تأليف: ألبرتوغاسباريتتو
عرض: فاتنة نوفل
الكتاب هو نتيجة لبحث كان موضوعه محددًا للغاية وهو السياسة الخارجية التركية. والاهتمام مُنصّب على سنوات حكم حزب العدالة والتنمية،الذي يُمكن اعتباره الفرع الحديث للحركة الإسلامية التركية المسماة ( (MilliGorus"وجهة النظر الوطنية" التي تأسست عام 1969 من قبل نسمتين أربكان، رئيس الوزراء لعامي 1996-1997 ورئيس حزب (الرفاهية).
إثر الفوز في الانتخابات في المنافسة ضد الفصائل الجمهورية الممثلة في الحزب الجمهوري في تشرين الثاني 2002، بقيادة صاحب الكاريزما رجب طيب أردوغان،والذي قام بفرض أنواع من الإصلاحات في السياسة الداخلية، وقبل كل شيء الحَد من نفوذ الجيش،المحور الحقيقيللنظام السياسي الدستوري منذ تأسيس تركيا الحديثة عام 1923،واعتماد خط إصلاحي معتدل -لإرضاء الاتحاد الأوروبي للانضمام إليه دون تحفظات تم وصفها كالطموح الكبير للحزب-بالجمع بين قيم التقاليد الدينية للإسلام التركي التي دفعت العلماء إلى تعريفه حزبًا إسلاميًا معتدلًا، وكذلك حزبا ليبراليا محافظا.
فمن ناحية موقعها الجيوسياسي، وتحليل السياسة الخارجية مع الشرق الأوسط، بمعنى العلاقات مع بعض البلدان الأكثر أهمية في الشرق الأوسط من خلال التركيز على بعض الأحداث الحاسمة للعلاقات الخارجية لتركيا وعلاقاتها بمركز صنع القرار ذي الصلة، اكتسبت تركيا موقعاهامافيالاستراتيجية السياسية،والاقتصادية والعسكرية، وهو العنصر الذي يُستغَّل عمدا وبوعي من قِبَلصناع القرار.فتركيا تقع بالضبط عند تقاطع ثلاث مناطق جيوسياسية: أوروبا، من خلال منطقة البلقان والتي سيطرت عليها لفترة أيام الإمبراطورية العثمانية، والتي تتشارك معها بسلسلة من الصراعات والتوترات؛والقوقاز، أي بعض الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة؛والشرق الأوسط، مهد العالم الإسلامي، والتي هي جزء ثقافيمنه.
من وجهة النظر المعتمدة لتحليل وتفسير السياسة الشرق أوسطية لحزبالعدالة والتنمية، أجريت الدراسة علىنَهجمعرفي لتحليل السياسة الخارجية، والتيمنذ ستينيات القرن الماضي، اتخذت نهجها من تقاطع الانضباطما بين السياسةالداخلية والعلاقات الدولية.العديد من المساهمات التي أغنت أدبيات المقاربة المعرفية لفهم السياسة الخارجية التركية من بينها دراسةللبريطاني مايكل بريشرالذي قام بتطوير النموذج الأكثر تنظيماً لفهمتوجهات وصياغة القرارات في السياسة الخارجية. وهو عبارة عن تفاعل بين عاملي "البيئة":التنفيذي،الذي يتكون من عشرة عوامل مادية، يمكن ملاحظتها مباشرة، إلى حد ما قابلة للقياس الكمي؛ وذلك النفسي المنبثق عن "أهلية الكفاءة" للحكومة، من خلال تأثير فلترة هذه العوامل، ومن "صور" فرديةلصناع القرار، أي مجموعة المعتقدات التي لديهم للعالم من حولهم"عامل فكري". التفاعل بين هذين البُعدين يسمح للباحث الذي يطبق هذا النموذجالحصول على صورة دقيقة للمتغيرات الرئيسية المستقلة التي تتدخل في عملية صنع القرار، والتي تعتبر حاسمة بنظر أصحابها.
