تشريح الفشل: أميركا تخسركل حرب تبدأ بها

Picture1.png

تأليف: هارلن .ك. أولمن

عرض: محمد السماك

 

 يطرح كتاب جديد عن العسكريتاريا الأميركية سؤالاً استراتيجياً. السؤال هو: لماذا تخسر الولايات المتحدة كل الحروب التي تبادر إلى شنّها؟

يحدد مؤلف الكتاب هارلن أولمن بعض هذه الحروب الخاسرة وأبرزها:

 الحرب الكورية (1950) المستمرة حتى اليوم.

 حرب فيتنام- التي انتهت بانسحاب مذلّ للقوات الأمريكية من سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)

 حرب العراق الثانية التي أدت إلى تفجير الخلافات المذهبية وإطلاق حركة التطرف الديني الإرهابي

حرب أفغانستان التي يقول المؤلف إن بين عناصر القوات الأميركية المقاتلة فيها اليوم، جنوداً كانوا يبلغون من العمر عاماً واحداً عندما بدأت الحرب في عام 2001، ثم إنّ حركة طالبان التي كانت هدف الحرب الأميركية هي اليوم أقوى مما كانت عليه عندما أعلنت الولايات المتحدة حرب استئصالها من أفغانستان.

وهي تسيطر على مساحات من الدولة أكثر مما كانت تسيطر عليه في أي وقت مضى. بل إنّ الولايات المتحدة تعترف بأنه لا يمكن تسوية الوضع بحيث تتمكن من سحب قواتها من دون التفاوض مع طالبان. ولكن شروط طالبان للتفاوض مرتفعة جداً مما يؤخر إطلاقها رسمياً. وسوف نعود إلى الحرب في أفغانستان فيما بعد باعتبارها الحرب المستمرة.. والمستمرة في خسارتها أيضاً!
 

 

عنوان الكتاب هو "تشريح الفشل: أميركا تخسر كل حرب تبدأ بها". وهو صادر عن معهد البحرية للصحافة (2017).

في مقابل ذلك يسجل المؤلف ملاحظة هامة. وهي أن الولايات المتحدة تربح الحروب التي لا تكون هي البادئة في شنها. مثل حرب تحرير الكويت في عام 1991.

ويؤكد المؤلف على أنّه لا توجد دولة في العالم قادرة على مواجهة الولايات المتحدة عسكرياً، إلا أن ربح الحرب أمر آخر.

ويتساءل عن السبب، ثم يحاول الإجابة عنه، ليس فقط باعتباره باحثاً في الاستراتيجيات العسكرية، ولكن باعتباره مقاتلاً سابقاً خدم في الجيش الأميركي في فيتنام. وهو راسم برنامج العمل العسكري الذي اعتمدته القوات الأميركية في اجتياح العراق في عام 2003، وكان مستشاراً لوزير الدفاع الأسبق روبرت مكنمارا، ثم لوزير الخارجية كولن باول.

يحدد المؤلف الأسباب التالية لفشل الولايات المتحدة رغم أنها القوة العسكرية الأقوى في العالم.

أولاً: انتخاب رؤساء للدولة غير أكْفَاء.

ثانياً: ارتكاب أخطاءاستراتيجية بشكل مستمر.

ويقدم الرئيس الحالي دونالد ترامب مثلاً على ذلك، ويقول إنه كلما كان الرئيس فاقداً للخبرة كلما ازداد اعتماده على العسكريين في البنتاغون -وزارة الدفاع- غير أن البنتاغون ليسمؤهلاً لاتخاذ قرارات استراتيجية. إن ذلك هو من مهام المدنيين الذين انتخبوا ليكونوا رؤساء على العسكريين.

ويقدم المؤف أمثلة عديدة لتأكيد صحة نظريته. من هذه الأمثلة، اعتماد الرئيس الأسبق جون كندي على نصيحة جهاز المخابرات (سي.آي. إيه) لشنّ حملة عسكرية (خليج الخنازير) على كوبا. وكانت حملة فاشلة بكل المقاييس السياسية وحتى العسكرية.

واعتماد الرئيس جورج بوش الابن على نصيحة البنتاغون لاجتياح العراق، بحجة أن ذلك سوف يؤدي إلى استئصال كل حركات التطرف. وكانت النتيجة عكس ذلك تماماً.

وإيهام الرئيس السابق باراك أوباما بإمكانية تصفية حركة طالبان والقضاء عليها. فإذا بالولايات المتحدة اليوم تبحث في شروط طالبان للتفاوض على الانسحاب.

