الطريق الطويل نحو الديمقراطية في الهند

41vzsfxq3oL.jpg

تأليف: مجموعة من الباحثين

عرض: علي الرواحي

يأتي هذا العمل الجماعي بمناسبة استعداد الهند للانتخابات السابعة عشر والتي تحين في أبريل ومايو من عام 2019م، والتيتجري فيها انتخابات"لوك سابها" باللغة الهندية أو بيت الشعب كما هو معروف؛لأنهيعتبر البيت التحتي أو السفلي للهند أو للمجلس المكون من غرفتين أو من مجلسين تشريعيين، حيث تقام هذه الانتخابات على كل خمس سنوات. في هذا العمل والمكون من أربعة فصول و27 بحثًا، شارك فيه الكثير من الشخصيات المختلفة من حيث التوجهات والخلفيات الدينية والعرقية والوظيفية، مزودًا بثلاثة ملاحق لا تقل أهمية عن فصول الكتاب وأبحاثه.

من خلال فصول هذا العمل، نستطيع الاقتراب من نموذج ديمقراطي يمثل أكبر نسبة منتخبين في العالم حيث بلغ عدد المنتخبين في عام 2014م ما يزيد عن 834 مليون ناخب مما جعلها أكبر نسبة ناخبين في العالم متفوقة بذلك على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، إذا أخذنا في الحسبان بأن عدد السكان يزيد عن مليار نسمة، كما يوضح لنا هذا العمل التداخل الكبير بين الثقافة الهندية المحلية والقوانين المستجدة في الحياة السياسية بشكل ٍ عام، وما رافق ذلك من تحديثات هيكلية، وبنيوية لا يمكن تجاهلها أو غض النظر عنها. كما يوضح أيضًا التجارب الديمقراطية المجاورة للهند والتي استفادت من التجربة الهندية في هذا المسار كما هو حال النيبال، وبوتان.

في تقديم هذا العمل يكتب برناب مخرجي رئيس الهند الثالث عشر، ووزير المالية الهندي السابق وعضو الحزب الحاكم فيها والذي يعتبر أول رئيس هندي من أصول بنغالية، يكتب عن هذه الانتخابات وأهميتها من حيث أنها جعلت الشعب الهندي يمتلك سيادة الجمهورية الديمقراطية والتي تضمن تقديم العدالة، والحرية، والمساواة لجميع المواطنين. فالديمقراطية – يقول مخرجي – بأنها ليست هدية بل هي ثقة مقدسة، فالدستور الهندي يحتوي على 395 مادة، في حين أن اثني عشر ليست أدوات إدارية، أو وثائق قانونية، بل هي "ماجنا كارتا" تساعد على الانتقال السياسي والاقتصادي للبلاد. فهي – والكلام لمخُرجي -  تُمثّل الأمل، والطموح لما يزيد عن مليار نسمة في الجمهورية الهندية.

في مقدمة هذا العمل، يقول س.واي.قرُشي والذي يشغل رئيس لجنة الانتخابات الهندية السابعة عشر، في توصيفه للديمقراطية الواقعية بأنها تلك التي تجعل المواطن يتحدث بحرية دون خوف، فهي تمنح المواطنين الحقوق المدنية والسياسية التي تمكنهم من محاسبة ناخبيهم، فهي ربما لا تحقق المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين لكنها تساعد على البدء في العدالة، والمساواة، وتعيين حكومة جيدة. فهذه الانتخابات تعتبر جوهرية للعدالة، والحرية، وقيادة التنمية؛فالانتخابات في الهند ليست جديدة بل تعود إلى عام 1895م، والذي يعتبر المحاولة غير الرسمية الأولى لما يمكن وصفه بأنه مسودة للدستور، حيث أعلنت بأن كل مواطن يعيش في الأراضي الهندية له كل الحق في اتخاذ موقف من شؤون البلاد.

