تأليف: محمد سمير مرتضى
عرض: رضوان ضاوي| (مترجم وباحث مغربي في الدراسات المقارنة)
نقدّم في هذا العرض مؤَلَّفاً جديداً للباحث الألماني محمد سمير مرتظى، المتخصص في الدراسات الإسلامية، بصفته أوّل مسلم ألماني يعمل منذ 2010 باحثاً مساعداً خارجيّاً في مؤسسة الحوار الديني "فلت إيتوس Weltethos" التي أنشأها عالم الدين الكاثوليكي "هانس كونغ Hans Küng" والتي اقتنع مؤلّف هذا الكتاب بمبادئها التي نلخصها في أنّ التعايش السلمي يعتمد على التوافق في الآراء حول المعايير الأخلاقية؛ فـ"لا سلام بين الأمم بدون سلام بين الأديان"، و"لا سلام بين الأديان بدون حوار بين الأديان"، و"لا حوار بين الأديان بدون بحث أساسي في الأديان".
تناول الباحث الألماني محمد سمير مرتظى بالمناقشة في كتابه "شالوم وسلام: ضدّ الدّعوى الغربية بمعاداة السّامية في حقّ الإسلام" أطروحته التي تؤسس للعلاقة بين المسلمين واليهود في ألمانيا. وتقوم هذه الأطروحة على دعوة الكاتب إلى توخّي الحذر من الاتهامات الصادرة عن فاعلين ألمان وأوروبيين للمسلمين بالقيام بأعمال تدخل في إطار ما يصطلح عليه بالعداء للسامية. فهو يجادل بأن الإسلام ليس معاديّا للسامية، كما يعارض محمد مرتظى في كتابه الجديد استخدام القرآن من أجل التبرير لمعاداة السامية، ويدعو المسلمين في الوقت نفسه إلى انتقاد تلك المواقف.
ومن أجل الدفاع عن أطروحته، قدّم المؤلف هذا البحث في فصول يمكن توزيعها ووضع أبواب تتوفر على مجموعة من العناوين المتكاملة فيما بينها على النحو التالي:
خصّص الباحث القسم الأول من هذا الكتاب لـتاريخ العلاقة بين اليهود والمسلمين بداية من العصر القديم المتأخّر حتى العصر الوسيط، حيث تأرجحت هذه العلاقة بين الصراع والعيش المشترك. ثم ركّز الباحث على العصر الذهبي الذي شهدته هذه العلاقات خاصّة في إسبانيا الإسلامية. أما في القسم الثاني فقد ركّز مرتظى على تهمة الألمان للمسلمين الذين يعيشون في الغرب بمعاداة السامية. وقد تحدّث فيها المؤلف عن معاداة السامية المتوارية خلف الإسلام، باعتبارها ظاهرة اتسمت بها الحداثة الغربية. وهنا أقدم الباحث على تعريف القارئ إلى معاداة السامية الأوروبية وإلى الصهيونية، وعمل اللّوبي الصهيوني على أسلمة هذه الظاهرة. وختم المؤلف فصول كتابه بالقسم الثالث الذي طرح فيه مجموعة من الأسئلة قدّم من خلالها خطوات وطرقا ناجحة يمكن للمسلمين وغير المسلمين في ألمانيا تطبيقها واتباعها من أجل ردّ تهمة معاداة السامية الغربية في عصر ما بعد الحداثة وإنكار تهمة قيام المسلمين بهذا الفعل والذي يلصقه بهم الغرب.
أما مقدّمة الكتاب فقد تحدّث فيها الكاتب عن ضرورة ممارسة النقد الذاتي وإعادة النظر في الصور النمطية والعدائية المتبادلة بين أتباع الإسلام واليهودية. فيما جاءت الخاتمة متممة لما جاء في المقدمة، حيث حفّز فيها الكاتب على البحث عن المشترك الإنساني بين اليهود والمسلمين وضرورة التفكير في سرد جديد لهذه العلاقة، لهذا كان عنوان الخاتمة "كل خاتمة هي مقدّمة". وفي نهاية الكتاب ذيّل الباحث دراسته ببليوغرافيا مهمّة باللغات الألمانيّة والإنجليزيّة والمترجمة من العربية.
