بيان عن الرق: الأسياد وإدارتهم

41R5pK9VrHL.jpg

تأليف: كيتلين روزنتال

عرض: محمد السالمي

يُمثل هذا الكتاب مُساهمة فريدة في الجهود المُستمرة منذ عقود لفهم علاقة العبودية المُعقدة للعالم الجديد بالرأسمالية. كانت العبودية في الولايات المُتحدة عملاً تجارياً مربحاً للغاية وغير أخلاقي. تركز أغلب الأبحاث حول تاريخ الرق على أهوال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي والمصالح التجارية التي غذتها. والسرد الشائع هو أنَّ تقنيات الإدارة الحديثة التي وصلنا إليها اليوم تمَّ تطويرها في المصانع في إنجلترا والولايات المتحدة. وفقًا لهذا الكتاب للمؤرخة كيتلين روزنتال، فإنَّ هذه الرواية خاطئة، حيث تجادل الكاتبة بأنَّ أصحاب الرقيق في أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي كانوا يستخدمون تقنيات الإدارة والمُحاسبة المتقدمة قبل نظرائهم الشماليين بوقت طويل، وهي التقنيات التي لا تزال تستخدمها الشركات اليوم. وعلى عكس السرد الذي يصور العبودية كحاجز مانع للابتكار، يوضح كتاب "بيانعن الرق"كيف حوَّل النخبة سلطتهم على الأشخاص المستعبدين إلى ميزة إنتاجية. كانت وحشية العبودية متوافقة بسهولة مع تطوير تقنيات جديدة لتنظيم القوى العاملة.كيتلين روزنتال هي أستاذة مساعدة في التاريخ بجامعة كاليفورنيا بيركلي. وقد عملت سابقاًكمستشارة إدارية مع شركة ماكينزي. كما فازت سابقاً بجائزة كروس لأفضل أطروحة في تاريخ الأعمال بجامعة هارفارد.

أقدمت الكاتبة على الاطلاع على السجلات التجارية من مصانع النسيج في بريطانيا، وكذلك سجلات المزارع في أمريكا الجنوبية والكاريبي،حيث لاحظت أنَّالسجلات الجنوبيةأكثر تطوراً بشكل ملحوظ من الممارسات المعتادة في مصانع النسيج. وفقًا لروزنتال، فقد تفوقت أساليب محاسبة المزارع الجنوبية على الأساليب الخاصة بالشركات المصنعة الشمالية. سمحت سيطرة الأسياد على العبيد بفرض الحصص بقوة عبر طرق محاسبية بسيطة. ويمكن القول فقد تفوق أصحاب العبيد على "ضوابط الإدارة" التي ستصبح عاملاً أساسياً في نظريات الإدارة وسياساتها فيما يتعلق بوظائف التصنيع اللاحقة.

في العادة يهتم العديد من المؤرخين باستخدام دفاتر الحسابات للكشف عن تجارب الأشخاص المستعبدين؛ بينما تحلل الكاتبة من منظور أصحاب العمال، حيث إن المزارعين كانوا يتخذون قرارات تجارية معقدة حقًا، وبالطبع فإنَّ جسم الإنسان الأكثر فزعًا من حيث إنه يصنف كسلع كما تشير الكاتبة.هناك الكثير من الممارسات الإدارية التي يستخدمها المزارعون والتي لا تزال إلى اليوم. أولاً، لقد بنوا تسلسلات هرمية معقدة من حيث إنبناء الهيكل الإداري لمزرعة جامايكية، يبدو مشابهًا لشركة أمريكية متعددة الأقسام. حتى فكرة إرسال الأشخاص إلى أماكن مختلفة لتدريبهم على التقنيات الإدارية يمكن إرجاعها إلى المزارع. في بعض الحالات يقدم أصحاب المزارع في إنجلترا على إرسال أبنائهم إلى جزر الهند الغربية لتعلم كيفية إدارة المزرعة.