من أجل دراسة تصورات صانعي القرار، تم استخدام ما يسمى بـ"المصادر الأولية"، وهي عبارة عن مقالات في الصحف،والتصريحات المستقاة من مقابلاتووثائق موجودة على الموقع الرسمي للمؤسسة؛ ومع ذلك، كان من الضروري إلاسهام بـ" المصادر الثانية"، من أجل الإلمام بالمسألة بشكل أفضل من الناحية النظرية فيما يتعلق بالبعد الداخلي للبيئة،وإعادة البناء التاريخي للأحداث.
للوهلة الأولى، قد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن الميل الإسلامي لحزب الحكومة يشكل الظروف المثالية لتحسين العلاقات مع الجيران المسلمين،والذين تم إبعادهمتاريخيا وفق الاتجاه العام الذي كان سائدا خلال النظام الجمهوري، حتى ثمانينيات القرن الماضي على الأقل، هذا الصوت يجذب العديد من الباحثين، كأولئك الذين ذهبوا إلى حد التأكيد على غلبة الطابع الإسلامي على السياسةالخارجية لحزب العدالة والتنمية.وتأكيدًا على هذا الخط التفسيري، وكنتيجة طبيعية، برز الاختلاف الواضح بشكل متزايد مع إسرائيل، والذي بلغ ذروته في أزمة العلاقات الثنائية عام 2010 على إثر حادثة "مافي مرمرة" وقد طالبت تركيا في حينه بثلاثة شروط لإعادة العلاقات: الاعتذار الرسمي، وتعويض أهالي الضحايا ورفع الحصار عن قطاع غزة.
لفهم أفضل للظاهرة التي تمت دراستها في هذا الكتاب سيتم التعرض لعدد من القضايا خلال العقد الأول لحكم حزب العدالة والتنمية. فمن وجهه نظر الكاتب هناك ثلاث شخصيات هي الأكثر نفوذا:رجب طيب أردوغانرئيساللحكومة عام 2003 ورئيساللجمهورية من عام 2014، وعبدالله غولوزيراللخارجية حتى عام 2007 قبل أن يصبح رئيسًا للدولة، وأحمد داوود أوغلومستشار أردوغان ووزيرا للخارجية منذ عام 2009 قبل أن يصبح عام 2014 رئيسا للحكومة لتتم "إقالته"عام 2016 لصالح بنالي يلدرمين وزير النقل في حكومات سابقة.
دراسة موقف صانعي القرار الأتراك في المرحلة السابقة للتدخل العسكري الأنجلو أمريكي في العراق في ربيع عام 2003 مثيرة للاهتمام بشكل خاص لسببين على الأقل:الأول: أن الانتخابات السياسية التي جرت في 3 تشرين الثاني 2002وحصول حزب العدالة والتنمية ذي النزعة الإسلامية المعتدلة بقيادة أردوغان على أغلبية 34.4٪ من الأصوات، ما مكنهمن تشكيل حكومة ذات لون واحد تدير السلطة التنفيذية،وهذا يعتبرالاختبار الحقيقي الأول لقدرات الحزب.الثاني:إن الحرب ضد نظام صدام خلقت ضغطا شديدا على العلاقة الخاصة التي تربط تركيابالولايات المتحدة الأمريكية(والتي حتى ذلك الحين كانت من المؤيدين لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي)مما يعتبر خطوة نحو صياغة جديدة في التوجه في السياسة الخارجية التركية في السنوات المقبلة لإعادة تقييم العلاقات مع دول الجوار الإقليمي الرئيسية. هنا لم يتم تحليل حالة العلاقات مع النظام العراقيبل مع جميع الجهات الرئيسية الفاعلة في هذه القضية، من التحالف مع واشنطن إلى قضية الأكراد، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى عبء العوامل الداخلية للنظام السياسي التركي. لذلك وبالتحديد، فإن القرار الذي تم تحليله هو التنازل للأمريكي عن جزء من الأراضي التركية في الجزء الجنوبي الشرقي للبلاد المتاخمةللأراضي العراقية للقيام بعمليات عسكرية موجهة ضد نظام صدام.لقد فُتحت مناقشات في البلاد على الرغم من الدوافع التي قدمتها الحكومة، لكن المكان الذي يتم فيه اتخاذ القرار الرسمي هو البرلمان. وهنا وباختصار، وجد الأتراك أن عليهم التوفيق بين الحاجات التي تمليها السياسة الخارجية وضرورات الساحة الداخلية ذات الطبيعة الاقتصادية. ومع ذلك،فعندما فهموا أن الحرب ستصبح حتمية، في آذار 2003، تم الاتفاق على إرسال قوات تركية إلى العراق.