ومفهوم "العداء للسامية" مفهوم يهودي صهيوني معناه الحرفي "ضدّ السامية"، أو"معاداة السامية"، و"اللاسامية"، و"كراهية السامية". وانتشر هذا المفهوم في ألمانيا منذ اعتداء لاجئ سوري على يهود في برلين وأصبحت بعد هذا الاعتداء حوادث مماثلة موضوع النقاشات العامّة في ألمانيا. من هنا تفرّعت إشكالية هذا الكتاب إلى أسئلة عديدة من بينها: ما الذي يُمكن للمسلمين فعله لمواجهة تهمة معاداة السامية في الغرب؟ وكيف يمكن الاستفادة من واقعية الدولة الألمانية والتفكير في سرد مُغاير ومختلف لهذه المشكلة؟ وكيف يستطيع المسلم رفض التفكير في الصور العدائية وقبول التفكير في سرد جديد للعلاقة بين المسلمين واليهود؟
يقول المؤلف إن هذه التهم مصدرها حسابات خاطئة لأن الذين يستعملون القرآن ليستدلوا منه على معاداة الساميّة عند المسلمين، لن يجدوا ما يمكن الاعتماد عليه من الأدلّة سوى التفسير من جانب واحد. بهذا يشير الكاتب إلى وقوع المبشّرين بالكراهية في أزمة عدم وجود أدلة، حين يريدون التحصّل على مساجلات من القرآن. فالصورة العدائية لليهود، كما يقول الكاتب، هي اكتشاف الغرب في العصر الحديث بصفته سلوكاً مرفوضاً للكثير من المسلمين، وهي صور عدائية لها علاقة بترجمة الكتابات المعادية للسامية ذات المرجعية المسيحية أكثر منها لها علاقة بمضمون القرآن الكريم ذاته، وهي بالأساس تكمن في التطورات السياسية لما بعد الحرب في ألمانيا واستباحة الصهاينة لأرض فلسطين.
من هنا نستنتج أن كتاب مرتظى يستهدف مجتمعه الإسلامي في ألمانيا، حيث يدعوهم إلى النقد الذاتي، والتسامح، وأيضاً غير المسلمين من الألمان، كما أنه مؤَلَّف تصالحي ملتزم بإخلاص بالحوار بين أتباع الديانتين اليهودية والإسلامية، ويقدم خلاصة غنيّة بالمعارف عن تاريخ اليهودية والإسلام، كما يقدم أساساً مميزاً للحوار المؤهّل لتجاوز الاختلافات الواقعية ومصاعب الحوار.
يشير الباحث إلى أنه لم يكن الدين وحده من العوامل المؤثرة في علاقة المسلمين باليهود، بل أيضاً الظروف التاريخية، ورؤى الماضي والسياقات الجغرافية والزمنية. لكن، من وجهة نظر الباحث الألماني محمد سمير مرتظى، يظل القرآن والسنة هما المصدران الوحيدان اللذان يقودان المسلمين في تعاملهم مع اليهود والمسيحيين. وقد أشاد رجال الدين اليهود بالنبي محمد وبخصاله وبرسالته، ومنهم "الحاخام ليو بيك"، الذي اعتبر أن: "النبي محمد كان واحدا من أكثر الناس أصالة وأبرّهم في أي وقت مضى. وتساءل هذا الحاخام: ما الذي يفصل بين الإسلام واليهودية؟-ليس كثيراً. إنّ الإيمان بالله الواحد يوحد، والإسلام يطالب بالأعمال الصالحة، وقد أحضر أيضًا شيئًا لم يكن لدى الكنيسة أبداً، وهو: الديمقراطية الحقيقية، في الإسلام، لذلك من المفهوم أنه في العصور الوسطى عاش اليهود والمسلمون بعضهم قرب بعض، جنباً إلى جنب بسلام في وعي بالتآزر".
في شهادة ثانية لحاخام يهودي، كتب كل من "ياكوف رابكين" و"هندة رابكين" هذا المعنى بأن العديد من اليهود اعترفوا بالنبي محمد. أمّا "الحاخام ألن س. مالر" فيكتب أنه رغم عدم إيمانه بالإسلام، إلا أنه لا يعارضه: "أنا (...) لا أؤمن بالقرآن، لكن لا أعارضه. لا يمكنني رفض القرآن. لأني أحترمه كإعلان لشعب معيّن بلغة واقعية، هذا الشعب ولغته وعلمه أقرب إلى شعبي ولغتي أكثر من أي شخص آخر".
