تأليف: روبن شارما
عرض: عبد الله المحروقي
يسعى الكثير من الأفراد إلى تحسين نمط حياتهم عبر قراءة كتب تطوير الذات وكتب التنمية البشرية. ويروي كثير من القراء تجاربهم الإيجابية مع كتب تنمية الذات. ذلك بسبب مساعدة هذه الكتب لقرائها على تحسين نمط التفكير والعيش بإيجابية. ومن أشهر المؤلفين الذين يكتبون في التنمية البشرية الكاتب الكندي ذو الأصول الهندية (روبن شارما)، صاحب الكتاب ذائع الصيت:"الراهب الذي باع سيارته الفيراري". يقول الروائي البرازيلي الشهير (باولو كويلو) عن كتب روبن شارما: "كتب روبن شارما تساعد الكثير من الناس من مختلف أنحاء العالم لعيش حياة أفضل." والإصدار الأخير لروبن شارما لم يخرج عن هدف كتبه السابقة؛ فهو كتاب مصنف ضمن كتب تنمية الذات، ذلك هو كتاب (نادي الخامسة صباحا: امتلك صباحك، وارتقِ حياتك).
على غيرِ عادة كُتَّاب تطوير الذات ومساعدة النفس، جعل شارما كتابه في قالب روائي مكونمن سبعة عشر فصلا، فالكتاب ليس ككتاب العادات السبع للناس الأكثر فاعلية (أحد أشهر كتب تنمية الذات) في كونه كتابا مباشرا وواضحا، بل هو كتاب على شكل قصة خيالية مليئة بالاقتباسات، تتناول قصة رائدة أعمال كانت تنوي الانتحار تخلصا من الألم الناجم جراء مشكلات في شركتها التي أسستها؛ فهي تواجه محاولة انقلاب عليها من قبل بعض المستثمرين لتخسر حصة كبيرة من ملكيتها في الشركة التي استثمرت فيها الكثير من عمرها ثم تحضر محاضرة جماهيرية في تطوير الذات فتلتقي في تلك المحاضرة فنانا ومليارديرا، ثم تزور هي والفنان الملياردير في موريشيوس تلبية لدعوة الملياردير ويصبح الملياردير مرشدا لهما ويتعلمان منه أن العادة الأساسية التي جعلت منه إنسانا ناجحا هي عادة الاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحا، وأن هذه العادة تضاعف إنتاجية جميع العادات الأخرى، وأنها -أي عادة الاستيقاظ المبكر- كانت له ترياقا ضد كونه شخصا عاديا متوسطا. ثم يضيف الملياردير أنّ الاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحا ساعدت الكثير من الناجحين والمشاهير سواءً كانوا أبطالا أولمبيين، أو رؤساء تنفيذيين أو مهندسين معماريين في تحسين مهاراتهم باستمرار.
كل إنسان لديه قدرة على التركيز، ولكن هذه القدرة محدودة، وخلال اليوم يركز الإنسان على أمور كثيرة: منها الوظيفة، والأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، وتستهلك هذه الأمور تلك القدرة المحدودة على التركيز، وفي منتصف اليوم يجد الإنسان صعوبة في قدرته على التركيز، لأنّه استهلك الكثير منها فيما مضى من ساعات يومه. فإذا استيقظ الإنسان في الخامسة صباحا، فإن لديه فرصه للتركيز على نشاط أو مشروع ذي قيمة عالية ومن غير أن يشغله أي أمر آخر.
يضيف الملياردير: إنّالعظمة والنجاح لا يعتمدان على الموهبة فحسب، بل إنّ الانضباط والمثابرة قد يتغلبان على الموهبة. لذلك فإنّ على من يريد النجاح أن يتوقف عن الظن بأنه لا يملك الموهبة المطلوبة، وإنّما عليه أن يستفيد ويستغل قدراته لصنع الفرق.
يواصل الملياردير حديثه للفنان ورائدة الأعمال: الكثير من الناس يضيعون ساعات أعمارهم فيمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. والتحرر من إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وسائر الملهيات أمر مهم جدا للنجاح؛ لذلك يجب التركيز والتجرد من كل شيء يصرف الإنسان عن التركيز المستمر على ما هو أكثر أهمية. وبإمكان الإنسان أن يحصل على ساعة خالية من الملهيات كل صباح للتركيز على ما هو مهم من خلال الانضمام إلى نادي الخامسة صباحا.
