"سلسلة الدراسات الإباضية والعمانية:المجلدان الثالث والرابع"

Picture1.png

فاطمة بنت ناصر

المجلد الثالث: عن الإباضية (مُؤتمر جامعة Aristotle - اليونان 2009)

هو المؤتمر الأول في أوروبا لمناقشة الإباضية، وقد حمل عنوان:"الإباضية ودراساتها وسلطنة عمان"، وقد انقسمت فيه أوراق العمل إلى قسمين: الأول: تاريخ الإباضية؛ والذي يتناول تاريخ الإباضية ودور الدراسات الاستشراقية وأبرز رجالات هذا المذهب بالإضافة إلى وجهة نظر الإباضية في بعض القضايا الخلافية كصفات الله. كما تم استعراض كيف تكونت الهوية الإباضية وتطورت شرائع الإباضية على ضوء هذا التشكل.

والمتتبع للتاريخ الإباضي، يجدأن بدايته تعود للنصف الأول من الهجرة بعد حادثة الفتنة، ورفضهم التحكيم بين معاوية وعلي-كرم الله وجهه- وبعدها خرجُوا للبصرة، وتمت ملاحقتهم، فتفرقت مجموعاتهم للشرق وللغرب. غير أن عُمان تعتبر حاضرة الإباضيين الأكثر ازدهاراً، والتي أسهمت بفضل تراثها البحري في نشر الإباضية في الساحل الإفريقي.

ومن تلك النشأة في المدينة وصولاً للعراق، ومن بعدها إلى عُمان التي يصفها (Wilkinson)، بالبيضة "التي أتت من المدينة، وفقست في البصرة، وطارت إلى عُمان". وكان لهذه الرحلة دور كبير في تشكيل الفكر الإباضي.وكغيره من المدارس الإسلامية، أثار المذهب الإباضي شغف المستشرقين، خاصة الإنجليز والأمريكان. وقد تطورت هذه الدراسات بتطور علوم الاستشراق بشكل عام؛ ففي البدء كانت هناك نظرة سطحية صنفت الإباضيين ببساطة كأحد فرق الخوارج المتشددة، غير أن هذه الدراسات مالبثت أن تعمقت لتفهم الفكر الإباضي وتغير الكثير من تعاميمها السابقة؛ وذلك باطلاعهم على مصادر جديدة لم يطلعوا عليها في البدايات كالمؤلفات الصادرة من زنجبار والجزائر وعُمان لأقلام أعلام هذا المذهب كنور الدين السالمي ومحمد يوسف أطفيش.

ورغم الامتداد الجغرافي للإباضية من أقصى المغرب العربي وحتى عُمان، كان التواصل الفكري حاضراً غير أن الاستعمار الغربي الإمبريالي أسهم بشكل كبير في عزل أوصال هذا المذهب، وفرض العزلة عليه. وقد تنبَّه أتباع المذهب في المغرب العربي إلى ضرورة وجود مطبعة لطباعة الفكر الإباضي وسمُّوها (المطبعة البارونية) وقد كانت في القاهرة. ومن المسائل المعروفة والخلافية بين المذهب الإباضي ومذهب السنة مسألة "الذات الإلهية وصفات الله"؛ حيث هناك تلاقٍ بين الإباضية والمعتزلة والشيعة حول هذه المسألة أكثر من السُّنة.

القسم الثاني: حاضر الإباضية؛ ويتطرق هذا القسم إلى الواقع الإباضي الحديث، والأدوار التي لعبها في تشكيل الحاضر العماني منذ النهضة المباركة. كما يستعرض كيف تعرضت المؤلفات الإباضية الحديثة لمسألة الخوارج. وتعد(الخوارج) تهمة ملازِمة للإباضيين، ولا تزالزالت مؤلفاتهم تتعرض لها بالنفي؛ حيث يُصر الإباضيون على أنَّ هناك فرقا جوهريا بينهم وبين الخوارج وهو رفضهم (الاستعراض: القتل للمخالفين فكريًّا أو القتل الأيديولوجي)، ولعلَّ أبرز المؤلفات التفصيلية في هذا الشأن كتاب "الخوارج والحقيقة الغائبة" لناصر بن سليمان السابعي، الذي فند فيه التهم، وأثبت بالأدلة أن الخوارج عدة فرق، والإباضية كان يُطلق عليهم تاريخاً "المُحكّمة" و"الحرورية". أما الخوارج، فقد كان يطلق لفظًا على فرق متشددة؛ منها: الأزارقة. هذا الكتاب صدر في 1999، وفي التسعينيات ومنتصف الثمانينيات كان النشاط الفكري الإباضي كبيراً بسبب المناكفات الوهابية، فكانت هناك ردود فعل انعكست على النشاط الإباضي الداخلي من محاضرات وكتب وغيرها، وكذلك الاستعانة بمؤلفات غير إباضية ككتاب محمد بن علي الصابوني "قبس من نور القرآن"، وهو أحد أبرز علماء السُّنة. أما الدولة، فإنها ترعى كافة الأطياف المذهبية، وتفرض على الجميع بمن فيهم الإباضية عدم اتخاذ الأنشطة السرية والإعلان عنها قبل الشروع بها.

