تأليف: شهاب أحمد
عرض: علي الرواحي
يأتي هذا العمل في وقتٍ تراجعت فيه الحركة النقدية العميقة، والرؤية البحثية المتأنية، في معالجة مواضيع جدلية، حساسة، وغير متفق عليها، مثلما هي الحال في موضوع هذا العمل الذي يذكرنا - بوعي أو بدون وعي - أن الكثير من المواضيع التي أخذت حيزاً كبيراً في الفكر الإسلامي القديم، لم يعُد التطرُّق إليها ومناقشتها ممكناً، وربما يعود ذلك للوضع السياسي العربي المنشغل حالياً، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، بالحروب والصراعات وإعادة ترسيم الحدود وضبط الإرادات الحُرة..وغيرها.
يصدر هذا العمل - الذي هو عبارة عن الجزء الأول من أصل ثلاثة أجزاء، كما يشير الناشر إلى ذلك- من أطروحة الدكتوراة للباحث الراحل والمأسوف عليه: شهاب أحمد (1966م-2015)، الباكستاني الأصل والأمريكي الجنسية بعد وفاة مؤلفه، وذلك بعد سلسة مهمة من الأبحاث والأعمال والجهود المتعلقة بهذا الشأن كما هي حال كتابه الصادر في عام 2015م بعنوان "ما هو الإسلام؟" عن منشورات جامعة برينستون، وغيرها من الأعمال والبحوث المختلفة.
وفي هذا العمل، يتطرق الباحث الراحل - وعلى مدى مقدمة أولية وثلاثة فصول- إلى أسئلة تاريخية بقدر ما هي فلسفية في المقام الأول؛ فالعلاقة المتشابكة بين الفلسفة والتاريخ تخترق هذا العمل من أوله إلى آخره، بل ونستطيع القول إنها توجهه وتُسيره إلى حدٍ كبير، وذلك من خلال المقدمة وعناوين الفصلين الأول والأخير كما سنرى ذلك لاحقاً، ذلك أن هذه الأسئلة المطروحة لا تدخل في باب الترف والرفاهية من جهة، كما أنها لا تهدف في المقابل إلى الحديث عن لزوم ما لا يلزم، بل تسعى في المقام الأول لطرح أسئلة حول نمط التفكير أو كما أسماها مؤلف الكتاب في الفصل الأول، حول كيف حدثت الحقيقة؟ أو كيف تشكلت الحقيقة في التفكير الإسلامي؟ وهو لا يهدف إلى إثبات أو نفي هذه الواقعة، بل ينطلق من منطلق الباحث الموضوعي قدر الإمكان، والمشتغل بالنصوص في قراءة تعدد الروايات واختلاف مضامينها، حسب الفترة الزمنية أو السياق بشكل عام الذي رافقَ كل رواية على حدة.
وفي مقدمة هذا العمل (ص:2)، يطرح المؤلف تساؤلاً تاريخيًّا وفلسفيًّا وعراً وشاسعاً في نفس الوقت، وهو حول تشكُل الحقيقة قبل نشوء الأرثوذوكسية أو الصراطية التي وجُدت لاحقاً والتي تمثلت في وجود المذاهب أو الأنظمة الاعتقادية المتعددة والمؤسسات الإسلامية المختلفة، وذلك من خلال أنموذج الآيات الشيطانية كما هي التسمية الغربية لها، أو قصة الغرانيق كما هي في التراث الإسلامي، حيث إن هذه الواقعة أو هذا الحدث التاريخي لم يعد يُناقش لدى كل الأطياف الإسلامية في الوقت المعُاصر، بل وتم رفض التطرق إليه ما عدا بعض الأصوات المستقلة التي لا تنتمي لهذه الأرثوذوكسيات الاعتقادية أو تلك، فالحديث عن هذه الواقعة أصبح مرادفاًللكفر أو الهرطقة كما هو المعجم المسيحي، فهذه الواقعة قد دخلت في نطاق اللامفكر فيه لدى المسلمين المعُاصرين كما يقول الباحث، في حين أن هذه الرواية كانت متوفرة في الأدبيات الإسلامية الأولى والتي تحدثت عنها بطرق وصيغ مختلفة، بل وتم تناقلها عن طريق الكثير من الأشخاص الذين كان لهم حضور في التاريخ الإسلامي القديم، وهذا يعني بأن هذه الواقعة كانت في نطاق المفكر فيه، أو من القضايا التي من الممكن مناقشتها وتداولها. والسؤال المهم هنا من ضمن أسئلة كثيرة، هو كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟ وكيف تحولت هذا الرواية من حادثة تاريخية إلى ما يشبه اللعنة التي ينبغي التخلي عنها، أو التبرؤ منها؟ ومتى؟