بالإضافة إلى التجردوالانضباط والمثابرة، يؤمن العظماء أنّ المهام الصغيرة المنجزة بشكل يومي أهم بكثير من المهام الكبيرة المنجزة بشكل موسمي وعلى فترات متباعدة. وهذه الفكرة تشبه كثيرا الفكرة التي بني عليها كتاب: "عادات ذرية Atomic Habits" وهي أنّ النجاح يعمتد بشكل كبير على عادات بسيطة "ذرية" تمارس بشكل يومي. ويدرك العظماء والناجحون أنّ العيش بعقلية إيجابية أمر مهم جدا للنجاح ولكن ليس ذلك فحسب وإنما هناك أربعة أمور عبر عنها الكاتب بمفهوم: "الإمبراطوريات الداخلية الأربع"، وكأنه يشير إلى أنك إذا سيطرت على هذه الأمور الأربعة فإنك تكون إمبراطورا لذاتك، فلا تتحكم بك الرغبات والأهواء. وهذه الإمبراطوريات الأربع هي:
- العقلية أو طريقة التفكير (Mindset): العيش بأفكار إيجابية ومتفائلة.
- مشاعرنا تجاه الحياة (Heartset): العواطف والمشاعر التي نواجه بها الحياة تؤثر على قراراتنا.
- الصحة البدنية (Healthset):العناية بالصحة البدنية من خلال التمارين الرياضية والنوم والنظام الغذائي.
- الحالة الروحية (Soulset): التأمل والاتصال بالذات والوعي.
وبينما يمشي الثلاثة سويا على الشاطئ، يضيف لهما الملياردير عن فوائد الاستيقاظ في الخامسة صباحا وكيف استطاع أن يستفيد من ذلك عبر قاعدة 20/20/20. وفي هذه الأثناء تستقبل رائدة الأعمال رسالة على هاتفها من بعض شركائها مفادها: "اتركي الشركة وإلا ستفقدين حياتك" ثم تسقط مذعورة من الرسالة، ويحاول الفنان والملياردير معرفة ما جرى والاطمئنان عليها ثم تخبرهما عن الرسالة. وبعد معرفتهما بما جرى لها يأمر الملياردير بعض رجاله من التحقق من أمر شركائهاوتقديم الحلول. يشرب الثلاثة القهوة ثم يكمل الملياردير حديثه عن الاستيقاظ في الخامسة وصباحا، وكأن شيئا لم يكن!
قاعدة 20/20/20
يُعَلِّم الملياردير تلميذيه أن مجرد الاستيقاظ في الخامسة صباحا لن يجعل منك شخصا ناجحا، فقد تستيقظ في الخامسة صباحا وتتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لمدةة ساعة كاملة، وذلك لن يضيف لك شيئا. لذلك على من يريد أن يستغل ساعات الصباح الأولى أن يطبق قاعدة 20/20/20، ومعناها تقسيم الدقائق الأولى بعد الاستيقاظ على هذا النحو: 20 دقيقة للحركة والتمرين، و20 دقيقة للتأمل، و20 دقيقة للنمو. العشرون دقيقة الأولى للرياضة، والغرض من ذلك هو التعرق؛ ذلك أن التعرق يساعد الجسم على التخلص من هرمون الكورتيزول (هرمون الخوف)، وكذلك يساعد التعرق على إنتاج بروتين BDNF والذي يعرفبعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، يساعد هذا البروتين على إصلاح خلايا الدماغ ويسرع تطور الروابط العصبية الجديدة. وبعد ممارسة الرياضة لمدة عشرين دقيقة، يأتي وقت التأمل والتفكير لمدة عشرين دقيقة أيضا. يساعد التأمل أيضا -كما تشير الدراسات- على خفض مستوى هرمون الكورتيزول وبالتالي خفض الضغوطات والتوتر. وبعد التأمل يحين وقت النمو وتطوير الذات، وذلك بالقراءة أو تعلم شيء جديدأو التدرب على مهارة من المهارات. ولكي تترسخ عادة الاستيقاظ المبكر وقاعدة 20/20/20، أوصى الملياردير تلميذيه بالاستمرار عليها لمدة 66 يوما لجعل الاستيقاظ في الخامسة صباحا روتينا وعادة يومية. ولكي يستطيع المرء أن يستيقظ باكرا فعليه أن يأوي إلى فراشه باكرا، وقد أوصى الكتاب بالبعد عن الهاتف والأجهزة الإلكترونية وعدم استخدامها بعد الساعة الثامنة ليلا.