ويستثني المؤلف من ذلك الرئيسين داويت ايزنهاور الذي كان قائد القوات الأميركية في أوروبة أثناء الحرب العالمية الثانية، وجورج بوش –الأب- الذي أوقف عملية اجتياح العراق في عام 1991 قبل أن تبلغ قواته بغداد. وهو ما لم يفطن إليه ابنه الرئيس جورج بوش في عام 2003.

ولعلّ من أهم ما في هذا الكتاب أنه يلقي الضوء على حقيقة أساسية؛ وهي أن القوات الأميركية غالباً ما تجهل ثقافة العدو الذي تقاتله.. كما تجهل الأوضاع المحلية في الدول التي تجتاحها. ويقول إن القيادات الأميركية غالباً ما تتصرف على أساس الاعتقاد بأن العدو يفكر مثلها. وقد دفعت الولايات المتحدة ثمن تلك الأخطاء غالياً جداً.

ويقدم فيتنام مثلاً لذلك. ففي الوقت الذي كان الفيتناميون يقاتلون من أجل حقهم في تقرير المصير، كانت الولايات المتحدة تقاتلهم اعتقاداً منها بأن فيتنام هي مجرد حجر دومينو يكفي إسقاطه حتى يتوالى سقوط الأحجار الشيوعية الأخرى.

ويبيّن تقرير استخباراتي وضع في عام 2008 بطلب من الرئيس الأسبق جورج بوش "أن الولايات المتحدة لا تخسر الحرب في أفغانستان ولكنها لا تكسبها. وهذا أمر ليس جيدا".

ويحدد التقرير استمرار الحرب بالأسباب التالية:الأفيون،والفساد والانقسامات العنصرية؛ ويضيف إلى ذلك سبباً آخر وهو حصول طالبان على مأوى آمن في الباكستان المجاورة، رغم أن باكستان تحصل من الولايات المتحدة على مساعدات مالية تبلغ المليارات من الدولارات سنوياً (وتحديداً 1،3 مليار دولار في العام) لمساعدتها على مطاردة قيادات طالبان ومكافحة شبكات تهريب المخدرات والسلاح.

ويتساءل التقرير: لماذا لم تتمكن واشنطن من حمل باكستان على تغيير سياستها طوال عهود: جورج بوش وباراك أوباما، والآن دونالد ترامب!

ويتجاوز التقرير ذلك إلى طرح السؤال المبدئي،وهو: لماذا نحن في أفغانستان؟ وما هي المصالح الأمريكية التي تبرر تقديم كل هذه التحضيات في الأنفس والأموال؟ وكيف يمكن وضع حد للحرب؟

تعترف الولايات المتحدة بأن ثمة سببين رئيسيين لاستمرار التورّط في الحرب.

السبب الأول هو وضع حد للتهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة لأمن ولمصالح الولايات المتحدة. غير أن التقرير يؤكد أن كل قيادات هذا التنظيم ومعظم كوادره انتقلت من أفغانستان إلى الباكستان منذ عام 2002. أما السبب الثاني فهو المحافظة على الأمن النووي الباكستاني. ذلك أن باكستان دولة نووية، ويمكن أن يصل سلاحها النووي إلى أيد غير مسؤولة، متحالفة مع طالبان. غير أن التقرير يؤكد هنا أيضاً أن الأسلحة النووية موجودة في باكستان، وكذلك العناصر التي يخشى أن تتسرب الأسلحة إليها. فلماذا البقاء في أفغانستان ولماذا استمرار الحرب؟

ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك ليقول: إن القاعدة كانت هي عدو الولايات المتحدة، فهي التي ارتكبت جريمة 11سبتمبر 2001. ولكن حركة طالبان ليست القاعدة. القاعدة انتهت عملياً بقتل زعيمها ومؤسسها أسامة بن لادن. أما أعضاء حركة طالبان فهم من الشعب الأفغاني ومن نسيجه القبلي والسياسي، ولا يشكلون خطراً على الولايات المتحدة.

من أجل ذلك حذر وزير الدفاع السابق روبرت غيتس من إنه لا يمكن ربح الحرب الأميركية على طالبان أو على الأقل لا يمكن ربحها على المدى القصير، كما أنه لا يمكن ربحها بتكاليف محدودة أو معقولة.

ويبدو أن الرئيس أوباما اقتنتع بهذه النظرية فأعلن في عام 2009 قرار سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان وتسليم القوات الأفغانية المحلية المسؤوليات الأمنية كافة ابتداء من عام 2011.

