مريم العدوية
نشرت الباحثة التونسية مديحة عبد العزيز الجلاصي مقالا لها بعنوان: لمحة عن المساجد الأثرية في محافظة مسقط (سلطنة عمان)، حيثُ ناقشت موضوع دخول أهل عُمان للإسلام، وكما ذكر في كتب التاريخ الإسلامي، فإن عُمان كانت من البقاع التي حظيت بالتبكير في الدخول إلى الإسلام، حيثُ كان ذلك من خلال مازن بن غضوبه السعدي السمائلي في القرن 6 الميلادي، ولقد نال السعدي شرف لقيا الرسول (صل الله عليه وسلم) ومن ثم اجتهد هو والصحابة العُمانيون بنشر الإسلام في كافة أصقاع عُمان وإن استعصت عليهم العاصمة صحار آنذاك والتي كانت تحت حكم آل الجلندى.
وبعد وفاة رسول الله أرسل الخليفة أبوبكر الصديق في عام 629م الصحابي عمرو بن العاص لجمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها في عُمان، عوضا عن إرسالها لبيت مال المسلمين في المدينة. وبهذا ومع ازدهار الإسلام فقد بدأ أثره بالظهور على سائر مجالات الحياة السياسية والاجتماعية في عُمان، ولذا فمسجد (المضمار) الكائن في ولاية سمائل - مقر أول من أسلم من أهل عمان- كان أول مسجد بُني في عُمان، والباحث في شأنه اليوم يتبين بأنّ مقره ثابت لم يتغير رغم الاختلافات التي طرأت على هيكله على مرّ السنوات. وبعد هذا ازداد عدد المساجد في عُمان بصورة كبيرة، خاصة بعد دخول الإمامة المبكرة للإباضية الناتجة عن احتكاك قبائل الأزد العُمانية بإباضية البصرة إبّان الفتوحات الإسلامية الأولى.
ورغم أنّ المساجد أصبحت موجودة وبكثرة في كل حي ومكان في عُمان، إلا أنها لم تحظَ باهتمام كبير عند الرّحالة في الكتابات المؤرخة للمساجد الأثرية؛ حيثُ نادرا ما نجد أحدهم يناقش عمارتها، أضف لذلك عدم وجود كتابات لوصف تفصيلي لها البتة.
ومما زاد الطين بلة، عدم وجود صور لهذه المساجد، وإن كانت عمليات الكشف والتنقيب قد اشتغلت على مجموعة من المساجد؛ فهي تتمركز في محافظة ظفار ولعدد قليل منها، وبهذا ظلت الكثير من المساجد الأثرية العُمانية طي النسيان ونادرا ما لاقت اهتماما من المستكشفين والباحثين.
وتعود ندرة التنقيب حول المساجد الأثرية العُمانية إلى أمرين هما:
- (ما يتعلق بالتأريخ والتدوين)، إن بساطة المساجد العُمانية وتقشفها رغم ما ذاع صيته من اهتمام وزخرفة للمساجد في تلك العصور في بقاع أخرى، جعل الباحثين ينقادون لدهشة مساجد القاهرة والشام وأصفهان، حيثُ لم يجدوا في بساطة طوب مساجد عُمان ما وجدوه من فسيفساء ومنارات وقبب المساجد في الأصقاع الأخرى.
2- وهو يعود لمادة البناء (الصاروج الطيني)، وهو بطبيعته هش، وبالتالي فإنّه غير قادر على الصمود طويلا أمام الظواهر الطبيعية، ولذا تبقى فقط أجزاء بسيطة من بعض المباني.
ولهذا تعد دراسة المساجد الأثرية العُمانية كنزاً حقيقيا، وقد فضلت الباحثة التخصص بالدراسة؛ نظرًا لتباين المساحات الجغرافية في عُمان، واختارت (محافظة مسقط) لتكون وجهتها الأولى.
وبدأت الباحثة رحلتها مع المساجد الأثرية في العاصمة مسقط، بطرح عدة أسئلة منها: ما سر صمود بعضها عبر القرون دون الأخرى؟ كما ركزت في الجانب المعماري على تنوع أصناف المساجد من خلال تتبع صيرورتها وسيرورتها التاريخيتين.