الموقف الرسمي لصانعي القرار التركي منذ البداية هو الانتقاد لإسرائيل حول الحرب. لقدكانت هناك عبارات الإدانة تجاه حكومة إسرائيل في العديد من المواقف أهمها الحرب على قطاع غزة في 27 ديسمبر 2008 والذي طالبت فيه تركيا بسحب عضوية إسرائيل من الأمم المتحدة وعدم اعتبار منظمات حماس وحزب اللهكمصدر للإرهاب الدولي بل مجرد حركات تحرير وطني. وفيما يتعلق بحادثة دافوس فقد ذهب معارضوها إلى القول: كان على أردوغان ألا يترك المنصة بل إجبار بيريس على القيام بذلك بدلاً منه،كذلك يرى المراقبون أن وراء سلوك أردوغان نية خالصة لكسب أصوات الناخبين وموافقة حزبه في ضوء الانتخابات المخطط لها في آذار 2009.
وفي الملف الإيراني نجد أنه وبالرغم منتطورالعلاقة الاقتصادية بين إيران وتركيا، يبقى البلدان غريمين إقليميين، سواء فيما يتعلق بالتأثير السياسي في الشرق الأوسط وكذلك فيما يتعلق بالهيمنة على الخطاب الديني والتأثير على الحركات الإسلاميةفي المنطقة. كما هو واضح من خلال الاتفاق النووي مع إيران، في هذه المرحلة هناكإعادة توجيهإستراتيجي لتركيا على الاستخدام السياسي للقضية الفلسطينية لسحبها من رعاية إيرانية حصرية، ما ينطوي على اتخاذ مسافة بعيدة من إسرائيل. تلعب السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية دورًا مهمًا في الوساطة بين إيران والغرب بين عامي 2009 و2010، فمن ناحية الشرق الأوسط، الذي يجعلها بعيدة بشكل متزايد عن إسرائيل وبالتالي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي،مع إدراك أصحاب القرار التركي أنّالعلاقات مع واشنطن لا يمكنهم التخلي عنها؛فالمسألة التي يتشارك بها عضوا الناتو هو منع إيران من التقدم في مسارها المزعوم نحو الحصول على السلاح النووي. لكن المستشار السابق للسياسة الخارجية وعند سؤاله عن التغير في توجه السياسة الخارجيةالتركية وأنها منخرطة بشكل متزايد في شؤون الشرق الأوسط،أجاب أن أولوية تركيا تظل أوروبا، لكن الهيكل الجديد للنظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة يضع تركيا أمام تحديات تأتي من القوقاز ومن الشرق الأوسط، حيث لا تستطيع الدولة ألا تستجيب بشكل مباشر، متبنية سياسة خارجية متعددة الأبعاد.
