ممنوع لا يوجد حدود

38120733._SY475_.jpg

تأليف مجموعة باحثين

 تحرير: هينى زوفيدة، و رعنان ليفشيزز

عرض: أميرة سامي | أكاديمية مصرية

كتاب "ممنوع لا يوجد حدود" يتعامل على نطاق واسع ومتعدِّد التخصصات حول مسألة الحدود، وبما يُسمَّى بـ"مفارقة الحدود"، وعدم وجود حدود سياسية مادية مُتفق عليها، إلى جانب حدود متعددة داخل المجتمع نفسه. لقد مرَّت سبعة عقود منذ إنشاء إسرائيل، ولم تكتملُ بعد حدودها الداخلية والخارجية، كما أنَّ الحدود الجغرافية في نزاع ثلاثي ثابت: إسرائيلية داخلية، وإسرائيلية-فلسطينية، ودولية، ومن ناحية أخرى، يتم باستمرار رسم الحدود الداخلية والاجتماعية، على أساس سنوي تقريباً، بسبب التغيرات المتكررة في بنية المجتمع والعمليات الاجتماعية السريعة. يتساءل المؤلفان هينى زوفيدة، ورعنان ليفشيزز، داخل الكتاب عن كيفيه تأثير هذا على المجتمع؟ وما هي الآثار المترتبة على هذا الواقع؟

ويستعرض الكتاب الصورة المعقدة إلى حدٍّ ما، والتي تبين أن الحدود الخارجية والداخلية لإسرائيل قد تم تصميمها، ولا يزال يصوغها قادة الدولة والنخب الحاكمة بشكل تعسُّفي، وبقوة، تجاه جيراننا في المجال الجغرافي ونحو الجماعات الأضعف في البلاد. هذه الطرق التي تميز المناطق غير مقبولة في الدول المتحضرة؛ لذلك فإنَّ التحدي الرئيسي الذي يشير إليه مؤلفو المقالات -كل على طريقته- هو تصحيح الوضع عن طريق استكمال الحدود الخارجية للدولة، وإزالة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية غير الواضحة بين المجموعات العرقية / الوطنية / الجندرية / العرقية... وغير ذلك.

 

هينى زوفيدة دكتور في العلوم السياسية وناشط اجتماعي ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية وادي يزرعيل، وهو محاضر وباحث في مجال الهجرة واللاجئين والحركات الاجتماعية وسلوك الناخبين، ويتعامل مع البحوث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي كجزء من أنشطته الاجتماعية؛ فهو عضو في اللجنة التنفيذية لـ"للحزب الديمقراطي الشرقي" وجمعية "أتاريم"، التي تديرها مكتبة ليفينسكي في تل أبيب لصالح السكان المهاجرين.

يتناول الكتاب في المقدمة مفهوم الحدود: بين التجاهل واللامبالاة والاحتقار، ويذكر المؤلفان أسباب تأليف الكتاب؛ كما يلي: "لقد شعرنا منذ فترة أن فهمنا لمفهوم الحدود يختلف عن مفهوم معظمنا؛ لأننا غالباً ما نجد أنفسنا بين طوائف مختلفة بين الناس: العرب واليهود، الرجال والنساء، والسفارديم والإشكناز الذين يفسرون مفهوم الحدود ومشتقاته المختلفة بشكل مختلف عنا. على سبيل المثال: تعد حدود الدولة من المشكوك فيه، عندما يميز معظم مواطني إسرائيل (أو غيرهم) بين الحدود السياسية والحدود الأمنية، كما فعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مؤتمر هرتسليا عام 2006، ففي سياق اتفاقات السلام، ستكون هناك تنازلات من كلا الجانبين، ولكن ليس من جانب الأمن الإسرائيلي، والقرار المصيري المطروح علينا هو تحديد حدود الأمن لإسرائيل، التي يجب أن تشمل وادي الأردن والقدس الكبرى والأراضي التي تسيطر على منطقة دان.

ما الذي يعنيه نتنياهو بـ"الحدود الأمنية"؟ إنَّ أكثر المناقشات تفصيلاً حول هذا المصطلح، على ما يبدو هي المنسوبة لعوزي دايان، وأنها حق إسرائيل في "حدود آمنة" وعد بها رسميًّا كل مرشح لرئاسة الولايات المتحدة وأيضا بعض الرؤساء، ومن جانب حركة حماس أيضا، ومن الواضح أن هذه "الحدود الآمنة" حق إسرائيل (مثل أي دولة أخرى) بالنسبة لهم، لا يخضع لنزاع ويختلف اختلافاً جوهريًّا عن "الحدود الأمنية" التي يطالب بها نتنياهو ودايان. فمعنى الحدود الأمنية هو الحدود السياسية مع الطريق الأمثل من وجهة نظر أمنية-عسكرية، والتي توفر أقصى قدر للحماية من الإرهاب.