في الجزء الأول من هذا العمل والمعنون بأفكار أساسية (ص3)، يتحدث بهيخوباريخ المنظر السياسي الهندي الشهير وعضو مجلس اللوردات البريطاني، عن جدلية الانتخابات، حيث يرىباريخ بأن الديمقراطية لها ثلاث مكونات أساسية: الانتخابات، والتداول العام، وحق التظاهر أو التجمع. فالمكون الأول يشير إلى أن السلطة السياسية تُمارس أو تستخدم عن طريق الذين منحهم الشعب السلطة. في حين أن المكون الثاني يشير إلى أنها تمارس لغرضٍ يخضع للنقاش العام بين وجهات نظر مختلفة. بينما الجانب الثالث يذهب إلى أن حق التظاهر العام هو الحصن المنيع ضد سوء استخدام السلطة السياسية بما يؤدي إلى إهمال القضايا الوطنية الهامة. ففي العقود القليلة الماضية واجه العاملان الأولان تراجعًا كبيرًا، فالانتخابات البرلمانية لم تكن تداولية كما كانت، فهي تلتقي في المدى القصير مع نظيرتها الغربية، كما أنه يتم تعطيلها بشكل اعتيادي بشكل مستمر. في الجانب الآخر، فإن تنظيم الإرادة العامة والمتمثلة في المظاهرات والتي تطورت كثيرًا خلال معاناة الاستقلال مما سمح لها بالتآكل، واستبدالها بشكل ٍ عرضي، غير منسق، وبتخطيط ضعيف، مما قادإلى انفجارات غضبية؛ حيث بدا واضحا أنه تم شراؤها في معظم الأوقات، أو تم تجاهلها أو قمعت بوحشية في معظم الأوقات، حيث كان أولئك المشاركون متورطين أو متهمين بالعنف أو بالزيف أو بتخطيط مشكوك فيه. ففي نتيجة كل ذلك، أصبحت الانتخابات إلى حدٍ كبير، هي المحرك الأول والكبير للديمقراطية، فهي بهذا المعنى قد احتلت الحيز الأكبر للديمقراطية، وحملت العبء الأكبر عن الأشخاص الذين يرغبون في صياغة وتحديد مصيرهم.

في المقابل، فإنّ اختزال الديمقراطية إلى الانتخابات والانشغال الحصري والوحيد بها من الممكن أن يؤدي إلى عواقب مختلفة؛فالسلطة الشرعية تعتبر في هذه الحالة بأن مصدرها الانتخابات وبأن الشخص أو الأشخاص المخولين للحديث إلى الناس هم فقط المنتخبون. مؤسسات المجتمع المدني وأنشطة المنظمات غير الربحية لا يمكنها الحديث باسم المواطنين لأنه لم يتم انتخابها. وبهذا المنطق فإن حتى المهاتما غاندي يعتبر محتالا، ومخادعًا، فعندما تنفصل الانتخابات عن البنية المعقدة للسياسة الديمقراطية والمؤسسات، فهي تساند وبشكلٍيبدو بديهيُا الاستبداد والشمولية؛ففي حين أنّ الانتخابات تعتبر بهذا المعنى عائقا، فإنّها في المقابل يمكن اعتبارها بأنّ لديها قوة دفع للأمام في السياسة الهندية. فبفضلها برزت أسماء كثيرة، ومجموعات متنوعة في النظام السياسي، وبشكلٍ خاص الفقراء والمهمشين. فبرغم شعور اللامبالاة تجاه المظاهرات وعدم تأثيرها في تداول السلطة العمومية، فإن المواطنين وجدوا أن صندوق التصويت طريق سهل للسلطة والتأثير السياسي؛فعن طريق تمكين جمهور الناخبين من القيام بهذه العملية تصبح مصدر القوة الوحيد عندما يكون المواطنين منظمين بشكلٍ جيد. الصوت الواحد من ضمن ملايين الأصوات المختلفة يبقى عاجزًا، وهو ما يجعل التنظيم ضروريًا لتحقيق النتائج المرجوة ومواصلة ثقة المواطنين في النظام السياسي.

ولأجل توضيح ذلك، فإنّ العودة إلى الماضي الكولونيالي للهند لفهم هذه العلاقة المتميزة بين القانون والسياسة تصبح ضرورية جداً، فالانتخابات المحلية حدثت في سياقات ومناخات مختلفة في بداية القرن التاسع عشر؛ فبداية القانون الشامل للانتخابات الهندية يعود إلى إصلاحات الاستعمار البريطاني في عام 1919م وما بعد ذلك، وذلك بالرغم من الصلاحيات البسيطة والمتواضعة، والتي ابتدأت تلعب دورا مركزيًا في إدارة وسياسة البلاد. ومنذ البداية قد ولدت في تناقضات، فمن الجهة الأولى رأت بريطانيا بأن الانتخابات وسيلة مهمة لتحريك أو غربلة الوسطاء الذين يمتلكون القوة ويحكمون قبضتهم على البلاد بشكلٍ كامل من خلالها، كرجال الدين، والطوائف، والتقسيمات الاثنية. بالإضافة لذلك فإن بريطانيا استخدمت الانتخابات وسيلة من وسائل حماية الدولة والسيطرة عليها، وذلك من خلال البدء في إنشاء هيكل قانوني للتصويت يتيح من خلاله تزويد الناخبين برؤية قانونية للانتخابات باعتبارها خيارًا فرديًا، تلك الرؤية التي أثرت على تأسيس تطور قانون الانتخابات في الهند.

