تأليف: دانى روبنشتاين
عرض: أميرة سامي
مارس الكاتب الإسرائيلي دانى روبنشتاين لأكثر من 40 عاما مهنة الصحافة في ("دافار"، "هآرتس"، "كالكليست")، وهو خبير في الشؤون العربية والفلسطينية والشرق الأوسط، باحث ومحاضر ومؤلف، حائز على جائزة سوكولوف للصحافة. ومن بين مؤلفاته كتاب "ياسر عرفات" و "عناق التين" و"الله يباركني".
عنوان الكتاب الإسرائيلي لداني روبنشتاين هو اقتباس لمقوله عبد القادر الحسيني حين قال "إمّا نحن وإمّا هم" والذي عالج فيه الكاتب شخصية عبد القادر الحسيني بعمق معتمدا على الأبحاث الواسعة التي أجراها من المصادر العربية، وجمع الشهادات المتنوعة من عائلات فلسطينية في القدس والضفة لينسج قصة قائد جيش "الجهاد المقدسي" والتي معظمها غير مألوف للقارئ الإسرائيلي، هذا بالإضافة إلى تطرق الكاتب إلى ذكر شخصيات فلسطينية برزت في الفترة قبل 1948 مثل حديثه عن الحاج أمين الحسيني عم عبد القادر الحسيني والشخصيات الأخرى من المعارضة الفلسطينية التي عارضت نهج آل الحسيني مثل راغب النشاشيبي.
استطاع الكاتب بحكم خبرته الطويلة في عمله كصحفي ومعلق للشؤون العربية والفلسطينية، أن يجعل من هذا الكتاب موسوعة مصغرة للأحداث الفلسطينية والشخصيات البارزة منذ ثورة 1936 إلى نكبة 1948، حيث سرد أحداث وشخصيات عديدة أصبحت منسية منها مثلا معركة الخضر عام 1936 والتي نشبت بين المجاهدين الفلسطينيين وبين القوات التابعة للجيش البريطاني وقتل فيها القائد السوري سعيد العاصي الذي كان يساند الثوار الفلسطينيين.
تطرق الكتاب إلى الأحداث الدراماتيكية التي أدت إلى النكبة الفلسطينية بنظر العرب والفلسطينيين وذلك من أجل رغبة الكاتب في الكشف عن الجانب الإنساني من خلال سيرة ومسيرة القائد عبد القادر الحسيني، ونقل تفاصيل حياته دون الحكم عليه، فكان الهدف من الكتاب هو رواية النكبة الفلسطينية للإسرائيليين ونقل الأحداث التي أدت إلى النكبة كي يعرفها الإسرائيليون أملا في أن يساهم هذا في إرساء التفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
يصف الكتاب من خلال سيرة القائد عبد القادر الحسيني، الطريق الذي قاد الفلسطينيين إلى النكبة، ولماذا لم يكن مدعوما من كل عرب فلسطين؟ ولماذا قررت الدول العربية مصادرة القضية الفلسطينية؟ هذه الأسئلة - وغيرها الكثير نوقشت في الكتاب والتي لا تزال ذات صلة بالشعب الفلسطيني، وهي إلى حد كبير ذات صلة أيضًا بالجمهور اليهودي في إسرائيل. اليوم، بعد مرور سبعين عاما على الأحداث، من المناسب والواجب لكل إسرائيلي أن يعترف ويفهم الجانب الآخر الفلسطيني وتاريخه وليس كشف العدو بل المساهمة في التقارب وتعزيز السلام.
يسرد الكتاب ثلاثة أحداث وقعت خلال 48 ساعة وتحديدا يومي 7 و8 أبريل من عام 1948 وهي معركة جبل القسطل، مجزرة دير ياسين وهزيمة جيش الإنقاذ في شمال إسرائيل تحديدا في معركة "مشمار هعيميك" ومعركة جبل القسطل هي القمة التي تسيطر على الطريق من السهل الساحلي إلى القدس. كان عبد القادر الحسيني، القائد الفلسطيني لوحدات الجهاد المقدسي، قد قرر الصعود إلى الجبل لمعرفة ما حدث، وبعد فترة قصيرة حوالي الساعة الرابعة صباحًا، بالقرب من قمة الجبل، اقترب من موقع قيادة كتيبة الموريا التابعة لوحدات الهاغانا في القدس، وقامت مجموعة بقتله، وكان سقوطه في معركة القسطل، هكذا بدأت الليلة بين 7 و8 أبريل، محفورة في تاريخ حرب الاستقلال باسم "ليل عبد القادر".