وتشير كايتلن إلى تعقيد منظمات الإدارة التي كان على المزارع الاعتماد عليها. كانت هذه الشركات ضخمة، وكانت كبيرة جدا حيث تحوي الآلاف من الناس المستعبدين. ولإدارة مؤسسة بهذا الحجم، فأنت لا تحتاج فقط إلى مالك ومشرف، ولكنك بحاجة إلى عدد من المديرين المتوسطين. حيث إن المشرفين على المزارع كانوا من نواح كثيرة يمكن أن يصنفوا على أنهم أول مديرين مستأجرين في البلاد. والمزارع لا تحوي فقط المشرفين، بل يكون تحت إشرافهم مديرون من البيض يُطلق عليهم أحيانًا اسم "ماسك الدفاتر" ، وأسفلهم مديرون مستعبدون مثل السائقين الرئيسيين، وحارس الرؤساء، والنجارين، كل واحد منهم مسؤول عن إدارة الجوانب المختلفة لإنتاج المزارع.شيء آخر مثير للاهتمام حقًا هو الطريقة التي اتبعها المزارعون في حساب التكاليف. لذا فإنَّ أحد التطورات الرئيسية في ظهور الأعمال الحديثة هو فكرة أنه يجب عليك تحليل منتجاتك لمعرفة بالضبط تكلفة كل شيء. ويتعلق الأمر بذلك بتحليل الاستهلاك، لذلك التفكير في الكيفية التي قد تتغير بها التكلفة الثابتة مع مرور الوقت مثل قطار السكك الحديدية، وكيف يجب أن نأخذه في الاعتبار.

من المذهل أنه عندما ترغب الشركات اليوم في التغيير للأفضل يكون بسبب نوع ما من الأسباب الأخلاقية أو الاجتماعية، وأننا نجعل الحجج الأخلاقية على أساس أنه يقودنا إلى ما هو أكثر كفاءة أو ما من شأنه تعظيم الأرباح.

ليس هذا الحال دائمًا كما ترى الكاتبة، ولكن غالبًا ما يكون الهدف هو الربح في الأعمال التجارية، وتشير إلى أن المسؤولية الاجتماعية للأعمال التجارية تتمثل في زيادة الأرباح. وهناك افتراض أساسي أنه إذا قمنا بزيادة أرباحنا ببساطة، فستحدث بعض الأشياء الجيدة على طول الطريق مثل توسع نطاق الحريات والحقوق، وأن الكعكة ستصبح أكبر وأن الفوائد ستتوسع لتحتضن الجميع. لا ننسى أن العبودية جعلت الكثير من الناس أغنياء بشكل لا يصدق. وهذا النوع من القصة يوضح كيف يمكن لهذا النوع من النجاح أن يترافق مع الانتهاكات الفظيعة لملايين الناس.

كما تتطرق الكاتبة لاستبعاد العبودية من تاريخ العمل حيث تشير إلى أنَّهناك عددا من الأسباب المختلفة؛ فبعد الحرب الأهلية الأمريكية، كانت كل الاهتمامات تتمثل في إلغاء العقاب ومصالح المزارعين الجنوبيين من حيث الإشارة إلى أن العبودية كانت متخلفة وغير مربحة، ومن ناحية أخرى لجعل أصحاب العبودية يشعرون بتحسن فيما كانوا يفعلونه. ولكن منذ ذلك الحين كانت هناك لحظات كثيرة حاول فيها مؤرخو الأعمال والعلماء الآخرون تذكيرنا بأهمية العبودية في تاريخ الإدارة. لدرجة أنهتم نشر مقال ليس ببعيد يسلط الضوء على أهمية العبودية في تاريخ الممارسات التجارية الأمريكية، لأنه إذا قرأنا مصادر ثانوية عن الأعمال الأمريكية والعبودية الأمريكية، يمكننا أن نرى على الفور أن المزارعين يقومون ببعض الأشياء ذاتها التي يفعلها رجال الأعمال في الوقت الحالي.

تشير كيتلين إلى أحد أهم التفسيرات الأخيرة للحرب الأهلية الأمريكية وهو أن الناس المستعبدين قاتلوا من أجل حريتهم، وكانوا حاسمين للغاية في تفكيك النظام، وأن فهم هذه الأنظمة يمكن أن يساعدنا على فهم كيف حدث ذلك. أولاً وقبل كل شيء، قام الناس بالتمرد والمقاومة بعدة طرق، لكن المعلوم أنهم لم يتمكنوا من تقويض النظام لفترة طويلة. وإذا ألقينا نظرة على هذه السجلات، يمكننا أن نرى أنه بينما كانت عبودية المزارع تتوسع في جميع أنحاء الجنوب، فقد كان التحديث يتوسع أيضًا،حيث إن النظام أصبح يخضع للمراقبة ولديه بيانات. لقد أصبح نظامًا صعبًا للغاية لم يتمكن المستعبدون من الخروج منه. في المقابل، كان له دور كبير في التآكل على المدى البعيد.