فيما بعد عام 1947م، عادت الانتخابات للكثير من العناصر والتمييزات المختلفة، كالدين، والطائفة، والعرق، واللغة وغيرها من العناصر التي حددت الكثير من خيارات الناخبين وتوجهاتهم، ومع ذلك فإن القانون قد لعب دورًا كبيرًا في تطور الدستور الهندي عن طريق عدم تمسكه بالخيارات القديمة للأشخاص والتي رأى الكثيرون بأنها تمثل عائقًا في هذا المجال. ذلك أن فكرة الحرية وتمحورها في الحياة الشخصية، كما أنّ فكرة الخيار الشخصي في الانتخابات أصبحت محمية بحكم القانون، حيث أصبحت في مركز السيادة الشعبية التي يجب الحفاظ عليها.

ولكن ما الذي يميز الانتخابات الهندية؟ بهذا السؤال يفتتح يوجندراياداف مبحثه وهو أكاديمي في جامعة دلهي وناشط سياسي، محاولًا الإجابة عن التحديات التي تواجهها هذه الانتخابات، مثل: هل نجح نظام التنافس الانتخابي في التعبير عن مطالبات، ورغبات واحتياجات الشعب الهندي؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي الأخذ بعين الاعتبار المسافة الفاصلة بين الأفكار والمعايير من جهة، والواقع الثقافي الذي يتحكم في الكثير من الأشياء ومن ضمنها العملية الديمقراطية من الجهة الأخرى. يضمن هذا الواقع الثقافي جملة كبيرة من المحددات، من أهمها: نوعية ومستويات القيادات السياسية، وطبيعة الأحزاب السياسية، وطبيعة المنافسة الحزبية في مقابل الاعتقادات الشعبية والمواقف والقيم المختلفة. إذا كانت الديمقراطية تعني في هذا السياق – بحسب ياداف– شكل الحكم الذي يشرع عن طريق الشعب في انتخابات تنافسية من الاعتراف الكامل بإمكانية خسارة السلطة في هذه الانتخابات العادية، فإنّ هناك الكثير من المعايير المختلفة تصبح ضرورية للحديث عنها، مثل: 1) الانتخابات تكون تنافسية مع وجود أكثر من منافس فعلي. 2) للمعارضة فرصة عادلة للفوز والدعم الشعبي.3) لا يمكن إلغاء التفويض الانتخابي من قبل الخاسر في الانتخابات، وكذلك لا يمكن فرضها من قبل الفائز. 4) تعقد الانتخابات بشكلٍ منتم بغض النظر عن أمنيات وطموحات صاحب السلطة.

بهذا المعنى فإنّ الهند – حسب الكاتب – تعتبر ديمقراطية، غير أنه في المقابل هناك بعض المعايير التي تم انتهاكها في هذه الانتخابات، من ذلك تلك الفترة غير الدستورية للزعيمة السياسية انديرا غاندي من الفترة 1975م – 1977م والتي أعلنت فيها حالة الطوارئ الوطنية. كما أنّ الجانب الثاني يتمثل في عدد السكان الكبير الذي يعيشون في مستوى متدنٍ من الحياة والخدمات لحياة جيدة.

والسؤال المفاجئ هنا: لماذا نتفاجأ بالتعايش بين الديمقراطية والفقر الكبير في البلاد؟ بمعنى آخر؛ لماذا لا يستخدم المُشرِّعون أو الذين تم انتخابهم السلطة في تحسين الشروط المعيشية لناخبيهم؟

للإجابة عن هذه الأسئلة من الضروري القول بأنّ العلاقة بين الفقر والديمقراطية في الهند معقدة جدًا أكثر من بقية المجتمعات الأخرى، ففي المقام الأول نجد أن المؤسسات الديمقراطية في الهند مثل: النظام البرلماني، والنظام الفيدرالي، ومرونة تعديل الدستور، لا تعتبر عوائق فعلية للإرادة الشعبية الفعلية، لأنه لا توجد نقاط اعتراض من الممكن وضعها كعقبة أمام سياسة الرعاية الاجتماعية. علاوة على ذلك، نجد أنّ مستوى الانتهاكات قد تراجع في الفترات الأخيرة مقارنة مع السابق.