ويستفيض الباحث في شرح وجهة نظر الباحثين الألمان المنصفين فيقول إنه بشكل عام، اليهود لديهم احترام خاصّ للإسلام وللنبي محمد وللقرآن. وبالنظر إلى الموضوع من معنى إيماني، فإنَّ الديانتين اليهودية والإسلام لديهما الكثير من القواسم المشتركة. وقد كان التفاعل بين اليهود والمسلمين في فترة الخلفاء الراشدين والفترة الأموية التالية قد ترك آثاراً عميقة على كلٍ من الإسلام واليهودية. كما ساهم اليهود والنصارى إلى جانب المسلمين في الحياة الإسلامية الفكرية والثقافية.
بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد الهزيمة في الحرب العربية الإسرائيلية، اشتد العداء للصهيونية في العالم الإسلامي، الشيء الذي جعل الغرب يعمل على أسلمة معاداة السامية ويجعلها، ضمن مؤامرة كبيرة، معاداة إسلامية للسامية، مستشهدين في ذلك بكتب مفكرين مسلمين مناهضين للصهيونية، مع إهمال الغرب عنوة وجود الكثير من المفكرين الغربيين المناهضين للصهيونية. من هنا إذن تأتي ضرورة إعادة تفسير جذري للتاريخ الإسلامي اليهودي، من خلال إعادة النظر في بعض الأدبيات الإسلامية التي تدعم الغرب في نظريته وتجعل معاداة السامية متأسلمة ليفسروا بها ما يحرصون على تسميته بـ"الإضمحلال والتدهور الحضاري" الذي يعرفه العالم الإسلامي.
يقول "مايكل كيفر" في أطروحاته المستنيرة بخصوص هذا الأمر: "علينا أن ننظر إلى المدرسة بوصفها المؤسسة الأكثر ارتباطاً بكثير مع عالم الحياة وبالمجتمع. ولهذا يجب أن تعطى دروس للطلاب ذوي أصول مهاجرة في الدين الإسلامي. كما ينبغي دمج الموضوع في تكوين المعلمين، وتنشيط الحوار اليهودي – الإسلامي، ومناقشة معاهدات السلام، وعمل أتباع الديانات الثلاث على بناء تقاليد الموروث المشترك والخبرة المشتركة.
ولكي يزيل الباحث في الدراسات الإسلامية محمد سمير مرتظى اللبس بخصوص مصطلح "معاداة السامية" يوضح أنه لا يستخدم كلمة "معاداة السامية الإسلامية"، لأنه لا يوجد معاداة للسامية الإسلامية، ولكنه يتحدث عن معاداة السامية الأوروبية التي تم أسلمتها وإلصاقها بالمسلمين في ألمانيا، مما يتوجب علينا نحن المسلمين تحرير أنفسنا وضبط المفاهيم. إن الخلط بين معاداة السامية المعاصرة و"تهمة معاداة السامية الإسلامية" هو أمر غير دقيق، "فغالبية المسلمين في ألمانيا يرغبون في الاندماج بعمق، وجرائم قتل اليهود في ألمانيا من فعل ألمان. كما أن معاداة السامية موجودة في أماكن أخرى لا يوجد بها مسلمون بالمرة. ويضيف الكاتب أنه هنا في الغرب لا يوجد مثل هذا القدر من التمايز، حيث يتحدث المرء باستمرار في وسائل الإعلام عن معاداة السامية الإسلامية كذباً وزوراً. فبعد اعتداء شاب سوري على يهوديين في برلين يجمع الكثير من المهتمين الألمان بأن الجدل حول معاداة السامية في الغرب إنما هو محاولة لاتهام مسلمي ألمانيا، علماً بأن جرائم معاداة اليهود أو السامية يقف وراءها ألمان ينتمون إلى اليمين المتطرف أو النازيين الجدد، وليس المسلمون. فالعداء للسامية موجود في ألمانيا قبل وجود اللاجئين على أراضيها. وكشف هذا اللبس يحتاج إلى مشاركة المراقبين والمختصين بنظرة موضوعية في هذا الجدل المتواصل في ألمانيا. وقد اتهم المؤرخ موشى تسيرمان في مقال نشرته له صحيفة فرانكفورتر أن جدل الاتهامات الجديدة للمسلمين إنما هي استراتيجية لصرف النظر عن الاعتداءات ضد السامية التي يرتكبها ألمان أصليون. وكل تلك التهم إنما هي عبارة عن فلسفة تشويه سمعة المسلمين في ألمانيا. من هنا يدعو الكاتب إلى أن نكافح ضد معاداة السامية نفسها بوصفها هي الهدف.