إن "الحدود الأمنية" التي اقترحها نتنياهو ودايان تختلف اختلافاً جذرياً لأنها تضاف إلى الحدود السياسية، وبالتالي يفترض أنه يحق لدولة واحدة، في هذه الحالة - إسرائيل وأن تتصرف في أراضيها ذات السيادة، وأن تقوم بكل ما هو مطلوب من أجل احتياجاتها الأمنية دون مراعاة الاحتياجات السيادية المشروعة.

هذه النقطة قد لا تكون واضحة، وستتضح على الفور، إلى جانب شرط تحديد الحدود الأمنية في وادي الأردن، عرض اتفاق رئيس الوزراء نتنياهو على حل الدولتين في خطاب بار إيلان وحقيقة أن نتنياهو ودايان يرفضان بشكل صارم اقتراح ضم وتسوية "الوجود" الإسرائيلي في غور الأردن، ويشمل سيناريو اتفاق السلام الذي حدده نتنياهو في الاقتباس أعلاه، ضمنيًّا، دولة فلسطينية حدودها في الغرب هي الحدود السياسية الشرقية لإسرائيل في الشرق، وحدودها السياسية مع الأردن في وادي الأردن هي في الوقت نفسه الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل.

إنَّ "الحدود الأمنية" متميزة عن الحدود السياسية، وهي في أحسن الأحوال إخضاع سيادة دولة ما لأمن جارتها، وفي أسوأ الأحوال، "تسطيح" الحدود بين الحالة القوية والضعيفة من قبل الأول أو تجاهله، كما تفعل الإمبراطوريات في العصور القديمة (انظر الفصل 3). هذا اختراع إسرائيلي غير معترف به في المعجم الجغرافي العام، والأهم من ذلك، في القانون الدولي، وهناك مجال للحجة بأن الإسرائيليين غير الراضين عن الحجة القائلة بأن "أي تسوية نهائية ستكون الحدود الأمنية لإسرائيل هي الأردن" هي معيار كافٍ.

ويعرض مؤلفا الكتاب طريقة بسيطة لتوضيح مشكلة المصطلح "حد الأمان"، ومحاولة العثور عليه على Google بالعبرية والإنجليزية؛ فلا يجد محرك البحث العبري تعريفاً للمصطلح. أما محرك البحث باللغة الإنجليزية أكثر إحباطًا نظرًا لأن الكلمات (Secure/Security Border حدود أمان/أمان) يتم ترجمتها تلقائيًا إلى "משטרת גבולות أمن الحدود". واتضح أن محرك البحث لا يعرف كل شيء عن "حدود الأمن".

إن السبب في أن الخطاب العام والقانون الدولي لا يعترفان بـ"الحدود الأمنية" يلمح في عرض أهميته -بين الحدود السياسية والحدود الأمنية؛ حيث يوجد تناقض لأن الأول يضع حقوقًا متساوية بين الدول ذات السيادة ويمنح الأخير سيادة الدولة الضعيفة للاحتياجات الأمنية لجارتها القوية؛ لذا من المهم الإشارة إلى أنه حتى الآن لم يعلن مسؤول فلسطيني أو مسؤول رسمي عن جدوى اتفاق الوضع النهائي القائم على الحدود الأمنية التي حددها رئيس الوزراء نتنياهو، على النقيض من تقديمها كشرط ضروري أو حقيقة مغلقة على الجانب الإسرائيلي.

تُوضِّح الحكاية أدناه كيف أن المفهوم الذي ينعكس في مصطلح "الحدود الأمنية" فيما يتعلق بأهمية ووضع الحدود الدولية يختلف عن المفهوم المقبول للقانون والتصور في العالم الغربي:

ק' (الجندي العامل) وهو من أكثر الناس المحبوبين في المجتمع الذي يعيش فيه، وأحد محرري رعنان (أحد قيادي عصابة الايتسيل) اعتاد الاثنان الذهاب إلى الجامعة في الصباح معاً؛ حيث عمل كلاهما واستخدم وقت السفر لمناقشة مشاكل الدولة والشعب. في إحدى المرات ناقشا مشكلة نقص المياه واقترحا الحل التالي: يجب على إسرائيل أن تضخ مياه הליטני الليطاني بالقرب من مصب النهر إلى البحر المتوسط، لأن الماء الذي يسكب بالفعل في البحر يهدر المياه.

