في كيرالا فقط. فما هي الأسباب وراء هذا الخسوف؟ إنه من الحقيقة الُمُسلّمَة أن الحزب كان منذ بدايته ملتبسا في تقييم طبيعة الطبقة الحاكمة والطبقة البرجوازية في الهند.وفي حفلة انعقدت في شهر نوفمبر الماضي في كيرالا بمناسبة مئوية تشكيل الحزب الشيوعي الهندي اعترف سيتا رام ييتشوريسكريتير عام الحزب الشيوعي الماركسي بأن السبب وراء فشل حزبه في توصيل البلاد إلى النظام الاشتراكي هي الأخطاء التي حدثت من جانب الحزب في تطبيق أصول النظرية الماركسية اللينينية. يقول إن الحزب أخطأ في تقييم الظروف الواقعة فلم يستطع اتخاذ تاكتيكات واستراتيجيات وفقا لتحولات تلك الظروف. ولذلك لم يتمكن الحزب من تحقيق إنجازات حققتها الأحزاب الشيوعية في فيتنام وكوريا حسب قوله.

يقول آدم سميت إن دولة الرفاه إنما تأتي في حيز الوجود حين يُترك الشخص لبذل جهوده في جمع الأموال بغير قيود وشروط(Laisez fair) بينما يشير ماركس إلى أن العالم غير المستغَلّ إنما هو مجتمع المواطنين الدولي الذي يتشكل عند غياب الدولة ذاتها بعد انهيار الملكية الخاصة. ويجدر الذكر هنا أن هذا الجدل بين الرأسمالية والماركسية لا نجد في أي مكان فيه ذكر النظام الأخلاقي الذي يجب الإنسان الإلتزام به في جمع الموارد المادية ولا في معاملاته المالية. إن الموقف الأساسي الذي تُشارك فيه تلكما النظريتان إنما هو الرؤية العلمانية التي ترى أن موارد الطبيعة كلها للإنسان يمكنه اسخدامها كما يشاء وكيفما يشاء. ثم إن قول النظرية الماركسيةبأن تحول الناس فريقا مستغِلِّين وفريقا آخر مستغَلّين كان رد فعل الملكِية الخاصة الطبيعي ليس حقيقة َ تم تثبيتها تاريخيا. ويعترف الماركسيون ذاتهم اليوم بأن عالم كارل ماركس الذي يرفض الملكية الخاصة ليس إلاّ مجرد عالم طوبائي. إن الوجه الاستغلالي الخاص بالرأسمالية مرعب جدا لا شك فيه. ويؤكد هذا بحثا عن نظام اقتصادي جديد يحدد واجبات وحقوق الشخص والمجتممع على السواء.

-------------------------------------

اسم الكتاب: كلمات تموج،

المؤلف: سونيل بي إلاييدام

اللغة: مالايالام، عدد الصفحات: 318، الناشر: DC Book

كوتايام، كيرالا، الهند

 

أخبار ذات صلة