بدأ الكاتب دانى روبنشتاين أحداث كتابه من نهاية نضال عبد القادر الحسيني وسقوطه في معركة القسطل بالقرب من القدس، ورصد أحداث معركة القسطل المصيرية في تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي، " فهذه الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم المشؤوم، بمثابة نقطة التحول التي أدت إلى انتصار اليهود وحكمت على الفلسطينيين بمصيبتهم النكبة.
يوضح الكاتب بداية اهتمامه بقلعة القسطل عندما عمل كصحفي بعد حرب 1967، وعندما التقى فيصل الحسيني، الابن الأوسط لعبد القادر الحسيني. لسنوات عديدة في القدس الشرقية والأراضي الفلسطينية، ويقول "كنت على اتصال دائم شبه يومي مع ممثلين عن الحركة الوطنية الفلسطينية، برئاسة منظمة التحرير الفلسطينية (PLO منظمة سياسية شبه عسكرية، معترف بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، تأسست عام1964 ) ترأس فيصل الحسيني وفد القيادة في القدس الشرقية، وقد التقيت به بشكل متكرر، وعادة كان اللقاء في مكتبه في أوريونيت هاوس - أحد المنازل الفاخرة التي هُدمت في الحي الحسيني الذي بني في نهاية الفترة العثمانية على السهل بين שייח' גַ'רַאח الشيخ جراح و ואדי ג'וֹז وادي الجوز، حتى وفاته المفاجئة في نهاية مايو 2001 ، أثناء زيارة القبة، كان فيصل مهتمًا بتاريخ والده وظروف وفاته في القسطل. عندما قُتل والده كان فيصل طفلاً في الثامنة من عمره يعيش مع أمه وأخته وشقيقين له في القاهرة. وكما سنرى، فإن نشاط عبد القادر الوطني أبقاه بعيداً لفترات طويلة عن العائلة. وقد جمع فيصل الكثير من الشهادات عن والده، وتم الاحتفاظ بها في مكتبه، والتقى فيصل مع يعقوب سلمان قائد البؤرة الاستيطانية في معركة القسطل، وحيث أطلق قائده مئير كارميول، موجة من الطلقات النارية التي أصابت عبد القادر. وقد قُتل مئير كارميول نفسه بعد بضع ساعات، وكانت شهادة قائده سلمان هي الوحيدة التي قدمت تفاصيل عن ظروف وفاة الزعيم الفلسطيني.
ويذكر الكاتب دانى روبنشتاين قبل سنوات، وبينما كنت أعمل في صحيفة دافار في القدس، التقيت د. شريف كناعنة، عالم الأنثروبولوجيا الذي كان يدرس في جامعة بيرزيت. وهو من مواليد عربا في الجليل، درس ودرّس لعدة سنوات في الولايات المتحدة، وعند عودته إلى إسرائيل، انتقل إلى رام الله وبدأ التدريس في جامعتين فلسطينيتين: جامعة بيرزيت، شمال رام الله، وجامعة ناجة في نابلس. وقمت بزيارته في المنزل، وأخبرني بكل سرور عن الدراسات التي كتبها - بمفرده ومع آخرين - حول مصير القرى الفلسطينية التي دمرت داخل دولة إسرائيل. ولعل أشهرها دير ياسين.
كانت إحدى المشاكل التي انشغلت بها على مر السنين، والسؤال الذي راودني أثناء كتابة الكتاب: ما هو عدد الأشخاص الذين قتلوا في المجزرة التي حدثت هناك؟ كان العدد المعتاد 254، نصفهم من النساء والأطفال. وأوضح د. شريف كناعنة أن هذا الرقم جاء من قوائم أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وفقاً للتقارير الصادرة عن اللاجئين من القرية.
وقد أبدى الكاتب دانى روبنشتاين إعجابه بأسلوب وطريقة عمل د. شريف كناعنة ويبدو أنه سار على طريقته في تجميع الأسماء والبيانات الواردة في هذا الكتاب حيث يقول: "أعجبني أسلوب عمله، ومنذ أن كنت أتجول في القدس الشرقية وضواحيها لعدة عقود، قررت أن أستخدم هذا الأسلوب في بحثي عن مصادر تصف ظروف معركة القسطل، وكان لدي العديد من الكتب العربية ومنشورات العرب الذين قاتلوا في القسطل، وكتاب بهجت أبو غربية في خضم الصراع العربي الفلسطيني، الذي نُشر في بيروت عام 1993".
