المرأة قوية لتغيير مسار العالم

Picture1.png

تأليف: الكاتبة الهندية ج. ديفيكا

عرض: فيلابوراتو عبد الكبير

بدأت الحركة النسوية في كيرالا في بداية ثمانينات القرن الماضي وأصبحت جذورها راسخة في التسعينات. وتعد الدكتورة "ديفيكا" من الوجوه المشرقة واللامعة في الأوساط النسوية بحضورها القوي في المحافل الثقافية وبتدخلاتها الجريئة في قضايا المرأةوحقوق الإنسان وحقوق الأقليات بما فيها حقوق الأقليات الجنسية. وهي مشهورة بصفتها مؤرخة وناقدة اجتماعية ومفكرة وأستاذة ومترجمة فضلا عن أنها ناشطة نسوية. بعد أن حصلت على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة جوهر لال نهرو نالت الدكتوراه من جامعة ماهاتما غاندي في موضوع "الشخصنة(Personalization)والجنس المغاير في حداثة كيرالا"،وحاليا تشتغلأستاذة وباحثة في مركز الدراسات التنموية في كيرالا. ولها عدد من الكتب والبحوث القيمة مثل " كيف تولد المرأة الأصيلة والمرأة السوقية " و "منظار المرأة المواطنة" و"النسوية في بواكير الأعمال الأدبية بلغة "مالايالام". 

وكتابها الجديد بعنوان " المرأة قوية في تغيير مسار العالم" محاولة منها لبحث العلاقات بين الديموقراطية والسياسة واختلاف الجنس في سياق علم الاجتماع الذي يتفرع من علم السياسية كما تقول هي نفسها. إنه نتيجة حوارات مستفيضة أجرتها الكاتبة مع الطلبة والطالبات في جامعات مختلفة في كيرالا. تبحث الكاتبة عن حضور النسوان في الثورات والحركات الاجتماعية ومشاركتها في الأحزاب السياسية وتشكيل الحكومات وعن علامات السلطة الجنسية في الحياة العامة كما تبحث عن الأبعاد السياسية للفكرة النسوية وعن المعاني الدقيقة لعض الكلمات التي تتعلق بالنساء والتي ظلت جزءا من اللغة المالايالامية مثل "التمكين" و"التحرير". نجد في الكتابإضاءات على ما يجري في دول العالم من التقدم في مجال تمكين المرأة وإنجازاتها في شتى مناحي المجتمع. وتدعي الكاتبة أن هذا الكتاب مدخل لمن يهتم بسياسة المنهج الفكري للنسوية حيث يقدم إجابات للأسئلة التي تطرح محليا في سياق ما يجري داخل النسوية على مستوى العالم. وتقول إنها تستهدف بكتابها القراء ولاسيما النساء منهم ممن استكمل الثانوية ويهتم بالشؤون العامة ويحب الحياة، وحسب قول الكاتبة إنه محاولة لإلفات نظر القارئ العادي والطلبة معا إلى علم الاجتماع والدراسات السياسية التي تنطوي في دراسة "الجندر". كتابها الأول " كيف تولد المرأة الأصيلة والمرأة السوقية" الذي تم نشره عام 2010 كان سياقه تاريخا. وأما الكتاب الجديد الذي يُنشر بعد مضي ثماني سنوات من الكتاب الأول وإن كان موضوعه ذا علاقة بالكتاب الأول فإطاره أوسع من سابقه. لأن محور الكتاب الأول يدور فقط حول قضايا المرأة في ولاية كيرالا بينما الكتاب الثاني محاولة لرؤية تاريخ العالم خلال المنظار النسوي. وفي مقدمة الكتاب توضح "ديفيكا" موقفها من النسوية المتميزة التي تمثلها: النسوية السياسية التي تعادي جميع أشكال السلطة الأبوية لا يتم تنظيمها على شاكلة أحزاب يتم تنظيمها منالكوادر. فالنسوية المعاصرة حلقة ذات أبعاد دولية واسعة تشكلت من خلال تبادل آراء وحوارات.وهذا الكتابانطلاق من نقطة خاصة في هذه الحلقة. وهذه النقطة ذاتها نسويتي، نسوية متميزة تعتقد في السياسة الديموقراطية اليسارية وتنتقد الجنس المغاير (Heterosexuality) وتقاوم النسويات الغربيةالليبرالية وتؤكد أهمية مراعاة الظروف المحلية وتعتبر التناقضات النسوية قوة – هذه هي نسويتي أنا".