إن هؤلاء المدّعين لا يكافحون معاداة السامية ولا العنصرية، بل إن غرضهم أساساً هو شيطنة الجالية المسلمة في ألمانيا. ويعتبر العرب من بين أهم الشعوب التي اتهمت بالعداء للسامية لأنه يكتب تاريخهم العام بواسطة المؤرخين الصهاينة من زاوية العداء والكراهية رغم أن المؤرخين اليهود الموضوعيين والسابقين لظهور الصهيونية اعتبروا حياة اليهود في العالم العربي والإسلامي تمثل العصر الذهبي في التاريخ اليهودي. وعليه، فإن معاداة السامية في أوروبا أصلها ومنبتها هي ألمانيا وأوروبا.
وقد جاء في خاتمة هذا الكتاب بعنوان "كل خاتمة هي مقدمة: دعوة إلى إشارة مشتركة"، أن عاشوراء، التي يحتفل بها المسلمون واليهود، والتي تبدأ يوم العاشر من الشهر العربي المحرّم، والكثير من المسلمين واليهود اهتموا بطرح السؤال عما إذا كانت عاشوراء توافق عيد الغفران اليهودي في اليوم العاشر من شهر تشريه حسب التقويم اليهودي. وكان العالم الهندي أبو الحسن علي الندوي (توفي في 1999) قد أشار في عرض مقنع جداً بأن يوم عاشوراء يوافق عيد الفصح اليهودي الذي نجى فيه الله تعالى بني إسرائيل من بطش فرعون، وفيه يشكر اليهود الله لأنه نجاهم منه، وفيه يتخلى الكثير منهم عن أكل الأكلات المخمرة (المصنوعة من العجين المخمر).
ويختم الباحث محمد سمير مرتظى كتابه بفقرة يدعو فيها إلى النظر إلى المشترك الإنساني الذي يجمع ولا يفرق، والذي قد يكون سبباً في العيش بسلام ووئام وتسامح بين الناس. ويطلب من المسلمين واليهود استغلال فرصة تاريخية لها أهميتها عندهم. ففي 2033 ستحلّ عاشوراء في 10 أبريل، بينما ستكون بداية عيد الفصح اليهودي في 14 أبريل، مما يدل على أن المسلمين واليهود سيحتفلون في وقت واحد. بالتالي لدى المسلمين واليهود في ألمانيا خمسة عشر سنة لكي يحتفلوا سوية في 2033 بعاشوراء وبعيد الفصح ويعملوا سويّة وينتظموا في مواجهة تهمة العداء للسامية التي يعمل الغرب على أسلمتها وإلصاقها بالمسلمين في ألمانيا وفرنسا. يقول مرتظى: "يتوجب عليهم فقط البدء بالتحضير لهذا الأمر".
يبدو أن مشروع مرتظى متدرج على نحو متكامل، فمن اهتمامه بأفكار الإصلاح، إلى اهتمامه بالفلسفة الإسلامية، ثم التسامح والحوار بين المسلمين واليهود. ويقصد بالمحور الثالث خلق تصور معاصر عن التسامح في الإسلام من خلال التركيز على أهمية الحوار اليهودي الإسلامي وهدم دعوى الألمان والغرب بمعاداة المسلمين المقيمين في ألمانيا للسامية، والتي يقول مرتظى إنها مرتبطة تاريخيّاً بالصراع في الشرق الأوسط، وبالتالي فهي إشكالية قابلة للمعالجة. ففي كتابه موضوع هذه المراجعة، خلص مرتظى إلى أنه حتى إذا كان هناك بعض المسلمين معادين للسامية، فإنهم لا يجدون في القرآن الكريم أدلّة يستندون عليها. هم يعتمدون فقط على الكتابات الغربية-المسيحية المعادية للسامية، حيث يقومون بأسلمة هذه النصوص الغربية واستغلالها في خدمة إيديولوجية الكراهية.
-----------------------------
التفاصيل :
الكتاب: شالوم وسلام: ضد الدّعوى الغربية بمعاداة السّامية في حقّ الإسلام
المؤلف: محمد سمير مرتظى
اللغة: الألمانية
دار النشر : إنفو 3، فرانكفورت على نهر الماين، 2018.
عدد الصفحات: 154 صفحة.