يتساءل رعنان ما هو الحق في حل مشكلة نقص المياه في إسرائيل بمساعدة نهر الليطاني إلى ما وراء الحدود الدولية في لبنان؟ أجاب ק' (الجندي العامل) عن شيء من هذا القبيل: "لبنان ليس في الحقيقة بلداً؛ كل مجتمع له جيشه الخاص، والجيش اللبناني ليس في الحقيقة جيشاً، والحكومة ليست قادرة حقاً على الحكم".

نُؤكد أن ק' (الجندي العامل) هو شخص نموذجي ملتزم بالقانون، ولكن ק' (الجندي العامل) إسرائيلي، وعلى هذا النحو لا يعترف بالحدود، لا سيما الحدود الدولية مع الدول العربية، في رأيه، يمكن تجاهلها لصالح حل "الاحتياجات القومية" (تذكر حدود الأمن؟).

الحوار مع ק' (الجندي العامل) شحذ انتباه رعنان (أحد قيادي عصابة الايتسيل) إلى الخطاب العام حول الحدود وتوصل لاحقاً إلى الاستنتاجات التالية:

1- يتم وضع موقف ק' (الجندي العامل) تجاه الحدود الدولية في الخطاب العام الإسرائيلي على مقياس التجاهل والتناقض من جانب واحد وعدم المبالاة والاحتقار للآخر. ק' (الجندي العامل) ليس غريباً لكنه يمثل معظم الإسرائيليين، وهي حقيقة إلى حد ما بالنظر للتمييز في القرى الفلسطينية بين أصحاب الأراضي المختلفين، لقد اخترنا ذكر أحفاد الأولياء الأوليين الذين ولدوا في أرض إسرائيل، أي كمؤشر رمزي اجتماعي يفصل بين مجموعتين: أولئك الذين ولدوا هنا (اليهود "الجدد") وأولئك الذين بقوا هناك ("اليهود" في الشتات).

2- هناك سمتان بارزتان لخطاب حدود ק' (الجندي العامل) وأمثاله هم العدوان والجهل. ويتجلى هذا العدوان من خلال اقتراح لرفع نهر الليطاني -وهو نهر في لبنان- كما لو تم التخلي عنها، وفي الخطاب العام الإسرائيلي العام، لا سيما في النقاشات السياسية على الشبكات الاجتماعية والتحدث؛ حيث يكون هذا الخطاب بسيطًا في كثير من الأحيان. إن الجهل الفوقي هو جهل فاقد الوعي، أي أن الجهل هو شخص لا يدرك أنه لا يعرف أو أنه على خطأ؛ لذلك عندما يعتقد أنه يفهم الوضع؛ فهو في الواقع خطأ.

3- في آلاف السنين من التاريخ، تم بناء الإمبراطوريات على أراضٍ احتلتها بالقوة على أساس قاعدة تسمى حق الاحتلال الذي أعطى للجانب الفائز الأراضي التي احتلتها. لم تعد هذه القاعدة موجودة منذ زمن بعيد -نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما تم التوقيع على اتفاقية لاهاي في عام 1899، وتم التصديق عليها في العام 1907. تم تضمين الاتفاقية في ميثاق الأمم المتحدة في العام 1945، وتلزم جميع الدول الأعضاء فيها بحظر أو غزو أو ضم الأراضي بالقوة. وبالتالي؛ فإنه بعد الحرب العالمية الثانية (استجابة لإصرار هتلر على استخدام القوة) تغيرت المفاهيم الحدودية للقوة بشكل كبير ولم يدرك القادة أن القاعدة السائدة اليوم هي السلامة الإقليمية، والزعماء الذين لم يدركوا أن القاعدة السائدة اليوم هي سلامة الأراضي التي لها ثمن باهظ.

إنَّ التباين بين الجهل الفوقي في الخطاب العام الإسرائيلي والوضع الواقعي فيما يتعلق بالقواعد والممارسات العرفية في تحديد الحدود بين الدول يوحي بثلاثة أسئلة: (1) ما هي العوامل التي عززت "قواعد السلامة الإقليمية" على حساب "حق الاحتلال" بعد الحرب العالمية الثانية؟ (2) ما هو تفسير الجهل في الخطاب الإسرائيلي حول هذا التغيير؟ (3) ما هي المعاني العملية بشكل رئيسي لهذه المسألة؟

السؤال الذي يطرح نفسه عن الطرق المختلفة جداً تجاه نوعي الحدود في الخطاب العام والمحلي هو ما أهمية الحدود السياسية في الثقافة الإسرائيلية؟ هل هو خط من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) على الخريطة، أسود، أزرق أو أخضر، سميك أو نحيف، هل يمكن للمرء التجاهل إذا كان الطلب "الحالة" تخص "الاحتياجات الأمنية" كما قال ק' (الجندي العامل) هل يمكن إعادة التعريف بحكم الواقع، كما يتضح من رد الوزير بينيت على الادعاء بأن العالم لن يوافق على ضم الأراضي في يهودا والسامرة: "نعم، لكنه سوف يعتاد عليها، تماماً كما لم يعترف بضم الأحياء في القدس الشرقية والجولان، ومع مرور الوقت اعتاد على أنها لنا".