أحد فصولالكتاب بعنوان "رأس المال البشري" وهو يتعلق بالطرق المختلفة التي يقدر بها أصحاب الرقيق وتجار الرقيق قيمة الأشخاص المستعبدين.من الأفكار التي تطرحها الكاتبة في اعتياد الناس على التفكير في أنالنظام مع العبودية يعتبر نظامًا لم يكن فيه سوق حرة، وبالطبع لم يكن هناك سوق حرة من منظور الأشخاص المستعبدين. ولكن من وجهة نظر مالكي العبيد، كانت هذه ممتلكاتهم وشهدوها كحرية اقتصادية لامتلاك تلك الممتلكات، وتداول تلك الممتلكات، والتعامل مع تلك الممتلكات كما يرغبون. بمعنى أنه من المثير للاهتمام إذا نظرنا إلى نصف الكرة الأرضية على نطاق أوسع من تحرير الولايات المتحدة، فإنه في معظم حالات تحرير العبيد، يتخلى الأشخاص عن عبيدهم في الواقع لأنهم تعرضوا لخسارة في الممتلكات.

إحدى قصص الكتاب، وتحديدا في أربعينيات القرن التاسع عشر، قام مالك مزرعة بعمل كتيب ودليللتسجيل ومراقبة إنتاج العبيد. في الكتيب يقدم تعليمات خاصة حول كيفية تقييم قيمة المستعبدين؛ كلما تنمو أو تصبح أقوى، فإنها تزيد في القيمة. ولكن على الجانب الخلفي أيضًا، يتابع المزارعون انخفاض قيمتهم مع تقدمهم في العمر، أو إذا تعرضوا للإصابة وهذه التقييمات المعقدة نسبيًا تمتد حتى للأشخاص الذين يتلقون قيمة سلبية في بعض الأحيان. وهناك العديد من الوثائق المثيرةللقلق التي تظهر أن المزارعين قاموا بتصنيف الأشخاص المستعبدين على أنهم جزء من اليد. تم تسمية رجل يبلغ من العمر 20 عامًا وهو يتمتع بصحة جيدة لأنه هدف رئيسي للإنتاج. لكن الطفل الذي يتعلم العمل، أو الأم التي ترضع قد يتم وصفهما بأنهما نصف يد، أو ثلاثة أرباع اليد الكاملة.

تسرد الكاتبة أن المزارعين استخدموا الميزانية العمومية لإدارة العمليات وحساب الربح والخسارة، حيث استخدمها المصرفيون للموافقة على القروض. وكما تشير التقارير، كان 40 ٪ من القروض العقارية مضمونة من قبل الأشخاص المستعبدين.تحكي الكاتبة قصة كيف طور مزارعو السكر في الكاريبي هذه الأنظمة لإدارة أول العمليات التجارية واسعة النطاق. نظرًا لأن معظم مزارعي السكر كانوا مالكين غائبين، وغالبًا ما يعيشون في إنجلترا، فقد وضعوا مزارعهم التي في الخارج للإشراف. على الرغم من أنه لا يتعين عليهم معرفة أو رؤية الأشخاص الذين تم استعبادهم، فقد كانوا مدركين تمامًا من الملخصات المحاسبية للخسائر البشرية على عمالهم؛فقد أخبرتهم السجلات بعدد العبيد الذين ماتوا أو مرضوا أو هربوا. فحتى نهاية القرن العشرين بدأت الشركات في الاستعانة بمصادر خارجية لتوظيف العمالة للمصانع الأجنبية، وهو ابتكار أنقذها من الاضطرار إلى رؤية هذه التفاصيل المزعجة. ففي وقتنا الحاضر، إن تفاصيل الإنتاج والرواتب للمصانع خارج الحدود معلومة لدى

 صنّاع القرار في الشركات، دون الاهتمامبالتفاصيل المزعجة والتي قد تتضمن بيئة العمل وآثارها على المجتمع وغيرها.

تضمن الكتاب الكثير من الأمثلة التي أظهرت أن أصحاب العبودية يستخدمون العديد من نفس الممارسات التي تعتبر عادةً علامات بارزة في ظهور الأعمال الحديثة.ولا ريب أنَّ الكتاب يقدم قصة اقتصادية مهمة بشكل خاص لأنها يمكن أن تساعدنا على إدراك مدى ضخامة تجربة العبد، وما هو الشيء المهم الذي يجب أن نتصدى له. إذا كنا نفكر من أين جاء اقتصادنا، فهذا يمثل جزءا كبيرامن الاقتصاد الأمريكي خلال تلك الفترة. وأيضاً، فإنَّ التعمق في تاريخ العبودية في المحيط الأطلسي عبر هذا الكتاب، سيفتح أذهان قرائه، ويقنعهم بالنظر بعيون جديدة إلى الحريات المنتزعة.

---------------------------------------------------

تفاصيل الكتاب:

اسم الكتاب: بيان عن الرق: الأسياد وإدارتهم

المؤلف: كيتلينروزنتال

الناشر:Harvard University press

سنة النشر:2018

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 312

 

 

 

 

أخبار ذات صلة