تأليف: مجموعة من الباحثين
عرض: وليد العبري
يقدم هذا الكتاب الواسع والثاقب المنح الدراسية الحالية في الحقول الفرعية الهامة لفلسفة العلوم، ويتناول صورة صافية عن مبحث مهم من مباحث الفلسفة، وهو تجمع مساهمات مختارة بعناية في المجالات الأربعة، فلسفة الفيزياء،وفلسفة علوم الحياة، وفلسفة العلوم الاجتماعية والقيم في العلوم،وأخيرا فلسفة الرياضيات والنمذجة الرسمية، ومن لدن فلاسفة علوم متخصصين في مضمار فلسفات علومهم، كما أن هذا الكتاب يفتح نقاشا عميقا بين ثالوث: فلسفة العلوم الحقة، وفلسفة العلوم الاجتماعية، وفلاسفة العلوم الإنسانية. وهذا الكتاب عبارة عن تدوين لما كان قد راج في مؤتمر الجمعية الألمانية لفلسفة العلم العريقة الشهيرة، الذي كان قد انعقد في 8-11 مارس من عام 2016.
في مقدمة الكتاب وضع عدة تسأولات وأهمها هل هناك حجج جيدة ضد الواقعية العلمية؟ وناقش أيضاخصوصية الجدل بين الواقعية والعصيان، إذ يوضح الكتاب بأنّهناك بعض الكُتاب الذين يدافعون عن المناصب المضادة للأفكار في مناقشة فلسفية لا يتفقون مع ما يفعلونه عند معالجة المواد العلمية،وفي حالة أخرى، يتصرفون كواقعيين؛إذ إنه يمكن حل هذا التوتر من خلال التمييز بين الخطابات المختلفة التي تنتمي إلى مستويات عدة من التطرف الفلسفي اعتمادا على مستوى الاحترام، كما يتم منح أو توقع بعض الفرضيات المسبقة.
انتقل بعد ذلك الكتاب إلى مناقشة الحجة المعجزة من خلال مناقشة مثال بسيط لتركيب المنحنى. في المثال،يمكن التنبؤ بتعدد الاستخدامات الجديدة دون الإشارة إلى حقيقة منحنى التركيب؛ لأن هذا الوضع له أوجه تتشابه مع الحالات العلمية الحقيقية، فإنه يلقي بظلال من الشك الشديد على حجة المعجزة. بعد ذلك، ناقش استراتيجية الواقعية الانتقائية، خصوصا عنصرها الأساسي الإضافي، وحجة الاستمرارية.
هناك إجابة ظاهرية معقولة على التسأول الذي أوضحناه في مقدمة المقال، عما إذا كانت هناك حجج جيدة ضد الواقعية العلمية، التي هي ببساطة لا! إذ أن مصدر هذه الإجابة هو سلوك العلماء في كل مكان، وبشكل أكثر تحديدا من علماء الفيزياء؛ فهم عادة واقعيون مباشرون عندما يتعلق الأمر بمناقشة النتائج العلمية. يتمتع الفيزيائيون الجيدون بتعليم متين، وعادة ما يكونون مجتهدين،عقلانيين، وأذكياء، وناقدين للنقد الذاتي، على الأقل طالما أنهم يتحدثون عن العلوم، وليس بالضرورة عندما يتحدثون عن العلم.
وفي الفصل الثاني تحدث الكتاب عن الجاذبية الكمومية "عقيدة التوحيد". من المفهوم عادة أن السعي وراءنظرية الجاذبية الكوانتية يكون مدفوعا بالافتراضات الفلسفية الخارجية للفيزياء المناسبة. يُشتبه في أن المقاربات المحددة في سياق فيزياء الجسيمات تستند إلى مقدمات ميتافيزيقية أكثر من البيانات التجريبية، أو الحجج المادية.