الفصول الثلاثة من أول الكتاب تركز على أهمية السياسة في حياة المرأة. وتناقش فيها ضرورة السياسة للمرأة والنسوة اللاتي حظينبتقلد المناصب العليا في الحكومات. كانت الفكرة الشائعة في بداية العقود الأولى من القرن الماضي أن السياسة لا تليق وطبيعة المرأة. والأنسب لهاإذا خرجت من البيت أن تحصر حياتها موظفات في دوائر حكومية أو شركات وأن تحدد نشاطاتها في الخدمات الاجتماعية فقط، وكان مفهوم السياسة ذاته محصورا في السياسة الحزبية. حتى اليساريين كانت السياسة لديهم ليست إلا السياسة الطبقية.وقد حدثت تصحيحات في هذه المفاهيم الآن حيث تجاوزت السياسة الصراع الطبقي والسباق في الحصول على الموارد إلى ضرورة تمييز عنصر السياسة في كل شيء يرتبط بالسلطة نتيجة للمساعي التي بذلتها الحركات النسوية والحركات البيئية. أظهرت الحركات البيئية أن علاقاتنا بالطبيعة مرتبطة بالسلطة لا يمكن إيجاد حل لها بطريقة التكنولوجيا الجديدة وحدهاكما ذكّرت الحركاتُ النسوية أن السياسة ليست ظاهرة توجد في الأماكن العامة فقط بل هي ظاهرة تتخفى حتى داخل الأسرة في شكل السلطة الذكورية. وتشير الكاتبة إلى أن عِلم السياسة الذي ترعرع في القرن التاسع عشر إنما تطور من النظرية إلى علم الاجتماع تحت كنف الجامعات في الولايات المتحدة. يُعتقد أن علم الاجتماع يمكنه التنبؤ بالضبط عن الظواهر الاجتماعية كما يَقدر للفيزياء أنيُنبئ بالضبطعن الظواهر الطبيعية. فإذًا نستطيع توفير المعلومات العلمية والتدخل بواسطتها في المجتمع كما نقوم بالتدخل في الطبيعة بناءً على المعلومات المتوفرة علميا.

وبما أن السياسة تتسع لدراسات عن الديموقراطية وعن مشاركة السواد الأعظم فيها وتفسيرات السياسة وفقا لمصالح العصر عليناأن ندرس أيضا فلسفة السياسة. وبالمناسبة تحاول الكاتبة أن تصحح سوء الفهم السائد في هذا الصدد بأن الفكر السياسي من إنجازات الغرب فقط وتشير إلى ما أنجب في هذا الحقل جهابذة المفكرين العرب والفرس أمثال الفارابي وابن رشد وابن سينا والتيارات "البوذية" و"الجَينية"(Janinas) في الهند التي قاومت هيمنة فلسفة الطبقة العليا من " البراهمة".وترى أن أي ظاهرة سياسية يجب مقاربتها من منظور انتقادي نسوي بحيث يمكن الكشف عن المصالح الذكورية الخفية فيها. ولو أن ساحة السياسة واسعة فليست متساوية تماما بل توجد فيها التفرقة بين المستويات العليا والسفلى حتى بين النسوان أيضا، ويجب علينا مخاطبتها جميعا.لذا تناشدإعادة بناء الفكر السياسي بحيث يبرز وجه سلطة الجنس الذي يهيمن عليه. ويجدر بالذكر هنا أن النسوية قد استطاعت مساءلة تقاليد السلطة الذكورية في علم السياسة وفلسفة السياسة.