 

المجلد الرابع: علم الكلام الإباضي (إعادة قراءة المصادر وبحوث المتخصصين)

يتضمَّن هذا المجلد معظم الأوراق البحثية التي قُدِّمت في مؤتمر علم الكلام الإباضي، والذي عُقد في جامعة (Naples) الإيطالية في العام 2012. وهدف المؤتمر إلى تناول قضايا متنوعة وجوانب مختلفة لعلم الكلام الإباضي، وما زاد ثراء البحوث المقدمة هو تعدُّد مناهج البحث والتقصي. وقد تم تقسيم المجلد إلى أربعة أقسام؛ سنستعرض أهم ما جاء فيها:

1- محاولة تقييم المنظور التاريخي للإباضية:

يستعرض كل باحث في هذا القسم جوانب تتعلق بتاريخ الإباضية؛ مثل: التقاطع بين الإباضية والمعتزلة كونهما من الحركات الأولى في الإسلام التي انتهكت مسار المعارضة المعتدلة والتاريخ الإباضي. لعل أهم ما جاء هنا هو التقارب الكبير بين الفرقتين؛ حيث إنَّ كلا منهما نشأ في البصرة في الفترة الأموية، إلا أن الإباضية باعتبارها فرقة رافضة للتحكيم، فقد خرجت من رحم فترة أقدم من المعتزلة. الفرقتان قد تجيزان الخروج على الحاكم إن كان جائراً، إلا أنهما ينبذان استخدام العنف. وعلى عكس المعتزلة وغيرهم من الفرق التي ظهرت ونشرت أفكارها بشكل علني، فإن الإباضية ولظروف نشأتها اعتمدت على السرية، إلا أن هذه السرية زالت أو (هكذا يظن) بعد تطور المذهب واكتمال تأسيسه في القرن الثاني للهجرة، وتحولت فيها الإباضية من حركة سرية إلى فرقة كلامية حسب ما يراه الباحث رضوان السيد مثلاً. وهناك من لا يتفق معه ويرى أن الإباضية فرقة لا تعتمد على إشهار أفكارها على عكس المعتزلة الذين كانوا أكثر جهراً وعلانية.

أمَّا على صعيد تعامل الإباضيةفي عُمان مع المناخ الإسلامي السياسي في عهد الأمويين والعباسيين، فقد استمرُّوا في حيادهم ورفضهم للخلفاء، ولكن دون مواجهة حربية. كما أنهم لم يساندوا أية فرقة من الخوارج. كانوا -حسب كلام الباحثJosef Van Ess- يريدون مزاولة تجارتهم والعيش بسلام؛ فحين تقاتل الناس في البصرة ضد المنصور لم يساند الإباضية أي طرف، بل هجروا البصرة وغادروها.

 

2- إعادة قراءة المصادر الإباضية:

في هذا القسم، استعراض ودراسة لعدد من مؤلفات شيوخ إباضية عمان والمغرب العربي؛ وأهمها كتاب ابن سلام الإباضي، وكتاب السيرة جامع أبي قحطان بن خالد. أما المؤلفات الإباضية من الشمال الإفريقي؛ فمنها كتاب "الدليل والبرهان" للوارجلاني، وكتاب "الموجز" لأبي عمار عبدالكافي، و"سير مشائخجبل نفوسه" للبغطوري... وغيرها من المؤلفات.

 

3- الخطاب الكلامي لدى الإباضية:

تَنَاول هذا القسم عدة مسائل كلامية؛ أهمها: تعاطي الإباضية مع مسألة خلق القرآن، ومفهوم الخطيئة ومسألة التكليف وعلاقة الجهاد بفهوم الخارجية (نسبة للخوارج)، إضافة إلى موقف الإباضية من العبودية وإلغائها وتجريمها اللاحق، وهذا بحث شيق إلا أنه استند إلىما قاله ابن إطفيش فقط، ولعلنا في المستقبل نرى دراسة مماثله تشتغل على الفكر الإباضي العماني ووجهة نظره حول هذه القضية. أما بخصوصالتكليف والقدرة والاختيار، فيقول مُعز دريدي، إنَّ الإباضيين خاصة في القرن الثاني للهجرة لم ينشغلوا بالتعمق في هذه المسائل، وهو يعتقد أن الإباضيين ركزوا بشكل كبير في التأكيد على قدرة الله الكلية، وترسيخ هذه الفكرة في شتى المجالات، خاصة في محدودية حرية الإنسان أمام هذه القدرة.

 

4- علم الكلام الإباضي المعاصر:

وفيه، تمَّ استعراض موقف الإباضية من مسألة رؤية الله، إضافة لموضوع القيم الإباضية والإسلام المعاصر والفكرالإباضي المعاصر في شمال إفريقيا، وإسهامات فكر الشيخ محمد يوسف أطفيش في تطور علم الكلام الإباضي، وبحث في مخطوطة غير منشورة لابن أطفيش تسمى "مبحث الفرق"، ودور الإمام السالمي في علم الكلام، وبحث في كتابه "مشارق أنوار العقول".

 

أخبار ذات صلة