من خلال هذه الأسئلة وغيرها طبعاً، أو من خلال طرق التعامل المختلفة مع هذه الروايةنستطيع -حسب الباحث- فهم ومعرفة كيف تشكلت الأرثوذوكسية الإسلامية، حيث يشير هذا المصطلح هنا إلى ذلك الاعتقاد أو تلك المنظومة الاعتقادية التي تشتمل على اعتقادات صحيحة فقط، ينبغي الأخذ بها، ونبذ تلك التي تمالنظر إليها تاريخياً-وبسبب الكثير من العوامل- على أنها غير صحيحة وينبغي التخلي عنها، وهي ما تجد لاحقاًمساندة من المجتمع ومن القيمين عليه بما في ذلك مختلف السلطات السياسية والاجتماعية، وهي في ذلك لا تقبل المنشقين عنها، أو الخارجين عن تعاليمها، كما هي الحال الآن في كروية الأرض، حيث لم يعد هناك مجال للتشكيك في هذه الفكرة والتي أصبحت بمثابة أرثوذوكسية علمية لا تقبل النقاش.
فالسلطة هنا بكل أطيافها وتشكيلاتها المختلفة: السياسية، والاجتماعية...وغيرها، تقوم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر بإنشاء هذه الأرثوذوكسيات التي تتحول إلى حقائق، وهي لا تحتاجبالضرورة إلى سن العقوبات والقوانين الرادعة؛ لأنه وبكل بساطة بسبب انعدام المنشقين أو المعارضين؛ ذلك أن هذا الانشقاق يؤدي قبل مواجهة السلطة إلى الكثير من الآثار الاجتماعية والعائلية المختلفة، تلك التي من الممكن أن تصل إلى التشكيك بالقدرات العقلية للشخص(ص:4)؛ مما يعني بأنه من الممكن أن يتم التعامل مع المنشق بهذا المعنى بوصفه مختلا عقليا، أو شخصا غير طبيعي كما هي النعوت المتداولة في الكثير من السياقات الاجتماعية التقليدية المختلفة؛ مما يؤدي لنبذه من قبل رفاقه أو رفضه والسخرية منه، والاستهزاء منه بشكل كلي.
وتخضع آلية تشكُّل الحقيقة التاريخية للعديد من العوامل والإجراءات؛ منها وربما أهمها: الكثافة السكانية، والانتشار الجغرافي لهذه الإجراءات في فترة زمنية معينة، حيث إن العالم الإسلامي -حسب المؤلف- لم يطوِّر مؤسسة مشابهة لما حدث في الغرب المسيحي، والتي تجسدت في الكنيسة؛ حيث كانت في الماضي تقرر المعتقدات وتصادق عليها، بل وتجعلها الطريقة الوحيدة للخلاص والاستقامة، بل الحاصل هو تضافر آليات مختلفة من العوامل السلطوية أدت للإقرار بهذه الحقيقةأو تلك كما هي الحال في العقيدة القادرية على سبيل المثال، أو عن طريق التفاوض في بعض الأحيان أو القهر في أحيان كثيرة الذي يمارس على فئة العلماء من قبل السلطة السياسية.
وفي الجانب الثاني، تعود بعض أساليب تشكل الحقيقة في السياق الإسلامي -حسب المؤلف- إلى سرعة وانتشار التوسع الجغرافي للنظام الإسلامي المبكر في الدول والمدن المجاورة، والتي ابتدأت قبل وفاة النبي محمد، واستمرت حتى وصول الإسلام لإفريقيا والأندلس...وغيرهما، والذي أثر بدوره على التوسع اللغوي والعرقي...وغيرها من التداخل الاجتماعي بين الأعراق.منذ البداية إذن كان الإسلام ديانة توسعية أسهمت في رسم وتحديد مسارات الحقيقة، وطرق التفكير، تلك التي كان يتم طلبها من قبل الشعوب الجديدة، أو يتم توصليها لها.