ويُشتبه في أن المقاربات المحددة في سياق فيزياء الجسيمات تستند أساسا، على سبيل المثال، إلى الميتافيزيقية بدلا من البيانات التجريبية أو الحجج المادية. واستغلال القدرات التفسيرية لنظرية راسخة، تكفي لاستكشاف البحث عن نظرية الجاذبية الكمية. تستند بعض الملاحظات حول الفيزياء الأساسية للكم الجماهيري إلى نظريتين، النموذج المعياري للجسيمات الكهرومغناطيسية، والتفاعل الضعيف والقوي للطبقات الفرعية، الذي يعالج التفاعل الأساسي الرابع أي الجاذبية، من حيث الأرضية المشتركة الكلاسيكية، أو بشكل أكثر تحديدا، إيجاد النظرية الكمية للثقالة التي يفهم أنّها التحدي الرئيسي لتوحيد الفيزياء المعاصرة. قد يكون المرء ببساطة مهتما بمسائل الاتساق أو النظرية العامة للنسبية. في حين أنّ الأول يصف جسيمات المادة، وكذلك آلية هيغز في إطار نظري كحقل كمومي، ونظرية المجال الأخير. وللتوفيق بين هذه الأركان الأساسية في إطار واحد يكشف النقاب عن كليتها، أو حتى نظرية ثرية شاملة تشملها "نظرية الأوتار"، كثيرًا ما تكون هذهالمصالحات لا تؤدي بالضرورة إلى نوع كبير من الارتباطات الشبيهة بالقانون. على سبيل المثال، كمحاولة أولى، يمكن للمرء فقط محاولة دمج أو جمع الموارد التقليدية والكلاسيكية من دون أي تعديلات إضافية، لتشكيل ما يسمى النظريات شبه الكلاسيكية، في حين تقر هذه النظريات أنه وفقا لنظرية الكم فإنّ مجالات المادة هي نظرية كمومية أساسية.
كما تحدث الكتاب عن المفارقات على مدار الساعة ونسبية الوقت، ودفاع لويس لانج (1891-1978) عن نظرية النسبية ضد التأويل الفلسفي، من خلال إظهار أن الساعة الظاهرة المفارقة ليست تناقضا، ولكنها تتعارض مع الفطرة السليمة، وهي مبنية على سوء فهم للنظرية. تستكشف الدراسة مسيرة لويس لانج الواضحة والمتطورة في النقاش على مفارقة الساعة للمرة الأولى.
وفي كلتا الحالتين، قال لانج إن التناقض على مدار الساعة لا يبطل هذه النظرية، لكنه ينشأ من خلال واحدة أو عدة أخطاء خاطئة في النظرية النسبية،والنظر في الساعات التي جمعت في نفس المرجع بالقصور الذاتي. وغالبا ما يزعم أن النسبية الخاصة قد حلت محل المفهوم التقليدي للوقت العالمي المطلق عند اعتماده على الإطار المرجعي والموضع المكاني. ومع ذلك، فهو ليس مفهوما جديدا للوقت، ولكنه إطار مفهوم جديد للعلاقات المكانية الزمانية التي تنبثق من النسبية الخاصة، أي أن تحولات لورنتز تحافظ على الفاصل الزماني، وهي مزيج جبري من الفراغ والزمان.
الفترات الزمنية عندما ينظر إليها من أي إطار مرجعي تتصف بالقصور الذاتي، وليس الفاصل الزمني الثابت بين حدثين. لاحظ أينشتاين أن تأثير التمدد الزمني ينطبق أيضا على الكائنات الحية التي تسير بسرعات عالية جدا. يجب أن نضيف أن ما ينطبق على هذه الساعة التي قدمناها كمثال بسيط لكل التقدم المادي، ينطبق أيضا على أي نظام فيزيائي آخر مغلق.
كما تحدث الكتاب عن الوكالة الحيوية وإمكانيات الوكلاء الصناعيين، إذ أنه في إطار فلسفة علم الأحياء، تم اتخاذ خطوات مبشرة مؤخرا نحو مفهوم مؤسس بيولوجي، تصف الوكالة بأنّها وكالة بيولوجية،وأن السلوك التكيفي هو معيار جوهري للكائنات البشرية وغير البشرية، الناشئة عن استقلالها البيولوجي.