تتوزع المساجد الأثرية في مختلف ولايات محافظة مسقط الست: مسقط، السيب، بوشر، مطرح، قريات، العامرات. في أشكال معمارية مختلفة، وذلك كونها انعكاسا لانتماءاتها الفكرية والمذهبية أولاً، ثم لتأثير العلاقات الحضارية والثقافية آنذاك.
وقد استطاعت الباحثة من خلال الاطلاع والبحث الميداني التعرف على عدد من المساجد، واختارت بعضها لتسلط عليه الضوء في مقالها ومناقشة جوانبه المعمارية والهندسية. وفي البداية صنفت الباحثة المساجد في مسقط إلى:
- مساجد الداخل
- مساجد الساحل.
أولا: مساجد الداخل: وهي مساجد محافظة متشابهة تتميز بالتقشف وغالباً ما تكون داخلية الموقع وإباضية المذهب، وهي صغيرة الحجم ومتواضعة للحد الذي جعل الرحالة والجغرافيين يعتبرونها بيوتا سكنية.
ومنها على سبيل المثال:
1 مسجد بيت المقحم أو البيت الكبير، وهو من معالم ولاية بوشر العريقة، ويقال بأنه بني بأمر من السيدة ( ثريا بنت محمد بن عزان) في القرن 12 م.
2 مسجد بيت العود ويقع في قرية الخوض القديمة بولاية السيب بجانب قلعة بيت العود، والذي يعود لأملاك عائلة ابن عمير.
ثانيا: مساجد الساحل المزخرفة، وتقع هذه المساجد في الجانب الساحلي من مسقط، وهو ما أدى إلى تميزها بالعمارة والزخارف الناتجة عن الاحتكاك الحضاري والثقافي بالدول المجاورة الأخرى ومنها:
1 مسجد بيت طالب ولقد بُني هذا المسجد في عهد السلطان سعيد بن تيمور، في ولاية مطرح بجانب سوق مطرح في ( حلة الشجيعية) قبل 80 عاما.
2 مسجد الحمراء ويقع في منطقة جبروه بولاية مطرح الساحلية، ويعود سبب تسميته إلى الطلاء الوردي للصاروج المحلي الذي استخدم في بنائه.
وبهذا تتضح لنا أهمية تأثير الصيرورة التاريخية في فن عمارة المساجد الأثرية في عُمان؛ فلقد أدى التلاقح الثقافي إلى إثراء الحياة الاجتماعية بكل جوانبها، وهو ما نستطيع اليوم لمسه في المساجد خاصة، حيثُ انتقلت من النمط التقشفي البسيط إلى النمط المزخرف المشابهة للمساجد في أصقاع إسلامية أخرى كالشام والعراق وأصفهان، وهذا الطابع المستحدث آنذاك للمساجد الأثرية لا نجده فقط في سواحل مسقط ، بل وصل إلى سواحل ظفار والداخل من عُمان مثل ولاية نزوى.
وفي نهاية المقال أكدت الباحثة على أهمية الإسراع بإنشاء مدونة لإحصاء المساجد الأثرية والتنقيب في آثارها؛ وذلك كونها باتت مهددة بالتلف والاندثار، وهنا يأتي دور الوزارات المعنية كوازرة التراث والثقافة، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة السياحة.
في زمن بات فيه الكثير من الشواهد التاريخية مزيفا، ناهيك عن سرقة الكثير منها؛ بدأت بعض الدول -التي لا تملك تاريخيا أصيلا- تقارع به في ساحة الأمجاد، تفاخر بشواهد تاريخية كاذبة! ولذا أصبح من المهم التمسك بالإرث الحضاري الأصيل والاهتمام به؛ فعُمان ليست وليدة الأمس، وشواهدها وتأريخها لا غبار عليه ويستحق أن يُظهر للعلن بالصورة البهية التي تليق به، بل إن دراسته والتمحيص فيه واجب وطني وثقافي لا غنى عنه.