مرة أخرى، وإضافة لما تقدم، نجد أن الانتشار الاجتماعي، والهيكلي، والزماني أيضاًلمعتقدٍ ما، وتأسيسه لنظام معين للحقيقة، موثوق به، ومعترف به من قبل الجميع، يحدث بسبب توافق الكثير من الشروط والمعطيات، والتي ليست بالضرورة سياسية، أو من طرف واحد.
وفي الفصل الأول (ص:11) يتحدث المؤلف عن "كيف نقرأ المصادر الإسلامية الأولى"؟ وهو في ذلك يسعى لفهم الأسباب التي أدت لقبول وتداول رواية قصة الغرانيق في العصور الإسلامية الأولى، والأسباب التي أدت بعد ذلك لرفضها واتخاذ الموقف السلبي المتشدد منها لاحقاً، وذلك من منظور سردي مرتبط بأدوات ومصطلحات علم الحديث، وكيفية انتقال هذه الرواية من الأجيال الأولى إلى الأجيال اللاحقة، وما هي التعديلات التي طرأت على تقنيات هذا العلم في الفترات اللاحقة؛ حيث نجد أن شروط علم الحديث لكي يتم اعتماد رواية معينة والوثوق فيها قد أصبحت مع علم الحديث تعتمد على النظر في السند والمتن لكل رواية على حدة، أو بما يسمى علم الرجال، والذي يبحث في سيرة الذين نقلوا الحديث أو الرواية. كما يتطرق المؤلف في هذا الفصل وبنوع من الإطالة للكثير من الأدوات منها: الرواية بالمعنى، أو الرواية باللفظ...وغيرها.
وهو في ذلك يعود لتذكيرنا بأهمية السؤال المطروح في بداية هذا الفصل، وهو: "كيف نقرأ المصادر الإسلامية الأولى"؟ ذلك أن هذه القراءة ليست بالمعنى الحرفي المجرد كما يقول، بل هي ثقافية في المقام الأول(ص:15)، لأن هذه المصادر الإسلامية الأولى مثلما هي حال الكثير من المصادر الأخرى، تم إنتاجها في ظروف ثقافية، ومجتمعية محددة، فهي في الكثير من الأحيان لم تكن تعتبر جميعها انعكاسا للوضع المعيشي وللصراعات المختلفة الدائرة في المجتمع بين القوى الفاعلة في فترة ما. فعندما نجد أن وضعاًمجتمعياًتحيط به الكثير من الصراعات وتسعى القوى المختلفة للتغلب على قوى أخرى، فإن ذلك ينعكس بصورة كبيرة في النصوص التي يتم إنتاجها من قبل أفراد المجتمع في فترة زمنية معينة.
ولفهم هذه المسألة بصورة أفضل -وبشكلٍ خاص إذا أخذنا في الحسبان الجانب التعريفي والتوضيحي المكثف للكثير من المصطلحات التي تبدو معروفة في السياق الإسلامي، وبأن المؤلف يتحدث لجمهور غير عربي وغير إسلامي- فإننا نجد أن هناك الكثير من الشرح المكثف لكيفية التعامل مع الروايات والأحاديث بالأدوات المتوفرة في علم الحديث لإضعاف صحة وموثوقية هذه الروايات، ليس من جانب السند فقط، بل أيضاًمن جانب المتن، عندما يتم قياسه بمقاييس خارجية تتضخم مع مرور الزمن الروائي. فبالرغم من وجود الكثير من الأدبيات المختلفة كالتفاسير، والأحاديث، والروايات، والسير والمغازي وغيرها، إلا أنها قد خضعت لمنهج الجرح والتعديل الذي يعتمد بدوره في الكثير من الأحيان على رؤى أيديولوجية، وقد ترتبط في الكثير من الأحيان بالأنظمة الاعتقادية.