ويقيم الكتاب نهج الوكالة الحيوية من خلال دراسة النقد الموجه حديثا من قبل مؤيديها ضد مشروع الروبوتات المتجسدة، وقد ادّعى المدافعون عن نهج الوكالة الحيوية أن الروبوتات المجسدة لا يمكن لأسباب أساسية أن تتأهل كعوامل اصطناعية؛ لأنها لا تحقق استقلالا بيولوجيا بشكل كامل. وعلى وجه الخصوص، تم الادعاء بأن الروبوتات المتجسدة تفشل في أن تكون وكلاء؛ لأن الوكالة أساسا تتطلب الأيض. سأزعم أن هذا النقد قوي للغاية، ويعتمد على الاستدلالات من الوكالة، كما يمكن أن تكون مبررة بحيث أنهاليست تجريبية ولا مفاهيمية، رغم كونها قيما في تقديم الفوارق المهمة بين العوامل الحيوية والروبوتات المتجسدة الحالية.
كما تم اتخاذ خطوات مبشرة مؤخرا نحو مفهوم مؤسسي بيولوجي للوكالة، ويعتقد العديد من الفلاسفة أن مفتاح الفهم المناسب للوكالة البشرية هو الاعتراف بوكالة البشر على أنها شكل متطور من الوكالات الحيوية،والوكالة التي يقوم بها العاملون الحيويون.
يعتمد هذا الاتجاه الجديد في فلسفة البيولوجيا بشكل حاسم على المساعي الحديثة (غير الاختزالية) في بيولوجيا النظم، للحصول على فهم شامل للأعضاء كنظام فعال، ولا سيما بشأن مفهوم الاستقلالية البيولوجية، والذي يعتمد في حد ذاته على المفهوم الأقدم (الإنتاج الذاتي) ويتمثل الادعاء في أن الوكالة الحيوية تنشأ من الاستقلالية البيولوجية للكائنات الحية، أي من قدرة الكائنات الحية على الحفاظ على نفسها بنشاط من خلال تفاعل مستمر مع البيئة بحيث تتكيف مع التغيرات البيئية.
الوكالة الحيوية هي شكل من أشكال السلوك التكيفي المرتكز على الاستقلالية البيولوجية، واعتمادا على مستوى تعقيد الاستقلالية، تكون أكثر أو أقل تطورا. إن الاعتراف بالوكالة البشرية واعتبارها وكالة بيولوجية له آثار بعيدة المدى على فلسفة العمل كحقل فرعي من الميتافيزيقيا. والأهم من ذلك، أنه يعالج بشكل جيد المشكلة البارزة حول الكيفية التي يمكن أن تتناسب بها الإجراءات مع العالم الطبيعي، عن طريق حساب هذه الأمور من منظور بيولوجي تماما، وتجنب التحيز الإقصائي للمناهج العامة الموجهة نحو الفيزياء. بدأ الميتافيزيقيون باكتشاف الطبيعة البيولوجية للوكالة البشرية، دون الأخذ بعين الاعتبار أي رؤى من بيولوجيا الأنظمة وبدون ربط أنفسهم بالنقاش الحيوي في فلسفة البيولوجيا حول هذه النتائج والنماذج الناتجة عنها من الوكالة الحيوية.
إنّ ملء هذه الثغرة قد فات أوانه من أجل التغلب دائما على الأنثروبوسنترية الضمنية والكارتونية في النقاش، ومع ذلك، فهناك أيضا دروس لفلسفة علم الأحياء التي يمكن استخلاصها من الاعتبارات الفلسفية العامة أو الميتافيزيقية حول الوكالة.