وقد أشار الكاتب دانى روبنشتاين إلى اختلاف طريقة تفكير الفلسطينيين فيما بعد قائلا: "بعد سنوات من الاتصالات مع الفلسطينيين، يبدو أن الجمهور الإسرائيلي لا يدرك التأثير السياسي للبنية الاجتماعية التقليدية للسكان العرب، وهي بنية تختلف تمامًا عن هيكلنا. ويستغل الفلسطينيون هذا النقص في الوعي، ففي السنوات الأولى بعد عام 1967، التقيت بأبو حسن الحموري، وهو أحد أفراد عائلة كبيرة من الخليل، وكان لديه أيضاً بيت ضيافة صغير للرحالة على طريق نابلس. وطلب مني ابنه حسن أخذ بضع صفحات من كتاب الخليل من أجله. وبدا طلبه غريباً بالنسبة لي، لأنه كان كتابًا يهوديًا قوميًا واضحًا نشره المستوطنون في المدينة بقيادة الحاخام موشي لفينغر، ويكرس جزء كبير من الكتاب لمذبحة يهود المدينة خلال أعمال الشغب عام 1929. وعلى الصفحات التي طرحها حسن الحموري كانت هناك قوائم بأسماء العرب الذين أنقذوا اليهود خلال المجزرة، ومن بين هؤلاء كان اسم الشيخ محمود الحموري سألت حسن، "لماذا تحتاج لهذا؟" قال إنه سيقوم بتصوير بعض هذه الصفحات لعائلته، لأنها ستساعدهم في حياتهم اليومية عند نقاط التفتيش، على سبيل المثال عندما يضايقه الجنود الإسرائيليون أو شرطة الحدود، فإنه يسحب هذه الصفحات ويظهر لهم أن جده أنقذ اليهود في عام 1929. وعلى ما يبدو، ساعدت هذه الصفحات طفلًا منهم وهو ابن أخيه، الذي حكم عليه برشق الحجارة. وقد أخذ القاضي الإسرائيلي هذا الأمر بعين الاعتبار، وتم العفو عنه.
ومثل حسن كنت أعتقد أيضا كصحفي، أنّ هناك ضرورة لاستخدام البنية التقليدية للمجتمع الفلسطيني لاكتشاف الحقائق التاريخية.
كذلك تناول الكاتب دانى روبنشتاين فصلا كاملا عن "المعارضة الفلسطينية" للخط الذي انتهجه الحسين فجاء على رأس هذه المعارضة نشاشيبى وملك الأردن عبد الله، وجزء كبير من الشعب الفلسطيني وافق على خطة التقسيم آنذاك. ويوضح حقيقة مهمة وهي أن مسألة التنازل عن أراض فلسطينية ليست مسألة كبرى بالنسبة للعالم الغربي أمّا بالنسبة للفلسطينيين يعد التنازل عن رقعة الأرض الصغيرة مسألة مصيرية.
ويوضح الكاتب أنّ معارك القدس بشكل عام كتب عنها عشرات ومئات الكتب والمقالات والأبحاث. استخدم معظمهم مصادر إسرائيلية وأجنبية، لكن القليل منهم فقط استخدموا مصادر عربية. وسبب ذلك أنّه لا توجد الكثير من هذه المصادر، وعندما تكون هناك سجلات تتعلق بالفترة - في كثير من الحالات يكون الوصول إليها صعباً أو محظوراً، فمثلا لا يمكن لمحفوظات الدولة في دمشق أو بغداد أو عمان الدخول إلى الملفات وتلقيها كما يفعلون بشكل روتيني في لندن أو واشنطن. وحتى بين الفلسطينيين، فإنّ الأرشيفات الموجودة قليلة ومتباعدة. وهناك مشاكل أخرى، مثل نقص المعرفة باللغة العربية لدى عدد قليل من الباحثين الإسرائيليين والأجانب.
وعن كيفية وصول الكاتب دانى روبنشتاين إلى المصادر العربية حول عام 1948 يقول: "وجدت مصادر كثيرة لدى عائلات فلسطينية، لم تكن تستخدم على مر السنين. ومن المهم أن أقول إنني لم أواجه أبداً أي فرد من أفراد العائلة لم يكن يعرف عنها شيئا، حتى لو كانت العائلة الممتدة مرقمة لآلاف الأشخاص، كانوا دائما يعرفون كيف يوجهونني إلى أبناء وأحفاد وأقارب الشخصية المعنية. وكان لديهم جميعاً قصص عائلية، وتذكارات، ومقاطع إذاعية وتلفزيونية، أو عناوين ويب احتفظت بها العائلة لأنها ذكرت هؤلاء الأقارب الذين شاركوا في معارك القدس والقسطل. وكان هناك العديد من الحالات التي لم تكن فيها القصص دقيقة. لكن جمع المواد قضية أساسية للكتاب لإعداد الكتاب ومعرفة كيف ظهرت المعارك في القدس وموت عبد القادر الحسيني، وكيف ظهرت النكبة للعرب".