وفي الفصل الثاني(ص:41) -وهو الفصل الذي من الممكن اعتباره الفصل التطبيقي للتنظيرات والمحددات التي وردت في الفصول السابقة، والمعنون بالسرديات الأولى أو الروايات وكيفية انتقالها- يطرح المؤلف أسئلة مختلفة، لكنها مترابطة فيما بينها؛ وذلك بهدف فهم متى وكيف تم قبول هذه الروايات في العصور الإسلامية الأولى؟ وفي المقابل: كيف ومتى ولماذا تم رفض هذه الروايات؟ كما تتعلق الأسئلة الأخرى أيضاًبمضمون أو محتوى هذه الروايات، وما الذي من الممكن أن تخبرنا به هذه الروايات عن نمط التفكير في العصور الإسلامية الأولى؟ وإضافة لذلك، فإن الجزء الثالث من هذه الأسئلة يتناول مضمون هذه الروايات مع التمحيص في الرواة الذين عن طريقهم تناقلت هذه الروايات للأجيال اللاحقة؟ كما يتناول الجزء الثالث من هذه الأسئلة العلاقة بين جغرافيا انتشار الروايات وسند هذه الروايات لفهم كيفية وأسباب انتشار هذه الروايات في بقعة جغرافية معينة دون الأخرى.
وفي هذا الفصل الثاني، وهو الفصل المركزي والتفصيلي والأكثر تعمقاًمن بقية الفصول في الكتاب، يتناول المؤلف ما يقارب من خمسين رواية مختلفة الأسانيد ومختلفة المتن مع تشابه في المضمون، وذلك عن طريق قيامه بتقسيم الروايات بشكلٍ تاريخي على مجموعاتٍ تعتمد على الراوي والسياق الزمني في نفس الوقت، حيث يتناول في المرحلة الأولى رواية المؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري(224هـ-310هـ) كما جاءت في تفسير الطبري المسمى بجامع البيان عن تأويل آي القرآن، وتحديداًمن خلال سند هذه الرواية حيث يتم النظر فيها من هذه الزاوية، وذلك نقلاًعن كتاب السيرة النبوية لابن إسحاق (85هـ-151هـ)، بإسناد محمد بن كعب القرظي. وهو ما يفعله في جميع الروايات الخمسين اللاحقة من تمحيص للسند والمتن ومضمون كل رواية على حدة والتغيرات التي لحقت وطرأت على الروايات الأخرى مع تقادم الزمان، وتغير الرواة، وكل ما قيل عن الراوي لاحقاًوذلك بهدف إضعاف الرواية، وإدراجها في خانة الضعف وعدم الوثوق بها.
وكخلاصة لهذا الفصل المكثف، والذي يهدف للبحث والتمحيص وقراءة الروايات بشكلٍ معمق، يذهب المؤلف -ومن خلال تحليل مطول للروايات- إلى أن السند كان عاملاًمهماًوحاسماًفي تناقل وتداول هذه المسألة، بالرغم من التفاوت الزمني بين هذه الروايات، واختلاف المضامين حيث أن هذه الرواية تم تناقلها عن طريق الكثير من الأسماء التي لها وزنها وثقلها في التاريخ الإسلامي، كما هو الحال لدى سعد بن جبير، ومجاهد بن جبر، والضحاك، وعكرمة، والحسن البصري، وقتادة، ومقاتل بن سليمان وغيرهم الكثير، وذلك قبل نشؤ الأرثوذوكسية التي تحدث عنها الفصل الأول.