بالنسبة لحضور المرأة في الانتخابات وفوزهن بالمقاعد نجد في هذا القسم من الكتاب إحصائيات تشير إلى تقدمهن في هذا المجال. وفي انتخابات مجالس البلديات التي جرت في العام 2005 في كيرالا كان العدد الفائز منهن 6026 بينما ارتفع هذا العددإلى الضِعف في انتخابات العام 2010 بحيث أصبح12211.  وفي عام 20015 فاقالعدد الفائز منهن على عدد المرشحين الرجال بحيث أصبح 38281 بينما كان عدد الرجال 37281. والمقالات الأخرى ذات العلاقة بالموضوع غنية بمعلومات عن عدد النائبات في المجلس التشريعي بولاية كيرالا والولايات المتحدة إضافة إلى المعلومات عن المنظمات النسوية في الهند البريطانية وبلدان أخرى من أوربا وغيرها. وقد اهتمت الكاتبة بذكر بعض النسويات وإسهاماتها في السياسة مثل " حنا آرندت (1975-1906) التي فكرت قبل "كارل ماركس" و"جون ستيوارت مل" في أهمية مشاركة المرأة في السياسة. وتحت عنوان " هل النساء يحتجنإلى السياسة " تحاول أن تبرر هذه الحاجة بظروف تعاني فيها النسوة عموما من شتى أنواع الاضطهاد والضغوط وتورد تفاصيل المناقشات الساخنة التي جرت حول هذا الموضوع داخل المجالس التشريعية وخارجها على مستوى العالم. ومن الحقائق المرة أن الأحزاب السياسية عموما لا ترحب بالنساء. هذه هي الحالة السائدة ففي كل مكان. علاوة على ذلك إن معظم النساءيحرمن من الوسائل اللازمة للخطوات إليها. وقلما نجد النساء اللاتي يتفرغن في السياسة بجميع أوقاتهن. وتقول الكاتبة إنه لا يعنيأن النساء لا يحتجنإلى السياسة بتاتا بل هذه الأسباب ذاتها تثبت ضرورة مشاركتهن المباشرة في السياسة. لأن غالبية القرارات التي تمس حياتهن إنما تُتخذ داخل أروقة الأحزاب السياسية الرئيسة. فلا تستطيع المرأة أن تتخذ قراراتها الحرة إلا في عصر تتحقق فيه ديموقراطية الجنس.

فماذا عن النسوة التي احتلت بأعلى مناصب الحكم في العالم مثل جولدا مائير في إسرائيل وسيريمافو بندارا ناييكا في سريلانكا وانديرا غاندي في الهند وحسينة في البنجلاديش وبىنظير بوتو في باكستان؟وأكثرهن من الآسيويات. وأما الأوربيات والأمريكيات بينهنفنادرة جدا. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أمريكا كانت هيلاري كلينتون مرشحةإلا أنها لم تفز. ويستثنى من هذه الفئة مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء السابقة في المملكة المتحدةوالمعروفة باسم المرأة الفولاذية. وتقول الإحصائيات أن %75 ممن أتيحت لهن الفرصة ليتولين مقاليد الحكم كن من خارج أوربا. والسبب في ذلك يعود إلى أن طريقهنإلى الحكم كان وراثيا ليس ديموقراطيا كما توضحه رونق جهان في دراستها عن هذه الظاهرة. ويرى المحلل الاجتماعي الهندي "أشيش نندي" وراء شعبية انديرا غاندي السيكولوجية العبودية المنطوية في الثقافة الهندية نحو الآلهة الأنثوية. لكن الأغلبية منهؤلاء النسوةلم توفق بتطبيق مبدأ المساواة كما لم تكنالديموقراطيات بمعنى الكلمة بل ذوات طابع استبدادي كما هو واضح في شأن انديرا غاندي. ويلاحظ أن انديرا غاندي كانت مثل تاتشر وجولدا مائر ممن تعادي النسوية. ومقابل انديرا تنصب الكاتبة في الهند أمثال " أروندهاتي روي" و"ميدها بدكار" و" تيستا سيتالفاد"اللائي يناضلن من أجل المهمشين من الشعب بالقيام بتصحيح مفهوم السياسة بأنها ليست سياسة الانتخابات الرسمية فقط. وتقدم نموذجا آخر من أستراليا "جوليا جيلارد" رئيسة وزرائها الأولى التي هاجمت رئيس الحزب المعارض "توني أبّت "متهمة إياهبالكراهية نحو المرأة.