يومها حذرت المخابرات العسكرية الباكستانية مما وصفته بمغامرة سيئة الحسابات. وأكدت فشلها مسبقاً. وهذا ما حدث. حتى أن الرئيس أوباما نفسه اضطر فيما بعد إلى زيادة عدد القوات الأميركية بدلاً من سحبها.

إن الإشكالية المتعلقة بعلاقة باكستان بالحرب الأفغانية تقوم على أمرين هامين؛ الأمر الأول عسكري وهو منع انتقال العمليات الإرهابية من أفغانستان إلىباكستان كما حدث مع القاعدة في عام 2007. ولذلك تطارد القوات الباكستانية الجماعات الأفغانية المسلحة المنضوية تحت سلطة حركة طالبان خاصة في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد.

أمّا الأمر الثاني فسياسي، وهو التخوف من قيام تحالف هندي – أفغاني ضد باكستان. وثمة مؤشرات سياسية واقتصادية وحتى أمنية عديدة تعزز هذا التخوف.

أمام تداخل هذه الوقائع السياسية والأمنية وتعقيداتها، يعترف الكتاب بالأمر الأساس المفجع.. وهو استمرار سقوط الضحايا من الأبرياء الأفغان.

وينقل عن تقرير للأمم المتحدة يؤكد أنه في عام 2017 (في الأشهر التسعة الأولى من العام التي سبقت صدور الكتاب)، قتل 2640 أفغانياً مدنياً، بينهم 700 طفل.

ولكن هذا الرقم المفجع عن عدد الضحايا لم يغير من لعبة الأمم التي تتواصل فوق الأرض الأفغانية بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والصين، وكذلك الباكستان وإيران.

وحدها الولايات المتحدة بدأت تشعر بالتعب. ولكنها تعرف أن تخليها عن دورها لن يكون بالضرورة في مصلحة الأفغان.. بل سيتحول إلى تقديم مكاسب مجانية لخصومها في لعبة الأمم.

وكان قد تزامن صدور هذا الكتاب مع كتاب ثان يعالج الموضوع ذاته، ولكن من بوابة فيتنام.اسم الكتاب هو "الطريق الذي لم يسلك : المأساة الأميركية في فيتنام

The Road Not Taken: The American Tragedy in Vietnam

(والكتاب الصادر عن دار نشر ماكس بوت Max Boat في عام 2018، يقع في 768 صفحة).

يكشف المؤلف النقاب عن أن المحافظين الجدد في عهد الرئيس جورج بوش الابن أطلقوا نظرية "انتصارية" تقول إنه كان بإمكان الولايات المتحدة ربح الحرب في فيتنام لو أنّها استجابت لمقترحات توسيع رقعة الحرب في حينه. وأنها قادرة الآن على ربح الحرب في أفغانستان (وفي العراق) إذا ما اعتمدت استراتيجية الحرب المضادة ضد الإرهاب. أمّا الأسس التي تقوم عليها هذه الاستراتيجية فهي عدم الاعتماد كلياً على القوة النارية، والعمل في الوقت ذاته على بناء الدولة (وفق المعايير والمصالح الأميركية).

ويقول المؤلف إنّ من بين أعضاء هذا الفريق كان الجنرال ماك ماستر (الذي عينه الرئيس ترامب مستشاراً للأمن القومي ثم استبدله بشخصية أشد تطرفاً، هو جون بولتون).

يمكن اختصار الكتاب الذي يعتبر اليوم واحداً من أهم الكتب التي تعالج موضوع القوة العسكرية الأميركية ومآلاتها سياسياً وعسكرياً في عبارة واحدة. وهي أن الولايات المتحدة تعاني من عدم التوازن بين القوة العسكرية المفرطة وضآلة المعرفة؛من كثير من القوة.. وقلة التفكير !!

كان رئيس الحكومة البريطانية الأسبق ونستون تشرشل يقول متهكماً عن الولايات المتحدة إنها في الحسابات الأخيرة تأخذ الموقف الصحيح.. ولكن بعد أن تكون قد جرّبت كل المواقف الخاطئة.

---------------------------------------------

التفاصيل :

اسم الكتاب: تشريح الفشل: أميركا تخسر كل حرب تبد أبها

المؤلف: هارلن أولمن

اللغة: الإنجليزية

الناشر: Naval Institute Press (November 15, 2017)

 

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة