إلى أين ذهب طفلي؟ قضية الأطفال اليمنيين: الاختطاف والإنكار

Picture1.jpg

تأليف: ناثان شيفريس

عرض: أميرة سامي

موضوع هذا الكتاب يدور حول قضية اختطاف الأطفال المهاجرين من البلدان الإسلامية، خاصة من اليمن. وتعدُّ هذه القضية المؤلمة -والتي لا تزال بعد أكثر من نصف قرن- تشكل جرحًا ونزيفًا بين عائلات المفقودين.ويفتتح الكاتب قصة الأطفال اليمنيين بقوله:"لقد مر حوالي سبعين عامًا منذ بدء "قضية الأطفال اليمنيين"، التي طَغت على حياة أسر المفقودين ولايزال ظلها الثقيل موجودًا معنا"، اختفى أكثر من 2000 طفل خلال فترة القضية، معظمهم من اليمن، ويتساءل الكاتب: هل من الممكن أن يكون اختفاؤهم هذا نتيجة صدفة أم أوهام؟ هل سيكون لدينا القوة للاعتراف بأن مثل هذه الجريمة قد ارتُكبت في إسرائيل؟ويذكر الكاتب "أن معظم منكري هذه القضية يعتمد بشكل أساسي على المشاعر بالدرجة الأولى، كما لو كان من الصعب تصديق أن مثل هذا الشيء كان يمكن أن يحدث معنا.

وفي هذا الكتاب، لدينا دراسة منهجيةحول ألف شهادة من لجنة التحقيق الحكومية حول هذه القضية، من قبل مئات من أسر المفقودين، ومن خلال إعادة بناء الكاتب لمسار اختفاء الأطفال، كشف فيها عن ترتيب وطريقة هذه الظاهرة، بكل مكوناتها. فكتب استنتاجاته بكل وضوح في هذا الكتاب.

ويذكر الكاتب أنه وحتى الآن اختفى 2050 طفلاً، وهذا العدد ليس النهائي، ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة ملحة لإيجاد حل لهذه المسألة لمعرفة نهاية مسارها؟ وإلى أين ذهب الأطفال؟

تحت عنوان "إحياء سياسي، وهجرة كبيرة، و... اختفاء الأطفال"، يذكرالكاتب أنه ومنذ إعلان إسرائيل في مايو 1948عن موجات الهجرة التي بدأت من كل أنحاء العالم تقريبا إلى إسرائيل، وبالتوازي مع الظاهرة الكبيرة والمثيرة المتمثلة في تجمع المنفيين من جميع أنحاء العالم، فإن ظاهرة اختفاء الأطفال الصغار من عائلاتهم، والأغلبية الساحقة من المهاجرين من البلدان الإسلامية، خاصة من اليمن، في ذلك الوقت شكلت ظاهرة أصغر في نطاقها، لكنها كانت درامية بنفس القدر بالنسبة للضحايا؛ حيث تم وضع الأطفال في مؤسسات طبية، لا سيما الأطفال الرضع تم وضعهم في مخيمات المهاجرين والمستشفيات في المدن القديمة، وفي بعض الأحيان يتم نقلهم من مؤسسة إلى أخرى، وبعد وقت قصير يرى الوالدان طفلهما -فقد يكون بصحة جيدة أو قد يعاني من مشكلة طبية بسيطة- وقد يتم إخبارهما بوفاته (أو باختفائه) دون أن يكونوا قادرين على رؤية الجثة، أو حضور الجنازة والدفن، أو حتى معرفة مكان القبر.

وتحت عنوان "موجات الاحتجاج المدني ردًّا على إنشاء لجان التحقيق"، يذكر الكاتب أنَّ أسر المفقودين اتخذت العديد من المبادرات لاكتشاف الأطفال المفقودين بمجرد اختفائهم وفي السنوات التي تلت ذلك. لكن على مدى أجيال لم تدرك العائلات بعد أن هذه الظاهرة منتشرة على نطاق واسع؛ لهذا كانت محاولاتهم لتتبع آثار أطفالهم لم تتجاوز قضية خاصة بهم. وإضافة إلى ذلك، أدت الظروف القاسية لأسر المفقودين ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي المحفوف بالمخاطر إلى أن تكون مبادرات البحث محدودة وتواجه جدارًا مغلقًا. وقد كان الأمر واضحا في منتصف الستينيات تقريبًا، وذلك على خلفية تلقى أوامر بالتجنيد للعديد من المفقودين الذين بلغوا سن التجنيد؛ لأن حالات الغياب كانت متعددة وكشفت أيضًا عن أنماط مماثلة، وازدادت الشكوك حول اختطاف الأطفال. وبدأ هذا النشاط يأخذ الطابع الجماعي. وأنشأت عائلات المفقودين المهاجرين من اليمن "اللجنة العامة لاكتشاف المفقودين الأطفال اليمنيين".

وبعد الاحتجاجات، تأسست اللجنة في العام 1967 من قبل وزيري الشرطة والعدل باسم "لجنة التحقيق لاكتشاف الأطفال اليمنيين" ووفقا لتقرير اللجنة، المقدم في العام 1968، بشأن الشكاوى التى قدمت إليها لاختفاء 342 طفلاً، والتي ادعت في استنتاجاتها أن الغالبية العظمى منهم توفوا بسبب أمراض في المؤسسات الطبية. وأرجعت اللجنة حالات الاختفاء بشكل عام إلى التفسيرات التالية: "الهجرة الجماعية في غضون فترة قصيرة من الزمن، هجرات السكان في المناطق الداخلية من البلاد من مخيم للمهاجرين إلى آخر ومن معسكرات المهاجرين إلى معسكرات العبور وأماكن السكن الأخرى؛ فصل الأطفال عن آبائهم والعلاج في البيوت دون متابعة مع الطبيب أو المستشفيات المعتمدة وارتفاع معدل وفيات الرضع ووجود الاضطرابات المختلفة في سجلات الأسماء في المعسكرات والمؤسسات التي تتعامل مع يهود اليمن المهاجرين".

استيقظتْ القضية مجددا في منتصف الثمانينيات، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى ازدياد مئات حالات الاختفاء الإضافية، وفي العام 1988 أسس رئيس الوزراء آنذاك"لجنة التحقيق في مصير الأطفال اليمنيين المفقودين"، برئاسة القاضي الدكتور موشيه شلجي. ووفقا لتقرير اللجنة، والذي استمر لمدة ست سنوات،بحلول نهاية عام 1994، تم التعامل مع 505 حالات غياب، معظمها حالات جديدة لم يتم تقديمها من قبل. زعمت هذه اللجنة أيضًا أن معظم الأطفال ماتوا، وأرجعت ظاهرة الاختفاء إلى نفس الأسباب، وأعلنت أنه "في جميع التحقيقات، لم يتم العثور على دليل يؤدي إلى الخوف من عمل إجرامي".

إن القضية الأصعب التي أثارت الشكوك الخطيرة في الاختطاف المنظم والاتجار بالأطفال، وحتى "تصدير" الأطفال لتبنيهم في الخارج، ظلت توصف بأنها مسألة عرقية ضيقة ينبغي التقليل منها وإزالتها وإسكاتها قدر الإمكان. وللإسكات المؤسسي لهذه القضية العديد من المظاهر، وأهمها الرفض الحازم للطلب المتكرر، منذ الستينيات، لإنشاء لجنة تحقيق حكومية، وهي أعلى محكمة تحقيق في النظام القضائي. ولا تزال القضية محدودة النطاق وتقتصر أساسا على العائلات ذات الأصل اليمني.

وفي ضوء رفض قيادة الدولة لهذه القضية لعقود من الزمن، برزت عدة مجموعات احتجاج في المجتمع المدني. أبرزها في 24 أبريل 1994 على الرغم من وجود أولئك الذين عملوا على تعزيز معالجة القضية المعروضة، وقد انضم الكثيرون إلى الحملة التي تبعتها؛ لكنه كان احتجاج الحاخام عوزي مشولام وديكويا الوحيد الذي نجح في اختراق جدار الصمت السياسي والإعلامي حول هذه القضية، وإذا لم يكن الأمر بالنسبة له لكان قد تم محوه نهائيا من الوعي العام. على الرغم من أن الحاخام عوزي مشولام لم يكن من أسر المخطوفين، إلا أنه تعرف على أسر المخطوفين ومعاناتهم. وانطلاقا من إدراكه أنه في غضون بضع سنوات لن يكون هناك أي شاهد على هذه القضية، وشرع في حملة لا هوادة فيها ولم يسبق لها في تاريخ النضالات الاجتماعية، وكان مطلبه هو إنشاء لجنة حكومية للتحقيق في جلسة علنية، وكشف الحقيقة في هذه القضية، والقيام بإصلاح وطني. وقد قاد الحاخام مشولام القضية بشكل حازم، رغم ما تعرض له من حملة تشهير واغتيال وإراقة دماء، إلا أن هذا لم يضعفه ولم يتخل عن القضية الأخلاقية التي يؤمن بها، وتم القبض على الحاخام مشولام وغيره من الناشطين وتم تقديمهم للمحاكمة فيما بعد. ولم ترفض المحكمة ادعاءات الحاخام فيما يتعلق بالاختطاف والإسكات فحسب، بل وصف هو نفسه بانتهاك القانون وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات. ومع ذلك، لم تنجح محاولة قمع الاحتجاج وإغلاق الأفواه بالسجن وازداد الاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي وبعد سلسلة طويلة من الأحداث والتجمعات والمظاهرات تم إنشاء لجنة تحقيق حكومية.

وأخيراً استسلمت الحكومة، وفي اجتماعها في 8 يناير 1995 تقرر إنشاء "لجنة تحقيق حكومية في اختفاء الأطفال بين المهاجرين اليمنيين في السنوات 1948-1954"، تم انتخاب يهودا كوهين رئيسًا للجنة، والذي كان يبلغ من العمر ثمانين عامًا في وقت تعيينه. وفي العام 1999، تم استبدال اللجنة بالقاضي يعقوب قدمي، والأعضاء الآخرون في اللجنة هم: القاضية داليا كوفيل والميجور جنرال ديفيد ميمون. وقد عملت هذه اللجنة أيضًا لفترة طويلة جدًّا من الزمن منذ إنشائها،ومرت ستة أشهر منذ أن بدأت عملها في يونيو 1995؛ ومر أكثر من ثلاث سنوات قبل أن تنتهي من سماع الشهادات في مارس 1998؛وقد مر ما يقرب من سبع سنوات منذ إنشائها، حتى أكملت عملها ووضع تقريرها النهائي على الطاولة في نوفمبر 2001. ومثل اللجان التي سبقتها، فعلت لجنة الدولة كل ما في وسعها لتبييض هذه القضية، ونفت على هذا النحو ادعاء الاختطاف المؤسس، وقررت أن الغالبية العظمى من الأطفال قد ماتوا، وقضت بأنه حتى فيما يتعلق بعشرات الحالات التي لا تزال مفقودة، فإن الدولة ليست مسؤولة بأي شكل من الأشكال.

ولكن على عكس اللجنتين السابقتين، اللتين كانتا تعملان سرًّا وكانت نتائجهما عبارة عن ملخصين موجزين، تصرفت اللجنة الأخيرة، لجنة الدولة، في جلستها العلنية كالآتي: كانت مناقشاتها في معظمهامفتوحة للجمهور، وكانت بروتوكولاتها ما توصلت إليه خلال فترة نشاطها، وتضمن تقريرها ثلاثة مجلدات سميكة. تجدرالإشارة إلى أنه كانت هناك فترة قصيرة تم خلالها إغلاق البروتوكولات أمام الجمهور،ولكن بسبب الاحتجاجات العامة أعيد فتحها في نهاية عام 2016، وتم وضعها على موقع أرشيف الدولة مع مجموعة متنوعة من المواد الأخرى من اللجان الثلاث.

وقدمت اللجنة ما يقرب من ألف شهادة: مئات الشهادات من العائلات بشأن اختفاء 814 طفلاً، وعشرات الشهادات من أعضاء من داخلها. وتم تقديم المواد التي تم جمعها خلال عمل اللجنة، خاصة الشهادات نفسها، إلى الجمهور لأول مرة بعد عقود من الصمت، والإسكات والإخفاء من قبل الدولة مجموعة واسعة من البيانات، والتي تتيح أخيرًا الوصول لاستكشاف الحقيقة.

ويوضح الكتاب أنَّ هذه الأدلة والشهادات التي قدمت كانت أساسا من قبل الآباء والجامعيين والتي لا تزال مسموعة، وهي بالطبع ثمار كفاح الحاخام ميشولام، ولولا هذه الأدلة لما ظهر هذا الكتاب إلى النور.وأوضح الكاتب أنه تعرف على الحاخام مشولام، عندما اندلعت الأحداث حول منزله في يهودا، وذهب إلى هناك لمقابلة عائلات المفقودين، ثم انضم لاحقا إلى موجة الاحتجاج التي قادها ومع التصفية العدوانية للاحتجاج، والاتهام الذي وجهه له بأنه عمل لدى الحاخام مشولام تم إرساله إلى السجن لمدة أربع سنوات.ويوضح الكاتب أنه وبسبب مُشاركته في هذه القضية تم تقييمه على أنه "شخص خطير جدًا لأمن الدولة"، كما ذكرت.

ويذكر الكاتب "أنه خلال سجنه في السنوات الثلاث من 1994-1997 أمضى معظمها في مرحلة الإدلاء بالشهادة في لجنة التحقيق الحكومية (1995-1998) ومن خلال وساطة المحامين، تم إحضار محاضر الشهادات التي عقدت في جلسات المحكمة العلنية إلى السجن بترتيبها الصحيح. قرأت الشهادات وتحليلها واستجوبتها، حتى بعد الإفراج عني من السجن، واصلت قراءة محاضر اللجنة "من منطلق أخلاقى ودينى" حتى نهاية مرحلة الشهادة في العام 1998. وعلى الرغم من أنني قد توصلت بالفعل إلى استنتاجات قاطعة حول هذه القضية، فقد قررت الانتظار حتى صدور قراراللجنة، وعلى أمل خافت أن تكشف الحقيقة".

كما يضيف الكاتب قائلا: "في نوفمبر 2001،وبعد أن نشرت اللجنة استنتاجاتها، أصبح من الواضح لي أن تقريرها ينفي تمامًا ليس فقط ما هو واضح من شهادات أسر المفقودين، بل وأيضا ما تدل عليه معظم شهادات الأسرى. وقررت اللجنة أن سلوك الدولة كان صحيحًا، و"ترسيخ" هذا البيان من خلال القراءة الانتقائية للشهادات واستخدام مجموعة متنوعة من التلاعب. و"إسناد" دعوى الوفاة من خلال تقديم شهادات الوفاة، على الرغم من أن المؤامرة لإخفاء الأطفال تضمنت تزويرا في هذه الوثائق".

ويوضح الكاتب أنه وبمجرد نشر التقرير، بدأ في كتابة هذه الدراسة، التي تستند لحد كبير إلى الشهادات المقدمة إلى اللجنة، إلى جانب المواد الأخرى التي كانت مخصصة لأعضائها بشكل أساسي: المقالات الصحفية والمذكرات والمقابلات والتقارير الإحصائية. وأكمل الكتاب: "لكن محاولاتي لنشر الكتاب لم تنجح، بسبب قلة الاهتمام واللامبالاة لدى الناشرين ووسائل الإعلام التي اتصلت بها". كما أوضح أنه على مر السنين، قدم أجزاء مختلفة منه في محاضرات في مختلف المؤسسات الأكاديمية والعامة، بما في ذلك حلقات دراسية في جامعتى بار إيلان وبن تسفي، واللجنة الخاصة المعنية بموضوع الأطفال اليمنيين في الكنيست، ومؤخراً في ندوة مركز بيغن.

وبعد مرور بضع سنوات، أصبحت شروط نشر هذه الدراسة التي تم تحديثها وتطويرها على مر السنين واضحة. وبمرور الوقت، تزايدت الشكاوى حول حالات اختفاء الأطفال، ويبلغ عددها اليوم 2050، وقد أرفق الكاتب قائمة أسماء هؤلاء الأطفال في نهاية هذا الكتاب، وهي في حد ذاتها وثيقة مؤلمة وكئيبة.

ويتساءل الكاتب في النهاية: هل سيقرأ الجمهور ويحكم: هل قضية الأطفال اليمنيين قصة بريئة من قصص وفيات الأطفال المرضى مثلما استنتجت لجنة التحقيق الحكومية، أم سيذكرون أنتقرير اللجنة قد طمس جريمة الاختطاف المنهجي للأطفال؟ وما هي نتائج عملية التأسيس التي خلفها قادة الهجرة ومؤسسات الدولة وقادتها؟

-----------------------

التفاصيل :

- الكتاب: "إلى أين ذهب طفلي؟ قصة الأطفال اليمنيين: الاختطاف والإنكار".

- المؤلف: ناثان شيفريس.

- الناشر: يديعوت سفاريم، 2019، باللغةالعبرية.

- عدد الصفحات: 856 صفحة.

أخبار ذات صلة