ما دفعني لقراءة الكتاب هو أنني شاهدت مقطعا على اليوتيوب يتحدث عنه، ولم أجده بتلك الدرجة من المتعة التي وُصِف بها ويشاركني هذا الرأي الكثير من القراء؛ بل إن أحدهم زعم أن قراءة الفصل المعنون بـ "Sharpen The Saw" من كتاب العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية يُغني عن قراءة هذا الكتاب! ويرى آخرون أن رسالة الكتاب رسالة عادية وغير مبتكرة، وقد يكونون محقين في هذا؛ فكثير من كتب التنمية الذاتية سبقت إلى الدعوة إلى الاستيقاظ المبكر لمضاعفة الإنتاجية،بل إن كاتبا سبق إلى تأليف كتاب عن الاستيقاظ المبكر وبنفس العنوان! وهو مايكل لومباردي.
تظهر الخلفية الثقافية الهندية للكاتب في كتابه من خلال استخدامه كلمات لها صلة بالديانة الهندوسية وغيرها من الديانات الشرقية، مثل: (المعلم الروحي Guru) و(الحالة الروحانية Soulset) ولا غرابة في ذلك؛ فالكاتب كما تمت الإشارة سابقا من أصول هندية.
وفي خلاصة الأمر: الكتاب عبارة عن قصة خياليةأبطالها ثلاث شخصيات أساسية: رائدة أعمال مكتئبة، وفنان محبط وملياردير صاحب سلسلة نجاحات. يلتقي الثلاثة ببعضهم البعض في محاضرة جماهيرية ويصبح الملياردير ملهما لرائدة الأعمال والفنان ويساعدهما على تحقيق طموحاتهما عبر اقناعهما بالانضمام لنادي الخامسة صباحا.يحوي الكتاب نصائح واقتباسات ملهمة ولكن طريقة عرضها لم تكن مناسبة؛ إذ يفتقد الكتاب الإشارة إلى الدراسات العلمية في موضوعه أو ذكر تجارب حقيقية من الواقع عوضا عن هذه القصة الخيالية. كثيرا ما يخرج الكتاب عن موضوعه إلى مواضيع عامة في التنمية البشرية، ولولا ذلك ما كان ليصل إلى حجمه الحالي ولاقتصر على عدد صفحات أقل.
يحوي الكتاب الكثير من العبارات والاقتباسات الجميلة، منها على سبيل المثال:
- القيود ليست سوى عقلية يمارسها الكثير من الأشخاص الطيبين يوميا حتى يعتقدوا أنها حقيقة واقعة.
- بوجود الحرية، والكتب، والزهور، والقمر، من عساهُ أن لا يكون سعيدا ! أوسكار وايلد.
- يدرك الأبطال والنخبة من البشر أن ما تفعله كل يوم أهم بكثير مما تفعله مرة واحدة كل فترة.
- الأفكار لا تساوي شيئا إلا إذا كانت مدعومة بالتطبيق، أبسط التطبيقات تساوي دائما أكثر من أعظم النوايا.
إن الاستيقاظ المبكر أمرحض عليه النبي صلى الله عليه وسلم ضمنا في حديثه: (اللهم بارك لأمتي في بكورها). وهذا الأمر يُفهم أيضا من قول الله تعالى: (إن قرآن الفجر كان مشهودا). وأفاد عدد من القراء من خلال تعليقاتهم على الكتاب جدوى هذه العادة، وقد قمت بتجربة هذه الفكرة وإنجاز بعض المهام في الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل، ووجدت ذلك أدعى لمزيد من الإنجاز طوال اليوم والإحساس بالسعادة. إن صحيفة الديلي ميل البريطانية نشرت يوما مقالا جاء فيه: "ذكرت دراسة أن أولئك الذين يستيقظون مبكرًا يكون لديهم خطر الإصابة بالاكتئاب أقل بنسبة 25 في المائة."
ديكارت والاستيقاظ المبكر
ومما لا شك فيه أن رينيه ديكارت (الفيلسوف الفرنسي الشهير) لم يكن ليوافق الكتاب في فكرته؛ فمن المعلوم أن ديكارت كان لا يحب الاستيقاظ المبكر ومن الطرائف المحزنة أنه توفي بسبب استيقاظه مبكرا بعد أن وافقأن يعمل معلما في بلاط إحدى الأميرات وهي ملكة السويد كريستينا، وقد طلبت أن يكون وقت تعليمها في الصباح الباكر؛ فلم يحتمل برودة الصبح وأصيب بالتهاب رئوي مات على إثره.
--------------------------------------------
التفاصيل :
الكتاب: نادي الخامسة صباحا: امتلك صباحك، وارتقِ بحياتك
المؤلف: روبن شارما
الناشر: Throsons (Harper Collins publishers Ltd)
سنة النشر: 2018
عدد الصفحات :314