وفي الفصل الثالث (ص:265)، يطرح المؤلف سؤالاًإضافياًللسؤال المطروح في الفصل السابق وهو: لماذا استقبل المسلمون الأوائل هذه الواقعة بالإيجاب؟ ذلك أنه وبالعودة للأرثوذوكسية الإسلامية اللاحقة والتي رفضت رواية هذه الواقعة واعترضت عليها، حيث يعود هذا الرفض لمبدأين، لاهوتي وابستمولوجي يقومان على عصمة النبي، في حين نجد أن هناك خطابات مستقلة، أو مختلفة عن الخطابات الأرثوذوكسية اللاحقة، والتي تتمثل في الحديث، والسير والمغازي، والتفاسير المختلفة، تلك الخطابات التي نوقشت في الفصل الأول بشكلٍ مجمل وغير تفصيلي، والتي تعتبر بمثابة الذاكرة التاريخية الجماعية، أو مشاريع مغايرة ومختلفة للحقيقة في تلك الفترة، والتي اتخذت مسارات مختلفة لاحقاً. ذلك أن هذه المسارات اللاحقة كانت تهدف للدفاع عن الكثير من الأفكار والتوجهات التي لم تكن مطروحة في السابق، بل تشكلت بعد القرنين الثاني والثالث نتيجة للانقسامات والصراعات التي دارت بين الأطراف المختلفة في السياق الإسلامي، الأمر الذي أثر ويؤثر بدوره على المقاييس اللاحقة لعلم الحديث وأدواته التي يستخدمها في "فلترة" هذا التراث المتداخل، والمليء بالمؤثرات الثقافية المختلفة.
مهما يكن الأمر، فإن الأسباب التي جعلت التعامل مع هذه الروايات بالإيجاب في العصور الإسلامية المبكرة، يعود بشكلٍ أساسي إلى أن الأسانيد -بعيداًعن المتن- كانت تلعب دوراًمهماًفي قبول هذه الروايات، كما أنه في الجانب الآخر كان الرواة أقرب لبشرية الحدث، وإمكانية وقوعه، بعيداًعن تلك النظرة المثالية للأشخاص والتي تكونت لاحقاًبأثر رجعي.
وفي الجانب الآخر، نجد أن العوامل الثقافية كان لها كبير الأثر في قبول وتداول هذه الرواية في الأزمنة الإسلامية المبكرة، وبشكلٍ خاص تلك العلاقة الملتبسة والمعقدة بين الأطراف المتنافسة والمتصارعة في الكثير من الأحيان، المتمثلة في مناوئي الدعوة ومناصريها من الجهة الأخرى، حيث أن حدوث هذه الواقعة كان ولفترة طويلة علامة من علامات تأثير قوة قريش (ص:287) على المسار العام للأحداث، بما تشمله النصوص والتدخلات المختلفة من الوحي، ذلك أنها كانت بمثابة تأثير المعارضة على الدعوة الجديدة، وهو الشعور الذي جعل من الفئة المعارضة تصاب بالزهو والفخر من هذه الواقعة.
وفي خاتمة هذا العمل، ينبغي القول بأننا أمام الجزء الأول من ثلاثية البحث التي لم تكتمل بسبب وفاة مؤلفه، وهذا يعني بأننا أمام صورة بحثية ناقصة عن الموضوع هذا من جهة غير أن مسار الجزء الأول يعتبر مؤشرا بحد ذاته على الأجزاء الباقية، أما من الجهة الثانية فإننا أمام بحث غير عاطفي أو انفعالي، بل يطرح أسئلة موضوعية، تقوم على الرجوع للكثير من الشواهد والمراجع التي يطرح من خلالها الكثير من الأسئلة التي تبدو مُلحة على الفكر الإسلامي المعُاصر أكثر من أي وقتٍ مضى، فهذه الأسئلة لا تنحصر فقط في جانب واحد دون بقية الجوانب، بل تصل إلى عمق وجوهر الأنظمة الاعتقادية والدينية، أو ما أسماه المؤلف في مقدمة هذا العمل حول آليات تشكل الحقيقة؟ أو كيف حدثت في تلك الفترة الزمنية التي سبقت نشوءالأرثوذوكسيات الإسلامية لاحقاً.ففي تلك الفترة التي نستطيع القول بأنها كانت تتمتع بحدٍ كبير من العفوية والحرية في الحديث والفعل، أو بأنها أقل أرثوذوكسية وصراطية من الفترات اللاحقة، أسهمت الإجراءات التي أنشئت لاحقاً حول الحقيقة، والعفوية، في تهذيب ونسيان الكثير من الأحداث والوقائع التي بدورها ساهمت أيضاًفي وضع مسارات معينة للتفكير دون أخرى.
------------------------------
التفاصيل :
- الكتاب: "ما قبل الأرثوذوكسية".
- المؤلف: شهاب أحمد.
- الناشر: (Harvard University Press)، 2017م.
- عدد الصفحات: 336 صفحة.