إنَّ أي منطقة خارج الحدود الدولية لإسرائيل وخطوط وقف إطلاق النار التي أنشئت في نهاية حرب الاستقلال تعتبر محتلة، وضمها من جانب واحد أمر مستحيل لأن ضم الأراضي بالقوة غير قانوني وغير مقبول حاليا، تحت أي ظرف من الظروف، واحتمال ضئيل أن يتغير هذا الوضع في المستقبل.

لقد ناقشنا حتى الآن الحدود الخارجية للدولة الموجودة في الحيز السياسي-المادي. بينما تناقش الفصول الستة وعشرون من الكتاب مفارقة الحدود الإسرائيلية من ناحية، والحدود السياسية للدولة غير المكتملة الحدود مع لبنان وسوريا والفلسطينيين، التي لا تزال غير مُتفق عليها، ومن ناحية أخرى ينقسم المجتمع من الداخل إلى قبائل أو قطاعات، والذي يضم عددا كبيرا من الحدود الداخلية (على حد تعبير الرئيس ريفلين وعالم الاجتماع غادي ياتسيف، كما يلي: دينية مقابل علمانية، اليهود مقابل العرب، أشكنازيم مقابل مزراحيم، فقراء مقابل أغنياء... إلخ).

استعرض أنيتا شابيرا "الحدود كمجاز في الثقافة الإسرائيلية"، وناقش تداعيات ومفاهيم حدود أرض إسرائيل في الثقافة اليهودية من الأزمنة التوراتية حتى يومنا هذا؛ بينما تناول نيلي فازنا: الحدود والأرقام في الكتاب المقدس. من أجل التمييز بين المفاهيم ودحض الحجة المقبولة أن مفهوم الحدود يرتبط بمفهوم الجنسية، استناداً لتحليل نصي للكتاب المقدس ووثائق من العصور القديمة في الشرق الأدنى القديم. بينما استعرض آفي شيلون تصورات دافيد بن غوريون للحدود، أما آرييه ناور فتناول حدود الدولة اليهودية في نظر زئيف جابوتنسكي. بينما ذكر جدعون بيجر حدود أرض إسرائيل-فلسطين في السنوات التي سبقت إقامة الدولة. وأن تاريخ ما قبل حرب الاستقلال، كانت أرض إسرائيل (أو الأراضي المقدسة) تفتقر إلى الحدود الواضحة، بينما شاؤول أريئيلي قدم الاعتبارات لإقامة حدود سياسية في أرض إسرائيل بعد إنشاء الدولة، وتناول موشيه عميراف القدس: مدينة بلا حدود. وتحدث رعنان ليفشتز عن شروط استكمال الحدود الدائمة، بينما تحدث حجي هوبرمان عن الحدود عندما تتعدى الحدود. وتناول رينان ييزارسكي "الجدار الفاصل في التوعية العامة في إسرائيل من نقطة تفتيش أمنية مؤقتة إلى الحدود الجيوسياسية". وتحدث موتي جيجي عن العلاقات بين مدن التطوير والكيبوتسات: المكان والوضع والهوية، حالة سديروت - شعار هنيغيف. وتناولت آديا مندلسون ماعوز: حدود ومناطق الشفق في الرواية العبرية للانتفاضة. ووفقاً لمندلسون ماعوز، فإن الخط الأخضر هو خط حدودي مؤقت يميز بين دولة إسرائيل و"منطقة الشفق".

واختتم هينى زوفيدة ورعنان ليفشيزز بأن القاسم المشترك الموجود هو الحدود الخارجية والداخلية لإسرائيل تم تصورها من قبل آباء الصهيونية وشكلها قادتها بشكل تعسفي وبقوة تجاه المجموعات الأضعف في البلاد ومحيطها، وأن التحدي الرئيسي الذي يواجه قادة البلاد هو تصحيح الوضع من خلال استكمال حدودها الخارجية والقضاء على عدم وضوح الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين الجماعات العرقية التي تميز حدودها الداخلية.

----------------------------- 

التفاصيل :

- الكتاب: "ممنوع لا يوجد حدود".

- المؤلف: تأليف جماعي بتحرير هينى زوفيدة، ورعنان ليفشيزز.

- الناشر: يديعوت سفاريم، 2017م، باللغة العبرية.

- عدد الصفحات: 621 صفحة.

 

أخبار ذات صلة