أهمية العامل الاقتصادي داخل "أهلية الكفاءة"لصناع القرار التركي تظهر من جديد مع نشوب الأزمة السورية؛فهنا كصعوبة موضوعية مرتبط ةبعوامل داخلية وخارجية متداخلة، كقضية الأكراد على وجه التحديد التيتثير ديناميكيات وقضايا تعبرالحدودولاتعتبربالضرورة تنتمي إلى البيئةالداخلية ،فأنقرة تتمتع بأعلى درجة من الشرعية في المنطقة، ومع الربيع العربي تم خلط الأوراق بطريقة جذرية. ومن المعروف أنَّ خط الممارسة من قبل صناع القرار في الأشهر الأولى من الأزمة واندفاعأردوغانوأحمد داوود أوغلو نحو الجهود الدبلوماسية للحفاظ على الوضع الراهن(وهو دعوة الأسد مرارا إلى الاعتدال وحثه على القيام بإصلاحات سياسية يطلبها الشعب) يؤكد الخطر الكامن في تغيير النظام بشكل مفاجئ في دمشق والخوف من نشوء صراع من شأنه أن يلحق الضرر بالعلاقات الاقتصادية مع الجيران، وهي التي وصلت مع مرور الوقت إلى عملية مهمة للتكامل الاقتصادي،والتجاري والطاقة. من العلاقات التجارية المكثفة مع دول الخليج، والعلاقات القوية على نحو متزايد مع حكومة إقليم كردستان العراق التي تعتبر واحدة من أغنى مناطق النفط في المنطقة ما يسمح للبلاد بتنويع مصادر الإمدادات بدلا من الاعتماد على إيران وروسيا فقط. ومع ذلك، فإنها ترى في التحالف مع الأمريكي والذي تعرض لعدة هزات، ليعود بقوة ليحتل المكانالأولفي الأهمية لدى صناع القرار، مع وجود تآكل تدريجي للعلاقات مع الأسد، وإدراكهمأن اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود، والتي من اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ أن تكون مهددة كنتجة لتصاعد اﻠﺼﺮاع اﻟﺴﻮري، والتي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺿﻤﺎﻧﻬﺎ إﻻ ﻓﻲ إطارﺤﻟﻒ الناتو؛لتذهب تركيا في تشرين الأول وبعد فترة من التردد، إلى تبني قفزة سياسية،ومعارضةصريحة لنظام الأسد بالدعم العسكري للجيش السوري الحر واستضافة مؤتمر المجلس الوطني السوري الذي أنشئ حديثًافي الشهر نفسه على أراضيها،على الرغم من ضغط روسياوالصين في الاتجاه المعاكس،ودعم الحصارالاقتصادي الصادر عن الأمم المتحدة.
ومن هنا وفي ضوء التحليل الذي تم إجراؤه في هذا الكتاب، ما بين العوامل الداخلية خلال السنوات الماضية والتيهي اقتصادية بالإجمال،والنمو الاقتصادي القوي الذي شهدته البلاد خلال سنوات حكومة حزب العدالة والتنمية،نتج عن ذلك إمكانية تحويل نظرها إلى الشرق الأوسطوالذي كان بعيدا عن السياسة الخارجية ليس فقط لأسباب أمنية بل واقتصادية كذلك.
القليل من رؤساء الوزراء كان لهم تأثير كبير على الحياة السياسية التركية مثل أردوغان. فقد مارس الهيمنة على السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، مع أن الدستور التركي يمنحوزير الخارجية فقط مسؤولية السياسة الخارجية. لذلك يرجح الباحثونأن في مستقبل الرئيس التركي الميل للتغلب على الحد الدستوري لأداء وظائفه. على الجانب الخارجي، كان الخط العام أن ذهب إلىدعم المجموعات في الاحتجاجات ضد الأنظمة فيما يعرفب"الربيع العربي"، وبخاصة دعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر و سوريا. وبهذا انتقلت تركيا من سياسة"المشاكل المعدومة مع الجيران" إلى "العديد من المشاكل مع الجيران" أو حتى "العديد من الجيران مع المشاكل".
------------------------------------
التفاصيل :
العنوان :تركيا أردوغان والتحديات في الشرق الاوسط: إيران، العراق، إسرائيل وسوريا.
المؤلف:ألبرتو غاسباريتتو
دارالنشر:كاروششي للنشر
بلدالاصدار:ايطاليا
لغةالكتاب:الايطالية
تاريخالاصدار:آذار 2018
عددالصفحات:217