وتحدث الكاتب عن طريقة توثيق الباحثين قائلا: "على مر السنين استخدم الباحثون على نطاق واسع مؤلفات رجل الأعمال الفلسطيني المعروف بالقدس عارف العارف، والذي يعتبر المؤرخ العربي الأكثر موثوقية في ذلك الوقت. وقد التقيت به مرة واحدة في عام 1969، ومرة أخرى في صيف عام 1973، وتحدثنا عن أعماله المألوفة، بما في ذلك كتابه عن بدو بئر السبع، ومعظم كتاباته عن الحرب في عام 1948. وبينما كنا نلتقي، كان يعيش في رام الله، في منزل قديم حيث كان المدخل يمر عبر حديقة بها أشجار الصنوبر الطويلة، مقابل المدرسة القديمة المرموقة التي أسسها الكويكرون الأمريكيون. ورأيت كيف كان يجمع المواد العلمية كأحد خبراء المحفوظات لكتابة مقالاته. وقد فعلت الشيء نفسه فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية واحتلال حرب 1967 وبعدها.
وتحدث عارف العارف عن عائلة النمري التي كان لديها منازل كبيرة، وفى منطقة קטמון قطمون تسمى على اسمها הנַמַאמְרֶה النامارا، وبعد أن أخذت السلطات الإسرائيلية منازل العائلة في قطمون عام 1948، قاموا بهدم منزل عائلي جميل آخر، هذه المرة في الجزء الشرقي من المدينة، قلت له إنّ هذه منازل معزولة تم هدمها في إسرائيل بعد حرب 1967. كان رد فعله غاضبًا وأظهر لي أكياسًا سميكة تحتوي على مئات الصور الفوتوغرافية لتدمير منازل حي مورافيم، وهو الحي الجميل الذي أصبح ساحة حائط البراق: وسأل بسخرية: "أليست هذه المنازل منازل لعائلات العربية؟" واستمر في إرشادي لرسومات وصور فوتوغرافية من قرى לטרון اللطرون التي تم محوها ومن أماكن أخرى في إسرائيل والمناطق الأخرى.
وذكر الكاتب دانى روبنشتاين مصدرا آخر معروفا لجمع المعلومات وهو "الصحف اليومية الفلسطينية مثل صحيفة فلسطين التي تأسست عام 1911 في بيروت، وبدأت الظهور في إسرائيل كجريدة يومية عام 1929، كان مؤسسها عيسى العيسى ورئيس التحرير يوسف حنا. وكان إبراهيم الشنطي مالك ورئيس تحرير صحيفة الدفاع، وبدأ في نشر الصحيفة عام 1934. استمر الصحفيون والمحرّرون والعاملين في العمل في هاتين الصحيفتين في القدس الشرقية بعد عام 1967، وأبرزهم أبو زولف، مالك صحيفة القدس، ومحمود عايش، الذي يملك صحيفة الشعب. وخلال عملي ولسنوات، قمت بزيارة كل منهما، وفي بعض الأحيان مع زميلي يهودا الليطاني، كل مساء. وكانت هذه الصحف مصدرًا لتغطية ما كان يحدث في الأراضي المحتلة عام 1967. وفي كل مدينة وكل زاوية من الضفة الغربية وقطاع غزة.
مشاكل الصحف اليومية كمصدر تاريخي معروف. مثل العديد من الصحف الأخرى في العالم، وفي إسرائيل، وقد حافظت الصحف الفلسطينية - وما زالت تحتفظ - بأجندة أيديولوجية وقومية وسياسية ودينية. في السنوات 1947-1948 كان من الصعب التمييز بين الخلافات في الأخبار والعناوين والتعليقات بين صحيفتي فلسطين والدفاع، حيث كان من الصعب العثور على اختلافات حقيقية بين الصحف الفلسطينية التي تعمل تحت السلطة الفلسطينية، مثل القدس والأيام والحياة والجديدة.
------------------------------------------
التفاصيل :
اسم الكتاب: إما نحن أو هم
المؤلف: داني روبنشتاين
الناشر : يديعوت سفاريم
سنة النشر: نوفمبر 2017
اللغة: العبرية
عدد الصفحات: 258 صفحة
* أكاديمية مصرية