" الأمن أم الحرية ما هو الأهم بالنسبة للمرأة؟" وفي فصل آخر تستعرض الكاتبة مناقشات دارت حول هذا السؤال وتؤكد أن حرية المرأة يجب ألا تُسرق منها باسم الأمن. وتنقل شواهد كثيرة مما أفسدت حياة المرأة باسم الأمن والتنمية مثل ما جرى في تانزانيا باسم حفظ مناطق الغابات وما جرى من احتجاجات عارية من جانب نساء في ولاية "مانيبور" ضد القوات الأمنية الهنديةالمتهمة باغتصاب النساء القرويات. ومعاناة المرأة إبان الحروب معروفة. وكثيرا ما يتعرضن لاغتصابات الجنود في الحروب.

 الموقف الجريئ من قضية الحجاب يجعل " ديفيكا" متميزة عن النسويات العلمانيات. يتضح موقفها من هذه القضية الساخنة من الجمل البدائية في الفصل الخاص لهذا الموضوع: حجاب المرأة المسلمة "قضيةكبيرة" في بلدان الغرب. وفي بلادنا أيضا قد بدأ البعض يظهر مخاوفهمن المتحجبات. ينتابهم قلق بالغ إذا رءوا نساء متحجبات. أليست هذه من الواردات الخارجية؟ أليست هي محاولة للتعاون مع الإرهابيين؟ هذه هي الأسئلة التي يطرحونها." نرى كثيرا من الرجال فضلا عن النساء يرتدون شعائر دينية؟ يلبس السيخ خنجرا كشعار ديني لهم. لما ذا لا نخاف منهم؟ لماذا هذه المخاوف حين نرى النساء المتحجبات فقط؟ تسأل الكاتبة. وترى أن هذه المخاوف ليست الا ما صنعته أمريكا في حربهاعلى الإرهاب. وتلقي الضوء على التاريخ الطويل وراء معاداة النسوية الغربية نحو الحجاب. وتنقل تحليلات الكاتبة الفلسطينية – الأمريكية سارة ياسين حول الموضوع وقصائد مهجة كهف الساخرة من عبثية موقف العلمانيين ضد خرقة من القماش. وتقول إنه يجب أن يُعارَض منع النساء من ارتداء الحجاب كما يجب أن يعارض فرض الحجاب على النساء.

وبالإجمال نستطيع القول بأن الكتاب دراسة شاملة تحلل التيارات المختلفة من الحركات النسوية حتى ما يسمىبالنسوية الإسلامية إن صح التعبير التي تمثلها أمثال آمنة ودود وأسماء برلاس وليلى أحمد وليلى أبولغود وفاطمة مرنيسي.

--------------------------------------------------

التفاصيل :                                                                                                                     

عنوان الكتاب: المرأة قوية لتغيير مسار العالم

اسم المؤلفة: J. Devika

عدد الصفحات: 270

لغة الكتاب: مالايالام (لغة محلية في الهند)

الناشر: Read me booksتيروفانانتابورام، كيرالا، الهند

 

أخبار ذات صلة