كما تحدث الكتاب في فصوله الأخيرة عن أصل حقائق النوى والتفسير العلمي، إذ إن النداء إلى آليات في التفسير العلمي شائع في فلسفة العلم المعاصرة، وأنه باختصار، يجادل الميكانيكيون بأن تفسيرا لظاهرة ما يتمثل في الإشارة إلى الآلية التي تجلب الظاهرة. وفي هذا الكتاب، يقدم حجة تتحدى عالمية التفسير الآلي - في التفسيرات للملامح المعاصرة لخلية الكائنات حقيقية النواة - إذ ينادي علماء الأحياء بأصلها المتلازم، وبالتالي فإن فكرة التناسخ تلعب الدور التوضيحي الرئيسي. ويدافع الكتاب عن الفكرة القائلة بأن التوالد غير ميكانيكي بطبيعته، وأن أي محاولة لشرح بعض السمات المعاصرة للخلية حقيقية النواة بشكل آلي تبين أنها غير كافية على الأقل، وأحيانا تفشل في معالجة السؤال المطروح. وأخيرا، يقترح أن تكون التوافقيات أفضل فهما كقانون علمي عملي، وتقديم نموذج بديل غير آلي للتفسير العلمي. وفي النموذج الذي استعرضه الكتاب، من المفترض أن يكون استخدام القوانين العلمية هو الحد الأدنى من جميع التفسيرات العلمية، لأن الغرض من التفسير العلمي هو جعل الظواهر متوقعة. لذلك، فإن هذا النموذج من شأنه أن يساعد في فهم علماء الأحياء لمفهوم التكافل، وبالتالي يظهر أنه أفضل، في حالة الفحص، من البديل الآلي.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح الحديث الميكانيكي شائعا للغاية بين فلاسفة العلم. على وجه الخصوص، شرد الحديث الميكانيكي النهج التقليدي للتفسير العلمي من حيث القوانين العلمية. ويدعي المؤلفون أن التفسير العلمي يتكون من البحث عن عملية سببية بهذا المعنى، فإن الحركة الآلية هي فقط الجانب الآخر لعملية النماذج السببية التقليدية للتفسير، من خلال ربط مختلف الكيانات والأنشطة التي تشارك في العملية، وإن الظاهرة التي يحاول الكتاب شرحها، تظهر ببساطة هذا الادعاء في تناقض مع ادعاء المدافعين عن هذه النماذج.
ومن التفسير العلمي أن هناك علماء طالبوا بأنّ يكون هناك شرح لهذه الظاهرة لجعلها متوقعة على أساس الانتظام غير العرضي. وعندما يدعي علماء الأحياء أن يكون هناك توضيح أكثر لهذهالظاهرة، وأن علماء الأحياء لا تروق لهم قوانين الطبيعة، أو الحجج غير المنطقية، أو أي نوع آخر من المنطق، فهي ببساطة تروق الآليات ولا تروق لهم، وبالتالي، فإن التفسير العلمي هو على هذا التفسير الميكانيكي.
وفي هذا الكتاب، يؤكدون هذا الادعاء بشروطه الخاصة، من خلال تقديم مثال من البيولوجية تحديدا، إذ يقدمون حالة أصل الخلية حقيقية النواة، ويجادلونفي تفسير السمات البارزة للحالة الكاذبة؛إذ أنه أكثر ملاءمة للتخلص من الحالات الكاذبة، من حيث نموذج التوقع للتفسير العلمي. ولهذا نوضح نوعا من الانتظام العام الذي يبدو أن علماء الأحياء يتحملونه عندما يقدمون توضيحات عن أصل الخلية حقيقية النواة، ويشكل أساسا لنوع المقترحات التي يتخذونها كشرح لبعض الحقائق التي يعتبرونها خاصة، وبحاجة إلى تفسير.
قدم الكتاب العديد من النظريات الدقيقة في هذا المجال، التي يصعب شرحها في هذا المقال، إذ تحتاج إلى المزيد من الإسهاب والتوضيح. ومن هذه النظريات، نظرية التكافل، والنموذج الكنسي لشرح أصل الخلايا حقيقة النواة، وغيرها من النظريات الأخرى.
"العلم" يقف في هذا الكتاب فيما يتعلق بالجدل الفلسفي القائم حاليا حول التجريب الاستكشافي، ويحاول ترسيم فكرة "الاستكشاف" من مفهوم "الاستدلال"، الذي كان موضوع جدل لفترة طويلة حول مكان التفكير الاستدلالي في العلوم. على وجه الخصوص، يقال إن بنية البحث الاستكشافية تتميز باستراتيجيات متكررة، وكلاهما قابلة للتحليل والتقييم، ويمكن القول أيضا أن هذا الكتاب متغلغل نوعا ما في المعادلات والنظريات العليمة الدقيقة، التي قد تصعب على الأشخاص غير المختصين بهذه العلوم.
------------------------------------------------
التفاصيل :
عنوان الكتاب: فلسفة العلم: بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية.
المؤلف: تأليف جماعي.
الناشر: سبرينغر أنترناسيونال.
اللغة: الإنجليزية.
السنة: 2018م.
عدد الصفحات: 281 صفحة.