في القسم الثاني من هذا العمل والمعنون برحلات مشاغبة أو صاخبة (ص79) وما بعدها، تتطرق إيلا شارما من لجنة الانتخابات النيبالية إلى بعض الدروس المتبادلةبين الانتخابات النيبالية والهندية، حيث ترى شارما أنّ هناك عوامل كثيرة: دينية، وثقافية، وتاريخية وغيرها تجعلهما تشتركان فيها، وهو الأمر الذي أثر على مستوى، وقوة الانتخابات في البلدين. كما أنّ هذا التقارب يعود إلى تشابه التحديات والعوائق التي تقف في وجه قيم الحرية، والانتخابات العادلة، حيث أنتج هذا التقارب بين دول شرق آسيا مؤسسات مختلفة، منها: الجمعية التعاونية لمناطق شرق آسيا في عام 2010م والتي تأسس منها منتدى إدارة الانتخابات في شرق آسيا،حيث شاركت لجنة الانتخابات في النيبال كمتدرب أو مراقب في الكثير من الانتخابات الهندية، مما أتاح لها المشاركة في أكبر انتخابات في العالم، والفرصة لمناقشة إشكاليات الإصلاح السياسي والتطبيقات الجيدة والممكنة في هذا المجال، كما استفادت النيبال أيضًا وبنسبة كبيرة من معهد الهند الدولي للديمقراطية وإدارة الانتخابات، الذي مكّنها من مشاركة السياسيات العامة إلى العمليات الانتخابية والتنظيمية الاعتيادية.

فيما يتعلق بمشاركة النساء في الانتخابات، تشير شارما إلى أن نسبة النساء في النيبال تتجاوز الرجال بنسبة 3% تقريبًا، في حين المشاركة في الانتخابات تذهب إلى أنّ مشاركة النساء أقل من الرجال، وهذا يشير إلى عدم توفر وعي سياسي كاف لدى النساء في النيبال، وبالرغم من ذلك ينص الدستور على تخصيص مقاعد للنساء في البرلمان بحكم القانون، مما أتاح لبيدي ديفيبينداري أن تصل إلى رئاسة النيبال في عام 2015م، كما تم إعادة انتخابها في انتخابات عام 2018م. وبحسب شارما فإن اللجنة الانتخابية تدرك جيدا ً ضرورة أن تكون هناك نسبة منصوص عليها لمقاعد المرأة في الانتخابات.

لا تقتصر الاستفادة من تجربة الديمقراطية الهندية على النيبال، بل تعدت ذلك إلى مملكة بوتان سابقًا والتي تطورت إلى ملكية دستورية في عام 1999م، حيث يوضح داشوكونزانج والذي شغل منصب رئيس لجنة الانتخابات في بوتان بين عامي 2008م، و2013م، في مبحثه الاستفادة من التجربة الهندية والتي ساهمت في تأسيس لجنة الانتخابات، وسن القوانين والتشريعات بما يتناسب مع ثقافة المجتمع وطبيعة التحولات السياسية في هذا السياق. كما ساهمت أيضًا في جعل هذه الانتخابات تتسم بطابع حديث، من حيث الأدوات التقنية المستخدمة والأنظمة المعمول بها، وذلك بعد الزيارات المتكررة والتي ابتدأت في عام 2006م وما بعدها، والتي من خلالها دخلت في عصر سياسي جديد.

في القسم الثالث (ص153)، من هذا العمل والمعنون بالشعب ومنظوره تجاه الديمقراطية الهندية، تذهب المناقشات إلى طبيعة المجتمع المدني في الهند من وجهة نظر الناخبين، كما يوضح أيضا الدور الذي لعبه المجتمع المدني في هذه العملية منذ فترة طويلة والتطورات التي لحقت الفضاء العام ودور مؤسسات المجتمع المدني في نجاح هذه العملية.

من جهة أخرى يتطرق هذا الجزء إلى نقطة تحول مهمة في مسار الانتخابات وهو مسار المرأة الهندية التي كافحت وصوتت برغبتها العميقة في تمكينها من أداء أدوار فاعلة في الساحة السياسية والتي ابتدأت في عام 1900م، بعد مسيرة حافلة من أجل الحق في الاقتراع، حيث نص الدستور على هذا الحق بعد استقلال الهند عام 1947م، وتحديدا ً في عام 1950م. غير أنّه قبل ذلك كانت هناك حركات اجتماعية تهدف لهذا الحق كما هو الحال في مدراس عام 1921م وغيرها من الحركات الاجتماعية اللاحقة في هذا الشأن، وهو ما انعكس بشكلٍ كبير على انتخابات عام 2014م حيث تجاوزت نسبة النساء المنتخبات نسبة الرجال في البلاد.

في ختام هذا العمل، تؤكد التجربة التاريخية للهند في مسيرتها الطويلة والحافلة نحو الديمقراطية بأنها واجهت الكثير من التحديات والمصاعب، وفي المقابل فإن لديها الكثير من الإنجازات الداخلية والخارجية.

 

الكتاب : الطريق الطويل نحو الديمقراطية في الهند

المؤلف: كتاب جماعي

الناشر:Penguin Viking،2019م

عدد الصفحات: 320

لغة الكتاب: الإنجليزية

 

أخبار ذات صلة